نموّ شخصيّة الإنسان


9- التعويض Compensation
هو الظهور بصفة معينة بقصد تغطية صفة أخرى ، ومن المتوقع أن تكون الصفة التى يظهر الفرد بها صفة حسنة محببة ، على حين أن الصفة المستترة غير طيبة وغير مقبولة ، وتحدث عادة مبالغة واسراف وتكلف في الصفة الظاهرة . مثال ذلك الطفل الذى يضربه أبوه ضربا مبرحا، ولكن الطفل في حاجة إلى هذا الأب ، وقد جرت العادة على أن يحب الطفل أباه ، ومن ثم يكبت كراهيته له ، ويبالغ في حبه ويعوض عن هذه الكراهية ويغطيها . ولذلك يشك بعض الناس فيما يبدو على غيرهم من كرم حاتمى أو أدب جم أو ورع شديد أو غرور يخفى ضعفا .

10- التسامي Sublimation
يتعذر أحيانا تصريف الطاقة النفسية بشكل مباشر لأن طبيعة الهدف قد تكون غير اخلاقية أو غير اجتماعية ، وفي هذه الحالة يمكن اعلاؤها عن طريق توجيهها ، إلى هدف آخر مقبول اجتماعيا . ويعتبر التسامي نوعا من الابدال يتم من خلاله التعبير عن الحوافز التى لا يمكن ارضاؤها بأسلوب اجتماعي .

11- الانكار Denial
وتتعلق هذه العملية النفسية بأنكار الحوافز غير المقبولة وما يرتبط بها ، حيث يرفض الفرد تصديق أن لديه مثل تلك الدوافع أو الحوافز . فبعض الناس لا يستطيع أن يبدى مظاهر الغضب تجاه والديه أو زوجته مثلا مما يجعله يعمل على انكار وجودها وتحاشى القيام بأى سلوك بسيط يمكن تفسيره على أنه علامة من علامات الغضب تجاههم . ويحدث هذا الأمر في حياتنا اليومية ، حيث ينكر الموظف أو المنتج في بعض المواقف شعوره بالتعب أو الارهاق ويدعى النشاط والصحة والحيوية لإن الشكوى من التعب والارهاق قد تعرضه لفقدان تلك الوظيفة بالذات أو الحرمان من منحة أو علاوة ، وهو ما يسبب الضيق والألم . ولهذا فهو ينكر مشاعره حتى يشعر بالراحه .
يرى أصحاب نظرية التحليل النفسي أن وسائل الدفاع النفسية هى أساليب مؤقته لحل الصراعات ، وأن وسيلة الدفاع الرئيسية هي الكبت . فمن المعروف أن الأنا هى ذات أصل اجتماعي ، وأنها تأخذ في النمو مع بداية عملية التطبيع الاجتماعي للطفل .
غير أن الأنا تكون ضعيفة في بدايتها وغير قادرة على التعامل مع جميع المواقف ، مما يجعلها تلجأ إلى مجموعة من الحيل لحماية نفسها عن طريق عملية (الكبت) من أجل التعبير عن انكارها لوجود الأخطار ، أو عن طريق (الاسقاط) الذى يعنى الصاق الخطر بهدف آخر خارجي ، وعن طريق (التثبيت) الذى يعتبر عن الجمود وعدم القدرة على الحركة لعمل شئ ما ، وعن طريق (النكوص) الذى يعبر عن الرجوع أو الهروب إلى مكان آخر أكثر أمنا ، وغير ذلك من وسائل متنوعة أخرى . ويؤدي إستخدام هذه الأساليب لفترات مؤقتة إلى الشعور بالراحة ، الا أن استخدامها بشكل دائم يؤدي إلى التعود عليها وإلى انحراف الشخصية عن مسارها السوى (رمضان القذافي ، 1993 :113) .
من المعروف أن وسائل الدفاع النفسية هى أساليب غير منطقية للتعامل مع التوتر والقلق . ورغم أن العلماء لا ينعون في استخدامها مؤقتا الا أنهم يشيرون إلى بعض المساوئ المرتبطة بها وباستخدامها ، وهى :
1- أنها تتغاضى عن القلق وتتجاهله . ولكنها لا تقضى عليه ولا تتعامل مع مسبباته .
2- أنها تعمل على اخفاء الحقيقة وتزييفها أو انكارها ، وبالتالي فهى ليست وسيلة واقعية وإنما تعتمد على الحيل والخداع .
3- أنها تعطل النمو النفسي والتطور لأنها تؤدي إلى الاستحواذ على معظم الطاقة النفسية اللازمة لأداء النشاطات الآخرى .
4- أنه فى حالة استحواذ تلك الوسائل على معظم مصادر الطاقة وعدم قدرة الأنا على النمو ، فانه قد تضعف وتفشل مما يؤدي إلى ما يسمى بالانهيار العصبي .
5- أنها تعمل على مستوى اللاشعور بعيدا عن سيطرة الأنا ، وهو ما يجعل نشاطها بعيدا عن الوعي والادراك الشخصي (رمضان القذافي، 1993: 114) .

