نموّ شخصيّة الإنسان


التقرير الذاتى
الدراسات الأدوات ن الجنس العمر اعادة التطبيق بالسنة وسيط معامل الارتباط
"بلوك"(Block,1977) قائمة كاليفورنيا النفسية CPI
219 ذكور واناث 13-38 10 71و .
جـ – الثبات عبر المواقف :
هناك أدلة قليلة على ثبات الشخصية عندماننظر إلى مقاييس السلوك عبر مواقف مختلفة ، مثال ذلك السلوك العدواني في المنزل والسلوك العدواني في المدرسة . وبإستثناء القدرات العقلية والمعرفية فأن أغلب خصائص الشخصية تكشف عن ثبات بسيط عبر المواقف . وتستخرج دائما دراسات سمات مثل الأمانة وضبط الذات والتبعية والعدوان ارتباطات منخفضة بين قياسات السمة في موقف واحد والقياسات في موقف آخر كما بين "ميشيل" . ومثال ذلك الدراسات التى أظهرت أن درجة الأمانة التى توجد لدى طفل في موقف مغر ( مثل فرصة الغش في امتحان) لا ترتبط كثيرا بدرجة الأمانة التى يظهرها ذلك الطفل في الاستجابة لمغريات من أنواع مختلفة (مثلا سرقة نقود أو الكذب لكسب أحد الزملاء ).
لقد كانت محاولات ربط الاستجابات على اختبارات الشخصية بالسلوك في الحياة الواقعية أيضا مخيبة للآمال ، وتعد الارتباطات بين المقاييس المشتقة من قوائم الشخصية أو الطرق الاسقاطية والمقاييس المستقلة للسلوك أقل من 0.3 ويمكن أن تكون الارتباطات من هذا الحجم مفيدة في تحديد تقدير كلى للشخصية (كتقرير إذا كان شخص ما غير مناسب لمنصب دبلوماسي حساس) ، ولكنها ذات قيمة محدودة في التنبؤ بسلوك معين (أحمد عبد الخالق، 1993- أ : 493) .
كما أشار أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي إلى البيانات التى تظهر ثباتا منخفضا لسمات الشخصية عبر المواقف بوصفها دليلا على أن السلوك محدد بالموقف Situation - specific ، أى أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على طبيعة الموقف المعين الذي يحدث فيه ، أكثر من اعتماده على السمات الثابتة أو نزعات الاستجابة لدى الفرد ، فهم يؤكدون أنه ليس من المفيد كثيرا أن نميز الأشخاص اعتمادا على مصطلحات السمة العريضة (كالاندفاعية، التبعية، الخضوع ... الخ) لأن الأفراد يظهرون كثيرا من التغير والتميز في سلوكهم. ان تصرف الشخص باندفاع يعتمد - إلى حد كبير - على الظروف الخاصة التى تواجهه .
وتبعا لأصحاب نظرية التعلم الاجتماعي فان السمات تكون دائما "في أعين الملاحظ " أكثر منها في الشخص الى يلاحظه ، ونحن نميل إلى أن نلحق ثباتا أكبر بسلوك الشخص أكثر مما يوجد فعلا . وهناك أسباب عديدة لقيامنا بذلك ، نذكر أربعة منها ( نقلا عن أحمد عبد الخالق ، 1993- أ: 494) كما يلى :
1- تظل كثير من الصفات الشخصية ثابتة إلى حد ما ، كالمظهر الجسمى وطريقة الكلام والايماءات التعبيرية ، وتساعد هذه الثوابت على تكوين انطباع عن ثبات الشخصية .
2- يمكن أن تقودنا أفكارنا المسبقة عن كيفية تصرف الأشخاص إلى التعميم إلى ما وراء ملاحظاتنا الفعلية ، ويمكن أن نسد الثغرات ونملأ البيانات المفقودة تبعا لنظرتنا المضمرة عن كيفية اتساق السمات والتصرفات بعضها مع بعض ، فيمكن أن تجعلنا النماذج النمطية عمن لديهم "جنسية مثلية" نعتقد أنهم يعيشون حياة النساء ، ويمكن أن يتسبب ذلك في أن نلحق ثباتا كبيرا بأفعال الشخص أكثر مما تسمح به الملاحظات .
3- أن وجودنا يمكن أن يجعل بعض الناس يتصرفون بطرق معينة ، ومن ثم فأن أقاربنا يمكن أن يظهروا على أنهم يسلكون بشكل ثابت لأننا نكون موجودين بصفتنا منبها لهم أثناء كل ملاحظة نقوم بها . وقد يتصرفون بطريقة مختلفة تماما في غير وجودنا .
4- حيث أن أفعال أى شخص ظاهرة بارزة في أى موقف ، فاننا نميل إلى زيادة تقدير جوانب السلوك الناتجة عن خصائص الشخصية ، وننقص من قدر أهمية القوى الموقفية التى تؤدي بالشخص إلى أن يتصرف بالطريقة التى تصرف بها ، فاذا لاحظنا أن شخصا يتصرف بعدوانية فأننا نفترض أن لديه استعدادا عدوانيا ، وأنه سوف يتصرف بالطريقة ذاتها في مواقف أخرى حتى إذا كانت العوامل الموقفية مختلفة تماما .
أما أصحاب نظريات الشخصية الذين يعتقدون أن السلوك يتحدد عن طريق استعدادات دائمة أو دوافع كنظريات السمة والتحليل النفسي فيؤكدون أن الشخصية أكثر ثباتا عما تبين البحوث الموقفية المقارنة ، فهم يشيرون إلى العيوب المنهجية في كثير من دراسات الشخصية ، ويؤكدون الحاجة إلى كل من :
1- الملاحظات المتكررة .
2- الاهتمام بالفروق الفردية في ثبات الشخصية .
3- تعريف السمات بمصطلحات أكثر تحديدا .
تعتمد معظم الدراسات التى كشفت عن انخفاض الاتساق بين المواقف على عينة صغيرة من السلوك ، فقد تربط تلك الدراسات مثلا بين درجات الفرد على مقياس للعدوانية بسلوك عدواني له في تجربة معملية ، أو قد تحاول الربط بين سلوك المساعدة في موقف (اعطاء النقود للأعمال الخيرية ) بالمساعدة في موقف آخر (المسارعة إلى مساعدة شخص مكروب) . ويمكن أن نجد قدرا أكبر من الثبات عندما نلاحظ السلوك في عدد من المواقف . وتظهر ميزة المقاييس المتكررة في دراسة أجريت على طلاب جامعة قاموا يوميا ولعدة أسابيع بتدوين تجاربهم السارة وغير السارة كل يوم ، والمشاعر المرتبطة بكل خيرة ، ودوافعهم للتصرف (ماذا كان شعورهم أثناء استجابتهم للموقف ؟) وسلوكهم الفعلي .
وعندما قورن سلوك المفحوص أو انفعالاته في أى يومين كانت الارتباطات منخفضة تماما (ودائما تكون أقل من 0.30 ) ، ولكن استخراج متوسط سلوك المفحوص عبر فترة 14 أو 28 يوما جعل الارتباطات ترتفع (دائما تكون أعلى من 0.80) . وكلما زاد عدد الأيام في العينة زادت معاملات الثبات بين المقاييس المختلفة (الانفعالات والاندفاعات والتصرفات).
وكشفت دراسات أخرى عن نتائج متشابهة عندما يلاحظ السلوك عبر فترة من الزمن ، ففي دراسة أجراها "ليون Leon " تتبع الملاحظون الأشخاص لمدة اربع اسابيع ، وقاموا بتقدير درجات لهم على متغيرات الاجتماعية والاندفاعية . وعلى الرغم من أن الارتباطات بين أى يومين كانت منخفضة تماما فقد ارتبطت التقديرات المقيسة عبر الأربعة عشر يوما الأولى بدرجة 0.81 مع التقديرات المقيسة عبر الأربعة عشر يوما الثانية . ومن ثم يتضح أننا يمكن أن تجد اتساقا مرتفعا في السمات عبر المواقف بشرط أن نسمح بوقت كاف . والتطبيق العملى لذلك هو أننا إذا رغبنا في أن نكون دقيقين في أحكامنا عى الآخرين ، كأن نقرر إذا كانوا زملاء عمل يوثق بهم ، أو أصدقاء يعتمد عليهم أو شريك زواج مناسب فاننا نحتاج إلى ملاحظتهم في مواقف عديدة ، ويمكن أن تثبت العينة الصغيرة جدا للسلوك (الانطباع الأول ) أنها غير ملائمة .
ويذكر عالم النفس " ابستاين" أنه كان يعد المرأة التى يجب أن يتزوجها شخصية دافئة وتراعي مشاعر الآخرين ، ولكن ذلك لا يعني - في رأيه - أنه كان يعتقد أنها لا تغضب أبدا ولا تسيئ فهمه ، لأن سلوكها إذا كان غير متغير من موقف إلى آخر فأنها يمكن أن تكون متصلبة صارمة وآلية كالانسان الالى (روبوت).

