بحث كامل حول مراحل تطور نظام القضاء الإداري في الجزائر
[ المطلب الثاني : فترة الغرفة الإدارية مابين 1965-1998
-إن التعرض لنظام الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية أمر ضروري بهذا الصدد لعلاقته بنظام المحاكم
الإدارية ذلك أن المادة08من القانون 98-02المتعلق بالمحاكم الإدارية وتنص على ما يلي:"بصفة إنتقالية وفي إنتظار تنصيب المحاكم الإدارية المختصة إقليمياً تبقى الغرف الإدارية بالمجالس القضائية وكذا الغرف الإدارية الجهوية مختصة بالنظر في القضايا التي تعرض عليها طبقاً للقانون الإجراءات المدنية القديم"01.
* كيف تطور نظام الغرفة الإدارية؟ وما هي الأشكال التي إتخذتها تلك الغرفة؟
1-التطور :
- بعد إلغاء المحاكم الإدارية الثلاث الموروثة عن الإستعمار بموجــب الأمر 65-278 الــمؤرخ في
16/11/1965المتضمن التنظيم القضائي تم نقل إختصاصاتها إلى المجالس القضائية من خلال الغرف الإدارية التي أقيمت بها إلى جانب الغرف الأخرى وهو ما أكده لاحقاً الأمر رقم66-154المؤرخ في 08 جوان1966والمتضمن قانون الإجراءات المدنية القديم.
-لقد مر تطور نظام الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية بالمراحل التالية :
1-المرحلة:من1965-1986:بعد إلغاء المحاكم الإدارية الموروثة عن النظام الإستعماري ثم إحـــداث 03 غرف إدارية خلفاً لها بالمجالس القضائية بكل من الجزائر- وهران-قسنطينة.
************************************
(01)محمد الصغير يعلي"المنازعات الإدارية"ص29
2-المرحلة02:من1986-1990:امام إزدياد المنازعات الإدارية تم رفع عدد الغرف الإدارية إلى 20غرفةبموجب المرسوم رقم80-107 المؤرخ في 29/04/1986 الذي أضاف 17 غرفة إدارية.
3-المرحلة 03:من1990-1998:حيث تم غرفة إدارية بكل مجلس من المجالس القضائية الـــواحدة والثلاثين الموجودة-حينئذ-عبر التراب الوطني مع إضافة غرف أخرى كما تم إحداث مجلس قضائي جديد.
-مع الإشارة هنا أن تأسيس مجلس الدولة ومباشرة مهــــامه فعلياً بعد 1998 أدى إلى زوال الغرفة
الإدارية بالمحكمة العليا بينما بقيت الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية قائمة وتمارس إختصاصات المحاكم الإدارية بموجب القانون98-02 إلى أن تنصب تلك المحاكم فعلياً.
2-الأشكال :
- لقد أخذت الغرفة الإدارية في الواقع ثلاثة أشكال هي :
أولاً /الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا:
-وهي الغرفة التي كانت قائمة(بالمجلس الأعلى)أي المحكمة العليا خلال فترة وحدة القضاء من1965 إلى 1998تاريخ تأسيس مجلس الدولة بموجب القانون العضوي 98-01 السابق.
-لقد كانت هذه الغرفة تحتكر كامل قضاء ا|لإلغاء إلى حين صدور القانون رقــــــم90-23 المـــــــعدل
والمتمم لقانون الإجراءات المدنية الذي قام بتوزيع الطعون بالإلغاء بين الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا والغرف الجهوية والغرف الإدارية بالمجالس القضائية بموجب تعديله للمادة07 قانون الإجراءات المدنية.
