البنية الزمرية موقع الفلسفة
التطبيق
من الى
المنطلق ( المجال ) المستقر ( المجال المقابل )
الحركة 1 : جحا يركب ظهر الحمار وابنه يمشي الرجل الذي خلا قلبه من الشفقة .
الحركة 2: ابن جحا يركب ظهرالحماروجحا يمشي الغلام المجرد من الادب
الحركة 3: جحا وابنه يركبان الحمار الرجل القاسي .
الحركة 4 : جحا وابنه ساقا الحمارومشيا خلفه المغفلان .
الحركة 5 : جحا وابنه يحملان الحمار المجنونان .
ان الشرط الاساس لعلاقة التطبيق متوفر في هذا التحليل ، وهو ان كل عنصر في المنطلق يقابله عنصر في المستقر في الاقل، اي صورة العنصر، والصورة هنا تعني بالضبط الدلالة او القيمة بمعايير مختلفة. فمثلا صورة او قيمة الحركة الخامسة في القصة هي تعبير "المجنونان" وهكذا في شأن بقية الحركات . واذا كان علينا ان نختار بين مفردة صورة ومفردة قيمة وهذا ما ينبغي عمله فالاختيار يقع على مفردة قيمة اما مفردة صورة فهي اكثر تجريدا ولها دلالات اكثر عمومية .
وبصفة عامة وبمعزل عن التجربة التي بين ايدينا ليس من الضروري ان لايكون عنصر او اكثر في المستقر لايرتبط بعنصر من المنطلق بمعنى ثمة انواع للتطبيق تفرزها اشكال ارتباط عناصر المنطلق مع عناصر المستقر . أي ان البحث في انواع التطبيق يكون نسبة الى مستقرها حسب . فلدينا تطبيق ثابت Constant ومن الامثلة النموذجية عليها المفردات المترادفة اذ يجتمع اليها عمود المعنى ليدل على معناها قاطبة . الا ان تحديد قيمة واحدة للمترادفات امر نسبي ، إذ تتغير دلالات النص او العبارة .ومع ذلك لايعدم تحديد القيمة المقابلة لمجموعة مترادفة من المفردات المعجمية . ويعرف الجرجاني المترادف بانه ( ما كان معناه واحدا واسماؤه كثيرة . وهو ضد المشترك .أَخذْاً من الترادف الذي هو ركوب احد خلف آخر ، كأن المعنى مركوب واللفظين راكبان عليه كالّليث والأسد) (10) . فعنصري المنطلق هما الليث والاسد اما صورتهما فهي ذلك الحيوان المعروف ولا نستطيع الاشارة اليه باسم اخر دال عليه كما في الاسمين المتقدمين كقولك ملك الغابة ،فان فعلنا فعلينا بنقله الى المنطلق ، أي المجال ففي حالة الترادف تكون الصورة او القيمة محض مدركة في النفس وهيئته قابلة للتصور او التذكر .
وعندما يكون كل عنصر من المستقر صورة لعنصر واحد ليس اكثر من مجموعة المنطلق او لايرتبط باي من عناصر المنطلق يكون التطبيق متباين One –to - One Mapping كما هو الحال في القصة فالمخطط المعبر عن التحليل يوضح بان التطبيق متباينا . فكل قيمة دالة على وجهة نظر الناس ازاء ما يشاهدونه من امر جحا وابنه قد ارتبطت بحركة من الحركات. ولو ان حركة ما لم يعلق عليها احد فان التطبيق يحتفظ بصفة التباين ايضا.
واذا كانت كل عناصر المستقر صورا لعناصر المنطلق دون اهمال لاحدها، او بكلمات اخرى اذا كان كل عنصر من مجموعة المستقر صورة لعنصر على الاقل من مجموعة المنطلق فالتطبيق عندئذ تطبيقا غامرا Onto Mapping وهنا لدينا العناصر في المستقر كلها مرتبطة بعناصر المستقر في القصة ،فالقصة تطبيق غامر. وفي التحليل النهائي للقصة على هذا الصعيد يفضي بنا الى القول بانها تطبيقا تقابليا او اختصارا تقابلا لانها تطبيق متباين وغامر في آن واحد .