د - الفروق الفردية في الثبات :
تفترض معظم البحوث في سمات الشخصية أن الناس يمكن أن توصف على كل سمة على أساس مدى اختلافهم بعضهم عن بعض في الكمية التى يمتلكونها منها . ومع أن بعض الأشخاص يمكن أن يكونوا متسقين في بعض السمات فان قلة قليلة فقط منهم يكونون ثابتين في جميع السمات . ففى أحد الدراسات طلب من مجموعة من الطلاب الجامعيين أن يقدروا مدى تغيرهم من موقف إلى آخر على مجموعة من السمات ، فظهر أن الطلاب الذين حكموا على أنفسهم بأنهم ثابتون على سمة معينة يميلون إلى أظهار ثبات أكبر من موقف إلى أخر بالمقارنة إلى الطلاب الذين حكموا على أنفسهم بأنهم متغيرون على هذه السمة ، مثال ذلك أن الطلبة الذين قالوا:انهم ودودون بدرجة ثابتة كانوا يميلون إلى اظهار مستوى ثابت من الصداقة إلى حد معقول ، وذلك تبعا للتقديرات التى قام بها آباؤهم وأندادهم وتبعا كذلك للملاحظة المباشرة لهم في مواقف عديدة ( كان الارتباط بين المواقف المختلفة 0.57 ) ، ويميل الطلاب الذين وصفوا أنفسهم على أنهم متغيرون في درجة "الود" إلى أن يكونوا أقل ثباتا (كان الارتباط بين المواقف 0.27 ) ( أحمد عبد الخالق ، 1993- أ : 495) .

