[]
بسم الله الرحمن الرحيم

ادمغتنا وما تعرفه

بقلم
فارس كمال محمد


لا زلت اذكرما قرأته في كتاب ( الدماغ البشري عنوانه الإنكليزيThe Human Brain ) لمؤلفه ( إسحاق اسيموف Isaac Asimov ) ان لو مُكن للعلماء صنع جهاز بنفس قدرات الدماغ ، لاحتاجوا الى مادة بحجم الكرة الأرضية .. وقوله الآخرعن ( الزائدة الدودية ) عند الانسان ، قد كانت المرة الأولى التي ضبط العلماء فيها الطبيعة بصنع جهازً عضوي لافائدة فيه وليس هناك أي مبرر يستلزم وجوده في جسم الانسان .. كان الكتاب قديما ، فقد الّفه في الستينات من القرن الماضي وما بين التاريخ ذاك وتاريخ اليوم فترة قصيرة في عمر الزمن لكنها كبيرة وهائلة فيما طرأ على العالم من تقدم في العلوم والصناعات والتكنولوجيا بشكل عام .
لقد شغلت مسألة العقل والوعي والدماغ المفكرين منذ بدايات عمر الفلسفة ، ولفلاسفة اليونان الاسبقين اراء كثيرة ، وقد تنبه منهم الى ان التفكير وفهم العالم عند الانسان امر نسبي ومرتبط بما تحدثه ظواهر البيئة والكون من انعكاس على المخيلة وان العقل منفعل بها ويبني احكامه وتصوراته وفقا لما ترسمه في راسه ، لقد ذهب بروتوجوراس الى ان ما يراه الشخص باعتباره (حقيقة) فهي حقيقة بعينه هو، وقد يراها آخر غير ذلك فالانسان في مذهبه مقياس الأشياء جميعاً .. اما سقراط فقد رأى ان المعرفة التي تتكون في اذهاننا آتية الينا من مصدر خارجي من ( عقل الالوهية الكامن في الوجود ) وليس في وسعنا في كل الأحوال ان نستمدها من الاحاسيس .
وعندما حان وقت النظر في مسائل تطور الاحياء وخاصة في الفترة التي ظهر فيها كتاب دارون ( اصل الأنواع ) وما سبقها او لحقها ايضا ، فقد احتل العقل الإنساني والدماغ البشري موقعه المتميز في دراساتهم واثيرت فيه الكثير من التساؤلات ، عن حقيقته وبنائه وقدرته وكفائته ، وقد اعتبره دارون من الأدوات التي طُوّرت لتزيد قدرة البشرية على التكيف مع الطبيعة ومواجهة اخطارها والسيطرة عليها لتكون في خدمة اغراضه ، وكم اغتاظ المؤمنون منهم ( أصحاب النظر الالي الملحد ) حينما جعلوا من الانسان كائناً حياً لايزيد عن الدودة والفأر والكلب والقط والقرد الا بالدرجة من درجات سلم التطور والتحول الى الاعقد ..
ومن اشد المعارضين والناقدين لفكرة الالية هذه واكثرهم تأثيراً على تيارات الفكر الفلسفي والفني والعلمي ذلك الوقت ، الفيلسوف الفرنسي ( هنري برجسون ) قيل انه قد نال أيام دراسته منذ البداية ، جميع الجوائز التي خصصت للمتفوقين ، وله قدرة عالية على التحليل فكان ميالا لخوض غمار الفكر الميتافيزيقي الكامن وراء كل العلوم ودراسة الفلسفة بشكل عام ، و له من البلاغة وحسن الالقاء وأسلوب في الكتابة الواضحة ما بدى واضحا عند كل من تعرف به وقرأ له.. وان من بين المواضيع التي ركز عليها في البحث والتفكير في شكل لافت للانتباه ، موضوع الدماغ البشري والذاكرة والعلاقة بينهما وقد خصص الكتاب المترجم بعنوان ( المادة والذاكرة ) لهذا الشأن ، وهو من اشد ما كتبه صعوبة ، أراد به ان يحل مسألة تركيب الدماغ البشري ( الصغير في حجمه ) وعلاقته بالذاكرة الكبيرة التي يحملها كل شخص .. فلو امعنا