ثانياً/ الغرف الإدارية الجهوية:
-وهي الغرف الإدارية القائمة بالمجالـــــس القضائية التاليــــــة: الجـــزائر-وهـــــران-قســنطينة-بشار-
ورقلة،حينما تختص بالنظر في الطعون بالإلغاء أو بتفسير أو مدى شرعية القرارات الصادرة عن الولايات وفقاً للمادة07 من قانون الإجراءات المدنية المعدل والمتمم حسب إختصاصها المحلي.01
-وعلى كل فإن هذا النوع من الغرف كان قد إستند في وجوده إلى إعتبار مفاده إســتبعاد تأثيـــــــر
الإدارة(الولاة)على القضاة وهو الأمر الذي "ليس له أي مبرر قانوني أو منطقي وما هو إلا تعقيد للإجراءات أمام القضاء الإداري "
ثالثاً/ الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي :
-يتوفر كل مجلس فضائي على غرفة إدارية إلى جانب الغرف الأخـرى بموجب القانون رقم84-13
المؤرخ في23/06/1984 المتضمن التقسيم القضائي.
- وهذا طبقاً لقانون الإجراءات المدنية الساري المفعول إلى حد الآن فـــــإن الغرف الإدارية بالمجالس
القضائية(او ما يسمى بالغرف المحلية)كما هو الحال بالنسبة للمحاكم الإدارية في فرنسا وهي صاحبة الولاية العامة أو قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية طبقاً للمادة07 منه إلا أن الإستثناءات الواردة على ذلك بموجب المادة07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية أو بموجب قوانين أخرى02 .
************************************
(01) طبقا ًللمرسوم التنفيذي رقم 90-07 المؤرخ في 22/12/1990
(02) محمد الصغير يعلى " المحاكم الإدارية " ص 30-31
المطلب الثالث : التعديل الدستوري لسنة96-تبنى الإزدواجية-من96 إلى الآن
-لقد ترتب على مصادقة الشعب على التعديل الدستوري لسنة96ـدخـــول البلاد على الصعيد
القضائي نظاماً قضائياً،هو نظام الإزدواجية يختلف من حيث هياكله وإجراءاته عن نظام وحدة القضاء الذي ساد ولمدة طويلة داخل البلاد فطبق في الفترة الممتدة من1965إلى نوفمبر 1996.
-ولعل السؤال للجوهري الذي يطرح نفسه:لماذا هجر المشرع الجزائري نظام وحـدة القضاء وتبنى
إيتداءاً من 1996نظام الإزدواجية؟فهل يختفي وراء ذلك محاولة الهروب من عيوب نظام الوحدة، أم لنظام الإزدواجية أكثر مزايا من سابقيه؟
-يتبين من هذا السؤال التبعيات الناتجة عن نظام الإزدواجية سواء من حيث مثرة وتنوع الهياكل
القضائية من جهة وإختلاف الجوانب الإجرائية من جهة ثانية وإختلاف القانون الواجب التطبيق على كل نوع من القضاء من جهة ثالثة01.
v أسباب تبني نظام إزداجية القضاء :
-لاشك أن وراء تبني نظام إزدواجية القضاء أسباب كثيرة موضوعية دفعت السلطة إلى هجر نظام الوحدة وإعتماد النظام الجدبد.ويمكن حصر هذه الأسباب فيما يلي02:
************************************
(01)عمار بوضياف"القضاء الإداري في الجزائر"طبعة الثانية ص 81
(02)عمار بوضياف "القضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدة و الإزداجية من 62-2000" طبعة الثانية ص 57
I. -نزايد المنازعات الإدارية :
-إن دائرة المنازعات الإدارية تتسع يوماً بعد يوم وهذا مــــــا يلاحظه العــــــام والخـــــاص فكثيرة هي
الدعاوي التي رفعت ضد البلديات بعددها الكبير والولايات48 والوزارات والهيئات الإدارية المستقلة.