وما دمنا نتحدث عن مفهوم التطابق فلنتحدث عن نوع آخر من التطبيقات ويدعى التطبيق المطابق Identity Mapping ومن امثلته العنصر المحايد في زمرة القصة " جحا يركب جحا " ، " ابنه يركب ابنه " ، " الحمار يركب الحمار " ومعناه ان كل عنصر هو صورة لنفسه وبكلمات اعم صور عناصر المستقر هي نفسها عناصر المنطلق . والامثلة في هذا كثيرة ومتنوعة في اكثر من موضوع . من بينها توليد المثل في الجنس البشري اذا ما وضعنا الذكور والاناث من جنس البشر في وحدة مفهوم البشر غير القابلة للتصنيف : البشر يولد عنهم بشر .
من المحتمل ان لايرتبط عنصر ما من المنطلق بعنصر من المستقر او بشكل عام عندما يرتبط كل عنصر من المنطلق بعنصر واحد في الاكثر من مجموعة المستقر في مثل هذه الحالة نكون امام علاقة ثنائية مختلفة عن علاقة التطبيق تسمى علاقات تابعية واختصارا تسمى تابع . لنتصور في لحظة ما نسمع مجموعة من الصور الصوتية من بينها وحدات تدل على افكار واضحة وبعضها الاخر ليست لها معنى . او ان كل صورة صوتية ترتبط بـ ( أوتدل على) فكرة واحدة من خزين الافكار في لغة ما ، ففي الحالتين نحصل على تابع وليس تطبيقا . ان ما يجعل تابعا تطبيقا هو ان يكون مجاله مجموعة منطلقه نفسها . بكلمات اخرى التطبيق تابع وقد ارتبط كل عنصر من مجاله بعنصر واحد في الاكثر بعنصر من مجاله المقابل .
من المفيد هنا الاستعانة بمثل بسيط لايضاح مفهوم التابع : بفرض لدينا المجموعة س = { انمار ، عمار ، ايلاف ، احمد } ، والمجموعة ص = { 15 ، 13 ، 18 } تدل على الاعمار بالسنين .
فان التابع يكون :
تابع (انمار) = 18 ، تابع ( عمار ) = 15 ، تابع ( ايلاف ) = 13 ولايوجد تابع لاحمد في العلاقة الثنائية اما بسبب ان عمره غير الاعمار في المجموعة س او لاي سبب اخر .
ولكن ومع الحفاظ على التابع اعلاه نضيف العلاقة تابع ( احمد ) = 13 نحصل مرة اخرى على تابع وهوما يتفق وتعريفه .
ويوضح مفهوم تطابق تابعين Coincidence ما ذهب اليه سوسور عندما عبر عن ( فكرة التطابق بمعنى ان الشيئين يحتويان على العنصر نفسه ) (11) و كان عليه ان يحدد ظروف تكّون مثل هذا التطابق وان لايترك الامر فضفاضا على هذا النحو فان هذا القول يحمل الكثير من العسف والتضليل .حيث ان فكرة تطابق شيئين يعني على وجه الدقة ان ينطبق الجزء على الجزء المناظر له وهكذا حتى نصل الى نوع من انواع المساواة بين الشيئين . لنتأمل المثل الذي ساقه للتدليل على التطابق واضعا الجملتين في علاقة مساواة :
( لاتقل ذلك ) pas Jene sais pas = ne dites ( لا أعلم )
ان مفهوم التطابق الذي ذهب اليه سوسور ينبغي رده الى اصله المفاهيمي وهو مفهوم تطابق التابعين كي نتقبل ما ذهب اليه . فاذا كان لدينا تابعين اثنين ، التابع الاول : تابع من المجموعة س الى المجموعة ص والثاني : تابع من المجموعة ع الى المجموعة ح . ووجد ان مجموعة جزئية من س ، لتكن ك ( في التابع الاول ) تساوي مجموعة جزئية من ع ( في التابع الثاني ) أي ايضا ك فان التابعين متطابقان في المجموعة ك. ولكن اية تابعية يمكن الوقوف عليها في الجملتين المذكورتين ، وبأي معنى ؟ اذا ما نظرنا اليهما بوصفهما رمزين مكتوبين لصورتين صوتيتين وهو محور الدرس اللغوي لسوسور :
ــ الجملة Jene sais pas ( لا أعلم ) : يمكن تحليلها معنويا الى الحرف ( لا ) و ( أعلم ) وهما صوتان يقابلان فكرتين متغايرتين فالعلاقة الثنائية علاقة تقابل بين فونيم كل منهما مع الفكرة المقترنة بكل منهما ايضا وهو تقابل واحد لواحد ( متباين ) .
ــ الجملةpas Jene dites ( لا تقل ذلك ) تحلل الى (لا ) و( تقل ذلك) بنفس السياق السابق من العلاقة .