بينت هذه الدراسة إذن أن الأشخاص مختلفون فى ثبات السمات المختلفة لديهم ، فسوف يضم الاختيار العشوائي للمحفوصين نتيجة لذلك بعض الأفراد الذين أظهروا ثباتا ، وبعض الأفراد الذين كشفوا عن تغير في سمه معينه كالأمان . وأن محاولة الكشف عن الثبات من موقف إلى آخر مع مثل هذه المجموعة المختلطة من المفحوصين سيؤدي إلى نتائج ضعيفة .

كما كشفت الدراسات التالية أن الأشخاص الذين يظهرون ثباتا سلوكيا يقعون في مجموعتين : تلك الثابتة عبر أبعاد سلوكية متعددة بحيث يمكن أن يكون الثبات - بالنسبة لهم - سمة لديهم . وتضم المجموعة الثانية أولئك الأفراد الثابتين في سمة واحدة أو سمتين (كالعدوان أو الاجتماعية مثلا). وتتوافر الأدلة على أن المجموعة التى كشفت عن ثبات سلوكي مرتفع تعد أكثر انتباها ووعيا بمشاعرها الداخلية بالمقارنة إلى المجموعة منخفضة الثبات (المرجع نفسه ).

هـ - تفاعل السمات مع المواقف :
وحتى يمكن فهم السلوك والتنبؤ به فان الحاجة ماسة إلى معرفة خصائص الأفراد والمواقف معا ، وليس من المفيد التحدث عن سمات عامة مثل العدوان أو القلق دون دراسة الظروف البيئية ، فيمكن أن يحصل شخصان على درجة مرتفعة على اختبار للقلق ، ولكن الموقف الذى يمكن أن يشعرا فيه بالقلق يمكن أن يختلف ، فقد يصبح أحدهما قلقا في مواجهة الخطر المادى كتسلق جبل عال ، على حين يشعر الآخر بقلق في المواقف الشخصية التي يمكن أن تكون مصدر تهديد لتقديره ذاته وتوقيره لها كالدخول إلى امتحان أو القاء خطبة . وقد أثبتت استخبارات الشخصية التى صممت لتحديد أنواع المواقف التى تثير مشاعر القلق نجاحا أكبر في التنبؤ بالسلوك الفعلي (المرجع نفسه: 496) .

وعند قياسنا للسمات فإننا نحتاج إلى اختبار الفروق الفردية في تفاعلها مع ظروف بيئية معينة ، إذ تتفاعل الاستعدادات الداخلية مع المواقف الخارجية بطرق معقدة ، ويستجيب الأفراد للمواقف على ضوء استعداداتهم ومعتقداتهم ، ولكنهم يمكن أن يبحثوا عن مواقف معينة أو يتجنبوها بسبب خصائص شخصياتهم .

الفصل السادس
ديناميات الشخصية
Personality Dynamic
الفصل السادس
ديناميات الشخصية
تمهيد
يشير مصطلح " دينامى " أو دينامي نفسى " Psychodynamic إلى طائفة من النظريات التى تركز على أهمية الدوافع والعمليات النفسية المتغيرة أو المسببة للتغير ، أى القوى الداخلية اللاشعورية التى تتسبب في إصدار السلوك ، وتسمى كذلك أحيانا بسيكولوجية الأعمال أو اللاشعور ، والمقصود هنا النظريات التحليلية التقليدية والمحدثة والمنشقة . ولكن أول هذه النظريات وأكثرها أهمية نظرية التحليل النفسي التي وضعها "سيجموند فرويد " (S. Freud- 1939- 1856 ) والذى يمثل التحليليون التقليديون ، ثم نظرية "سوليفان" (Sullivan, 1968) والذى يمثل التحليليون المحدثون ، ونعرض فيما يلى ملخص لتلك النظريتين .
نظرية فرويد
وتتكون الشخصية من ثلاث مكونات نفسية هى : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى ، وفيما يلى بيان موجز لكل منها :
أ - الهو Id
هو مستودع الطاقة النفسية ، يتكون من كل ما هو موروث وكائن منذ الولادة بما في ذلك الغرائز الجنسية والعدوانية القوية الهائجة والرغبات المكبوته ، والنزعات المستهجنة ، أنه طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يلحقها التهذيب ، ومن ثم فهو النفس الأمارة . والهو جانب لا شعوري عميق منقطع الصلة عن العامل الخارجي ، لا يتغير بمضى الزمن أو بمرور الخبرة ، ولا علاقة له بالمعايير أو القيم أو الأخلاق والمثل العليا والصواب والخطأ أو الخير والشر ، ولا يخضع لقوانين أو قواعد أو منطق ، فهو يسير وفق مبدأ اللذة ويبحث عنها ، ولا تراعى حاجاته مبدأ الواقع ، ولا يهمه الواقع الموضوعي . ويسيطر هذا الجانب على سلوك الطفل الصغير والمنحرف والمريض النفسي والعقلي (أحمد عبد الخالق ، 1993-ج ) .