-ولقد أوضح السيد وزير العدل امام مجلس الأمة في جلسة يوم21/03/1998عــن هـــــذا السبب
يقول:"إن مهمة الفصل في تنازع الإختصاص بين مختلف الجهات القضائية قد أسندت إلى المحكمة العليا إلا أن الواقع العملي وتزايد النزاعات الإدارية وتعقيدها نتيجة التطور السريع للمجتمع كل هذا أدى إلى ضرورة إعادة النظر في النظام القضائي السائد".
-ومن المؤكد أنه يقف وراء هذا السبيل مــــــن الدعاوى الإدارية المــــــرفوعة ضد الجهات المخــــتلفة
(المركزية والمحلية)عدة أسباب يأتي على رأسها الصحوة القانونية التي عرفها المجتمع الجزائري خاصة بعد إعتماد وتطبيق نظام التعددية الحزبية المعلن عنها بموجب دسنور1989والذي كان له الأثر العميق في إزالة الخوف من الإدارة وأنها لم تعد تشكل شبحاً مرهباً لا ينبغي الإقتراب منه كما كان الحال في زمن الأحادية الحزبية.
II. -عدم تحكم القاضي العادي في المنازعة الإدارية:
-إن المنازعة الإدارية تتميز عن سائر الخصومات المدنية والشخصــــية والتجارية والعمالية والبحرية
وغيرها بمايلي:
أ-من حيث الأطراف:إن أطراف المنازعة الإدارية طبقاً للمادة07من قانون الإجراءات الـــــمدنية القديم هـي الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العامة ذات الصبغة الإدارية وهو ما يجعل للمنازعة طابعاً خاصاً.
ب-من حيث الموضوع:إن الموضوع المنازعة في كثير من الأحيان صلة بالمصلحة العامة(أشغال عامةـ صفقة عمومية،نزع الملكية للمصلحة العامة، ضبظ الإداري..............)
ج-من حيث القانون الواجب التطبيق:إن كان القاضي العادي في الغالب الأعم قاضياً تطبيقياً يطبق النص التشريعي الذي يحكم المنازعة التي بين يديه فإن القاضي الإداري قاضياً منشئاً في الغالب للقاعدة التي سيطبقها على المنازعة التي بين يديه.
-وعلى حد قول الدكتورة"سعاد الشرقاوي":"إن القانون العــــام لم يبلغ درجـــــة من الثبـات تكفي
لتنفيذ ما حدث بالنسبة للفروع الأخرى التي تم في التقنين ذلك أن القانون العام دائم التطور"و إختلاف الدور بين القضاء العادي والقضاء الإداري فرض إستقلالية الأول عن الثاني ليتفرغ القاضي الإداري للفصل في المنازعات الإدارية دون سواها و يتعمق فيها.
د-من حيث الزمن المخصص للفصل في المنازعة الإدارية :لما كان القاضي الإداري في الوضع الغالب قاضي منشئ للقاعدة التي تحكم النزاع فإن إنشاء وإحداث هذه القاعدة يأخذ بلاشك زمناً طويلاً يستغله القاضي في البحث المعمق والجاد من أجل إيداع القاعدة وتطبيقها على المنازعة التي بين يديه.
-ففرنسا دلت الإحصائيات الرسمية المنشورة في المجلة الفرنسية للقانون الإداري في شهر جانفي –
فيفري1996 أن معدلات الفصل في المنازعات الإدارية هي كما يلي :
1. على مستوى المحاكم الإدارية معدل الفصل وصل إلى سنتين.
2. على مستوى محاكم الإستئناف معدل الفصل إلى 14 شهراً
3. على مستوى مجلس الدولة تجاوز المعدل سنتين.
