بحث كامل حول المساهمة الجنائية في القانون المساهمة في الجريمة

ثالثا – اهمية التمييز بين المساهمتين الاصلية والتبعية:

1- من حيث الخطورة الاجرامية:
تظهر اهمية التمييز في ان من قام بدور رئيسي في تنفيذ الجريمة يكون اجرامه اكثر خطورة من اجرام صاحب الدور الثانوي. لان من يرتكب عملا ماديا ينفذ به عناصر ووقائع الجريمة يكون قد اصر على الاجرام، وذلك يكون اكثر خطرا ممن قام بعمل تمهيدي او تحضيري، وقد لايكون في ذاته عملا مخالفا للقانون وانما اكتسب عدم مشروعيته من عمل آخر.

2- من حيث العقوبة:
اذا كانت هناك قوانين قد ساوت في العقوبة بين الفاعل والشريك كالمصري والعراقي، الا ان هناك قوانين اخرى قد فرقت بين العقوبتين، فجعلت عقوبة الفاعل اشد من عقوبة الشريك. ولكن حتى القوانين الاولى التي ساوت في العقوبة لم تجعل هذه المساواة مطلقة. ففي حالات معينه يقرر المشرع للمساهم التبعي عقوبة تختلف عن عقوبة الجريمة والتي هي عقوبة الفاعل. وهذا ما اشارت اليه المادة ( 50 ) من قانون العقوبات العراقي ( كل من ساهم بوصفه فاعلا او شريكا في ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبة المقررة لها مالم ينص القانون على خلاف ذلك ). وفي الحالات التي ينص عليها القانون خلافا لهذه المادة تظهر ثمرة التمييز بين صورتي المساهمة. وهذ اما اخذ به المشرع التونسي في الفصل (34 م ج ).

3- من حيث كونها ظرفا مشددا:
اعتبرت الكثير من القوانين ان المساهمة ظرف مشدد للجريمة، كما فعل المشرع العراقي في جريمة السرقة ( ف2 م440 ) قانون العقوبات العراقي. اما الرأي الراجح في الفقه فلا يعتبر تعدد الجناة ظرفا مشددا الا في حالة تعدد المساهمين الاصليين في الجريمة. وعليه وحسب الراي الاخير لاتعتبر المساهمة ظرفا مشددا للجريمة اذا كان هناك فاعل واحد وان تعدد الشركاء(2).

4- من حيث الصفة الجرمية لفعل الشريك:
ذكرنا بان فعل الشريك يستعير صفته الجرمية من فعل الفاعل الاصلي. وبذلك يكون المعول عليه في فرض العقاب هو صفة الفاعل الاصلي دون صفة الشريك. فاذا ما تخلف ركنا من اركان الجريمة لدى الفاعل الاصلي فلا تعتبر الجريمة قائمة حتى وان توفر ذلك الركن لدى الشريك ، كجريمة الرشوة التي يشترك لتحققها صفة الوظيفة عند الفاعل.

المطلب الثاني
تكييف مسؤولية الشريك


اذاكانت المساهمة تقوم على اساسين، تعدد الجناة ووحدة الجريمة ، كما ان عمل كل مساهم يعتبر ضروري لاكمال النتيجة الجرمية. ولا يهم بعد ذلك ما اذا تشابهت ادوارهم او اختلفت، انما المهم هي توفر علاقة بين المساهم الاصلي والمساهم التبعي والتي تعتبر ضرورية لمعرفة ما اذا كانت الجريمة المرتكبة نفذت بواسطة المساهمة الجنائية ام انها جرائم متفرقة يسأل عنها فاعلها فقط. ولما كانت مسؤولية الشريك تدور وجودا وعدما مع مسؤولية الفاعل فكان لابد من تكييف العلاقة بينهما. وبهذا الصدد انقسم الفقه الى مذهبين ، اخذ المذهب الاول بنظام وحدة الجريمة كأساس لتحديد العلاقة بين الفاعل والشريك بينما تبنى المذهب الاخر نظام تعدد الجرائم.