النظر بالكم الهائل من المعلومات التي نستجمعها بوعي منا او بدون وعي ونحن نتعامل مع مستجدات حياتنا اليومية ،لاحسسنا بالكم الهائل الذي يختزن ، إذ ان لنا عن كل شخص مررنا به وتعارفنا عليه ذكرى خاصة به ، ولنا لكل مادة قرأناها واستحضرناها محتوى محفوظ وجاهز للظهور على شاشة الوعي ، وكم هي كثيرة اعداد من التقينا بهم او سمعنا عنهم وكم عدد الخبرات التي تعلمناها والأدوات التي استعملناها ، انها من الضخامة كضخامة المارد المحبوس في الجرة .. ولقد ذكر لنا حادثة – ونرجو العذر في أي خطأ فالكتابة من قراءة قديمة للكتاب - عامل البناء حينما نوموه مغناطيسيا وطلبوا منه وصف ( لبنة ) كان قد بناها في وقت سابق ولها ترتيب مع من جاورها ودرجة في مستويات البناء ، فكان الوصف مطابقا بما يؤكد لنا ان لا شيء يفلت من اسر الذاكرة ، والكل حاضر للاسترجاع عند الطلب .. فليس من المدهش عندئذ السؤال عن الحقيقة التي تجمع هذا الكم العجيب من الذكريات مع كومة لحم لا تزيد على الكيلوغرام الا بقليل .. ولقد كانت الفكرة التي ابدعها ( برجسون ) لحل الاشكال – والكلام هنا من الذاكرة - هو ان تدور الذكريات كلها في دوامات اثيرية من خارج جسم الانسان وعلى سطح الدماغ المجهز باطارات تتركب عليها الذكريات المناسبة فنعيها نحن .. لقد كانت فرضية موفقة من صاحب عقل كبير وعبقرية لا يدانيها الاخرون .
لقد سبق ظهور كتاب برجسون ( المادة والذاكرة ) ما كتبه ( إسحاق اسيموف ) بما يزيد على الستين سنة .. وان ما أبداه ( برجسون ) من الاصالة في التفكير والحدة في الذكاء يفوق كثيراً الذي عند مؤلف ( الدماغ البشري ) بغض النظر عن ما تضمنه كلا الكتابين من المعلومات .


يبدو ان تطورات العلم والتقدم التكنولوجي ، قد جاءت باجوبة لكثير من التساؤلات التي اقضّت مضاجع الفلاسفة والمفكرين وعاشوا معها في حيرة وشك وهم .
وان مسألة الدماغ وعلاقته بالذكريات أصبحت عندنا معلومة ومفهومة ، وقريبة منا ، وبين أيدينا ، وما تطبيقات أجهزة الحاسوب واستخداماتها الا صورة من صور ما يجري في الدماغ البشري ، وبات التقارب بينهما حدا ان جعل من صناع الحواسيب وعلمائه يباشرون بدراسة عمل الخلايا العصبية في الدماغ وتشريحها وتعيين المواد الداخلة فيها للاستفادة منها في تطوير أجهزة الحاسوب لتكون في نهاية الامر معينا للانسان في التطبيقات الصناعية والمعامل واستكشافات الفضاء الخارجي واعماق البحار وباطن الأرض ، ولمساعدة المصابين من البشر باضرار وعلل لها من العلاقة والارتباط بعمليات الدماغ .. فقد مكنهم الله تعالى ( والامر كله بيد الله وفضله ) من إعادة البصر- او عمليات التعرف - لفاقديه وكذلك السمع وباقي الحواس ومن تحريك الأعضاء المشلولة وهم عاكفون على انتاج شرائح الكترونية لزراعتها في الأجزاء التالفة من الدماغ بإمكانها تخزين المعلومات عند كبار السن و من يعانون امراضاً يفقدون فيها الذكريات ، وليحققوا أحلام طفولتنا حينما كنا نعاني من هم الدراسة والتحصيل وحرماننا من اتاحة الوقت الكافي للعب والتسلية وارتياد المتنزهات ، كم تمنيت حينها ان يضعوا لنا مناهج الدراسة في أقراص نتناولها حتى ولو بدون ماء .