ب - الأنا Ego
الأنا مشتق من الهو بوصفه منظمة بدائية ، ذلك أن الهو يسير وفق مبدأ اللذة ، ولكن احتكاك الطفل بالواقع ، وبتأثير من مواجهة الهو للعالم الخارجي ، ينسلخ من الهو جزء يسير وفقا لمبدأ الواقع ، وهو الأنا الذى يفكر تفكيرا موضوعيا معقولا ويتمشى مع الظروف الاجتماعية المتعارف عليها . والجزء الكبير في الأنا شعوري . والجانب الأصغر منه لا شعورى. والأنا هو الجانب المنظم من الهو .
ومن ثم يعمل الأنا على التخفيف من مطالب الهو واندفاعه ، ويعمل على ضبطه وتوجيهه ، فله إذن وظيفة توفيقية مهمة بين مطالب الهو ومتطلبات الواقع ، وبين مطالب الهو والأنا الأعلى . وتنشأ الأمراض النفسية غالبا عن الصراع بين الأنا والهو .

جـ -الأنا الأعلى Super- ego
وعلى الرغم من أن الأنا الأعلى جزء منفصل عن الأنا منسلخ منه تكون نتيجة نمو وتعديل له ، أنه مسيطر على الأنا ، والناقد الخلقى له ، والضمير اللاشعورى الذى يتحكم فيه ، والمراقب له . ووظائف الأنا الأعلى ثلاث هى : كف دفعات الهو ، اقناع الأنا باحلال الأهداف الخلقية محل الأهداف الواقعية ، العمل على بلوغ الكمال وتحقيق المثال . وتغير الأنا الأعلى أو الضمير أو الدرع الأخلاقي للشخصية أو النفس اللواحة .
ويمكننا النظر إلى الأنا على أنه المكون النفسي للشخصية ، والهو المكون البيولوجي الحيوى ، والأنا الأعلى المكون الاجتماعي الأخلاقي . وإن نجاح الأنا في التوفيق بين القوى الثلاث : الهو ، الأنا الأعلى ، الواقع ، بما يفرضه كل منها على الانسان من مطالب وضغوط ، هو السبيل إلى الصحة النفسية .
يشير لفظ " ديناميات الشخصية " إلى الطريقة التى تتغير بها الشخصية وتنمو ، كما يشير إلى الطريقة التى تتوزع بها الطاقة النفسية وتستخدم بوساطة الهو والأنا الأعلى . ذلك أن المنظمات النفسية الثلاث : الهو ، الأنا ، الأنا الأعلى - من وجهة نظر " فرويد " - تتحرك تبعا لطاقة محركة لها أو قوى تعمل على تنشيطها هى الغرائز ، فالسلوك ناتج قوى متفاعلة متحركة دافعة ، ولد الإنسان مزودا بها وهى الغرائز Instincts . وهى مفهوم يقع على الحدود بين الظواهر البيولوجية والظواهر النفسية ، فهى لا تدل على ميل بيولوجي مجاله الجسم ، بل على هذا الميل من حيث هو موضوع خبرة نفسية .
وتكون جميع الغرائز المجموع الكلي للطاقة النفسية المتاحة للشخصية ، ويختزن الهو هذه الطاقة ، كما أنه مركز الغرائز ومستقرها . وتستمد هذه الطاقة من عمليات الأيض . الغرائز إذن هى الاثارة العصبية الفيزيولوجية . ويفترض فرويد وجود مجموعتين متعارضتين من الغرائز : الحياة والموت . تهدف غرائز الحياة أو الحب إلى تحقيق البقاء : الذات والنوع وتدفع الإنسان إلى البناء والحب ، والحب هنا ليس الحب الجنسي فقط بل هو " كل الحياة الحبية للأفراد " من حب الذات والزوج والأطفال والوالدين ، وحب مبادئ وأنشطة معينة ، بل حتى الصداقة والولاء للموضوعات الحسية والأفكار المجردة ، وحب الإنسانية جمعاء . وتدفع غرائز الموت إلى التدمير والعدوان والحرب وإلى كل ما من شأنه أن يقربنا من الموت والفناء ، وحيث أن الهدف الأخير لكل كائن حى هو الرجوع إلى الحالة غير العضوية ذلك يفترض فرويد وجود دافع غريزي لدى الكائن الحي للرجوع إلى المادة الأولى الجامدة وغير الحية . وبما أن كل حي يموت نتيجة لأسباب داخلية ، أى يعود إلى المادة الجامدة ، إذن " فالموت غاية كل حى ".
ولما كانت الغرائز تتضمن جميع الطاقة التى تستخدمها أنظمة الشخصية الثلاث في القيام بعملها تقوم ديناميات الشخصية على كيفية توزيع واستخدام الهو والأنا والأنا الأعلى للطاقة النفسية . ولما كان مقدار الطاقة محدود الكمية فأن الأنظمة الثلاث تتنافس فيما بينها على الطاقة الموجودة . ويتحكم واحد منها في كمية الطاقة الموجودة ويسيطر عليها على حساب النظامين الآخرين . وما أن تتزايد قوة أحد هذه الأنظمة حتى يصبح النظامان الآخــران - بالضرورة - أضعف ما لم يضف إلى النظام الكلى طاقة جديدة ( هول ، لندزى : 1971 -63) .
والأصل أن يمتلك الهو الطاقة كلها وأن يستخدمها في الفعل المنعكس وفي تحقيق الرغبة بوساطة العملية الأولى . ويعمل هذان النوعان من النشاط في خدمة مبدأ اللذة الذى يعمل الهو بمقتضاه بصورة مباشرة . ويطلق على استثمار الطاقة في فعل أو في صورة من شأنها اشباع الغريزة اصطلاح " اختيار غريزى للموضوع ".
