نموّ شخصيّة الإنسان
المرحلة الرابعة : الاحتفاظ بنظام اجتماعي
في المرحلة الرابعة على العكس يصبح المستجيب أكثر إهتماما بالمجتمع ككل بمعناه الواسع ، الآن التأكيد على طاعة القوانين واحترام السلطة والقيام بالواجبات تحقيقا للنظام الإجتماعي . وعند الإستماع لقصة هينز قال كثير من الأفراد أن دوافعه طيبه ، لكنهم لا يستطيعون أن يغفروا له سرقته، ، ما الذي يمكن أن يحدث لو أننا جميعا بدأنا خرق القوانين حالماً توفر لدينا الشعور بأن هناك أسبابا جيدة لذلك ؟ إن النتيجة سوف تكون الفوضى وسوف تضيع فكرة قيام المجتمع .
في تلك المرحلة يرغب الأفراد في المحافظة على المجتمع ، ومع ذلك فإن مجتمعا يعمل وفق نظام ما ليس بالضرورة مجتمعا جيدا ، إذ قد يكون المجتمع الديكتاتوري جيد التنظيم لكنه ليس بالضرورة المجتمع المثالي أخلاقيا ، في المرحلة الخامسة يبدأ الأفراد بالتساؤل عن ماذا يحقق المجتمع الصحيح ، إنهم يبدأون التفكير في المجتمع بطريقة نظرية بحته متخطين خلفهم مجتمعهم الخاص واضعين في اعتبارهم القيم والحقوق التي ينبغي أن يقوم المجتمع عليها ، ثم يحكمون بعدئذ على المجتمع القائم في ضوء هذه الإعتبارات المسبقة ، حيث يقال أن نظرتهم للمجتمع تعتمد على افكارهم المسبقة ( وليام كرين ، 1996) .
المرحلة الخامسة : العقد الاجتماعي وحقوق الإنسان
يتكلم افراد المرحلة الخامسة إذن عن الأخلاق وعن الحقوق التي تأخذ بعض الأسبقية على قوانين معينة لكن "كولبرج" أصر على أننا لا نحكم على الناس أنهم أصبحوا في المرحلة الخامسة إعتمادا على تعبيراتهم اللفظية المجردة فقط ، إننا في حاجة إلى أن ندقق في منظورهم الإجتماعي وفي أسلوبهم في التفكير ، ففي المرحلة الرابعة أيضا يتحدث الأفراد أحيانا عن حق الحياة لكن هذا الحق بالنسبة لهم يكتسب شرعية من سلطة جماعتهم الدينية والإجتماعية ، فعلى إفتراض أن جماعتهم تقدر حق الملكية أكثر من حق الحياة فإنهم سوف يفعلون ذلك أيضا . في المرحلة الخامسة ، على العكس ، يصدر الناس أحكامهم باستقلالية أكثر ، بالتفكير فيما ينبغي على المجتمع أن يفعله .
المرحلة السادسة : المبادئ العامة
يفكر أفراد المرحلة الخامسة في مفهوم المجتمع الصحيح ، أنهم يقترحون أننا نحتاج إلى حماية حقوق معينة للإنسان وإلى حل النزاعات بالأساليب الديمقراطية ، ومع ذلك فإن الديمقراطية وحدها قد لا تؤدي دائما للنتائج التى نحس أنها صحيحة ، فالأغلبية قد تصوت لصالح قانون يعيق تحقيق مصالح الأقلية ولهذا أعتقد "كولبرج" أنه لابد من وجود مرحلة سادسة تتحدد فيها المبادئ المحققة للعدالة .