وما ينشرمن اخبار التكنولوجيا على صفحات الانترنيت في كل المجالات ومنها أجهزة الحاسوب امور تبعث على الاستغراب والعجب ، وربما الى صرخات الاحتجاج والغضب عند البعض – وهم قلة - ممن ليس لديه استيعاب بما ينجزه العلماء ويتوصلون اليه ، وكأن في الاستنكار حفظ لديننا ونصرة لربنا ، ولا يدركون ان صنّاعها وهم عادة من دول غيرنا - نحن العرب - ماضون في همة وعجل على طريق الرقي والتقدم التكنولوجي ، ونحن ان سرنا على هذا المنطق سنبقى على حال من التخلف والعجز والكسل .. ونغري الطامعين في استغلال خيراتنا واستعباد اوطاننا بحثّ العلماء والمبتكرين عندهم على صناعة ما يغزوننا به من أسلحة تطير في الفضاء وتسير على اليابسة وتطفوا وتغوص في المياه .. وليس لنا يومئذ إمكانية استجداء ما يعيننا على مقاومة غزوهم ورد هجمتهم مهما قدمنا لهم من ذهب وخيرات .
من الاخبار التي تبعث فينا الدهشة ما أعلنته دولة الصين عن بناء الحاسوب ( تيانهي -2) الذي يعتبر اسرع كمبيوتر خارق في العالم ، فقد استعملوا فيه ثمانين الف معالج وله سعة تخزين وذاكرة فائقة ..
وكان انجاز مجموعة من العلماء عظيما يبهر العقل ويثير الدهشة حينما ادخلوا ما لديهم من احصائيات ومعلومات عن عشرة الاف مليون مجرة ، وعن الدخان الكوني ، والمادة المظلمة ، الى سوبر كمبيوتر ( يزن مائة الف كيلو غرام ) فقدم ( الكمبيوتر ) صورة عجيبة ( كنسيج عنكبوت ) ، والمثير ان عمله استغرق شهرا بالرغم مع ان ما ينجزه في الثانية الواحدة يعادل انجاز الحاسبة العادية في عشرة ملايين سنة ..
ومن انجازاتهم هبوط أجهزة استكشاف على اسطح بعض الكواكب وحديثاً على سطح نيزك كبير، وتم استخدامه في اجراء عمليات جراحية بدقة قد يعجز عن إنجازها امهر الأطباء . وادخلوه في قاعات شديدة الحرارة او تعصف بها غازات سامة او اشعاعات مضرة لا ينبغي للإنسان اجرائها حفاظاً على سلامته . واستعملوها في محاكات التجارب والظواهر الخطرة و المعقدة منها احتساب ماذا سيحدث لو فجروا قنبلة ذرية في منطقة ما من المناطق .. وكل ذلك انما بالاستعانة على أجهزة حاسوبية مع اختلافات في درجة التطور او مجالات العمل المخصصة لها ، لكنها من ناحية المبدأ حواسيب لا اكثر .




انني اسأل برنامج البحث في جوجل عن أي شيء ، فلا يعز عليه الجواب ، ولا يبخل بما لديه من معلومات أو يتهاون ، وفي ثواني قليلة يكشف عن مئات الالاف من نتائج البحث ، وبضغطة واحد على أيّ منها يفتح لي محتويات قد يبلغ حجمها ما لا تستوعبه مكتبة المنزل ، كل هذا مع خيارات اختيار اللغة ، او حصر نطاق البحث ، واذا ما أخطأت في كتابتي فانه يسأل ان كان المقصود غير الذي كتبته بل ويعرض الاسم الذي كنت اقصده ، حتى اني اشعر في احايين عدة وكأني جالس امام ممثل (جوجل) وجها لوجه ، انه يفهم ويضع في حساباته كثيرا من الاحتمالات .
ولولا الهفوات والاخطاء التي تبدر ، منها على سبيل المثال ذكر خبر كارثة وانهيار مبني او موت اعداد من البشر في حقل اسماه بـ (الترفيه) ، والتحذير الصادر من شخصية بارزة عن مخطط لنشر فتنة بين المصرين تم ادراجه في حقل (الصحة ) .. ومصرع اشخاص واحتراق منزل خلال مشاجرة في حقل ( علوم وتكنولوجيا ) .. ومثله في الحقول الباقية ، لآمنت انهم قد بلغوا الذروة وقلدوا دماغ الانسان وتفوقوا عليه .. وما قيل عن جوجل نقوله على محركات البحث الأخرى بدون شك .
لقد فتح الله تعالى أبواب علم جديدة ( ولا نعرف ماالذي سيفتحه علينا بعد هذا ) وصارعلم النانوتكنولوجي كعصا ساحر يأتي بالعجائب ، واصبح في حكم الممكن صنع كمبيوترات باحجام صغيرة وقدرات هائلة ، ومن المؤكد مع هذه الاخبار ان الأبنية الكبيرة التي بنوها لاحتواء جهاز واحد من نوع ( سوبر كمبيوتر ) له من الوزن ما يزيد على المائة الف كيلو غرام ، ستختزل وتتقلص وتبلغ من الصغر في الحجم والوزن حدا مدهشا ، ومن الاخبار الواردة عن احلامهم – العلماء – تخزين معلومات يبلغ حجمها حجم مكتبة الكونجرس في رقاقة نانوية لاتزيد عن حجم رأس الدبوس ..