ولما كان الأنا يفتقر إلى أى مصدر للقوة خاص به ، فان عليه أن يستعيرها من الهو . ويصاحب انتقال الطاقة من الهو إلى العمليات التى تكون الأنا ميكانيزم يعرف بأسم التعيين . ونستطيع أن نتذكر مما سبق . فشحن صورة موضوع ما بالطاقة مماثل لشحن الموضوع ذاته . ولكن طالما أن الصورة الذهنية لا تستطيع اشباع الحاجة فأن الشخص يصبح مضطرا إلى التفرقة بين عالم العقل والعالم الخارجي . وعلى ذلك فلكي يستطيع الشخص أشباع حاجته يجب عليه أن يتعلم المضاهات بين ما في ذهنه وما يقابله فى العالم الخارجي بوساطة العملية الثانوية . وهذه المضاهاة بين تصور ذهنى وواقع مادى ، بين شىء في الذهن وشىء فى العالم الخارجي هو ما يقصد بالتعيين .
ولما كان الهو لا يفرق بين أى محتويات العقل ، فقد تكون شحنة خاصة بادراك واقعي بنفس السهولة التى تتكون بها شحنة صورة من ذاكرة مشبعة لرغبة ما . وبهذه الطريقة تتحول الطاقة من العمليات السيكولوجية الاجترارية الذاتية الخالصة التى تميز الهو ، إلى العمليات الواقعية الموضوعية الفكرية التى تميز الأنا ، وفي كلتا الحالتين يكون استخدام الطاقة مقصورا على الأغراض السيكولوجية الخالصة فقط . أما في حالة الأنا فتحدث هذه التفرقة .
إن الأنا ما أن يستحوذ على قدر كاف من الطاقة ، حتى يستطيع استخدامها في أغراض أخرى غير أشباع الغرائز بوساطة العملية الثانوية فبعض هذه الطاقة يستخدم في تحقيق مستوى أعلى من التنمية لمختلف العمليات السيكولوجية كالادراك والتذكر والحكم والتمييز ، والتجريد ، والتعميم والاستدلال المنطقي . كما يستخدم الأنا قدراً من الطاقة لكبح جماح الهو كى لا يتصرف باندفاع ودون مراعاة للتعقل .
إن العمل الذى يقو به الأنا الأعلى يتعارض كثيراً ، ولكن ليس دائما بصورة مباشرة ودفعات الهو وسبب هذا الأمر إن المعايير الاخلاقية تمثل محاولة المجتمع التحكم ، بل وربما كف ، التعبير عن الدفعات البدائية . وبخاصة العدوانية والجنسية منها . فعادة ما يعنى كون المرء طيبا ، أنه مطيع لا يقول ولا يفعل أشياء "قذرة " كما يعنى كونه شريرا أنه غير مطيع ومستسلم لشهواته . إن الشخص الفاضل يكف دفعاته أما الآثم فيسرف فيها . الا أن الأنا الأعلى قد يفسده الهو أحيانا ويحدث هذا ، مثلا ، عندما يندفع الشخص فى نوبة من الحماس الأخلاقي . في أعمال عدوانية حيال من يعتبرهم أشرار آثمين .
وما أن تتحول طاقات الغرائز إلى مسارات الأنا والأنا الأعلى بوساطة عملية التعيين حتى يصبح ممكنا التشابك والتفاعل المركب بين القوى المحركة والقوى الكابحة ، المقيدة . ونستطيع أن نتذكر أن الهو يحتوى فقط على قوى محركة أو شحنات ، أما طاقة الأنا والأنا الأعلى فأنها تستخدم لاثابة أهداف الغرائز كما تستخدم لاحباطها ، إن على الأنا أن يضبط كلا من الهو والأنا الأعلى .
إن ديناميات الشخصية تقوم في نهاية المطاف إلى تفاعل وتشابك القوى الدافعة والشحنات والقوى المقيدة الكابحة والشحنات المضادة وجميع الصراعات في الشخصية يمكن إرجاعها إلى تعارض هاتين المجموعتين من القوى . فكل توتر يطول يجرع إلى فعل مضاد لقوى دافعة من جانب وقوى كابحة . وسواء كانت هذه القوى شحنات الأنا المضادة المعارضة لشحنات الهو أو الشحنات المضادة للأنا الأعلى المعارضة لشحنات الأنا فإن النتيجة فيما يتعلق بالتوتر تظل واحدة .
ويقوم نظام عمل الشخصية على الفكرة القائلة بأن لدى الفرد دوافع فطرية دائمة العمل والنشاط الاجتماعي لتحقيق حاجات (الهو) ورغباتها ومحاولة أرضائها بطريقة عملية في اطار الوسط الاجتماعي . ولا تعمل البيئة كمصدر لتحقيق تلك الحاجات فقط ، ولكنها قد تعمل أحيانا كمصدر ألم وتهديد للفرد أيضا عن طريق بعض مثيراتها التى لا يمكن للفرد مقاومتها والتحكم فيها أو التغلب عليها ، مما قد ينتج عنه بعض الاضطرابات النفسية مما يجعل الفرد فى حالة خوف وقلق دائمين . وقد أشار فرويد إلى ثلاثة أنواع من القلق هى : القلق الواقعي ، والقلق العصابي ، والقلق الأخلاقي .
أولا - القلق الواقعي :
ويشير إلى الخوف من أخطار واقعية وحقيقية يمكن توقع حدوثها في أى وقت من مصدر من مصادر البيئة المحيطة بالفرد ، مثل الخوف من عقاب الأهل ، أو الخوف من الاقتراب من بعض الطيور أو الحيوانات أو الأشياء الأخرى ، وما شابه ذلك وهذا النوع من القلق الطبيعي يظهر كاستجابة طبيعية ومتوقعة للتعبير عن المخاوف التى تتهدد الفرد ، كما يعتبر هو مصدر القلق العصابي والقلق الخلقي .