اولا – نظام وحدة الجريمة ( الاستعارة ):
تذهب هذه النظرية الى ان الافعال سواء كانت ثانوية ( اعمال المساهمين التابعين ) او افعالا اصلية (افعال المساهمين الاصليين ) تؤدي جميعها الى تنفيذ المشروع الاجرامي وبها جميعا تتحقق النتيجة الاجرامية وبهذا نكون امام جريمة واحدة تعاون على ارتكابها اكثر من شخص، وبالتالي يسأل الجميع عن الجريمة التي هي نتاج تعاونهم. اما كيفية تحقق مسؤولية الشركاء مع ان ما يقومون به من اعمال هي مباحة وغير معاقب عليها قانونا. يجيب انصار هذا المذهب بان مسؤولية الشركاء تحققت عن افعالهم المباحة اصلا، من استعارتهم الصفة الجرمية من اعمال الفاعليين الاصليين، وهذه الاستعارة المطلقة.
ترتكز هذه النظرية على فكرة الاستعارة المطلقة بحيث تنقل جرمية الفاعل الى الشريك، فيُسأل الثاني كمسؤولية الاول، ولم تقف عند هذا الحد بل تنقل الى الشريك الظروف المشددة للجريمة. اما لو امتنع الفاعل عن القيام بفعله فلا تتحقق مسؤولية الشريك وبالتالي لايعاقب. فلو ان احدا اعار آخر سكينا لقتل ثالث. اذا نفذ المستعير جريمته وقام بفعل القتل يعتبر الاول شريكا. على الرغم من ان فعل الاعارة لو أُخذ مجردا عن فعل القتل لكان فعلا مباحا ولم يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، انما اصبح جريمة نتيجة قيام المستعير بجريمة القتل، وللعلاقة بين القتل والاعارة اصبح الفعل الاخير جريمة، فالاعارة استعارت صفتها الجرمية من فعل القتل وبهذا تحققت مسؤولية الشريك. دليلهم في ذلك لو لم يقم المستعير بجريمة القتل فلا يعاقب الشريك لان فعله مباح.
واخذ المشرع الفرنسي بالاستعارة المطلقة وعنه اخذ المشرع المصري المادة ( 41 ) وكذا فعل المشرع التونسي في الفصل ( 32 م ج ). ولم تسلم نظرية الاستعارة المطلقة من النقد فقد وجهت الهيا انتقادات شديدة منها:

1- انها تربط بين مسؤولية الشريك ومسؤولية الفاعل الاصلي، فلا تتحقق الاولى الا بتحقق الثانية مع العلم ان الشريك في حالات كثيرة يكون اكثر خطورة من الفاعل الاصلي كما في حالة التحريض، واستنادا الى هذه النظرية لا يعاقب المحرِض الا اذا ارتكب المحرَض ما حرض عليه. الامر الذي دفع بعض التشريعات الى اعتبار المحرض شريكا وعاقبته بعقوبة مستقلة، حيث اعتبرت تبعة المحّرض مستقلة عن تبعة المحرَّضَ كما هو الحال في قانون العقوبات السوري المادة ( 216 ).
2- مساواتها بين الفاعل الاصلي والشريك، مع تفاوتهما في الخطورة الاجرامية، لان دور الشريك في الغالب اقل خطورة من دور الفاعل الاصلي.
3- تنسحب ظروف الجريمة وظروف الفاعل الاصلي على الشريك فيكون مشمولا بها.
هذه الانتقادات وغيرها دفعت البعض الى التخلي عن نظرية الاستعارة المطلقة وحلت محلها الاستعارة النسبية، والتي تتفق مع الاستعارة المطلقة في استعارت الصفة الجرمية لفعل الشريك من فعل الفاعل الاصلي، الا انها تفترق عنها في تخفيف العقوبة عن الشريك لان دوره ثانويا قياسا الى دور الفاعل الاصلي. وانقسمت القوانين في تخفيف العقوبة عن الشريك، فمنها نص عليه صراحة الامر الذي جعل تخفيف العقوبة بالنسبة للشريك امرا الزاميا، في حين اتجهت قوانين اخرى اتجاها آخر حيث تركت مسألة تخفيف العقوبة الى تقدير القاضي وهذا مافعله المشرع السوري.
يؤخذ على الاستعارة النسبية انها جعلت افعال الشريك دوما اخف من افعال الفاعل الاصلي ، وهذه ليست قاعدة مضطردة، اذ يمكن في حالات اخرى يحدث العكس. ولما لم تسلم نظرية الاستعارة بشقيها المطلق والنسبي من الانتقادات اتجه بعض الفقهاء الى تبني نظرية الجرائم المتعددة لتكييف مسؤولية الشريك.