يمكن القول اذن كل من الجملتين تابعا بينهما مجموعة جزئية مشتركة هي pas .
يتساوى التابعان اذا تساوى مجالاهما وان كل عنصر من مجموعة التعريف له نفس الصورة في كل تابع منهما . ونقصد بمجموعة التعريف هو المنطلق.
ويستخدم مفهوم المدد ، باشارات يسيرة ، عند بعض الدراسات البنيوية ومرجعيته هو ما يعرف بمدد التابع Extension وينشأ من افتراض وجود تابعين تكون مجموعة منطلق الاول محتواة في مجموعة منطلق الثاني ( أي مجموعة جزئية منها ) ومجموعة مستقر الاول محتواة في مجموعة مستقر الثاني . فان التابع الثاني يمدد التابع الاول . وبكلمات اخرى التابع الثاني ممدد التابع الاول على مجموعة منطلق التابع الثاني .
ويمكن التعبير عن ممدد التابع صوريا بافتراض التابعين :
التابع الاول : س ع ،التابع الثاني : ص ح
س ع ص ح
نلاحظ ان عناصر منطلق التابع الاول س = { ب ، ج ، د ، ق } مجموعة جزئية من مجموعة منطلق التابع الثاني الذي هو ص = { ب ، ج ، د ، ق ، ن ، ل } .
وبالمثل مجموعة مستقر التابع الاول ع = { 2 ، 4 ، 7 } مجموعة جزئية من مجموعة مستقر التابع الثاني .
ح = { 2 ، 4 ، 7 ، 5 }. وبالرموز نكتب العبارتين المذكورتين : س ع ، ص ح ( حيث الرمز يقرأ : مجموعة جزئية من .. ) . فالاستنتاج يذهب الى ان التابع الثاني يمدد (= يتسع لـ ) التابع الاول .فالصلة بينهما بتعبير اخر هي علاقة احتواء ، حيث الاول محتوى في الثاني وهو نفس القول الثاني ،يحتوي الاول.
ولهذا المفهوم توظيفات واسعة جدا سنتطرق لاحقا الى امثلة منها عندما يأتي دور مناقشتنا لقسم من الدراسات البنيوية المنشورة.
(5) الزمر المولِّدة والزمر الدائرية
يتردد مصطلحا البنية الدائرية والبنية المولدة في الدراسات البنيوية كثيرا ،واشهر توظيف لهما ما يسمى بالتوليدية التي (استحدثها )غريماص وجيّرت باسم جومسكي. ومرجعيتهما هما المفهومان الرياضياتان : الزمرة المولدة والزمرة الدائرية . ولايمكن اقرار هاتين الصفتين في بنية ما ، لم تكن البنية محققة لشروط الزمرة بوصفها شروط بنائية لايمكن تجاوزها . ان ذلك يعني ضرورة قطع مراحل في التحليل لايمكن اغفال ايا منها كي نصل تاليا الى البنى المولدة فالدائرية . ولكل كتلة من الاشياء او شميلة او مجموعة قابلة للتحليل لابد من وجود عملية او علاقة ثنائية ما تتيح امكانية تصور هذه الكتلة على انها تشكل نظام معرّف هو في الحقيقة بنية الكتلة . وعكس ذلك فان الكتلة ليست الا مجموعة محض لاترقى الى النظام وبسبب ذلك لايمكن الاستمرار في التحليل وصولا الى المرحلة اللاحقة منه واعني اختبار العلاقة الثنائية فيما اذا كانت مغلقة و تجميعية ، وفيما اذا كان ثمة نظير لكل عنصر من المجموعة وحصرعنصرا محايدا للمجموعة على تلك العملية واهم ما يوصف به انه وحيد في المجموعة . وما دمنا نتفحص اولا المجموعة بوصفها دعامة للبنية فانه يمكن تصور اقتطاع جزءا من تلك المجموعة بهيئة يطلق عليها المجموعة الجزئية . ستكون المجموعة الاخيرة موضوعا للتحليل له نفس مسار التحليل البنيوي باتجاه استيفاء شروط تعريف الزمرة بمعنى ان المجموعة الجزئية المذكورة محققة لخواص العلاقة الثنائية ايضا ستكون زمرة جزئية Sub Group محتواة في الزمرة الاصلية . بمعنى السابقة والتي تم تعيين جزءا من دعامتها . وواضح ان الزمرة الجزئية هي زمرة بحد ذاتها .ولكل زمرة في الاقل زمرتان جزئيتان تافهتان Trivial Sub Group هما الزمرة نفسها ــ والقول هذا متأتي من حقيقة ان كل مجموعة هي مجموعة جزئية من نفسهاـ والثانية هي الزمرة التي تكون دعامتها عبارة عن العنصر المحايد في الزمرة الاصلية . والمثال المباشر على النوع الثاني هو العنصر المحايد للنموذج التحليلي الذي قدمناه لقصة جحا والحمار :
حيث ( جحا يركب جحا ) ، ( ابنه يركب ابنه ) ، ( الحمار يركب الحمار ) وهذه العبارات التي تفصح عن علاقة الزمرة تعني ان كل واحد منهم يمشي على رجليه . ان هذا العنصر هو نظير نفسه كما انه يرتبط بعلاقة تجميعية مع نفسه وهو ايضا يمثل العنصر المحايد في زمرته الجزئية ، كما ان هذه الزمرة ابدالية طالما ان العلاقة إنعكاسية .
