jobs4ar
11-08-2012, 02:27 PM
نموّ شخصيّة الإنسان
تمهيد
تقدم الاتجاه النمائي لنظرية الشخصية منظورا زمنيا ، طالما أنه يهتم بمراحل نمو الشخصية منذ لحظة الميلاد وحتى الوفاة . ويشير مفهوم الارتقاء أو النمو في نظرية الشخصية إلى المتغيرات البنائية التى تطرأ على الشخصية منذ المهد إلى الرشد وبالطبع تؤثر عملية الارتقاء بالعوامل الوراثية والاجتماعية والفيزيولوجية والبيئية التى تحدد مظاهر ومطالب النمو لكل مرحلة نمائية . ونتيجة التعدد النظرى في دراسة الشخصية ، إن يدرك المنظرون مراحل نمو الشخصية بصور مختلفة . وعلى ذلك ، ترجع بعض الاختلافات بين نظريات النمو إلى الظواهر النمائية المختلفة وإلى غير ذلك من الظروف التى تتصل بفترات الحياة التى تهتم بدراستها ولذلك ، فإن المعالجة المختصرة التى نقدمها هنا لا يمكن أن تعطي كل الخلافات النظرية العامة . وسوف نبدأ بعرض طبيعة النمو وتعريفه ثم مراحل نمو الشخصية وطرق البحث في نمو الشخصية ثم نعرض نماذج مختصره للنظريات الأكثر ذيوعاً في تفسير مراحل نمو الشخصية ، وأخيرا نخصص بقية العرض لموضوع ثبات الشخصية .
مفهوم النمو
إن اصطلاح "النمو" يشير إلى كافة التغييرات والتطورات التى تعترى الفرد خلال مراحل نموه المختلفة ، فالنمو يتعلق بالتغيير في الحجم والتعقد والتناسب وسائر التغيرات الكيفية التى تطرأ على العضلات والعظام ولون الشعر ولون البشرة وما إليها .
وإن النمو يتضمن كافة التغييرات العضوية والوظيفية التى تسير بالكائن البشرى إلى الارتقاء حتى ينضج .
ويشير "جيزيل "Gesell " عام 1958إلى أن "النمو يعني سلسلة متصلة من التغييرات ذات نمط منتظم ومترابط ".
ومما هو جدير بالذكر أن كلمة "النمو" في معناها الخاص والضيق تتضمن كافة التغييرات الجسمية والفسيولوجية كالطول والوزن والحجم ، نتيجة التفاعلات البيوكيميائية التى تحدث في الجسم (كتأثير الغدد الصماء) .
ولكن معناها العام تشمل بالإضافة إلى ما سبق كافة التغييرات في السلوك والمهارات والنواحي العقلية والانفعالية والاجتماعية (السلوك الوظيفي ) . ومما هو جدير بالذكر أن النضج Maturation والتعلم Learning من العوامل المؤثرة في شكل النمو ومحتواه ، فالنضج يمكن اعتباره الأساس المكون الداخلي لمصطلح "النمو" الأكثر شمولاً واتساعاً .
أما التعلم فإنه يتضمن حدوث التغير في السلوك نتيجة للممارسة أو التدريب أو الخبرة .
والنمو بمعناه النفسي يتضمن كافة التغيرات العضوية والفسيولوجية (التغييرات التكوينية ) والتغيرات الانفعالية والعقلية والاجتماعية (التغيرات السلوكية ) التى تحدث للفرد ويمر بها خلال دورة حياته .
يعتبر علم نفس النمو Developmental Psychology فرعاً من فروع علم النفس يهتم بدراسة كافة التغييرات السلوكية النمائية التى تطرأ على الفرد خلال مراحل نموه المختلفة ابتداء من لحظة الأخصاب حتى الممات ، ويهدف هذا العلم إلى اكتشاف المبادئ التى تفسر جوانب السلوك خلال مراحل العمر المختلفة (طلعت عبد الرحيم ، 1983: 14) .
وعلم نفس النمو هو الدراسة العلمية لنمو سلوك الفرد وتطوره ونضجه خلال دورة الحياة life cycle أى من لحظة الاخصاب مرحلة ما قبل الميلاد حتى الوفاة ، بهدف كشف القوانين والمبادئ التى تفسر جوانب السلوك في مراحل العمر المختلفة .
مراحل نمو الشخصية
إذا استعرضنا التراث السيكولوجي في علم نفس النمو ، نجد هناك اتجاهات متعددة نحو تقسيم مراحل نمو الشخصية على أسس مختلفة بعضها يرتكز على الأسس التربوية (التعليمية) والآخر يرتكز على الأسس العضوية.
وفي السطور التالية سوف نستعرض أهم الأسس في تقسيم مراحل النمو (نقلا عن المرجع نفسه ).
1- المراحل الأساسية العامة للنمو الإنساني :
إن الكائن البشرى يمر خلال مراحل نموه المختلفة ابتداء من لحظة الاخصاب حتى مماته بمراحل أساسية عامة هى :
1- مرحلة ما قبل الميلاد (الجنينية).
2- مرحلة الطفولة .
3- مرحلة المراهقة .
4- مرحلة الرشد والنضج .
5- مرحلة وسط العمر .
6- مرحلة الشيخوخة .
فالانسان كوحدة بشرية ينتقل من مرحلة إلى أخرى ومن طور إلى آخر خلال مراحله النمائية المختلفة ، ومما هو جدير بالذكر أن طول مدى الحياة life span المتوقع للفرد يتأثر بعوامل عديدة منها : الحالة الصحية العامة للفرد ، النظام الغذائي الذى يتبعه الفرد في حياته ، المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد ، الظروف الثقافية والحضارية المحيطة بالفرد، الرعاية الصحية والاجتماعية للفرد .
جدول (6) : مراحل النمو على الأساس العضوى
اسم المرحلة السن بالتقريب (العمر الزمنى)
ما قبل الميلاد (الجنينية) من لحظة الاخصاب -الميلاد(280يوماً).
المهد الميلاد - أسبوعين.
الرضاعة أسبوعين - عامين .
الطفولة المبكرة 2-5 سنوات .
الطفولة الوسطى 6-8 سنوات .
الطفولة المتأخرة 9-12سنة .
المراهقة المبكرة 13-15 سنة .
المراهقة الوسطى 16-18 سنة .
المراهقة المتأخرة 19-21 سنة .
الرشد والنضج 22-40 سنة .
