بحث كامل حول المساهمة الجنائية في القانون المساهمة في الجريمة

المطلب الثاني
الشريك في القانون العراقي



تتحقق المساهمة التبعية اذا كان دور المساهم ثانوي في تنفيذ الجريمة، ويطلق على القائم بهذا الدور بالشريك او المساهم الثانوي او التبعي. وغالبا مايكون دور المساهم التبعي مباحا قانونا، وانما يكتسب صفته الجرمية من فعل المساهم الاصلي.
اتجهت معظم التشريعات الى النص على صور المساهمة التبعية ومنها قانون العقوبات المصري في المادة ( 40 ) ، كذلك فعل قانون العقوبات العراقي في المادة ( 48 ). الا ان بعض التشريعات ومنها التونسي ذكرت بعض الاعمال التي تشكل الركن المادي للمساهمة وقسمتها من الناحية الزمنية الى افعال سابقة لوقوع الجريمة ، كالارشاد والتحريض، وافعال متزامنة مع وقوع الجريمة، وهي الاعانة على الاعمال التنفيذية شريطة ان تكون الاعانة فعلا ماديا يقوم به الشريك ولا يشترط فيه ان يكون من الاعمال المكونة للركن المادي اذ لوكانت كذلك لاصبح المساهم فاعلا اصليا لا شريكا كما في حالة التدخل في تنفيذ الركن المادي لجريمة الزنا الفصل
(236 م ج ) والبغاء الفصل (231 م ج). و المشاركة اللاحقة وهي التي اثارت جدلا اذ كيف يشارك شخص في فعل تم قبل تدخله ؟ وان مثل هذا الفعل لا يعتبر مشاركة في الجريمة التي تمت وانما جريمة قائمة بذاتها. وحسما لهذا الجدل ذهبت بعض التشريعات الى اعتبار عملية اخفاء المسروق مساهمة تبعية او اشتراك في جريمة السرقة مثل المشرع التونسي والمصري وقانون العقوبات السوري.
اورد المشرع العراقي في المادة ( 48 ) صور المساهمة التبعية على سبيل الحصر. وهي اما تحصل قبل وقوقع الجريمة او تحصل وقت تنفيذ الجريمة فقط. ولم يذهب المشرع العراقي الى ماذهب اليه المشرع المصري والسوري والتونسي. ادناه الحالات كما وردت في قانون العقوبات العراقي:

1- التحريض:
وهو النشاط الذي يهدف الى التأثير على تفكير شخص بحيث يخلق لديه فكرة المشروع الاجرامي. وان يقوم المحرَّض بتنفيذ موضوع التحريض. كما لوحرض شخص آخر على القتل ووقعت جريمة القتل بناء على التحريض. ويشترط في محل التحريض ان يكون جريمة قانونا. ولا يقع التحريض في غير ذلك كما لوحرض شخص آخر على الكراهية فان هذا التحريض لا يحقق المساهمة التبعية في جريمة القتل فيما اذا قتل احد الشخصين الاخر.
يتحقق التحريض اذا كان مقرونا بوعد او وعيد او هدية او مخادعة او غيرها من الامور التي تدفع المحرَّض الى التفكير جديا بارتكاب الجريمة المحرض عليها. واغفل المشرع العراقي تعداد وسائل التحريض كما فعلت بعض التشريعات ومنها المصري والليبي والكويتي، خلافا لما ذهبت اليه بعض التشريعات. وقد احسن المشرع العراقي صنعا اذ ترك موضوع تقدير هذه الوسائل الى تقدير قاضي الموضوع.
وينبغي ان يكون التحريض مباشرا، ويكون كذلك اذا انصب على موضوع يعتبر جريمة. اما اذا انصب على فعل لايعتبر جريمة فلا يصلح ان يكون وسيلة للمساهمة التبعية. فأثارة البغضاء بين شخصين لا يحقق المساهمة التبعية في جريمة القتل العمد فيما لوقام احدهما بقتل الثاني.
كما ينقسم التحريض الى تحريض عام عندما يوجه الى مجموعة من الناس وفي هذه الحالة يكون علنيا عن طريق استخدام وسائل الاعلام لايصاله الى هذه الجماعة. والى تحريض خاص او فردي عندما يكون موجها الى شخص معين او اشخاص معينين. والتحريض العام اكثر خطورة من الخاص.
ولخطورة التحريض يعتبر في بعض الحالات اكثر خطورة من من الفعل الذي يقوم به المحرَّض.ولذلك عمدت بعض التشريعات الى المعاقبة على التحريض حتى لولم ينتج آثاره. وبذلك يعتبر جريمة مستقلة خارجا عن نطاق المساهمة التبعية. كما هو الحال في التحريض على التمرد والعصيان.