نظرية سوليفان
أن "سوليفان" (Sallivan, 1968) - وهو من التحليليون الجدد - يرى أن الشخصية هى مجموعة العمليات الدينامية ، تتصف بحالة من التدفق الثابت لهذه العمليات يفضل أن يعرض مثل هذه التحولات في الطاقة بالديناميات Dynamisms . والديناميات هى عملية فطرية ومألوفة ، ولها علاقة بالصورة النهائية التى تكون عليها الشخصية ، وهى شائعة بشكل قليل أو كثير في كل الأفراد ، وبما تأخذ بعض الصور المختلفة من السلوك كالكلام أو الحركة ، وربما تشمل أحداث غير ظاهرة وخيالية أو كافية كالعمليات العقلية ، أو ربما تكون لا شعورية جزئيا أو كلياً . وعلى سبيل المثال فدينامية الكراهية hate تتكون من تحول أو إعادة تشكيل الطاقة الفزيقية إلى تفكير خفي ، أو سلوك ظاهر يختزل التوتر من خلال العدوان ، أما دينامية الاتصال الجنسي فتتضمن استخدام الطاقة في إشباع الحاجة للجنس ، وتتعدل أو تتغير الديناميات بشكل ثابت في سلم الرقى أو التطور النمائي للفرد من خلال التعلم أو النضج ، ومع ذلك فالسلوك الناتج عادة لا يكون متطابق مع مختلف المواقف (أو كما يعبر عنه مختلف الأفراد) . فإظهار الكراهية ربما يختلف إلى حد ما في الشدة أو الخواص النوعية والسلوكيات المصاحبة من فرد لآخر ومن موقف لآخر لدى نفس الفرد ، ولكنها رغم ذلك تمثل نفس الديناميات
ويوضح ذلك "سوليفان" بقوله ليس مجرد أن يختلف برتقالتين عن بعضهما البعض في الحجم أو الشكل أو حتى الطعم يجعلهم لا ينتمون إلى نفس النوع من الفاكهة ، أو أن كلمة ما قد تترجم بمعنيين مختلفين تماماً من قبل اثنين من الناس ، ولكنها تبقى في النهاية ذات معنى واحد ، ولكن الكراهية والشهوة hare and lust تختلف في دينامياتها كما يختلف الليمون عن البرتقال " ، فالدينامية تتكون من نمط أو غشاء من تحول الطاقة إلى نوع آخر يختلف محتواها فقط بدرجة واضحة .. " فالدينامية هى النمط الثابت نسبياً من تحول الطاقة إلى إحدى الصور الأخرى ، وتتميز بتوجيهها للكائن العضوى ككائن حى ، كما يعرف النمط Pattern بانه خلاف من الاختلافات الجزئية غير الواضحة ، ولذلك أفضل مصطلح الدينامية لأنه يشير إلى الميكانزمات العقلية والنظام النفسي وما شابه ذلك ، ويدل على القدرة النسبية المحتمله للفرد أن يكون بمنأى عن أى تغيرات .
وينظر "سوليفان " بالفعل إلى الكائن العضوى الإنساني ككل كديناميات أولية تتكون من ديناميات ثانوية متنوعة ، كالخلايا والأعضاء ، فيناقش مثلا الخصائص الدينامية لقرنية العين أو القلب ، وهو ما يعكس أن هذه المكونات يمكن أن تسهم في الحياة ، وفي نجاح عملية زراعة الأعضاء، بعد موت الفرد ، وبشكل أساسي فإن سوليفان يركز على ثلاث أنواع أساسية من الديناميات .
النوع الأول : يتضمن هذا التحول في الطاقة التى تتركز مباشرة على التوترات الناتجة عن اختلال عملية الإحساس بالنشاط والخفة (الايوفوريا) ، والعلاقات البينشخصية الموزعة أو المركزة مثل الرغبة الجنسية ، الخوف ، الغضب ، الكراهية ، الشعور بالذنب ، التكبر . وتتضمن كذلك في هذه الفئة ديناميات الأمان وعدم فتور الشعور والانعزالية التى تفيد في حالة التوترات الزائدة عن الحد دون أن يكون هناك من يحد و يخفض منها عندما تكون على وشك الظهور ، وعلى سبيل المثال إذا كان هناك طفل جائع لم يأكل منذ فترة ، فإن التوتر الزائد والخوف يميلان لانتاج أنماط سلوكية مثل تحطيم الذات والتقلص العضلى وزرقة الوجه الناتجة عن نقص الاكسجين في الدم ، ولذلك فإن دينامية التخلى عنه باللامبالاة تدفعه لأن يسلك بطريقة ما مثل تبليل الفراش ، وطالما أن هذا الطفل لا يستطيع أن ينهى هذا التوتر فإنه يلجأ إلى النوم ، وبالمثل فإن دينامية الارق المستمر يمكن أن تؤدي إلى القلق الزائد واللامبالاة الزائدة أو المحدودة ، ويمكن أن يكون ذلك مؤذيا أو حتى ممتعاً.
النوع الثاني : يتكون من تحولات الطاقة المميزة والتى تحدث بصفة خاصة في النهايات الموقفية للجسم Bodily end-station في اثناء التعامل مع العالم من خلال مناطق التفاعل مثل الفم ، والشرج، والقناة البولية ، والأعضاء التناسلية ، والغدد اللبنية في ثدى الأم ، وعلى سبيل المثال فالمنطقية الفمية لا تفيد في حالة الحاجة للطعام والشراب ، ولكنه كدينامية لها فإنها توضح الحاجة إلى المص والرضاعة ، ونفس الأمر بالنسبة لليدين لا تسعى فقط إلى معالجة الأشياء ولكن أيضا لمسها .. وماشابه ذلك ويتضمن السلوك الطبيعي الملاحظ كل من التفاعل البينشخصي وديناميات المناطق الشبقية . حيث انها تتضمن بعض صور العلاقات مع الآخرين والتى يتم التعبير عنها من خلال منطقة واحدة على الأقل من مناطق التفاعل .
النوع الثالث : ويعد ذات أهمية جزئية لا ترقى لمستوى النوعين الآخرين وهو نظام الذات Self-System والذى يخدم حاجتنا للتحرر من توتر القلق ، وحيث ان هذا النوع جاء مطابقاً لما اقترحه سوليفان حول تركيب الشخصية.