وسط العمر 41-60 .
الشيخوخة 60 حتى الممات .
ومما هو جدير بالذكر أن التصنيف السابق يرتكز على الأساس العضوى والخصائص الجسمية للفرد خلال مراحل نموه المختلفة .
جدول (7) : مراحل النمو على الأساس التربوى
اسم المرحلة السن بالتقريب(العمر الزمنى)
مرحلة ما قبل الميلاد مدة الحمل .
الوليد الميلاد - أسبوعين .
الرضيع أسبوعين - عامين .
مرحلة ما قبل المدرسة(الحضانة) 2-5 سنوات .
مرحلة المدرسة الابتدائية 6-12 سنة .
مرحلة المدرسة الاعدادية 12-15 سنة .
مرحلة المدرسة الثانوية 15-18 سنة .
مرحلة التعليم الجامعي 18-22 سنة .
مرحلة العمل 22-60سنة .
مرحلة المعاش 60 حتى الوفاة .
إن التصنيف السابق يستند استناداً كبيراً على الأساس التعليمي فهو مرتبط بالسلم التعليمى (الابتدائي- الاعدادي الثانوى- التعليم الجامعي "العالي") وهو تصنيف يهتم به المشتغلون بالنظام التعليمى أو التربوى بمعناه الواسع .
طرق البحث في نمو الشخصية
يستخدم علماء النفس المهتمين بدراسة نموالشخصية مجموعة من المناهج وطرق البحث (نقلا عن طلعت عبد الرحيم ، 1983: 71-88) من أهمها ما يلى :
1- المنهج التاريخي : Historical Method
يعتمد هذا المنهج على البعد التاريخي في دراسة بعض مظاهر النمو في الماضي ، ويمد هذا المنهج "الدراسات النمائية المقارنة" بالعديد من المعلومات عن حقائق النمو في الماضي .
وعلى سبيل المثال يمكن أن يقارن الباحث المهتم في نمو الشخصية بين أطوال وأوزان بعض الأجيال السابقة وذلك للتحقق من صدق الفرض القائل بأن الأجسام الانسانية لديها استعداد فطرى ووراثي للزيادة في الطول والوزن جيلاً بعد جيل ، وخاصة أن هذا الفرض مازال يثير جدلاً بين علماء التاريخ .
2- المنهج الوصفى : Descriptive Method
يركز هذا الأسلوب على وصف السلوك خلال مراحل النمو المختلفة للشخصية ، وفي مرحلة من مراحل نمو الشخصية ، وفي مرحلة عمرية محددة من مراحل نمو الفرد ، وفي ظروف ثقافية واجتماعية وحضارية مختلفة .
والطريقة الوصفية لا تهتم فقط بوصف خصائص النمو المختلفة للفرد (الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والحسية والحركية ... الخ) عند كل سن ، ولكنها تهتم أيضاً بكيفية تغير هذه الخصائص مع مرور الزمن.
فالباحث في النمو العقلي للطفل مثلاً لا يهتم فقط بوصف نوع العملية وخصائصها عند كل سن معينة ، بل يتعدى ذلك إلى محاولة التعرف على الطريقة التي يتم بها تتابع هذا النمو العقلي في مراحله المختلفة .
وعلى هذا فالطريقة الوصفية في دراسة نمو الشخصية لا تتناول الوضع القائم لأى مظهر من مظاهر النمو والعلاقات المتبادلة بين هذه المظاهر فحسب ، بل يتناول أيضاً التغييرات التى تحدث لهذه المظاهر النمائية نتيجة لمرور الزمن فهى تصف هذه المظاهر في مجرى تطورها عبر فترة تمتد شهوراً أو سنوات عديدة .
ومن أهم طرق المنهج الوصفى المستخدمة في دراسة نمو الشخصية ما يلى :
(1) الملاحظة العلمية المنظمة Systematic observation
تعتبر الملاحظة العلمية المنظمة وسيلة هامة من وسائل جمع المعلومات ، وقد استخدمت في الماضى كما تستخدم في الحاضر لما لها من أهمية في الدراسة والبحث .
وتعتبر الملاحظة مورداً خصباً للحصول على المعلومات الحقيقية عن وقائع السلوك ، فهي تعتمد على المعاينة المباشرة لأشكال السلوك الذى ندرسه ، فإذا أردنا أن ندرس سلوك عينة من الأطفال أثناء اللعب في جماعات ، فما على الباحث إلا أن يقصد احدى دور الحضانة أو المدارس الابتدائية لجمع الملاحظات العلمية عن طريق معاينتهم أثناء اللعب معاً .
ومما يزيد من أهمية الملاحظة أن الباحث يستطيع أن يستخدمها في الدراسات الاستطلاعية والوصفية والتجريبية .
وهذا ما استخدمه عالم النفس الشهير "أرنولد جيزيل" Gesell ومعاونوه ، وقد استخدم "جان بياجيه "- عالم النفس السويسرى الشهير - وسائل عديدة لتسجيل وقائع السلوك الملاحظ ولرصد حركات الأطفال ومظاهر سلوكهم في مواقف مختلفة .
وقد استعمل "فريمان" Freeman هذه الطريقة في دراساته عن القوائم، حيث كان يدرس مدى تأثير كل من البيئة والوراثة في نمو وارتقاء السلوك البشرى .
(ب) الطريقة المستعرضة Cross- Sectional Method:
وفي هذه الطريقة يركز الباحث على دراسة مجموعة من الأفراد في مرحلة عمرية معينة حتى يحيط مرة واحدة بمظاهر النمو (الجسمية ، الفيزيولوجية ، الاجتماعية ، الانفعالية ، العقلية ، الحسية الحركية) وخصائصه في هذه المرحلة العمرية . أو دراسة مجموعة من الأفراد في مستويات عمرية مختلفة لدراسة خصائصهم النمائية ، وعادة ما تصف الدراسات المستعرضة عوامل النمو ومظاهره في صورة أقل كفاءة من الدراسات الطولية ، ولكنها تتضمن مفحوصين أكثر من الدراسات الطولية .
ومما هو جدير بالذكر أن هذه الطريقة تستخدم وسائل القياس النفسيى المقننة كالاستخبارات ومقاييس الشخصية والاختبارات وغيرها من وسائل القياس السيكولوجي .