وقد إنهمك " كولبرج" في رصد بعض أفراد المرحلة السادسة ، لكنه توقف عندئذ من مواصلة هذا العمل بسبب أنه وباحثين آخرين ، وجدوا أفرادا قلائل هم الذين يفكرون بثبات بهذا الشكل (أي طبقا لمفهوم المرحلة السادسة )، وأيضا لأن "كولبرج" إنتهى إلى أن مقابلته لم تكشف عن فروق بين تفكير أفراد المرحلة الخامسة أو السادسة ، نظريا المرحلة السادسة يظهر فيها مفاهيم أوسع وأوضح حول المبادئ العامة ( مثل العدالة وحقوق الإنسان) لكن المقابلات لم تكشف عن وجود هذا الفهم الواسع ، لذا فقد أسقط المرحلة السادسة من تقسيمه وأطلق عليها " المرحلة النظرية " ورصد إستجابات " ما بعد الإتفاق" جميعا في المرحلة الخامسة (وليام كرين ،1996: 186) أحد القضايا التي يمكن أن تميز المرحلة الخامسة عن السادسة هى العصيان المدني . أفراد المرحلة الخامسة قد يكونون أكثر ترددا في الإنخراط في العصيان المدني بسبب تمسكهم بالعقد الاجتماعي وبتغيير القوانين خلال الأساليب الديمقراطية ، فقط عندما تتعرض حقوق الإنسان للإنتهاك الصريح يصبح خرق القانون مبررا . في المرحلة السادسة على العكس من ذلك فإن التمسك بالعدالة يوفر مبررا أقوى وأوسع للعصيان المدني . لقد أكد "مارتن لوتركنج" على أن القوانين تكون صادقة طالما أنها نابعة من العدل وأن التمسك بالعدالة يحمل في طياته ضرورة عصيان القوانين غير العادلة .
نقد نظرية كولبرج :
أثارت نظرية " كولبرج " كماً كبيرا من النقد ، فليس كل واحد ، بداية ، مقتنع أو متعاطف مع مفهوم المابعد إتفاق الأخلاقي ، شعر هوجان (Hogan, 1973) ، على سبيل المثال بأنه من الخطورة للناس أن يضع الفرد مبادئه الخاصة فوق المجتمع وفوق القانون . وقد تبدو المسألة كما لو أن كثيرا من علماء النفس كان رد فعلهم شبيها بذلك ، حيث تبدو أفعالهم وراء الكثير من الجدل حول الحقوق العلمية لبحوث "كولبرج" . آخرون تحدثوا عن أن مراحل "كولبرج" مضللة ثقافيا .
ثم نقد آخر تمثل في أن نظرية " كولبرج" مضللة أيضاً من ناحية الجنس ، وهي وجهة نظر عبرت عنها بعد تفكير مطول إحدى مساعدات كولبرج وهى "كارول جيليان " (Gillian, 1982) حيث لاحظت أن مراحل "بياجيه" قد سيقت بشكل شامل من خلال مقابلات مع الذكور وهي تتحدى أن هذه المراحل تقرر توجهات الذكور ، وبالنسبة للذكور فإن افكارهم الأخلاقية المتقدمة تدور حول القواعد والحقوق والمبادئ المجردة والعدالة المطلقة التي يقيم فيها كل طرف إدعاءات الطرف الآخر بطريقة غير منحازة ، هذا المفهوم للأخلاق حسب جيليان يفشل في تمييز صوت النساء في الأمور الأخلاقية ، لأن المتبادلة وعلى خلق التعاطف والرعاية والمثال ليس العدالة المطلقة بل الأساليب المفعمة بالمشاعر للحياة . خلق النساء بالإضافة إلى ذلك أكثر إتفاقا مع السياق ، مربوط بواقع للعلاقات القائمة أكثر من الحلول المجردة للقضايا الإفتراضية (وليام كرين، 1996: 200) .
هناك إنتقادات أخرى لأعمال " كولبرج " ، كثير منها يتعلق بأمور تجريبية مثل مشكلة ثبات تتابع المراحل ، وسيطرة النكوص أو التراجع والعلاقة بين الفكر والسلوك .
ولكن مهما كانت الإنتقادات والاسئلة التي وجهت "لكولبرج" ، فمما لاشك فيه أن إنجازه كان عظيما وأنه لم يتوسع فقط في مراحل النمو الأخلاقي عند "بياجيه" ، لكنه فعل ذلك بطريقة ملهمة ، لقد درس نمو التفكير الأخلاقي كما خطه فلاسفة الأخلاق العظام وبالرغم من كل شىء فإن نظرية مراحل النمو الخلقي "لكولبرج" تزودنا برؤية ملهمة حول " إلى أين يقودنا نمونا الأخلاقي.