ان مفهوم الزمرة الجزئية يشكل مدخلا لمفهومي الزمرة المولدة والزمرة الدائرية (12 ) حيث افتراض وجود مجموعة جزئية من مجموعة اخرى تشكل دعامة لزمرة مزودة بعملية ثنائية ولكنه ليس ضروريا طالما ان الزمرة الجزئية هي زمرة بحد ذاتها وينبغي التعامل معها بصفتها هذه .لنستعين هنا بالانظمة العددية المعروفة للاحاطة بمفهوم الزمرة المولدة Generated Group . ان مجموعة الاعداد الصحيحة تشمل جميع الاعداد الموجبة والسالبة والصفر ، ونعبر عنها كما يلي :
ص = { ... ، 5، 4 ، 3 ، 2 ، 1 ، الصفر ، ــ 1 ، ــ2 ، ــ 3 ، ... }
وبافتراض ان العملية الثنائية في هذه المجموعة هي عملية الجمع الاعتيادية ومن السهولة اثبات ان :
الزوج المرتب ( ص ، + ) يمثل زمرة ذلك ان :
ــ العلاقة الثنائية مغلقة بسبب ان حاصل جمع أي عددين ينتج عدد صحيح ايضا
ــ العلاقة الثنائية تجميعية فاي ثلاثة اعداد صحيحة من هذه المجموعة تحقق خاصية التجميع ، مثلا
8 + ( ــ 10 + 6 ) = ( 8 + ( ــ 10 ) ) + 6
8 + ( ــ 4 ) = ــ 2 + 6
4 = 4
حيث جميع الاعداد المذكورة تنتمي الى مجموعة الاعداد الصحيحة .
ــ العنصر المحايد في المجموعة هو العدد صفر فعند جمعه مع اي عدد صحيح ينتج العدد نفسه والعدد صفر هو العنصر المحايد الوحيد على عملية الجمع .
ــ وواضح ان لكل عنصر في المجموعة يوجد عنصرا نظيرا له بحيث حاصل جمعهما ينتج عنه الصفر وهو العنصر المحايد مثلا 3 ، ــ 3 عناصر في المجموعة حاصل جمعهما صفر .
ـــ والزمرة فوق ذلك ابدالية : 7+1 = 1+7 = 8 على سبيل المثال .
بعد ان اثبتنا ان الزوج المرتب المذكور يمثل زمرة نتفحص عناصر المجموعة ونبحث عن عناصرفيها من المحتمل ان تولّد عناصر المجموعة باكملها عبر عملية الجمع سنجد ان العددين 1 و ــ 1 يولدان عناصر مجموعة الاعداد الصحيحة عبر عملية الجمع . كيف ؟ لنبدأ بتوليد العدد صفر : ــ 1 + 1 = صفر
( الواحد مطروح من نفسه من وجهة نظر عملية ،على ان مفهوم الجمع الجبري يتسع لعملية الطرح عندما يكون العددان مختلفي الاشارة ) . ان العدد الموجب 1 يولد جميع الاعداد الموجبة من خلال عملية الجمع :
1 ، 1+1 =2 ، 1 +2 = 3 ، ... وهكذا والعدد السالب ــ 1 يولد جميع الاعداد السالبة من خلال ذات العملية : ــ 1 ، ــ 1 + ( ــ 1 ) = ــ2 ، ــ 1 + (ــ 2 ) = ــ3 ، ... وهكذا نحصل على المجموعة غير المنتهية للاعداد الصحيحة . ان العددين 1 ، ــ 1 هما مجموعة جزئية من المجموعة الاصلية ( الاعداد الصحيحة ) . في هذه الحالة وطبقا للمناقشة التي انجزناها فان الزوج المرتب يشكل زمرة مولدة . ويمكن كتابتها بالصيغة الرمزية ( { 1 ، ــ1 } ، + ) . وحصرا للمفهوم من المناسب القول ان البنية المولدة هي زمرة تتولد من مجموعة جزئية من المجموعة الاصل عبر العلاقة الثنائية المغلقة التي للزمرة الاصل ايضا .