(ج) الطريقة الطولية Longitudinal Method :
وفي هذه الطريقة يركز الباحث على فرد أو مجموعة من الأفراد فيدرس ويتتبع ويلاحظ ويصف نموهم من شهر إلى آخر ومن سنة إلى سنة أو من مرحلة نمائية إلى أخرى وهكذا .
ويطلق بعض علماء نفس النمو على هذه الطريقة مفهوم الوصف المستمر أو طويل المدى حيث يتناول هذا المنهج الدراسة التتبعية التى تتناول مراحل النمو وخاصة عند الأطفال وذلك باختيار مجموعة من الأطفال والقيام بملاحظتهم وتتبعهم شهراً بعد شهر وعاماً بعد الآخر ويطلق على هذه الطريقة أحياناً الدراسة التتبعية .
3- المنهج التجريبي : Experimental Method
يعتبر المنهج التجريبى من الأساليب الهامة في مناهج البحث في علم النفس بوجه عام وعلم نفس النمو بوجه خاص ، ذلك أن الباحث الذى يستخدم المنهج التجريبي في بحثه لا يقتصر على مجرد وصف الظواهر التى يتناولها بالدراسة ، كما يحدث عادة في البحوث الوصفية بل يسعى إلى ضبط وتغيير متعمد للشروط المحددة لظاهرة ما وملاحظة التغييرات الناتجة في الظاهرة ذاتها وتفسيرها .
خطوات المنهج التجريبي :
(أ ) الملاحظة المنظمة والعلمية لأفعال تجرى تحت ظروف محددة ومضبوطة ضبطاً تجريبياً .
(ب) يتم وضع فرض أو فروض (الفرض هو حكم أولى بوجود علاقة بين ظاهرتين أو محاولة مبدئية لتفسير ظاهرة من الظواهر أو رأي يضعه الباحث على سبيل التخمين ) وتكون هذه الفروض في صياغتها قابلة للاختبار والقياس .
(جـ) يغير عادة العامل المسبب لوقوع الظاهرة لمعرفة تأثيره على الفعل أو السلوك المراد دراسته أو قياسه ، مع ثبات المتغيرات الأخرى التى قد تكون ذات تأثير في النتيجة .
(د) تسجيل كافة التغييرات التى تحدث .
هذا ويتميز المنهج التجريبي بخصائص أساسية أهمها :
1- يستطيع الباحث أن يحدد الوقت الذى تحدث فيه الظاهرة فيستعد له ويرسم خطة لملاحظته الدقيقة .
2- حصر الظروف وتحديد العوامل التى يكون لها أثر في حدوث الظاهرة النفسية .
3- من الممكن للباحث أن يغير التجربة ليرى الآثار المترتبة على الظروف المتغيرة .
4- التحكم في كل المتغيرات الدخيلة في الظاهرة المراد دراستها .
5- إمكانية إعادة التجربة تحت نفس الشروط والظروف .
4- المنهج المعملى : Laboratorial research
يعتبر البحث المعملى من أهم الأساليب العلمية التى استخدمت بنجاح في مجال علم نفس النمو ، وقد تم عن طريق المعمل (LAB.) دراسة العديد من أنماط السلوك .
ويعتبر البحث المعملي هو الوجه المخالف أو العكسي للبحث المبداني أو الحقلي (Field research ) ، ذلك أن الدراسة الحقلية أو الميدانية تتعامل مع الأفراد الحقيقيين (موضع البحث) تعاملا حقيقياً وتحت ظروف طبيعية حقيقية وليست مصطنعة ، أما الأسلوب المعملى فيسعى إلى دراسة السلوك تحت ظروف مصطنعة داخل المعمل ومحاولة ضبط المواقف (Situations) التى تعرض على المفحوصين داخل المعمل .
5- المنهج الانثروبولوجى : Anthropological Approach
يعتبر الأسلوب الأنثروبولوجى من الأساليب الهامة لدراسة السلوك الإنساني في ثقافات مختلفة ، ويهتم هذا الأسلوب بالدراسات عبر الثقافية ويقوم المنهج الانثروبولوجى على الملاحظة الميدانية التى يقوم بها الباحث شخصياً أو الاعتماد على "إخباري" أو أكثر في تزويده بالمعلومات التى تلزمه ، ويقوم في نفس الوقت بإجراء ملاحظات مباشرة لعادات الأفراد وتقاليدهم وسلوكهم الاجتماعي والثقافي والتربوي وكافة أوجه نشاطهم ويدون هذه الملاحظات دون تحيز .
وحيث أن الانثروبولوجيا " Anthropology " هى علم دراسة الانسان، فهي تهتم بدراسة حضارة الانسان وثقافته عبر ثقافات مختلفة وترتبط "الانثروبولوجيا الثقافية " " Culture Anthropology" بدراسة ثقافة الانسان وحضارته وأساليب تطبيعه الاجتماعي في ثقافات متباينة .
6- الطريقة عبر الثقافية : Cross- Cultural Method
يهتم أسلوب الدراسات عبر الثقافية بمقارنة أساليب "التربية الأسرية" وأساليب "التنشئة الاجتماعية" في ثقافات مختلفة ، ويستخدم علماء نفس النمو هذه الحقائق والمعلومات التى تفيدهم في دراساتهم وابحاثهم عن حقائق النمو الانساني والتى تزودهم بها علماء الأنثروبولوجيا الحضارية .
7- طريقة القياس النفسي والتربوى :
Psychological & Educational Testing Method
تعتبر الطريقة القياسية من الأساليب الهامة في مجال التشخيص الاكلينيكي والتربوى في الدراسات النمائية. وتستخدم هذه الطريقة كافة أدوات القياس السيكولوجي في دراسة المتغيرات السلوكية مثل الذكاء والميول والاستعدادات والدافعية والاتجاهات الشخصية . وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح فى دراسات نمو الطفل والمراهقة والمسنين .
ويفيد هذا المنهج في " الدراسات المقارنة " لنمو قدرات الأطفال أو سمات شخصياتهم في المراحل المختلفة للنمو ، وفي بيئات ثقافية مختلفة ، وفي تتبع قدرات معينة خلال مراحل النمو المختلفة .
8- الطريقة الاكلينيكية (العيادية) : Clinical Approach
يستخدم الأسلوب الاكلينيكي أو العيادى في دراسة وتشخيص السلوك الفردي للأطفال والمراهقين وخاصة عندما ينحرف النمو عن معاييره الطبيعية كما حددها علماء النمو النفسي .