-وإذا كنا نلتمس العذر للقضاة الإداريين في فرنسا وغيرها من الدول التي تبنت الإزدواجية بحكم
خصوصية المنازعة الإدارية وبحكم الدور الحيادي للقاضي الإداري إلا أن البطء في الفصل في المنازعة الإدارية تسبب للدولة الفرنسية في مقاضاتها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أساس الفصل السادس(06)فقرة01من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان وصدر ضدها حكم بتاريخ28افريل1994وهو ما دفع السلطة الفرنسية في 08جويلية1995إلى الإهتمام أكثر بالمحاكم الإدارية وتعزيزها بالجانب البشري حيث تم إنتداب 180قاضياًو200موظفاً على مستوى المحاكم ا|لإدارية حتى تؤدي الدور المنوط لها على صعيد المنازعات الإدارية وحتى تغيير السلطة الفرنسية القناعة التي سادت في زمن طويل أن البطء في الفصل في المنازعة الإدارية أضحى يشكل ظاهرة صحية لا تنفرد بها فرنسا ولا ينبغي أن تشد النظر وأن تبعث غرابة أو تساؤلاً أو دهشة لدى المتقاضين وعموماً لدى المتعاملين مع هذا النوع من القضاء01..
-أن الزمن المخصص للفصل في المنازعة الإدارية وطوال مدة البث فيها يقتضي أن يستــقل القاضي
الإداري عن جهة القضاء العادي ليتفرغ للفصل في المنازعة الإدارية وهي من أعقد وأصعب أنواع المنازعات.
************************************
(01)عمار بوضياف "القضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدة و الإزداجية من 62-2000" طبعة الثانية ص 58-59
-ولقد صرح السيد وزير العدل امام أعضاء الغرفة الثانية شارحاً الأسباب التي دفعت السلطة إلى
تبني نظام الإزدواجية بالقول:"...إن القضاء الموحد يتجاهل وضع الإدارة ومقتضيات الصالح العام..... وكأنه بذلك يريد القول أن القاضي العادي إذا تولى الفصل في المنازعة الإدارية فإنه سيفصل فيها بروح وفلسفة القانون الخاص وآلياته وتقنياته وليس القانون العام وهذا الأخير الذي يضمن للإدارة مركزاً متميزاً ولا يجعلها على نفس درجة الأفراد حتى امام القضاء.
-والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن ثمة مخاطر كبيرة ستبرز للوجود وعندما نعهد للقاضـــي العادي
أمر الفصل في المنازعة الإدارية لأنه في مجال القانون الخاص ويخشى أن ينقلها للقانون العام وتحديداً للقانون الإداري وبذلك يحدث التقارب بين القانون العام والقانون الخاص رغم سعة مجال التمييز بينهم.
- إن القضاء الإداري في فرنسا ممثلاً في مجلس الدولة حين إستــبعد القانـــــون الخاص ورفــــض أن
يتخذ منه مرجعاً لحسم المنازعات المعروضة عليه كان عليه أن يقدم بديلاً عن ذلك يراه أكثر مسايرة لنشاط الإدارة وأهدافها وهذه الإحكام أصبحت في مجموعها شيئاً فشيئاً تشكل ما يعرف اليوم بالقانون الإداري.
-ورغم صدور تشريعات كثيرة في زمننا اليوم تنظم مختلف الجوانب المتعلقة بالإدارة العـــــامة مـــن
حيث تنظيمها وموظفيها وأموالها ومنازعاتها و قرارتها وصفقاتها.....إلا أن ذلك لم يفقد القضاء مكانته بل لازال يمارس دوراً لا يستهان به في مجال إرساء قواعد القانون الإداري وإليه يرجع الفصل في الكشف عن الكثير من القواعد وحسم كثير من الإشكالات.