اما مفهوم الزمرة الدائرية Cyclic Group فهي زمرة مولدة بواسطة عنصر واحد فقط هو عنصر ايضا من المجموعة الاصلية. على ان صيغتها محددة بالتعبير" س ن "حيث س عنصرا من دعامة الزمرة وان " ن " هو القوة المحتملة بحيث يُرفع س اليها ويُمثل هذا التعبير بالانتقال مثلا من طبقة اجتماعية اواقتصادية الى اخرى عبر علاقات الزواج بين طبقتين اجتماعيتين او اقتصاديتين . ان مفهوم القوة هنا المعبر عنه كما يبدو من الصيغة الرمزية تعبيرا عدديا محضا ، ينصرف عمليا عند قطاعات علمية اخرى كصعيد الدراسات البنيوية ، الى ما يشبه الرافعة لشئ لتُضاعفُه فينشأ جديدا بمثابة عنصرا مولدا بهذا السياق بمولد او اكثر . ولفظة القوة في وضعها الحالي تعني أُس لأساس مُعرّف . وينشأ عن ذلك متتاليات اساسها ثابت ، قيمة معلومة كما هو الحال مع البنية الدلالية ، تطالها تحولات بفعل قيمة اخرى هي القوة الرافعة لها . عدديا مثلا : 12، 22 ، 2 3 ، ... ، 2ن = 2 ، 4 ، 8 ، .... وهكذا في تصاعد مستمر وفي امثلة اخرى في تناقص مستمر .
لقد تضمن العرض السابق لمفهوم الزمرة احتمال وجود العلاقة الابدالية بين عناصرها والزمرة التي تتصف بهذه الخاصية تسمى الزمرة الابدالية . وليس كل زمرة ابدالية . ولكن توجد في كل زمرة مجموعة جزئية ( وليس المقصود زمرة جزئية ) بحيث تكّون عناصرها مع عناصر المجموعة كلها علاقة ابدالية عبر العلاقة الثنائية المغلقة للزمرة ، تسمى هذه المجموعة الجزئية مركز الزمرة Center Of Group. فاذا كان ج عنصرا من هذه المجموعة الجزئية و س أي عنصر من المجموعة الشاملة ( دعامة الزمرة ) فان الشرط ج س = س ج .
ولايكتمل عرض مفهومي الزمرة المولدة والزمرة الدائرية الا بعرض مواز يتضمن تجربة تحليلية . ولقد وقع اختيارنا على مساهمة ( د . كمال ابو ديب ) (13) والتي تناول فيها البنى المولدة في الشعر الجاهلي وهي أكثر الدراسات قربا من المفاهيم التي عرضناها توا ..
اذ اخضع اكثر من اثني عشر نصا شعريا ـ سنشير الى واحدا منها ـ تضم مفهوم البنية المولدة والدائرية ومفاهيم اخرى وبما يجعل من العينة المختارة ممثلة على نحو جيد للاسهامة من جهة ومحتوية للمفاهيم ذات الصلة الواردة في مساهمته. علما قد خالط الاسهامة شيئا من التحليل الدلالي كضرورة لتعيين البنى الامر الذي لانناقشه الا من وجهة نظر بنيوية .
يحدد كمل ابوديب نقطة البدأ في عمله ( باحتمال وجود بنى توليدية اولية في الشعر الجاهلي تمتلك خصائص محددة يمكن ان تنتج من استخدامها ، عن طريق حدوث عمليات تحويل او توسيع او تطوير جذرية ، مجموعة من البنى المتميزة المتحققة في نصوص فردية وتسمح الدراسة المتقصية للنماذج العديدة التي شكلت أساس البحث الحالي ــ بحثه ــ بالقيام بخطوة مبدئية ، هي اختيار نص محدد واعتباره بنية توليدية اولية ، هو نص المرقش الاكبر ... )( ص 8 ). وهنا لزاما علينا ان نحدد مفهوم البنية التوليدية الاولية كما وهو الامر الذي لم نتناوله سابقا . الزمرة الاولية زمرة منتهية finite بمعنى ان عناصر دعامتها محدودة ، أي قابلة للحصر وان عدد عناصرها يدعى رتبة الزمرة Order مضافا اليها شرطا اخر هو ان رتبة الزمرة تكون مساوية لقوة شئ اولي . اما كونها زمرة توليدية اولية فهذا يعني اضافة الى ذلك وجود عناصر توليدية.