ويستخدم الأسلوب الاكلينيكي (العيادى) مع الحالات المرضية (الباثولوجية ) التى تعانى من سوء التوافق ، والاضطرابات الانفعالية والنفسية والاجتماعية في الطفولة والمراهقة والشيخوخة .
وكذلك تهتم الطريقة الاكلينيكية بحالات التوافق المدرسي ومشكلات التعلم والتوافق المهني في مرحلة المراهقة وعلاجها .
ويستخدم الأسلوب الاكلينيكي في عيادات توجيه الأطفال والعيادات النفسية والتربوية ، وعيادات الارشاد النفسي ، والعيادات النفسية .
هذا وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح في مجال دراسات الأطفال والمراهقين وفي علاج كثير من الاضطرابات السلوكية في هذه المراحل النمائية وعلاجها .
نظريات نمو الشخصية
سوف نعرض نماذج فكرية مختلفة تعتبر الأكثر ذيوعاً وقبولاً في التراث النفسي وهى ( نظرية فرويد - ونظرية أريكسون - ونظرية بياجيه- ونظرية كولبرج - والنظرية التكاملية ) مع نظره نقدية لكل نموذج منها . وفيما يلى عرض لهذه النماذج .
أولا : النظرية الفرويدية (نظرية التحليل النفسي )
ترتبط النظرية الفرويدية بمؤسسها العالم النمساوى الشهير "سيجموند فرويد " ( 1856- 1939) ، وتكتسب مدرسة التحليل النفسي اتجاها خاصا في مجال سيكولوجية النمو ذلك أنه في الحقيقة تجمع بين نظرية في الشخصية ونظرية في النمو ، ذلك أن الشخصية في نموها تمر عبر سلسلة من المراحل ( من الطفولة إلى النضج) ويختلف الأفراد في درجة نجاحهم وتوافقهم في اجتياز هذه المراحل المختلفة .
ربما كان فرويد أول صاحب نظرية سيكولوجية يؤكد الجوانب التطورية في الشخصية ويؤكد - بخاصة - الدور الحاسم لسنوات الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة ، في إرساء الخصائص الأساسية لبناء الشخصية والحقيقة أن فرويد يرى أن الشخصية يكتمل القدر الأكبر منها عند نهاية السنة الخامسة من العمر ، وأن ما يلى ذلك من نمو يقوم في معظمه على صياغة البناء الأساسي .
إن الشخصية تتطور استجابة لأربعة مصادر رئيسية للتوتر :
1- عمليات النمو الفسيولوجي .
2- الاحباطات .
3- الصراعات .
4- التهديدات .
وكنتيجة مباشرة لتزايد التوتر الناتج من هذه المصادر يجد الشخص نفسه ملزما بتعلم أساليب جديدة لخفض التوتر . وهذا التعدد هو المقصود بتطور الشخصية .
إن التعيين والازاحة طريقتان رئيسيتان يتعلم الشخص عن طريقها حل احباطاته وصراعاته وما يعانيه من ضروب الحصر .
التعيين :
فيمكننا تعريف التعيين بوصفه الطريقة التى يتمثل بوساطتها الشخص سمات شخص آخر ويجعلها جزءا مكونا لشخصيته ذاتها ، فهو يتعلم خفض التوتر بصياغة سلوكه على غرار سلوك شخص آخر .
وليس من الضرورى أن يتعين شخص بشخص آخر من جميع الجوانب . بل انه عادة ما يختار ويستدمج ، فحسب تلك السمات التى يعتقد أنها ستساعده في بلوغ الهدف الذى يرغب فيه وثمة قدر كبير من المحاولة والخطأ في عملية التعيين لأن المرء لا يكون عادة على ثقة كبيرة بذلك الذى يتسم به الآخر بحيث يتحقق له النجاح . ان الاختبار النهائي هو : هل التعيين يساعد على خفض التوتر ؟ فإذا فعل ذلك استدمجت الصفة ، وإذا لم يفعل نبذت الصفة ( هول ، لندرى ، 1971: 69) .
ويمثل البناء النهائي للشخصية تراكم العديد من التعيينات وهو تراكم يحدث في فترات متباينة من حياة الشخص ، وإن كان الاحتمال أن الأب والأم هما أهم الشخصيات التى يتعين بهما الطفل في حياته .
الأزاحة :
عندما يصبح اختيار موضوع أصلى للغريزة غير ممكن بفعل عوائق خارجية أو داخلية ( الشحنات - المضادة) فأن شحنة جديدة تتكون ما لم يحدث كبت قوى . فإذا ما أعيقت هذه الشحنة الجديدة كذلك ، حدثت ازاحة أخرى ، وهكذا ، حتى يتم العثور على موضوع يحقق قدرا من التخفف للتوتر المحتبس . وعندئذ يشحن هذا الموضوع حتى يفقد قدرته على خفض التوتر ، وإذ ذاك يبدأ بحث آخر عن موضوع هدف مناسب . وخلال هذه السلسلة من الازاحات التى تشكل بدرجة كبيرة تطور الشخصية يظل مصدر الغريزة وهدفها ثابتين على حين يتغير الموضوع فقط (المرجع نفسه: 71) .
ويرى " فرويد " أن تطور الشخصية - كما يبدو في الطاقة النفسية (اللبيدو) - يمر بثلاث مراحل نفسية جنسية Psychoua أساسية هى : قبل التناسلية أو الجنسية الطفلية ( وتضم ثلاث مراحل فرعية) مرحلة الكمون ، المرحلة التناسلية (انظر الجدول8 ) :
جدول (8) : مراحل النمو النفسي الجنسي تبعا لمفاهيم "فرويد"
المرحلة العمرية المرحلة النفسية الجنسية
الشهور الستة الأولى الفمية - الاتكالية
من الستة شهور حتى نهاية السنة الثانية الشرجية - السادية
من 3-6 سنوات القضيبية : عقدة أوديب وعقدة اليكترا
من 6-12 سنة الكمون
المراهقة والرشد التناسلية
وتتحدد كل مرحلة من النمو خلال السنوات الخمس الأولى من حيث أساليب الاستجابة من جانب منطقة محددة من الجسم . ففي خلال المرحلة الأولى التى تستمر قرابة العام يكون الفم هو المنطقة الرئيسية للنشاط الدينامي . ويلى المرحلة الفمية نمو الشحنات والشحنات المضادة حول وظائف الاخراج ويطلق على ذلك اصطلاح المرحلة الشرجية . ويستمر ذلك خلال العام الثاني ثم يتبعه المرحلة القضيبية حيث تصبح الأعضاء الجنسية المناطق الشهوية الأساسية . ويطلق على هذه المراحل الثلاث الفمية ، والشرجية ، والقضيبية المراحل قبل التناسلية . ثم يمر الطفل بعد ذلك بفترة الكمون التى تطول ، وهى المسماة بسنوات الهدوء من الناحية الدينامية . وتميل الدفعات في هذه الفترة إلى البقاء في حالة كبت . وتؤدي عودة النشاط الدينامي في المراهقة إلى تنشيط الدفعات قبل التناسلية فإذا أتم الأنا بنجاح ازاحة هذه الدفعات والتسامى بها فأن الشخص ينتقل إلى مرحلة النضج الأخيرة ، المرحلة التناسلية .