ثانيا : القلق العصابي :
ويتمثل هذا النوع من القلق في خوف الفرد من فقدان السيطرة على دوافعه ورغباته التى قد توقعه في الأخطاء وتؤدي به إما إلى تلقي العقاب أو الشعور بالالم فضلا عن الخوف الدائم دون وجود مبرر ومثال على ذلك القلق الشديد المرتبط بالخوف من عبور الشارع على انفراد ، والخوف من الأماكن العالية ، والخوف من ركوب وسائل نقل معينة ، والخوف من ممارسة عمل معين أو الاقتراب من جهاز أو آلة بشكل غير معقول . ويعتبر هذا النوع من القلق سببا أساسيا لمعظم الأمراض النفسية .

ثالثا : القلق الأخلاقي :
ويتمثل في الشعور بتأنيب الضمير بدرجة عالية ، وبخاصة حينما يفكر الشخص في أمر يخالف قيم المجتمع وتعاليمه أو حينما يقدم على ارتكاب فعل يتعارض مع مبادئه الدينية أو الاجتماعية أو التربوية . ويعمل القلق فى هذه الحالة على تحذير الفرد من المخاطر المقدم عليها والنتائج التى سوف تترتب على سلوكه حتى يقوم (الأنا) بتدارك الأمر ومعالجة الموقف بما يستحقه من اهتمام قبل أن يفلت منها الزمام . وفي حالة ارتفاع حدة الشعور بالقلق إلى المستوى الذى لا يمكن احتماله بحيث يصبح خطرا على الصحة النفسية ، فقد تقوم الأنا إما بتدبير أمر الهروب من الموقف وعدم مواجهته عن طريق وسائل الدفاع النفسية ، أو العمل على كف الأفكار المسببة للقلق بطريقة أو آخرى . وقد يخضع الأنا للأمر الواقع متمشية في ذلك مع مبدأ الواقعية ، فتحقق ما يمليه عليها الضمير وما تفرضه القيم والمبادئ والمتطلبات الاجتماعية (رمضان القذافي ، 1993 :92) .
إن وظيفة القلق هى تحذير الشخص من خطر وشيك الوقوع إنها إشارة للأنا مؤداها أنه ما لم تتخذ اجراءات مناسبة فأن الخطر قد يتزايد حتى يقهر الأنا . إن القلق حالة من التوتر ينشأ أساسا بفعل أسباب خارجة ويدفع الشخص إلى القيام بشيء ما ، فقد يهرب من المنطقة التى تهدده ، أو يكف الدفعة الخطرة ، أو يطيع صوت الضمير .
ويطلق على القلق الذى لا يمكن معالجته بالطرق المجدية اصطلاح "صدمى" فهو يؤدي بالشخص إلى حالة عجز طفلى .. والحقيقة أن النمط الأول لكل الأنواع اللاحقة من القلق هو صدمة الميلاد . إن الوليد في حاجة إلى بيئة تتولى حمايته حتى يجد أمامه فرصة النمو إلى الدرجة التى يستطيع معها السيطرة على المنبهات القوية الصادرة من البيئة . وعندما يعجز الأنا عن معالجة القلق بالطرق المنطقية فأن عليه أن يرتد إلى طرق غير واقعية . وهذه هى ما يطلق عليها اسم ميكانيزمات الدفاع ووسائل الدفاع النفسي التى يستخدمها الأنا والتى سنناقشها في الجزء التالي .