ثانيا – نظرية تعدد الجرائم:
ان الاساس الذي تقوم عليه هذه النظرية هو استقلال مسؤولية الفاعل الاصلي عن الشريك، لانها تتبنى فكرة تجزئة الجريمة الى ادوار وكل من هذه الادوار يشكل جريمة قائمة بذاتها. ولما كان دور كل مساهم يشكل جريمة مستقلا عن ادوار الشركاء الاخرين فيُسأل كل فاعل عن نشاطه. وعلى هذا لا يستمد الشريك الصفة الاجرامية لفعله من فعل الاصيل كما هو الحال في نظرية الجريمة الواحدة. انما يسأل عن فعله دون الالتفات الى فعل الاصيل او المساهمين الاخرين. فلو اتفق اكثر من شخص على جريمة قتل فحرض احدهم على القتل فيما اخفى الثاني الفاعل في بيته بينما قام الثالث بتنفيذ الجريمة. فيُسأل الاول عن فعل التحريض بينما تكون جريمة الثاني هي فعل التستر او الاخفاء بينما يُسأل الثالث عن جريمة القتل.

يترتب على ذلك نتيجتان:
1- اذا لم يرتكب الفاعل الجريمة فان الشريك يظل مسؤولا كما في التحريض على القتل. فاذا لم ينفذ المحرَض فعل القتل فان المحرِّض يبقى مسؤولا عن التحريض, لان وفق هذه النظرية كل مساهم يسأل عن فعله ، فلا يستمد فعل الشريك المسؤولية من فعل الفاعل الاصيل.
2- فعل كل مساهم يختص بالظروف التي احاطت به ولا يتأثر بظروف افعال المساهمين الاخرين.
ما يؤخذ على هذه النظرية هو تفتيتها للمشروع الاجرامي بحيث يجعل الجريمة الواحدة تتفرع الى عدة جرائم. اضافة الى انه يقضي على فكرة الخطورة الجنائية للمساهمة.
يلاحظ ان المشرع العراقي وان اخذ بنظام الجريمة الواحدة التي تعتمد اساسا على مذهب الاستعارة المطلقة حيث قرر معاقبة الشريك بنفس العقوبة المقررة للجريمة. الا انه جعل لذلك استثناءات بموجبها يكون للشريك عقوبة تختلف عن عقوبة الفاعل اذا ( نص القانون على خلاف ذلك ) وهذا ما اشارت اليه المادة ( 50 ) من قانون العقوبات العراقي. كما ان المشرع العراقي اخذ بنظرية الاستعارة النسبية عندما ترك للقاضي حق تفريد عقوبة الفاعل والشريك ولم يطبق الظروف الشخصية المشددة للعقوبة والخاصة بالفاعل على الشريك. وبذلك يكون المشرع العراقي قد تفادى الانتقادات الموجهة الى الاستعارة المطلقة والاستعارة النسبية بسلوكه طريقا وسطا بين الاستعارتين.
واخذ المشرع المصري في المادة ( 41 ) بالاستعارة المطلقة وعاقب الشريك بنفس عقوبة الفاعل الا انه استثنى من ذلك حالات نص عليها القانون. ومن نص الفصل (32 م ج ) التونسية يتبين ان المشرع التونسي تبنى نفس المذهب، حيث نقل الى الشركاء جريمة المجرم الاصلي وكذلك نقل اليهم الظروف المادية المشددة. اما في الفصل ( 33 ) فيعاقب الشريك بنفس عقوبة الاصيل مالم ينطبق عليه الفصل ( 53 ).




المبحث الثاني
المساهمة الجنائية في القانون


تناولت التشريعات العقابية المساهمة في الجريمة فذكرت المساهمين الاصلين ثم تناولت الشركاء والعقوبة المقررة لهما وسريان الظروف على الشريك. فجعل المشرع العراقي المساهمة في الجريمة موضوع المواد (47 – 54 ) الواردة في الفصل الخامس من الكتاب الاول. وتناولت المادة (47 ) منه المساهم الاصلي واطلقت عليه اسم الفاعل فيما تناولت المادة (48 ) الشريك. اما المشرع التونسي فقد ذكر في الفصل ( 32 ) الافعال المكونه للركن المادي للمشاركة وذكر انها اما ان تكون سابقة على وقوع الجريمة او متزامنه معها او لاحقة لها وبذلك اتفق مع المشرع المصري في ذكر الافعال اللاحقة على الجريمة وخالف المشرع العراقي كما سنرى ذلك. ولم يختلف المشرع المصري عن المشرع العراقي في تعداده للفاعلين الاصليين في المادة ( 39 ) من قانون العقوبات المصري. اما الشركاء فتم ذكرهم بموجب المادة ( 40 ). وذلك ما سنبحثه في المطلبين اللاحقين:




المطلب الاول
الفاعل في القانو ن العراقي



تناولت المادة ( 47 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بفقراتها الثلاث المساهمين الاصلين واطلقت عليهم الفاعلين . وحالة رابعة اشارت اليها المادة ( 49 ) وهي الشركاء المذكورين في المادة ( 48) اذا حضروا وقت ارتكاب الجريمة او وقت ارتكاب اي فعل من الافعال المكونة لها . وبذلك يكون الفاعلون في قانون العقوبات العراق اربعة وعلى النحو التالي:

1- من يرتكب الجريمة لوحده:
يتبادر الى الذهن من القراءة الاولية للفقرة الاولى من المادة ( 47 ) اعلاه انها اعتبرت ان المساهم هو من يقوم بالفعل لوحده، وفي هذه الحالة لاتتحقق المساهمة لتخلف ركن تعدد المساهمين، وسبق القول ان المساهمة تقوم على ركنين تعدد المساهمين ووحدة الجريمة. واذا كان الامر كذلك فلماذا ذكر المشرع هذه الحالة في موضوع المساهمة ؟ الجواب على ذلك هو ان المشرع افرد المادة ( 47 ) بفقراتها الثلاث الى الفاعلين الاصليين . والفاعل الاصلي هنا يكون قد ارتكب فعل الجريمة لوحدة مع وجود شركاء آخرين ثانويين لم يذكرهم كون الحديث منصبا على المساهم الاصلي . كما لوحرض – أ - آخرهو – ب – لقتل – ج - فاستعار ب سكينا من – د – وقتل ج. فهنا نكون امام مساهم اصلي واحد هو ب الذي نفذ جريمة القتل مع مساهمين آخرين هما ( أ ، د ) الا انهما شركاء وليسا فاعلين.

2- من يرتكب الجريمة مع غيره:
وتتحقق هذه الصورة اذا شارك اكثر من فاعل في ارتكاب الركن المادي للجرية، سواء اكان الركن المادي يتكون من فعل واحد ساهم في اتيانه اكثر من فاعل. كما لو ساهم اثنان في اطلاق النار على شخص فاردياه قتيلا. او ان الركن المادي يتكون من اكثر من فعل ويأتي كل مساهم احد الافعال. ويتحقق ذلك في صورتين:
أ – اذا قام كل مساهم بفعل يكفي وحده لوقوع الجريمة فيعتبر مساهما اصليا، كما لواتى اكثر من مساهم بأفعال متماثلة وكلا منها يكفي قانونا لوقوع جريمة . كما لو اتفق مجموعة من الاشخاص على سرقة منزل وحمل كل منهم قسما من المال المسروق وبما ان جريمة السرقة تتحقق بوضع اليد على مال الغير، فيعتبر كل منهم مساهما اصليا في جريمة السرقة. لان فعل كل مساهم من هؤلاءيشكل جريمة لوحده.
ب – اذا كان فعل كل مساهم لايكفي وحده لتحقق جريمة، ولا يهم ان تكون افعالهم متماثلة ام لا،
انما تقع الجريمة متى اجتمعت جميع افعال المساهمين، فاذا ما اجتمعت افعالهم تحقق الركن المادي للجريمة. كما لو حرر احدهم السند المزور وقام الثاني بالتوقيع عليه، وهنا ساهم الاثنان في الركن المادي للجريمة ووقعت الجريمة باجتماع عملهما.

3- من قام اثناء ارتكابها بعمل من اعمالها:
وهذا ما اشارت اليه الفقرة الثانية من المادة ( 47 ) حيث اعتبرت فاعلا اصليا كل من يقوم بفعل يدخل في تنفيذ الجريمة. وليس المراد من هذه الافعال ان تكون جزء من الركن المادي لان مثل هذه الافعال تشملها الفقرة السابقة، ولو اراد المشرع ذلك لكان تكرارا لا فائدة منه ، انما كان قصد المشرع هو تلك الافعال التي تحقق البدء بتنفيذ الشروع في الجريمة. وذكر المشرع هؤلاء المساهمين لانهم يدخلون في الجريمة دون الد*** بالركن المادي لها الا ان افعالهم تؤدي الى الركن المادي مباشرة(3). مثال هذه الحالة كما لو كسر احدهم باب المنزل ودخل الثاني لسرقته فكلاهما فاعلا اصليا من سرق ارتكب الفعل المكون للركن المادي للجريمة حيث وضع يده على المال ونقل حيازته ، بينما الثاني دخل في ارتكابها ولو لم يات بفعل يعتبر جزء من الركن المادي للجريمة ، الا انه فعل تحقق به البدء بالتنفيذ فهو متصل بالركن المادي ومؤدي اليه.