أولا : مراحل النمو النفسي الجنسي في الطفولة :
كل مرحلة من المراحل الطفيلية الثلاث (قبل التناسلية ) خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تتركز في منطقة محددة من الجسم ينتج عنها أكبر استثارة ، وتعد أعظم مصدر لللذة خلال هذه المرحلة . ونعرض لهذه المراحل بشيء من التفصيل ، وهى المراحل الفمية والشرجية والقضيبية .
أ - المرحلة الفمية Oral Stage
لا أحد ينكر أهمية الفم بالنسبة للوليد في عامه الأول ، فهو مصدر الطعام والحب ، إذ يتضمن تناول الطعام تنبيها لمسيا حسيا للشفتين وللتجويف الفمي ، ومن ثم يعد الفم مصدر أشباع ولذة . وبعد ظهور الأسنان يستخدم الفم في العض والمضغ . وتجد لذة عن طريق التنبيه اللمسي للفم والشفتين واللسان بوساطة المص والبلع على حين يحدث العض لذة فمية عدوانية .
ولاشك أن فهم الوليد وسيلة الاتصال المهمة بالعالم وهو يستخدمه بهدفين : سحب الطعام ليخفف من توتر أحشائه ، والاستمتاع بحنان أمه وهى تقدمه له ، ويصبح للشخص الذى يقدم للطفل الطعام (الأم غالبا) ويحتضنه أهمية الطعام ذاته .
ويؤدى اعتماد الطفل التام على أمه فى المرحلة الفمية إلى تكوين مشاعر الاعتماد لديه في هذه الفترة ، وهى مشاعر تميل إلى الاستمرار والبقاء طوال الحياة . ويعتقد "فرويد" أن أكثر أعراض الأعتماد تطرفا هى الرغبة في العودة إلى الرحم .
وللفم عدة وظائف هي : البلع ، الامساك ، الاصرار ـ العض ، اللفظ ، الاطباق . ويمثل كل من هذه الوظائف نموذجا لسمات في الشخصية، ويميل الطفل إلى اتباع الأسلوب ذاته عندما يواجه بعض المواقف المشابهة فيما يأتي من أيام حياته . فإذا كان البلع مؤديا إلى الشعور باللذة ، فإن الفرد ينغمس في أنشطة مثل الأكل والشرب والتدخين والادمان ، والتهام المعرفة والحب والقوة عندما يحس الفرد بالخواء .
ب - المرحلة الشرجية Anal Stage
عندما تضغط مخلفات عمليات الهضم على العضلات العاصرة للشرج ، يحدث لدى طفل فعل منعكس يطرد هذه الفضلات التى تسبب الضيق له ، فيحدث شعور بالراحة بعد طردها والتخلص منها .
وتقوم الأم عادة في السنة الثانية تقريبا من عمر الطفل بتدريبه على النظافة ، وعلى أن يقضى حاجته في مكان خاص . ولعل هذه أول خبرة يمر بها الطفل ، وتكون متصلة بالتنظيم الخارجي لدفعة غريزية إذ يتعين عليه أن يرجئ أفراغ أمعائه تبعا لما تعلمه أياه أمه ، على الرغم من أن التخلص من هذه النفايات يسبب للطفل التخلص من الضيق وانهاء التوتر إذ يزيل مصدرهما ، ومن ثم تتحقق الراحة له .
ويترتب على الأسلوب الذى تتبعه الأم في تدريب طفلها على ضبط أمعائه وقضاء حاجته في المكان المحدد نتائج غاية في الأهمية بالنسبة لشخصية الطفل ، فإذا تميزت طريقة الأم بالصرامة والشدة فقد يقبض الطفل على فضلاته ويصاب الأمساك ، وقد يلتمس مخرجا لغضبه باخراج فضلاته في أوقات غير مناسبة . ويقوم الطفل بتعميم هذه الاستجابة فيما سيأتي من أيام إلى مجالات أخرى للسلوك ، فينمو لديه شخصية تتسم بالبخل والشح والعناد والقسوة والانغماس في الشهوات والميل إلى التدمير ونوبات الغضب والفوضى وعدم النظام (أحمد عبد الخالق ، 1993 -ج : 258) .
ومن ناحية أخرى فإذا كانت الأم تتودد إلى الطفل ليخرج فضلاته وتسرف في مديحه عند استجابته لذلك ، فأن الطفل تتكون لديه فكرة مؤداها أن عملية الاخراج ذات أهمية بالغة ، وقد تكون هذه الفكرة أساس الانتاج والابتكار والابداع . أن الطفل عندما يتعلم أن يطيع رغبة أمه بخصوص عملية الاخراج ، فإنه سيحصل على الحب وسيحظى بالاطراء والثناء .
جـ - المرحلة القضيبية Phallic
بعبور الطفل المرحلتين : الفمية والشرجية - أن قدر له أن يعبرهما - فإنه يصل إلى المرحلة القضيبية . وتجدر ملاحظة أن ما يقوم بدور مهم في هذه المرحلة ليس هو الأعضاء التناسلية لدى الجنسين ، بل هو العضو التناسلى الذكر فحسب ، ومن هنا أتى اسم هذه المرحلة . وتبلغ الجنسية الطفلية الأولي - خلال المرحلة القضيبية - ذروتها حيث يستمد الطفل اللذة من العبث بالأعضاء التناسلية ، ثم تقترب هذه المرحلة أيضا من أضمحلالها.