وسائل الدفاع النفسية :
وتصنف إلى ثلاثة أنواع كما يلى :
1- حيل خداعية : كالكبت ، التبرير ، الاسقاط ، التكوين العكسي ، العزل.
2- حيل هروبية : مثل أحلام اليقظة ، النكوص .
3- حيل إستبدالية : كالتعويض ، التحويل ، التوحد .
ونعرض فيما يلى لأهم هذه الوسائل التى تعد متداخلة .
1- الكبت Repression
الكبت استبعاد مادة ما مثيرة للقلق كالدوافع والانفعالات والأفكار الشعورية المؤلمة والمخيفة والمخزية ، وطردها إلى حيز اللاشعور ، وللكبت وظيفتين : وقائية إذ يدفع مسببات الألم والخجل وجرح الكبرياء . اما الوظيفة الثانية للكبت فهى صد الدوافع الجنسية والعدوانية الثائرة والمحظورة ، وذلك بأن ينكر الفرد وجود تهديد لسلامة الأنا .
والمادة المكبوته في اللاشعور ليس مادة ميتة ، بل أنها تتحين الفرص للظهور ، وتنجح أحيانا في التعبير عن نفسها بصورة رمزية كالأحلام وفلتات اللسان وزلات القلم والنسيان الهادف . ويهدف التحليل النفسي إلى الكشف عن المادة المكبوتة وبيان كيفية تأثيرها على الشخصية .
ويعتبر الكبت من الأمور الطبيعية الضرورية لتطور الشخصية ، ويلجأ إليه الفرد يوميا لحماية الأنا من طغيان الهو ومنع اندفاعها في طلب اللذات ، مما يؤدي إلى توفير فرص النمو الطبيعي للفرد دون معوقات ، الا أن الاعتماد على الكبت كاسلوب أساسي للتوافق قد يؤدي إلى تجميد القوى النفسية وترك الشخص كالتمثال بلا روح أو حراك ، كما قد يؤدي الكبت أيضا إلى تعطيل قيام بعض أجهزة الجسم بوظائفها .
2- الاسقاط Projection
الاسقاط هو أن ينسب الشخص إلى غيره من الناس أو الأشياء دفعاته غير المقبولة ، ويعزو إليهم رغباته الكريهة وعيوبه ، ويلحق بهم أفكاره التى تسبب له الألم ، وتثير لديه مشاعر الذنب . ففى الاسقاط يقول الفرد " " إنه يحبنى " بدلا من أن يقول : " أنا أحبه ، كما نجد الشخص الذى يتسم بالبخل أو الغرور أو الخيانة ينسب صفاته إلى غيره من الناس وهم براء منها .
كما يظهر الاسقاط بوصفه حيلة دفاعية لا شعورية في صور شديدة التنوع وبدرجات متفاوتة . ويهدف الاسقاط إلى تحقيق هدفين هما :
1- تغيير طبيعة الخطر من داخلى يصعب التعامل معه ، وهو موجة من الهو أو الأنا الأعلى باتجاه الأنا ، إلى خطر خارجي يمكن التعامل معه، مما يؤدى إلى زوال القلق .
2- منح الفرصة للشخص للتعبير عن مشاعره . فالشخص الذى يشعر بمضايقة الآخرين له ، كما في الأمثلة السابقة ، يعطى لنفسه الحق في توجيه ما يريده من اهانات أو شتائم للأخرين ، في الوقت الذى لا يستطيع توجيهها في حالة استواء سلوكه ، ويشعر الشخص ، في هذه الحالة ، بالراحة والمتعة بسبب حقه المشروع في الدفاع عن نفسه .

3- التكوين العكسي أو ردود الفعل Reaction Formation
هو تقبل الاتجاهات وأنواع السلوك المخالفة لأفكار الشخص ومشاعره ، أنه محاولة لا شعورية للتمويه على دافع بغيض بأن يظهر الشخص على عكس ما يبطن ، كالطفل الذى يرفض العطف وهو يحن بشدة إليه، ومن يهاجم الخرافات ويؤمن بها ، أو كشخص يكره آخر فيغدق الحب عليه . وتهدف هذه الحيلة الدفاعية إلى اخفاء الأفكار والمشاعر التى تثير القلق .

4- التثبيت Fixation
يعرف التثبيت بأنه التركيز على اهتمامات مرحلة ما من مراحل النمو مدة طويلة بعد الفترة التي كان يجب أن ينتقل فيها إلى المرحلة التالية . ويهدف إلى تجنب الاحباط والأخطاء الكامنة في المواقف الجديدة . ويؤدي التثبيت إلى أن يواصل الفرد الاحتفاظ بالطرق القديمة المعتادة للحياة ، والتثبيت بما هو مألوف ، نظرا للخوف من الفشل أو عدم التمكن من مواجهة مطالب المواقف الجديدة .

5- النكوص Regression
النكوص عودة إلى السلوك الذى كان مناسبا لمرحلة مبكرة من النمو، أو هو تقهقر النشاط النفسي إلى مرحلة سابقة من مراحل تطور اللبيدو. ويحدث النكوص إن واجه الفرد موقفا عصبيا فاذا به يستبدل بالأساليب الواقعية لحل الموقف طرقا فجة يغلفها الانفعال والصياح والصراخ وغير ذلك من الأساليب الطفلية التى لا تحل مشكلة ولا ترأب صدعا ، وكالطفل الذى ولد له أخ يصبح مركز الأسرة ، يعود يمص أصابعه ويقضم أظافره ويتبول على نفسه بعد أن يكون قد توقف عن هذه الأفعال .
والهدف من النكوص أن يحصل الفرد على المساعدة في مواجهة الحوادث الصدمية ، ويتيح النكوص للفرد خلاصا مؤقتا من القلق الذى تسببه المشكلة التى يواجهها .