وبعد ان حصرنا المفهوم الذي يعتمده بدأ في التحليل ،لاتستقيم متابعة التحليل وتقريضه مالم نورد النص ــ موضوع التحليل ــ وهو نص المرقش الاكبر:
(1) هل تعرف الدار عفا رسمُها إلا الأثافيَ ومبنى الخيمْ
(2) أعرفها دارا لاسماء فال الدمع على الخدين سح سجم
(3) أمست خلاء بعد سكانها مقفرة ما إن بها من إرم
(4) إلا من العين ترعى بها كالفارسيين مشوا في الكمم
(5) بعد جميع قد أراهم بها لهم قباب وعليهم نعم
(6) فهل تسلي حبها بازل ما إن تُسلى حبها من اَمم
(7) عرفاء كالفحل جمالية ذات هباب لاتشكّى السأم
(8) لم تقرأ القيظ جنيناً ولا أصرها تحمل بهم الغنم
(9) بل عزبت في الشول حتى نوت وسوغت ذا حبك كالارم
(10) تعدو إذا حرك مجدافها عدو رباع مفردٍ كالزلم
(11) كأنه نصع من يمان وبال أكرع تخنيف كلون الحمم
(12) بات يغيب معشب نبته مختلط حربته بالينم
قبل ذلك اعطى الباحث للبنية التوليدية التي يشكلها النص رمزا هو3)ــ ( G s دون ان يفصح عن مدلولاته للقارئ ، وبالمقارنة مع ايضاحاته يمكن القول ان G ترمز الى مجموعة عناصر البنية ، s تفصح عن المحور التزامني احد محوري حركة دراسته ( حيث تتم دراسة علاقته بغيره من النصوص دراسة بنيوية ... )( ص 6) ، والمحور الثاني التوالدي او التعاقبي ( حيث تتم دراسة مكونات النص الاساسية في شروط تبلورها التاريخية بين الابداع الفردي والتقليد الجماعي وبالتطور التاريخي )(ص7) ،مبشرا بصلاحية البنية التوليدية الاولية التي سيكشف عنها لاحقا ،من أنها ستشكل نموذجا قابل لاستيعاب تغيرات بنى اخرى في نصوص اخرى كلها تنتمي الى الشعر الجاهلي وهذا ما جعل رمزه المقترح لايتضمن اشارة الى هذا المحور الاخير .. اما العدد 3 فوضعه كما يبدو للحركات الثلاثة التي ينطوي عليها النص قيد البحث وهو ما يعني لدينا رتبة الزمرة.
والسؤال هنا : ما هي المبررات لاتخاذ نص المرقص نموذجا قياسيا لنماذج اخرى ؟ هل لوضوح البنية المشار اليها ؟ ام انها نموذج قابل للاستبدال بغيرها واطلاق الوصف ذاته على بنيته ؟ هذه الاسئلة هامة لنفي تهمة تكرار النموذج الالسني في مجالات علمية اخرى في حين ان حظ أي نص لاينبغي ان ينقص او يزيد عن حظوظ النصوص الاخرى وما يجعلها متساوية هي وحدة المنهج الموظف في التحليل .
لعل من الملائم كتابة الرمز،اذا كانت قرائتنا للرمز المقترح هو بالضبط ما قصد اليه الباحث، بشكل زوج مرتب ( G ,s) ليدل الرمز s على العلاقة الداخلية بدلالتها التي ظننت .ولكن يا ترى هل يصح محور للبحث ان ينظر له كعلاقة ثنائية في نظام ما ؟ لا اعتقد ذلك . ان البحث في بنى توليدية يفترض بدأً وجود زمرة توليدية متأتية من حصر جزئي لمجموعة عناصر الدعامة ما يجعلها تشكل مع العملية الثنائية زمرة ،لها خاصة التوليد . اما لفظة اولية فقد اوردها بمعناها البدئي ــ كتوطئة مرصنة ــ ستشكل لاحقا الكاشف عن تحولات بنى هي الاخرى توليدية الا انها بصفات وسمات اخرى اساسها البنية التوليدية ( الاولية ) . ان ما يجعلنا تقبل ورود الاصطلاح بهذه الالفاظ هو فرزه الحركات الثلاثة للنص بوصفها عناصر منتهية قابلة للحصر او العد ، باسطا اياها في حركات ثلاثة ( ص9 ) هي :
(1) الديار الدارسة الخالية في اللحظة الحاضرة (A)
(2) عمران الديار وامتلاؤها بالجماعة في زمن ماض(A ــ)
(3) الاسى ومغالبة الاسى بالتوحد بالناقة النشيطة والاندفاع في خشونة الصحراء ( A7 ).