وتبدأ هذه المرحلة حوالي الثالثة من العمر ، حيث تتفجر لدى الطفل رغبة في استطلاع أمور الجنس ، مع قدر من الاستثارة الجنسية ، تصاحبها أخيلة متصلة بالنشاط الجنسي ، تصل إلى حد النشاط الشهوى الذاتي أو الاستثارة اليدوية والاستمناء واللعب الجنسي كالاستعراض أو لعبة "الدكتور". ومن هنا يمكن القول بأن المشاعر الجنسية والعدوانية المرتبطة بوظائف أعضاء التناسل تحتل مركز الاهتمام في هذه المرحلة من نمو الشخصية . فمشاعر اللذة المرتبطة بالاستمناء وبحياة التخييل لدى الطفل والتى تصاحب نشاطه الشهوى الذاتي تهيئ السبيل لظهور عقدة أوديب . وقد أعتبر فرويد كشف عقدة أوديب واحد من أكبر اكتشافاته .
وتستمد عقدة أوديب اسمها من ملك طيبة الذى قتل أباه وتزوج بأمه.
وعقدة أوديب في إيجاز هى شحنة جنسية تستهدف الوالد من الجنس المقابل وشحنة عدوانية تستهدف الوالد من نفس الجنس . فالصبى يرغب في امتلاك أمه واستبعاد أبيه على حين ترغب الفتاة في امتلاك أبيها وأبعاد أمها . وتعرب هذه المشاعر عن نفسها في تخيلات الطفل أثناء الاستمناء وفي التذبذب بين الأفعال الدالة على الحب والأفعال المعربة عن التمرد والثورة ازاء والديه .
ويحدث عكس ذلك لدى الطفلة ، حيث تدعى في هذه الحالة " عقدة الكترا " Electra : ابنة " أجاممنون" في الأسطورة التى كتبها " سوفوكليس" ، حيث تدفع "الكترا " أخاها ليقتل أمها جزاء قتلها لأبيها ، وتظل الكترا مخلصة وفية لأبيها بعد موته ، بالرغم من أن أمها جعلت منها رقيقة جارية.
ولكن هذا التعلق بالوالد من الجنس الآخر يتناوله الكبت بسبب الصراع الذى ينشأ من اصطدام هذا التعلق بمشاعر الحب والكره والخوف التى يشعر بها الطفل تجاه الوالد من الجنس نفسه ، ويتوقع أن يوقع به الأذى والعقاب ، ويتركز هذا العقاب على أعضائه التناسلية فهى مصدر مشاعره الشهوية ، فيخشى أن يستأصل والده الغيور هذه الأعضاء المسيئة ، ويتحول هذا الخوف ليصبح قلق الخصاء . ويؤذى قلق الخصاء إلى كبت الرغبة الجنسية في الأم والعدوان على الأب ، ويتوحد الأبن بأبيه ويتقمص شخصيته أى يتوحد بها ، ويحقق بذلك أشباعا بديلا لمشاعره نحو الأم ، وتتحول هذه المشاعر الشهوية نحوها إلى مشاعر رقيقة حانيه . وبذلك يحقق الحل السليم لعقدة أوديب ، حيث ينمو الطفل الذكر ليبحث عن زوجة تشبه أمه . ويرى "فرويد" أن الأنا الأعلى هو وريث عقدة أوديب لدى الذكر ، إذ يعد الأنا الأعلى حائلا دون رغبة الفرد في المحارم والعدوان . وعلى الرغم من حل عقدة أوديب فأنها تظل قوة فعالة في الشخصية طوال الحياة ، إذ يؤثر في اتجاه الفرد نحو الجنس المقابل والعلاقات الأسرية والزوجية ونحو الرؤساء والسلطة .
تتحول طاقة اللبيدو في الجنسية الطفلية عبر مراحل الفم والشرج والقضيب ، ولكن لا يتبادر إلى الذهن أن هذه المراحل الثلاث تتمايز عن بعضها تمايزا تاما ، فقد تظهر واحدة منها إلى جانب الأخرى أو تتداخل معها.
وحتى ينتقل الطفل انتقالا سلسا من مرحلة نفسية جنسية إلى التى تليها فيجب أن يتسم أشباعه لحاجاته في تلك المرحلة بالاعتدال ، فلا زيادة ولا نقصان ، لأن كلا منهما يؤدي إلى تثبيت الطفل على هذه المرحلة . وعندما تواجه الفرد مشكلة في الكبر فأنه ينكص إلى المرحلة التى حدث فيها تثبيت . ويشير تثبيت اللبيدو إلى تثبيت اللبيدو بمرحلة من مراحل التطور النفسي الجنسي ، مما يقلل فيما بعد مقدار اللبيدو المهيأ للتوافق مع الواقع . وإذا اعترض طريق الاشباع الحالي عقبات عجز الفرد عن تذليلها ساعد ذلك على حدوث نكوص إلى احدى النقط التى تثبت اللبيدو عليها . ومن هنا فأن التثبيت أساس لتعرض الفرد - في مستقبل أيامة - للأصابة بالمرض النفسي أو العقلي .
ثانيا : مرحلة الكمون Latency Stage
تلى مرحلة الكمون المراحل الفمية والشرجية والقضيبية ، وتمتد هذه المرحلة من سن السادسة عشرة عاما تقريبا . والكمون هنا معناه خمود وركود وقعود للنزعات الجنسية ، وتناقص للاهتمام بها ، مع اهتمام الطفل عندئد بأمور أخرى غير الجنس ، حيث يتم اعلاء الطاقة الجنسية وتوجيهها إلى اللعب والعمل المدرسي والاهتمامات العقلية والرياضية (البدنية) والاندفاع إلى تكوين صداقات وعلاقات مع الأتراب والأنداد .
ولاشك أن لعوامل التنشئة دورا في هذا الصدد ، إذ تبنى سدود تقف كما لو كانت عقبات فى طريق الغريزة الجنسية وتحد من تدفقها ومنها الخجل والاشمئزاز ومطالب المثل العليا الجمالية والأخلاقية .
ثالثا : المرحلة التناسلية Genital Stage
والمرحلة التناسلية أطول المراحل جميعا ، إذ تبدأ من البلوغ وتستمر حتى الشيخوخة . والمتوقع أن يصاحب الانتقال من الطفولة إلى البلوغ خلال المرحلة التناسلية - في الحالات السوية - تحول من الأثرة إلى الايثار ، ومن عشق الذات إلى عشق فرد من الجنس الآخر من الجنسية الذاتية إلى الجنسية الغيرية مما يترتب عليها من تناسل وانجاب وتكوين أسرة، هذا فضلا عن العمل والاضطلاع بمهام الراشد ومسئولياته .