-ولقد مكنت خصيصة عدم التقنين،ومحدودية دور عــــرف القضـاء الإداري مــــن أن يلعـــــب دوراً
إنشائياً وإبداعياً لأحكام ومبادئ القانون الإداري لأنه كثيراً ما يصطدم بحالة عدم وجود نص يحكم النزاع الذي بين يديه وهذا خلافاً للقاضي المدني الذي يلعب دوراً تطبيقياً للقانون لأنه في أغلب الحالات يجد النص الذي يحكم الخلاف المعروض عليه بل وحتى إذا تأثر القاضي الإداري بقاعدة من قواعد القانون الخاص يظل بذلك ينشئ قاعدة وفي هذا المعنى قال الفقيه"Prquinot":"إذا تأثر القاضي الإداري بقاعدة من القانون الخاص أو أراد أن يطلقها على النزاع المعروض عليه فإنه لا يطبقها نظراً لقوتها القانونية أو كقاعدة من القانون الخاص وإنما يطبقها كقاعدة عادلة وملائمة للنزاع ومع هذا يمكن له تغيير هذه القاعدة بما يلائم نشاط الإدارة أو أن يستبعدها كلية"
-لاشك أن جميع القضاة يعملون علم اليقين أن ما أصلح لأشخاص القانون الخاص لا يصلح بالضرورة
لأشخاص القانون العام كالدولة والولاية والبلدية ومن هنا فإن القاضي العادي الذي يعمل في التحقيق مثلاً أوفي الغرفة المدنية أو قاضياً للأحوال الشخصية أو قاضياً عمالياً أو قاضياً مختص في المسائل الجزائية إذا عهد لأحد هؤلاء الفصل في المنازعات الإدارية فلعله يتأثر وهو يفصل في هذا النوع المتميز من الدعاوي بالقانون الخاص وهذا أمر يجر إلى نقطة فرعية أخرى تفرض نفسها وهي تخصيص القضاة أو القضاء التي سيتم شرحها فيما يلي01.
************************************
(01)عمار بوضياف "القضاء الإداري في الجزائر " طبعة الثانية ص 87
iii. تجسيد فكرة تخصص القضاء أو القضاة :
-يفترض دراسة هذا السبب التطرق لأهمية نظـــــام تخصــــص القضاء وضــرورته ومفهومه وموقف
المؤتمرات الدولية منه.
*اهمية نظام تخصص القضاء و ضرورته:
-إذا كان القانون ينقسم إلى عام وخاص وكل قسم ينقسم بـــــدوره إلى فـــروع كثيرة ومتنوعة وكل
فرع يحتوي على سبيل من النصوص والإحكام فإن الإحالة الشاملة والدقيقة بكل هذه الأقسام والفروع تعد ضرباً من ضروب المستقبل خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار حركة النصوص المستمرة وحركة الإجتهاد القضائي.
-بغض النظر أننا نعيش في زمن الدقة والتخصيص فمن إهتم بخلية واحدة من العــــلم والمعرفة زاد
تمكنه فيها وتمرسه عليها وصح إجتهاده وكان النجاح حليفه.
-ومن هنا فإننا في بداية الأمر أن إلمام القاضي بكل النصوص وتحكمه في فــــــروع القانون وشعبــة
المختلفة بما تحمله هذه الفروع من إختلاف و تباين في الأحكام،مسألة لا يمكن أن تخطر ببال عاقل لأن القاضي يشير وله طاقة محدودة كغيره من الناس ولا يمكن أن يكون دائرة معارف واسعة يعلم كل صغيرة وكبيرة في علم القانون الواسع والمتشعب والممتدة ولا يمكن أن يثقل عليه ما لا تتحمله إرادة البشر.
-وما قيل عن القضاء يقال عن الفقه القــــانوني،فالفقيه المهتم بالقـــــانون الـــــدولي العام،نظــــرياته
ودراساته يغنيه إهتمامه من أن يصرف الهمة بنوع أخر من الدراسات والفقيه المهتم بالقانون الإداري يختص بهذا النوع من الفقه.فيتعمق في نظرياته ويبحر في أحكامه ومبادئه.
-وعليه فإن تخصيص القاضي في قسم معين من القضاء مسألة تسـاعد القاضي نفسه على التعمق
أكثر في فرع محدد دقيق من المنازعات بما يكسبه تأهيلاً كبيراً بحكم تعوده على النظر في نوع معين من النصوص وتعمقه في الدراسات الفقهية و إجتهادات القضاء التي تحيط بموضوع تخصصه.