من منظور بنيوي صرف سنتعاطي مع الحركات على انها عناصر الدعامة ، وفي تقديرنا ثمة امكانات في النص تسمح بما هو اكثر من هذه العناصر الثلاثة . الا ان ذلك منوط بامور عديدة ليست من اهتمامات المنهج البنيوي وانما من اهتمامات الذائقة النقدية ورغم ذلك فان هذه الملاحظة السريعة لاتقلل من رصانة التحليل الذي بين ايدينا . ولانعلم لم الاشارة الموجبة في رمز الحركة الاولى والاشارة السالبة في الحركة الثانية . فاذا كان المقصود من تعاكس الاشارتين لتدلان على عنصر ونظيره فهذا امر متقبل . وسنعتمد هذا الافتراض في تقريضنا للتحليل . اما وجود العدد 7 في الحركة الثالثة فهو مبهم ولايشي بدلالة ما ضمن سياق الحركتين السابقتين ودلالتهما الرمزية كما تصورنا ( هل هو خطأ مطبعي ؟ ). وسنلتقط هنا العبارات على نحو مختصر دون المساس بالمعنى كي نحصل على ما يتصل بالبنية مباشرة منظورا لها من نموذج الزمرة ...
يقررأبو ديب بان القصيدة : تتشكل من توسيع الحركات في هيئات من التطورات، على صعيد الحركة الاولى .
فتطور الحركة الاولى ،ضمن تصور ضدي للوجود ــ الديار دارسة الا انها زاخرة بالحياة الحيوانية ــ وتطور من خلال علاقة انفعالية بين الذات والديار ــ هل تعرف الدار . نعم اعرفها دارا لاسماء ـــ وكذلك تطور الديارمن خلال استثناءات العفاء ــ الاثافي ومبنى الخيم ــ ، ثم ينتقل الى مستوى اخر من الرؤية للحركة الاولى ليجد ان مفارقة تنشأ بهذه التفاصيل ، مفارقة من درجة غير حادة : بين صورة العفاء وصورة البقاء ــ ما هو باق هو مبنى والبناء نقيض مطلق للاندثار والعفاء . الا ان هذه المفارقة تبلغ درجة عالية ، حين يتحول خلو الدار الى نسبي ـــ من الحياة الانسانية فقط ــ ، وتنمى صورة الحياة الحيوانية . اخيرا : تؤدي هذه الاستثناءات والمفارقات دورا هاما هو تدمير صورة الخلاء والاندثار ،والسماح لصور الحياة الغنية بالتفجر في سياق يفترض انه سياق الموت والعفاء .
اما الحركة الثانية فانها لاتتوسع ..الا بخلق رموز اساسية قليلة العمران والرفاه :
الرمز الاول: صورة الاجتماع الانساني ( بعد جميع .. البيت 5) التحام الحياة وامتلاؤها وتوحدها .
الرمز الثاني : صورة القباب ، تجسيد للرسوخ والانتصاب المكاني البارز وللثبات .
(( وهكذا فان العفاء والاندثار النسبيين في اللحظة الحاضرة يوضعان نقيضا للثبات والرسوخ والامتلاء المكاني في الزمن الماضي )) .
( مقابل الطبيعة اللمحية للحركة الثانية ، حركة انبعاث الماضي تأتي الحركة الثالثة المجسدة للاستجابة الفردية كلها ،مديدة موسعة ،تزخر بتفاصيل وصور وتفريعات للمكون الاساسي ، الناقة والاندفاع بها ، لتجعل منها مركز الثقل في النص ... صفتها الاولى الشباب فهي بازل ، مقابل القدم والاندثار والعفاء التي تطغى على الحركة الاولى ... ــ والناقة ــ لم تحمل جنينا ، برية ، محبوكة السنام ، نقيض الجبل في تفجرها حركية واندفاعا ، وتزداد التباسية الناقة وجمعها للاضداد حدة ــ اذا حرك مجدافها ــ ثم عن طريق توحيدها بحيوان اخر بري وحشي تعميقا لبريتها .. ــ الناقة رمزا للتوحد في مقابل التشتت ، واللازمنية مقابل الزمنية ، وللثبات والرسوخ مقابل زوالية التجمع الانساني ، وللتنآلف بين الذكر والانثى في مقابل الانفصال بين الشاعر وأسماء ، .. الناقة حركة مضادة للهشاشة والزوالية والزمنية والتشتت والانفصال ..حركة تستسلم لها القصيدة تماما دون ان تعود الى سياق الاطلال ، وتشكل نهاية الخط الذي يبدأ باللحظة A داخلة في وهم البقاء والديمومة ( ص 9ــ 14 ) .