في هذه المرحلة يزيد مستوى الدافع الجنسي وذلك نتيجة لنمو الغدد الجنسية في مرحلة البلوغ ويحطم الدافع الجنسي حواجز الكبت ويعاود الفرد النظر إلى الجنس الآخر نظرة جنسية مشبعة باللذة وتكون بعيدة عن الوالدين وتميل إلى رفيق (رفيقة) من نفس السن ، وتعتبر هذه المرحلة علامة بارزة في سلم النضج ، وارتقاء الأنا الأعلى (سلطة الضمير) وللجنس في هذه المرحلة يتضمن فكرة الحصول على اللذة باعطائها للجنس الآخر بمنأى عن الأنانية المطلقة والتمركز حول الذات ( اللبيدو النرجسية) التي تميز المراحل السابقة للنمو الجنسي للفرد .
نقد نظرية التحليل النفسي :
1- التركيز على الدوافع البيولوجية
أكد " فرويد " على الأساس البيولوجي لكل من الجنس والعدوان (الهو) إلى الدرجة التى أهمل فيها الآثار الاجتماعية والثقافية في التعبير عن هذه الغرائز البيولوجية . وعلى الرغم من أنه قد بين في بعض الأحيان أن الانسان يتعلم عن طريق الأنا كيف يتصرف بطريقة عدوانية أو جنسية ، فقد كانت غالبية التركيز على الغرائز (الدوافع البيولوجية) أكثر من التعلم الاجتماعي . كما افترض "فرويد" أن عقدة أوديب وعقدة اليكترا عامة شائعة، وأن الصراع الأساسي يشتق دائما من الدوافع الجنسية ( أحمد عبد الخالق ، 1993 -ج :264).
2- ضعف البيانات المتاحة :
اعتمد "فرويد" بصورة أساسية - على ما أدل به الراشدون عن طفولتهم في تكوين استنتاجات عن دور كل من الصراع والقلق والاحباط في تحديد نمو الشخصية وظهور الأمراض النفسية . ومن الواضح أن هناك خطرا ومأزقا في هذا المنهج الاسترجاعي ، حيث أن هذه البيانات لا تعكس بالضرورة ما الذى حدث فعلا خلال مرحلة الطفولة .
3- ضعف المنهج :
نقد " فرويد " بوجه عام فيما يتعلق بمنهجه في اختيار فروضه ، حيث عد هذا المنهج مشكوكا فيه ، فلم تضبط ملاحظاته ضبطا كافيا . فعلى سبيل المثال لم يترك أية ملاحظات دقيقة عن الحديث الذى كان يدور بينه وبين المرضى أثناء جلسات التحليل النفسي . كما كان يكتب وصفه للحالة بعد انتهاء الجلسة بساعات ، ومن ثم قد يتأثر استرجاعه بما كان يريده أن يحدث بالفعل .
قام "ايزنك ، وويلسون ) ( Eysenck & Wilson, 1973 بتحليل بعض الدراسات ذاتها التى قام "كلاين" بعرضها ، وبخاصة تلك التى تتعلق بالنمو النفسي الجنسي أثناء المرحلتين الفمية والشرجية ، وعقدة أدويب وعقدة الخصاء ، وطبيعة العصاب والذهان . وقد توصلا - بوجه عام - إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بنتائج الدراسات وهى على النحو التالي :
1- تقسيم مراحل النمو النفسية الجنسية لدى الأطفال إلى المراحل الفمية والشرجية والقضيبية عليها شك . وقد أجريت دراسة على العلاقة بين خبرات التغذية المبكرة في الطفولة لدى الأطفال الذين تغذوا من الثدى مقابل من تلقوا تغذية صناعية ، العلاقة بينهما وبين عادة مص الصابع وعمر الفطام . وقد استخرجت بعض النتائج الايجابية من الباحث المتحيز الذى أجرى الدراسة ، ولكن التصميم التجريبي يوجه عليه جوانب نقد أساسية .
2- أجريت دراسة أخرى على العلاقة بين سمات شخصية الراشد وعمر الفطام المبكر مقابل المتاخر ، ولكن يوجه إليه النقد ويمكن أن تفسر نتائجها تفسيرات بديلة على أسس أخرى كالوراثة مثلا أو غيرها .
3- درست العلاقة بين الشخصية الوسواسية والتدريب المتشدد على "التواليت " ، ولم تؤديها الدراسات التجريبية .
نظرية أريكسون (النظرية النفسية الاجتماعية )
يشير أريك "أريكسون" Erikson في نظريته النفسية الاجتماعية إلى أن الإنسان يمر خلال مراحل نمـــوه وتطــــوره بــثمانية مراحل أساسية هى ( مرحلة الرضاعة - مرحلة الطفولة المبكرة - مرحلة سن اللعب - مرحلة سن المدرسة - مرحلة المراهقة - مرحلة الشباب المبكر 0 مرحلة الرجولة - مرحلة النضج والكهولة ).
وإن الفرد يواجة خلال كل مرحلة من مراحل نموه بعض المشكلات التى يطلق عليها "أريسكون" الأزمات (Crisis) وذلك نتيجة مواجهتة لمواقف البيئة التى يتفاعل معها ، ومما هو جدير بالذكر أن "أريسكون" لا يعنى باصطلاح أزمات كما ورد في نظريته - الكوارث والنكسات إنما يعتبرها نقطة تحول في حياة الفرد النفسية . ولهذا حاولت نظرية "أريكسون" التأكيد على النمو النفسي للفرد في علاقته بالمحيط الاجتماعي ومن ثم أطلق على نظرية "أريكسون" ( النظرية النفسية الاجتماعية ).
ويشير "أريكسون" إلى أن مراحل النمو الثمانية متداخلة فكلما سعى الفرد إلى حل مشكلة من هذه المشكلات خلال مرحلة من مراحل نموه نجد أن آثار هذه الأزمات تنعكس بصورة ما على مراحل النمو الأخرى .
ويشير "أريكسون" إلى أن الصراع ينشأ بين حاجات الفرد ومطالب المجتمع ولهذا يسعى الفرد خلال مراحل نموه إلى تطوير وتنمية بعض الكفايات والمهارات الأساسية لديه مثل الثقة والاستقلال والمبادأة والكفاية لمجابهة هذه الأزمات .