2- الاتفاق:
لم يعرف قانون العقوبات العراقي الاتفاق. وعرفه البعض بأنه ( انعقاد ارادتين او اكثر على ارتكاب الجريمة ، اساسه عرض من احد الطرفين يصادفه قبول من الطرف الاخر )(9). ويمكن تعريفه بانه التقاء ارادتين او اكثر بشكل متساوي وانعقادها على فعل شئ او الامتناع عن فعله واظهاره الى العلن بالقول او الكتابه او الاشارة.
ومن التعريف السابق يظهر الفرق بين الاتفاق والتحريض، ففي الاول تتساوى الارادات بينما تختلف في الثاني لان ارادة المحرِّض تكون ذات تأثير وتعلو ارادة المحرَّض. كما ويظهر الفرق بين الاتفاق والتوافق. في ان الاول يعني اتجاه ارادتين نحو موضوع معين وانعقادهما ، بينما التوافق يلتقي معه في اتجاه ارادتين او اكثر نحو موضوع معين ولكن يفترق عنه في عدم انعقاد هذه الارادات على ذلك الموضوع وانما هو فقط توارد خواطر. كما لواراد شخص قتل شخص واراد ثالث قتل نفس الشخص دون ان يكون بينه وبين الاول اتفاق على موضوع قتل المجني عليه، وان قيام احدهما بالقتل دون الثاني لا يجعل من الثاني شريكا له لعدم وجود الاتفاق بينهما وانما هو توارد خواطر لم يصل الى مرتبة الاتفاق.
وقد اعتبر قانون العقوبات العراقي التحريض من وسائل المساهمة التبعية، ولم ينفرد في هذا الموقف بل اخذت به قوانين اخرى مثل قانون العقوبات المصري في المادة ( 40 )، والجزاء الكويتي المادة (48 ) فقد اعتبرا الاتفاق من وسائل المساهمة التبعية ايضا. في حين لم تأخذ بهذا الاتجاه قوانين اخرى كالقانون الليبي.
اشترطت الفقرة الثانية من المادة ( 48 ) من القانون العراقي في الاتفاق حتى يكون وسيلة من وسائل المساهمة الجنائية ان تقع الجريمة بناء على هذا الاتفاق. فاذا ماحصل الاتفاق ولم تقع الجريمة فلا يعتبر اتفاقا معاقبا عليه. وهنا يجب التمييز بينه وبين الاتفاق كجريمة مستقلة مثل الاتفاق الجنائي والاتفاق على التمرد والعصيان.

3- المساعدة:
وتعني تقديم العون الى الفاعل بحيث يرتكب جريمته بناء على هذا العون. وكما يمكن ان يكون العون ايجابيا كتقديم الوسائل التي تسهل او تهئ للفاعل الاتيان بفعله، كذلك يكون سلبيا كالامتناع عن تقديم المساعدة للحيلولة دون وقوع الجريمة مع استطاعته ذلك رغبة منه في وقوعها. ولا يشترط في المساعدة ان تكون مادية بل يمكن ان تكون معنوية كتقديم معلومات الى الجاني تمكنه من اتمام جريمته. واذا كان المشرع العراق قد اهمل تعريف المساعدة وقد فعل حسنا لان التعريف من اختصاص الفقهاء وليس المشرعين، وحتى يترك حرية التحرك للقاضي في تقدير هذه الوسائل. الا ان بعض الكتاب عرفها بأنه ( تقديم العون ايا كانت صورته الى الفاعل فيرتكب الجريمة بناء عليه ). الا ان هذا التعريف يهمل الجانب السلبي للمساعدة، فهو يشير الى تقديم العون ولم يتطرق الى الامتناع عن تقديمة مع التمكن من ذلك رغبة في وقوع الجريمة.
لذلك فالتعريف الاوفق للمساعدة حسب مايراه الباحث هي سلوك ايجابي او سلبي يقوم به شخص يكون وسيلة لتقديم العون المادي او المعنوي الى شخص آخر يستند عليه في ارتكاب جريمته.
واشارت الفقرة الثالثة من المادة ( 48 ) من القانون العراقي الى حالتين بهما تتم المساعدة او العون:

أ- الوسائل المجهزة:
وهي الاعمال التي تسبق وقوع الفعل المادي لتنفيذ الجريمة كأعطاء التعليمات للفاعل عن كيفية القيام بفعله ، اوعن كيفية التخلص من الصعوبات التي تعترض سبيله. او ان يقدم للفاعل آلة تسهل عليه كسر الباب لغرض السرقة.

ب- الوسائل المسهلة او المتممة:
وتعني مايقدم للفاعل من وسائل اثناء ارتكابه الجريمة ، فما ان يقوم الفاعل بالاعمال التنفيذية حتى يأتيه العون من المساعد لاتمامها. ومن هنا يتبين ان الفارق بينها وبين الوسائل المجهزة هو فارق زمني ، فبينما تقدم الاولى والفاعل في المراحل الاولى لتنفيذ الجريمة ، تقدم الثانية والفاعل في المراحل الاخيرة لمشروعه الاجرامي. كما لو اعاق المساعد وصول المسعف الى المجني عليه بعد ان اطلق عليه الفاعل النار لقتله.
ويخالف المشرع العراقي كلا من المشرعي المصري والسوري في موضوع المساعدة اللاحقة على ارتكاب الجريمة. فاعتبر القانون العراقي ان المساعدة اللاحقة لاتحقق المساهمة التبعية وانما تكون جريمة قائمة بذاتها فيما اعتبر المشرع السوري والمصري ان الاعمال اللاحقة على ارتكاب الجريمة هي من صور المساهمة التبعية كما في حالة اخفاء الاموال المسروقة.

عقوبة المساهم التبعي:
اتخذت التشريعات الجنائية بشأن مسألة عقوبة المساهم التبعي اتجاهين:
- اتجاه يقرر للمساهم التبعي نفس عقوبة الفاعل وهي العقوبة المقررة للجريمة التي ساهم فيها. وبذلك يكون اصحاب هذا الاتجاه قد ساووا بين المساهم الاصلي والتبعي في العقوبة. وحجتهم في ذلك ان الجريمة التي ساهم في تنفيذها المساهمون الاصليون والتبعيون هي مشروع اجرامي واحد اتفق الجميع على تنفيذه وتحمل تبعاته. وهذا ما نادت به مدرسة الاستعارة المطلقة ومن القوانين التي اخذت بهذا الاتجاه القانون المصري والقانون الليبي والقانون العراقي.
على ان المشرع العراقي الذي ساوى في العقوبة بين الفاعل والشريك اشار في المادة (50 )على عقوبة الشريك حتى وان ظهرت اسباب تمنع معاقبة الفاعل