خامسا : النظرية التكاملية
بادئ ذى بدء لابد أن نشير إلى أن الاتجاه التكاملي (المتعدد المداخل (Multidisciplinary Approach ) في دراسة النمو الإنساني من الاتجاهات الحديثة والمعاصرة ، ذلك أن هذا الاتجاه يؤكد على حقيقة علمية فحواها، أن الفرد يعتبر وحدة بشرية على درجة عالية من التعقيد والتكامل ، وان أى مؤثر في جانب من جوانب هذه الوحدة تتأثر به الجوانب الأخرى (مبدأ التكامل) ولذلك يجب دراسة أبعاد هذه الوحدة البشرية من خلال علوم التخصص المختلفة .
وعلى هذا فدراسة ظاهرة النمو الانساني تحتاج إلى تكاتف جهود العديد من العلماء على اختلاف شاكلتهم وتخصصاتهم واتجاهاتهم ومدارسهم العلمية المختلفة .
فدراسة النمو الإنساني (Human development) تحتاج إلى جهود ودراسات وأبحاث علماء البيولوجي (Biology) وعلم الأجنة (Embryology) وعلم الطب (Medicine) لابراز الجوانب الوراثية والتكوينية والباثولوجية في جوانب النمو البيولوجي للانسان ، وجهود علماء النفس (Psychology) والتحليل النفسي (Psychoanalysis) لابراز المبادئ العامة التى تحكم السلوك الإنساني وتفسره ، ومعرفة أبعاد وأغوار النفس الانسانية وأسباب اضطراباتها ، وجهود علماء الاجتماع ( Sociology) والانثروبولوجيا (Anthropology) لمعرفة أبعاد العلاقات الاجتماعية للفرد والمؤسسات الاجتماعية التى لها تأثير في أبعاد تطبيعه الاجتماعي (Socialization) وتشكيل سلوكه الاجتماعي بوجه عام ، وجهود علماء التربية ( Education) في إلقاء الضوء على عملية التعلم ودور المؤسسات التربوية التى تهتم بعملية التعليم والتعلم الانساني .
ثبات الشخصية
تفترض معظم نظريات الشخصية وبخاصة نظرية السمات أن الأشخاص يسلكون بصورة ثابتة Consistent من موقف إلى آخر عبر الزمن ، كما يرى أصحاب هذه النظرية أن هناك سمات شخصية أساسية معينة تميز الفرد عبر مواقف مختلفة من يوم إلى آخر - وإلى حد ما - خلال حياته بأسرها ، ومن ثم فاذا ظهر فرد يتصرف بأمانة وبضمير حى في مواقف عديدة ، فأننا نفترض أنه يمكننا التنبؤ بكيفية أدائه في مواقف مختلفة .
وعلى المستوى الشخصى فأن الشعور بالثبات Consistency في أفكارنا وسلوكنا يعد أساسيا لسعادتنا ومما يميز الشخصية غير المتكاملة فقدان الأحساس بالثبات . ومع ذلك فقد فشلت البحوث - في كثير من الحالات - في أن تؤكد ثبات الشخصية كما تذكر بعض النظريات أو كما تبين توقعاتنا وحدسنا . ويعد ثبات الشخصية موضوعا جدليا خلافيا بين علماء النفس .
أ - الثبات عبر الزمن :
بينت الدراسات الطولية للأفراد ثباتا كبيرا في خصائص الشخصية ، ففي أحد هذه الدراسات الطولية التى قام بها "بلوك " Block تم تتبع أكثر من مائة مفحوص خلال فترة خمس وثلاثين عاما . وكان أول قياس لهم في المدرسة الاعدادية ، وأنجزه علماء النفس الذين قاموا بتقدير كل فرد على عدد من سمات الشخصية ، مستخدمين اجراءاً مقننا للتقدير . وتم تقدير المفحوصين أنفسهم مرة أخرى في المدرسة الثانوية ، وفي منتصف الثلاثينات وفى منتصف الأربعينات من العمر بالنسبة لهم . وأجرى كل تقدير عن طريق مجموعة مختلفة من المحكمين . وعبر فترة السنوات الثلاث من المدرسة الاعدادية إلى المدرسة الثانوية أظهر 0.58 من متغيرات الشخصية ارتباطا ايجابيا جوهريا . وعبر فترة الأعوام الثلاثين من المدرسة الاعدادية إلى منتصف الأربعينات من العمر بالنسبة إلى المفحوصين كشف 31, من البنود عن ارتباط جوهري . ويبين جدول (10) بعض خصائص الشخصية التى تبرز أكبر ثبات عبر الزمن
جدول (14) : معامل الثبات لدراسات طولية وباستخدام مقاييس
يتبع