الان وبعد هذا العرض المختصر لما جاء في التحليل اين هي عناصر القصيدة بحسب رؤية الباحث ؟
انها الحركات ولكن هذه الحركات انطوت على عناصر عدة الا انها محدودة بمعنى منتهية قابلة للتعيين والحصر لا بسبب تمدد وتوسع الحركتين الاولى والثالثة حسب بل يمكن الاكتفاء بالحركات الثلاثة دعامة للبنية : ان الحركة الاولى نظيرة الى الثانية عبر تزامنهما والتزامن هو العلاقة الثنائية ، وهي مغلقة فقط اذا ما عزلنا استثناءات ومفارقات الحركة الاولى وان بقاؤهما على صعيد التحليل فيها سيجعل من الحركة الاولى موضوع للتحليل على مستوى الزمرة وبذلك سيضطرنا الامر الى النظر الى الحركتين الاخريتين كزمرتين مستقلتين على مستوى التحليل . بمعنى ان عملية التعيين للحركات كان يفترض ان تكون مصفاة علاقة الاحتواء فيما بينها ، ولايسعف الباحث هنا التمدد والتوسع التي للحركة الاولى كي يجعل من الحركة الاولى حشد من العناصر ونظائرها في لحظة واحدة الامر الذي يمحو من التصور التحليلي عنصر التحايد ، الذي جسد اجتماع الاضداد وهي مستلة من الحركتين الاولى والثانية ، بالتساوق .
ان مفهوم التمدد والتوسع هنا شكّل غنى في التحليل لم نصادفه في دراسات بنيوية اخرى ، على قدر اطلاعنا في الاقل . فالباحث قد وعى العلاقة التابعية في وحدات التحليل ( الحركات ) وعيا تاما . اذ من السهل مع هذا الوعي ملاحظة الصورة الحيوانية المفعمة بالحركة الحرة البرية الوحشية ــ تابع اول ــ كجزء من صورة الديار الدارسة فالصورة الثانية تمدد او توسع للصورة الاولى ــ تابع ثاني ، فالصورة الثانية تمدد الصورة الاولى وهكذا في بقية الاستثناءات الاخرى التي جاء ذكرها في الحركة الاولى . ولكي يستقيم التحليل على نحو ادق كان بالامكان نقلها الى الحركة الثانية .
ان عناصر الحركة الثانية هي محض رمزية . اذ كيف يمكن ان تكون هذه الرموز نظائر لعناصر الحركة الاولى . او بشكل اعم كيف لرموز الحركة الثانية ان تكون نظيرا للحركة الاولى ؟ ان ذلك ممكن لان الصور الفنية ومن خلال الاساليب الشعرية ترد الى معاني من جنس المعاني المصورة هي الاخرى في الحركة الاولى.
والاستنتاج الذي نقرره هنا ان الحركة الاولى نظيرة للثانية . اما الثالثة فهي العنصر المحايد ، ( الاسى ومغالبة الاسى بالتوحد بالناقة النشيطة والاندفاع في خشونة الصحراء) فالاسى حقيقة وجودية تحال الى ضدية وجودية بالتوحد بالناقة و ... الى اخره .
ولكن كيف نختبر الخاصية التجميعية لعلاقة التزامن في هذا التحليل ، ان الباحث لم يشر الى ذلك كما لم يوسع اطاره التحليلي لاستيعابها .. لو بددنا كل حركة من الحركات الثلاثة الى عناصرها المتوافرة في التحليل الدلالي المرافق للتحليل برمته ، ووضعناها في مجموعة واحدة هي دعامة البنية سنتجاوز خللا ونمهد لاختبار .. اما الخلل فيتعلق بالاشتثناءات والمفارقات وعلاجها بالترحيل الى الحركة الثانية واعادة صياغة الرموز فيها تاليا . اما الاختبار فيتعلق بالخاصية التجميعية . والتي نوردها كما يلي :
يتبع