6- التوحد أو التقمص Identification
هو تمثل شخص وامتصاصه سمة أو سمات شخص آخر ، ويجعل الأخيرة من مكونات شخصيته ، مندمجة فيها ، أى أن الشخص يتعلم - دون شعور منه - أن يخفض التوتر لديه بصياغة سلوكه على غرار سلوك شخص آخر ، كأن يقلد الأخ زميلة دون أن يشعر بذلك ومن الأسباب المؤدية إلى التقمص كما يذكرها "رمضان القذافي" (1993) هى :
1- يتعلق التقمص بالنرجسية ، وهو ما يعني حب الشخص لنفسه أو ذاته . ويعمل الشخص في هذه الحالة على توجيه حبه لذاته نحو تلك الصفات الممتازة التي يتميز بها شخص آخر ، وهو مايسمى بالتقمص النرجسي.
2- وقد يحدث التقمص لسبب آخر في حالة شعور الشخص (أ) بأن (س) من الناس محبوب من الآخرين ، بينما هو معزول عنهم وليس له أصدقاء . ولذا يتجه (أ) إلى تقليد (س) للحصول على حب الآخرين واهتمامهم ، ويمكن أن يقال نفس الشىء عن الطفل الذى يتقمص شخصية أبيه لأنها تمثل فى نظره جميع الصفات التى يحبها ذلك الطفل.
3- كما قد يحدث التقمص بسبب عوامل الحرمان ، وهو ما يشاهد عادة بين الأطفال الذين يقابلون بالرفض وعدم التقبل من طرف والديهم . ويعمل هؤلاء على الحصول على حب وأهتمام الوالدين عن طريق التصرف بشكل يتوافق وتوقعات الوالدين .
4- وهناك نوع من التقمص يحدث عن طريق امتناع الشخص (أ) عن القيام بأى سلوك أو عمل مخالف لما يقر طرف آخر ، وهو (ب) . ويهدف ذلك إلى تحاشي (أ) للعقاب المنتظر من (ب) .
ونقلاً عن "أحمد عبد الخالق" (1993-ج ) أنه يجب التفرقة بين التوحد والمحاكاة أو التقليد Imitation ، فالأخيرة عملية شعورية قصدية، يضع بها الفرد نفسه مكان آخر وضعا مؤقتا ، ولا يترتب على ذلك تغيير أساسي في شخصيته . ومن ناحية أخرى فأن التوحد عملية لا شعورية بعيدة المدى ، ذات نتائج دائمة يكتسب بها الشخص خصائص شخص آخر تربطه به روابط انفعالية قوية .
7- النقل أو الابدال Displacement
ويعرف النقل بأنه عملية نفسية لا شعورية تنحصر في زحزحة دافع معين أو انفعال ما من موضوعه الأصيل إلى موضوع بديل . ويقوم النقل بدور مهم في كل من الوسواس القهري والخوف الشاذ ، وذلك للتحكم في القلق المرضي . والحالة النموذجية هنا هى حالة الطفل "هانز" الذى كان يخاف خوفا مرضيا من عضة الحصان ، وكيف أن خوفه هذا انفعال منقول من شخص الوالد كما يتخيله الطفل لا شعوريا ، أى من حيث أنه يهدد الطفل بالخصاء لرغبته المحرمة في الأم وفقا للموقف الأوديبي ، إلى الحيوان موضوع الخوف ( أحمد عبد الخالق ، 1993- ج :253) .
ونقلا عن "رمضان القذافي" (1993: 102) تتولى بعض القوى مسئولية توجيه الابدال واختيار البدائل ، ومنها :
1- المجتمع : ويعمل المجتمع من خلال أدواته المختلفة مثل الأسرة ، على سبيل المثال ، على التأثير في الطريقة التي يتم بها الابدال . فهناك طرق ممنوعة أو محرمة أو غير مرغوبة ومحظورة ، بينما توجد طرق أخرى مسموح بها ولا اعتراض عليها .
2- مدى تقارب البديل مع السلوك أو الهدف الأصلى : فكلما ازاد التقارب أدى ذلك إلى زيادة فرص استخدام ذلك البديل . فالشخص الذى فشل في حبه قد يتجه إلى مصادقة أقرب الناس شبها بالحبيبة التى هجرته . أما إذا تعذر ذلك فقد يتجه إلى كتابة القصة أو الشعر حيث يسمح له المجال بالتعبير عن مشاعره تجاهها على لسان ابطال قصصه أو شخوص قصائده ، إذا ما توفرت لديه الملكة الفنية والموهبة .
ونفس الشىء يمكن قوله عن المدرس الذى يتعامل مع طلبة كبار السن حين يضطر إلى كبت مشاعر الغضب وعدم الرضا نحوهم ويوجهها تجاه طلاب من صغار السن في فصل آخر .

8- التبرير Rationalization
هو تعليل السلوك بأسباب تبدو منطقية ، ولكنها انفعالية في الحقيقة ، أو هو انتحال أسباب تبدو معقولة لما يصدر عن الفرد من سلوك خاطئ ، أو تقديم اعذار يهيأ للآخرين أنها مقنعة ولكنها ليست الأسباب الحقيقية ، كتبرير كراهيتنا لشخص بأنه سيء الخلق ، وقد يكون سبب ذلك أنه أنجح منا أو أقوى .
ويجب التمييز بين التبرير والكذب ، ففى الأخير يدرك الفرد السبب الحقيقي لفشله لكنه يتعمد التحريف ، فهو محاولة مقصودة لخداع الغير لا تتضمن خداع الذات ، على حين أن التبرير خداع للذات في المقام الأول ، وظيفته ايصال الأنا إلى حالة ارتياح عن طريق خداعها .


يتبع