*مفهوم تخصيص القضاء أو القاضي :
-يقصد بتخصيص القاضي تقييده بالنظر في منازعات فرع محدد وواحد من فروع القضاء المختلفة
له تشريعاته الخاصة وله فقهه الخاص بحيث يسهل عليه فهم كل ما يثور من مشاكل معينة داخل فرع معين فهماً دقيقاً ومتعمقاً.
* مزايا تخصيص القضاء أو القاضي :
- مما سبق يمكن إجمال مزايا نظام التخصيص فيما يلي :
1- تمكين القاضي من الإلمام بنوع معين من النصوص:لاشك أن أول ميــــزة يكفلـــــها نظام تخصص
القضاء وهو أنه يمكن القاضي من الإلمام بنوع محدد من النصوص بما يجعله أكثر تعمقاً في الكشف عن مقاصد المشرع وخفايا هذه النصوص.
2-تمكين القاضي من متابعة الدراسات الفقهية في مجال محدود:إن القــاضي المهــــتم مثلــــاً بالمجـــــال
الإداري يفرض عليه تخصصه القضائي من أن يتبع حركة الدراسات الفقهية ليعلم ما إستجد من أمور في دائرة الفقه وهو ما يؤدي في النهاية إلى تنمية قدراته القانونية ورفع مستوى تأهيله.
3-تمكين القاضي من متابعة حركة الإجتهاد القضائي بشأن نوع محدد من المنازعات:مـتى تخصص
القاضي في نوع محدد من القضايا وتعود على تطبيق نوع معين من النصوص التشريعية وتابع الدراسات الفقهية في مجال تخصيصه وجب عليه بالمقابل أن يتبع حركة الإجتهاد القضائي في مجال محدد من المنازعات التي تعود النظر فيها ليكشف عن موقف الجهة القضائية المنوط بها صلاحية الإجتهاد بشأن تفسير نص معين مثلاً.
4-تمكين القاضي من تقديم مردودية أفضل:لا يخفى على أحـد في عصـــــرنا الحاضر تزايد عــــدد
المنازعات المعروضة على القضاء وتنوعها وواكب هذا التعدد القوانين وتطورها المستمرة بحيث أضحى من غير المتصور أن تعرض على القاضي في جلسة واحدة أو في جلسات مجموعة من القضايا تحكها نصوص مختلفة ومتباينة لأن ذلك يفترض كما يقال الدكتور "أحمد السيد صاوي":"وجود القاضي الموسوعة وهذا فرض غير واقعي بل حتى ولو سلمنا بوجود هذا النوع من القضاة فإنهم سوف لن يجدوا من الوقت والجد ما يمكنهم من ملاحظة سبيل القوانين وهذا أمر سيعود بالضرر على المتقاضين أنفسهم لأن أمام سبيل القوانين
وكثرة الملفات سيضظر القاضي إما للتعجيل في إصدار الإحكام دون رؤية وإما أن يتروى فيترتب على ذلك تأخير الفصل في المنازعات وفي الحالتين لا تستقيم العدالة.
-ومن أجل ذلك عمدت كثير من الأنظمة القضائية إلى الأخذ بنظام تخصص القضاء رغـم ما يفرضه
من إمكانات مادية وبشرية.
*موقف المؤتمرات الدولية من نظام تخصص القضاء:نظراً لأهمية فكرة التخصص فقد أفرد لها الإتحاد الأروبي للقضاة العديد من المؤتمرات منها مؤتمر روما(من11-13أكتوبر1958)ومؤتمر نيس (من04إلى06 اكنتوبر1972)ومؤتمر ريوديجانيرو(من28إلى02ديسمبر1978)
-ففي كل مرة وبحسب ما تش



رد مع اقتباس