4- الفاعل المعنوي:
يختلف الفاعل المعنوي عن غيره من الفاعلين فهو لم يشترك باي فعل من الافعال المكونة او المؤدية الى الركن المادي للجريمة. انما يقوم بانتهاز نقطة ضعف في غيره فيستعمله كأداة لتنفيذ جريمته.
اعتبر المؤتمر السابع الذي نظمته الجمعية الدولية لقانون العقوبات في اثينا عام 1957 الفاعل غير المباشر هو من يدفع الى ارتكاب الجريمة منفذا غير مسؤول عنها جزائيا. كما اعتبر المحرض هو من يحمل عمدا شخصا آخر على ارتكاب جريمة (4).
وهنا لابد من التمييز بين المحرض والفاعل المعنوي.فالثاني يدفع شخصا لا يعلم بجرمية العمل الذي يقوم به ولذلك فهو غير مسؤول عن فعله جزائيا كحسن النية او عدم الادراك. كما لوطلب احدهم من آخر في المطار ان يساعده في حمل الحقيبة وتقوم الشرطة بتفتيش الحقيبة فاذا بها مخدرات. اما المحرض فيرتكب جريمته بواسطة شخص يعلم ان ما يقوم به يشكل جريمة وبالتالي فهو مسؤول عن فعله. اضافة لذلك الفاعل المعنوي يعتبر فاعلا اصليا لان الشخص الذي ارتكب الفعل الكون للركن المادي للجريمة ماهو الا وسيلة استخدمها الفاعل المعنوي كما لو استخدم يده في تنفيذ الجريمة او استخدم عربة دفعها تجاه المجني عليه فقتله او اي وسيلة اخرى. كما ان الفاعل المعنوي يشمل معنى اوسع من التحريض الامر الذي حدى بالمشرع العراقي ان يذكر عبارة ( من دفع باية وسيلة ) حتى وان كانت هذه الوسيلة اقل درجة من التحريض.
وقد ظهرت نظرية الفاعل المعنوي والفصل بينها وبين التحريض، لان الاخير يؤدي الى افلات المحرض من العقوبة اذا كان الفاعل للجريمة غير مسؤول جزائيا عنها. بما ان فعل الشريك يكتسب الصفة الجرمية من الفاعل الاصلي وهنا الفاعل الاصلي غير مسؤول وهذا يعني عدم مسؤولية المحرض. لذلك ظهرت نظرية الفاعل المعنوي التي وسعت في مفهوم الفاعل. واخذ بذلك الفقه والقضاء في المانيا (5).
وقد اثار موضوع الفاعل المعنوي جدلا فقهيا واسعا، وانقسم الفقهاء الى مؤيد لهذه النظرية ومعارض لها. وتباينت التشريعات في الاخذ بها، فمن التشريعات من نص عليها صراحة، بينما عزف عن ذكرها القسم الاخر وكأنما ترك امرها للقضاء ليقول كلمته فيها. والمشرع العراقي من اخذ بنظرية الفاعل المعنوي ونص عليها في الفقرة الثالثة من المادة ( 47 ).

4 – الشريك الذي يحضر ارتكاب الجريمة:
ولم تشترط المادة (49 ) من قانون العقوبات العراقي ان يباشر الشريك اي عمل من الاعمال المادية للجريمة بل اكتفت بحضوره اثناء ارتكاب الجريمة ليكتسب صفة المساهم الاصلي. كما لم تشترط المادة ان يكون حضور الشريك وقت تمام الفعل او الافعال المكونة للركن المادي للجريمة بل اعتبرت الشريك مساهما اصليا حتى قبل التنفيذ او المباشرة بأي فعل من الافعال التنفيذية. الا انه ينبغي ان يكون الحضور على علم الشريك ورغبته لا ان يكون نتيجة المصادفة. وتبعا لذلك فمن يراقب الطريق بينما يسرق الاخرون يعتبر مساهما اصليا في الجريمة.
ما اخذ به المشرع العراقي من ان حضور الشريك اثناء ارتكاب الجريمة ليس من ابداعه. انما نادت به النظرية الشخصية حيث جعلت المعيار للتمييز بين الفاعل والشريك معيارا شخصيا قوامه ما يثبت من قصد الجاني بعمله. ولكون الشريك هنا اتخذ خطوة ابعد من الاشتراك وذلك لانه قام بمؤازرة المساهم الاصلي فيها وحضوره دل على رغبته في الد*** في ارتكابها(6).