فسبحان الله الذي كرم الانسان باداة تشهد له بالعلم اللامتناهي والقدرة المطلقة والحكمة ... (( ولو كنت من علماء الدين المخولين بالفتوى والرأي ، لقلت ان ما ذكرناه كان هو المعني في قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ..)) فالامر كله عجب و اعجاز في اعجاز ، ولا يكاد ان يصدق بل هو اشبه بافلام الخيال العلمي تحكي لنا عن جرثومة تنمو وتتطور واذا بها تعي وتفهم ثم تحكم وتستعبد وتتسيد .. فها هم أصحاب العلم وخياله يحلمون ويعلنون انهم شارفوا على الانتهاء من صنع روبوت يحاكي دماغ الانسان وله ذات خاصة به تعي وتفهم وتتعلم .. وبات أصحاب القصص والخيال على خوف من نتائج هذه الأبحاث وهي في طريق التطور والتحقق ومن اليوم الذي تنقلب فيه على سلطة الانسان وتجعل منه عبدا ..
كان نهج الكائن الحي البسيط هو الحفاظ على حياته هو . ولقد عثر على خلايا منها ظلت الاف السنين متجرثمة في ظل ظروف غير ملائمة وقد استعادت نشاطها وباشرت حياتها مجددا حينما غيروا لها الظروف .. ومما يقال عن ( دببة الماء ) او ( خنازير الطحلب ) وهي كائنات صغيرة جدا معدل طولها 1.5 مللمتر، انها من اقوى كائنات الأرض ، فبامكانها العيش طويلا في احلك الظروف واقساها ، انها لا تتأثر اذا ما سخناها الى درجة الغليان واكثر او جمدناها ، وحتى لو سلطنا عليها ضغطا جويا عاليا جدا ، وقد واجهت الاشعاعات وأُرسلت الى الفضاء لأيام فعادت سالمة ووضعت بيضا وتفقس ..
لكن النهج تغير والخطة تبدلت وصار الذي يُحافظ عليه هو بقاء النوع وموت الآباء ليحل محلهم الأبناء .. انها تذكرنا بفلسفات هيجل وشوبنهور وبرجسون و برناردشو وما جاء فيها عن قوة واعية – الا شوبنهور فهي عنده عمياء – تتخذ طريقا خاصا عَبرحالات متغيرة من المادة وتطورها من بسيط الى اعقد ومن نوع الى اخر والقصد من كل هذا هو نمو الذكاء وظهور العقل وسيادته وانتصاره على المادة التي كانت صورته الابسط .. وللتحرر منها في نهاية الامر .
.. لقد ذهب فلاسفة الالحاد الى ان ما في الوجود هو ( المادة الازلية ) فقط ولا شيء سوى ذلك .. وذهب قسم من الفلاسفة المؤمنين الى ان الموجود هو ( مادة ازلية واله مدبر ، محرك ) وقد اقر اولئك المؤمنون بالمادة على اعتبار انها موجود ازلي لعجز العقول عن تصور انبثاقها من العدم ، فإما ان تكون جزءاً من الله تعالى تحول الى شكله هذا بإرادة منه او هي قائمة بنفسها مع الله في ازليته .. وجاءنا من العلماء من يقر بان المادة حادثة وليست قائمة منذ الازل وان انبثاقها لم يكن بحاجة الى قوة داخلة عليها من الخارج ، فان فيها من الإمكان ما يدفع بها لتتحول من صورة الى أخرى ومن بسيط الى اعقد ...
وصارت المعادلة بعد هذا ، ان ما في الوجود مادة فقط اما امكانات التطور والتغير والتبدل والتعقيد فكلها محمولة على المادة وصورلها ، تدفع بها نحو ما بلغته من الاختلاف والتطور ، وهي اشبه ما تكون بخلايا الكائن الحي فيها من الجينات ما يدفع بها لان تنموا وتتخصص وتكتمل .
ولعمري ان فرضية الفلاسفة المؤمنين بوجود المادة ( الازلية ) ومعها اله عالم حكيم مدبر لتعد اكثر منطقية من تلك التي ابقت على مادة انبثقت من العدم وفيها من الإمكان ما يفعل بها فعل الاله المدبر ..
واني لأرى في هذا، ان نسبة ذكاء أولئك الفلاسفة المؤمنين تفوق على نسبة ذكاء من اخذ بفرضية وجودها ( الآنيّ الحادث ) بدرجات عديدة حتى ولو كان أصحابها ( الملحدون ) من العلماء الذين يُشهد لهم بعبقريتهم ومنهم بالذات ( ستيفن هوكينج ) ومن بعده ( ريشارد دوكينز ) .. وهي اقرب الى القبول عند عامة الناس وفي حسابات المنطق .. هذا بعد ان اخذنا بنظر الاعتبار ان ما يخوضون فيه داخلٌ في مجال الفلسفة اما حدود العلم فلا تتعدى جدران المختبرات واستعمال كل ما يفيدهم من الأدوات وأجهزة القياس وان جل ما يأمل به العالم هو فهم المادة وكيفية السيطرة عليها وتسخيرها بما يخدم البشرية ويديم الحياة ويرفع من مستويات التقدم والرقي ويحول الأرض الى جنة الله على الأرض . ومن الانصاف ذكر ان دعوى العالمين المذكورين وبالذات ( ستيفن هوكينج ) لم تكن الإقرار بنكران وجود الخالق ( جل الله وتعالى عما يخوضون فيه ) وانما إقرارالفرضية الذاهبة الى ان انبثاق المادة من العدم لم يكن بحاجة الى تدخل خارجي .. وهو إقرار يؤيد نظرة ديننا فما في الوجود عندنا ( الله الازلي الخالق والمادة المخلوقة من عدم ) .
استقر بعلمائنا الرأي على اننا لو تمكنا من ضرب المادة بمعاول الهدم لتهشمت ولم يبق امامنا الا أوتار اثيرية تهتز ، منها على شكل حلقات مغلقة والباقي مفتوح ، ومن تجمع هذه الأوليات وتنوع الاهتزازات تتكون اجسام المواد وتتنوع .. فيا لهذا التصور من الغرابة والاعجاز ويا لذكاء ( ديموقريطس ) حينما جاء - منذ خمسة وعشرين قرنا - بتصور مقارب إذ افترض ان اصل الكون ذرات صغيرة في حالة هبوط حر نحو الأسفل ومن اصطدامها وهي هابطة بعضاً ببعض وتجمعاتها ، نشات الاجسام وتكونت المادة وصار العالم على شكله الأخير . فاي تطور سننتهي اليه ، واية نظرية سنستقر عليها ، ومن يجرؤ من العلماء على نكران عدم معرفتهم ( العلماء ) بالذي سيطرأ .. واية حقائق ستبرز .. وهل ان الوجود مادة وحسب ، ولو امتلك الانسان حواس أخرى غير الخمسة التي عنده ، هل سيرى العالم ويفهم الوجود على نفس الحال الذي يراه اليوم .. دودة الأرض لن تعرف عن العالم الا بقدر ما لديها من حواس ولن تعرف الألوان وامواج الراديو وغيرها كثير ، اسماك البحرالتي تستقر في القعر وتعيش هناك ، تحيا وتموت وليس لها اية معرفة بالذي هو موجود خارج الماء ، والفأر لا يعرف القمر والشمس والنجوم ولا غاباتنا ولا .. ولا ... والامر هو نفسه مع باقي أصناف الحيوان .. ادراك كل منها بقدر ما يتوفر من الحواس والمشاهدات .. وما قاله (إسحاق اسيموف) عن حجم المادة اللازم في بناء جهاز بكفاءة دماغ الانسان قد طرأ عليه ما يستوجب إعادة النظر، وقوله ان الطبيعة قد صنعت الزائدة الدودية وصارت عضوا من أعضاء جسم الانسان دون حاجة ولا مبرر ، قد كذبت الاكتشافات قوله وتبين ان لها دوراً مهماً في خزن وامداد الجسم ببكتريا مفيدة ولا ندري ما الذي سيكتشونه بعد ذلك .. ( إنها من خلق الله الذي احسن خلقه )
والمشكلة كل المشكلة ان العلم مهما تقدم لن يتخطى فرضية (ان الفهم لا يتم الا بادخال الموضوع الى قاعات مختبرات العلماء .. ولن نفهم الوجود الا اذا اعتصرناه في انبوبة الاختبار )

وللتكملة مقال مستقل باذن الله