على ان ماتجب الاشارة اليه هو ما يلي:
1- يشترط في الفاعل الاصلي ان يساهم في دور رئيسي في الجريمة او ان يقوم بعمل يتحقق بموجبه البدء في التنفيذ المحقق للشروع في الجريمة. على ان يكون قد اتى بعمله الاخير وقت تنفيذ الجريمة والا فلايعتبر مساهما اصليا انما شريكا. فلو قام احدهم بكسر الباب ليدخل الثاني للسرقة وفعل دخل وسرق يعتبر كل منهما فاعلا في الجريمة. اما اذا كسر الباب ودخله الثاني في وقت آخر غير وقت الكسر وقام بعملية السرقة فيعتبر الاول شريكا بينما الثاني فاعلا(7).
2 – القصد الجرمي او الجنائي شرط لابد منه لتحقق صفة الفاعل الاصلي في المساهمة. وقد سبقت الاشارة الى هذا الموضوع بالقول ان القصد الجرمي لا يتحقق الا بتحقق نية التداخل في الجريمة لدى المساهم . ما يترتب على ذلك اذا قام اكثر من فاعل في ماديات الجريمة ولم تقم بينهم الرابطة الذهنية فلا نكون امام مساهمة اصلية ، وانما امام عدة جرائم ارتكبها عدة اشخاص ويسأل كل منهم عن الجريمة التي ارتكبها.
3- قد يرتكب احد المساهمين جريمة اخرى غير الجريمة التي تم الاتفاق عليها ولم تكن نتيجة محتملة للجريمة المتفق عليها. ففي هذه الحالة يسأل مرتكبها لوحده عنها دون الاخرين الذين تنحصر مسؤوليتهم عن الجريمة التي اتفقوا عليها. بينما الاول تتحقق مسؤوليته عن الجريمة التي ارتكبها بمفرده والغير متفق عليها ولم تكن نتيجة للجريمة الاصلية، اضافة الى مسؤوليته عن الجريمة المتفق عليها. كما لو اتفق عدة اشخاص على سرقة منزل وفي الطريق صادف احدهم عدوا له فقتله. فلا يسأل عن جريمة القتل الا القاتل. اما اذا كانت الجريمة هي نتيجة محتملة للجريمة المتفق عليها فيُسأل الجميع عنها. كما لو اتفقوا على سرقة منزل واثناء نقل المواد المسروقة احس صاحب المنزل فقتله احدهم ولم يشترك الاخرون بأي فعل مادي او تحريض او غيره في هذه الجريمة. يُسأل الجميع عن جريمتي القتل والسرقة، صحيح ان من قام بالقتل هو شخص واحد ولم يشاركه غيره من المساهمين الا ان جريمة القتل هي ( نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت ) وهذا مانصت عليه المادة ( 53 ) من قانون العقوبات العراقي .

عقوبة المساهم الاصلي:
يعاقب الفاعل او المساهم الاصلي بالعقوبة التي يقررها القانون للجريمة ( المادة 50 ع ع ). ولا يهم ما اذا كان الفاعل قد ارتكبها لوحده او مع غيره حتى لوكان العمل الذي قام به المساهم الاصلي لا يعدو ان يكون شروعا فيها فيما لو أُ خذ بمفرده. كما لو اطلق شخصان النار على المجني عليه وكانت اصابة احدهم هي الاصابة القاتله، يعاقب الاثنان بعقوبة القتل العمد. وهذا ما اخذت به محكمة تمييز العراق بقرارها (ب 1966 ) جنايات ، 1964في 23 /1 / 1965 بقولها ( اذا تحققت المساهمة الاصلية فلا عبرة بالفعل المنسوب الى كل واحد من المساهمين في الجريمة )(.
ويعاقب المساهم الاصلي بعقوبة الشروع عن الجريمة التي اراد ارتكابها اذا اوقف سلوكه او تخلفت نتيجته لسبب لادخل لارادة الفاعل به. ويلاحظ ان قانون العقوبات العراقي لا يعتبر تعدد الفاعلين الاصليين ظرفا مشددا للجريمة بشكل مطلق. ولكنه جعل تعدد الفاعلين في بعض الجرائم ظرفا مشددا كما في جريمة السرقة.