جدول (9) مراحل النمو النفسي في نظرية أريكسون
المرحلة والسن بالتقريب مظاهر الصراع النفسي الاجتماعي (الأزمات) مجالات العلاقات الانسانية المتضمنة في المرحلة
يتبع
تمهيد
تقدم الاتجاه النمائي لنظرية الشخصية منظورا زمنيا ، طالما أنه يهتم بمراحل نمو الشخصية منذ لحظة الميلاد وحتى الوفاة . ويشير مفهوم الارتقاء أو النمو في نظرية الشخصية إلى المتغيرات البنائية التى تطرأ على الشخصية منذ المهد إلى الرشد وبالطبع تؤثر عملية الارتقاء بالعوامل الوراثية والاجتماعية والفيزيولوجية والبيئية التى تحدد مظاهر ومطالب النمو لكل مرحلة نمائية . ونتيجة التعدد النظرى في دراسة الشخصية ، إن يدرك المنظرون مراحل نمو الشخصية بصور مختلفة . وعلى ذلك ، ترجع بعض الاختلافات بين نظريات النمو إلى الظواهر النمائية المختلفة وإلى غير ذلك من الظروف التى تتصل بفترات الحياة التى تهتم بدراستها ولذلك ، فإن المعالجة المختصرة التى نقدمها هنا لا يمكن أن تعطي كل الخلافات النظرية العامة . وسوف نبدأ بعرض طبيعة النمو وتعريفه ثم مراحل نمو الشخصية وطرق البحث في نمو الشخصية ثم نعرض نماذج مختصره للنظريات الأكثر ذيوعاً في تفسير مراحل نمو الشخصية ، وأخيرا نخصص بقية العرض لموضوع ثبات الشخصية .
مفهوم النمو
إن اصطلاح "النمو" يشير إلى كافة التغييرات والتطورات التى تعترى الفرد خلال مراحل نموه المختلفة ، فالنمو يتعلق بالتغيير في الحجم والتعقد والتناسب وسائر التغيرات الكيفية التى تطرأ على العضلات والعظام ولون الشعر ولون البشرة وما إليها .
وإن النمو يتضمن كافة التغييرات العضوية والوظيفية التى تسير بالكائن البشرى إلى الارتقاء حتى ينضج .
ويشير "جيزيل "Gesell " عام 1958إلى أن "النمو يعني سلسلة متصلة من التغييرات ذات نمط منتظم ومترابط ".
ومما هو جدير بالذكر أن كلمة "النمو" في معناها الخاص والضيق تتضمن كافة التغييرات الجسمية والفسيولوجية كالطول والوزن والحجم ، نتيجة التفاعلات البيوكيميائية التى تحدث في الجسم (كتأثير الغدد الصماء) .
ولكن معناها العام تشمل بالإضافة إلى ما سبق كافة التغييرات في السلوك والمهارات والنواحي العقلية والانفعالية والاجتماعية (السلوك الوظيفي ) . ومما هو جدير بالذكر أن النضج Maturation والتعلم Learning من العوامل المؤثرة في شكل النمو ومحتواه ، فالنضج يمكن اعتباره الأساس المكون الداخلي لمصطلح "النمو" الأكثر شمولاً واتساعاً .
أما التعلم فإنه يتضمن حدوث التغير في السلوك نتيجة للممارسة أو التدريب أو الخبرة .
والنمو بمعناه النفسي يتضمن كافة التغيرات العضوية والفسيولوجية (التغييرات التكوينية ) والتغيرات الانفعالية والعقلية والاجتماعية (التغيرات السلوكية ) التى تحدث للفرد ويمر بها خلال دورة حياته .
يعتبر علم نفس النمو Developmental Psychology فرعاً من فروع علم النفس يهتم بدراسة كافة التغييرات السلوكية النمائية التى تطرأ على الفرد خلال مراحل نموه المختلفة ابتداء من لحظة الأخصاب حتى الممات ، ويهدف هذا العلم إلى اكتشاف المبادئ التى تفسر جوانب السلوك خلال مراحل العمر المختلفة (طلعت عبد الرحيم ، 1983: 14) .
وعلم نفس النمو هو الدراسة العلمية لنمو سلوك الفرد وتطوره ونضجه خلال دورة الحياة life cycle أى من لحظة الاخصاب مرحلة ما قبل الميلاد حتى الوفاة ، بهدف كشف القوانين والمبادئ التى تفسر جوانب السلوك في مراحل العمر المختلفة .
مراحل نمو الشخصية
إذا استعرضنا التراث السيكولوجي في علم نفس النمو ، نجد هناك اتجاهات متعددة نحو تقسيم مراحل نمو الشخصية على أسس مختلفة بعضها يرتكز على الأسس التربوية (التعليمية) والآخر يرتكز على الأسس العضوية.
وفي السطور التالية سوف نستعرض أهم الأسس في تقسيم مراحل النمو (نقلا عن المرجع نفسه ).
1- المراحل الأساسية العامة للنمو الإنساني :
إن الكائن البشرى يمر خلال مراحل نموه المختلفة ابتداء من لحظة الاخصاب حتى مماته بمراحل أساسية عامة هى :
1- مرحلة ما قبل الميلاد (الجنينية).
2- مرحلة الطفولة .
3- مرحلة المراهقة .
4- مرحلة الرشد والنضج .
5- مرحلة وسط العمر .
6- مرحلة الشيخوخة .
فالانسان كوحدة بشرية ينتقل من مرحلة إلى أخرى ومن طور إلى آخر خلال مراحله النمائية المختلفة ، ومما هو جدير بالذكر أن طول مدى الحياة life span المتوقع للفرد يتأثر بعوامل عديدة منها : الحالة الصحية العامة للفرد ، النظام الغذائي الذى يتبعه الفرد في حياته ، المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد ، الظروف الثقافية والحضارية المحيطة بالفرد، الرعاية الصحية والاجتماعية للفرد .
جدول (6) : مراحل النمو على الأساس العضوى
اسم المرحلة السن بالتقريب (العمر الزمنى)
ما قبل الميلاد (الجنينية) من لحظة الاخصاب -الميلاد(280يوماً).
المهد الميلاد - أسبوعين.
الرضاعة أسبوعين - عامين .
الطفولة المبكرة 2-5 سنوات .
الطفولة الوسطى 6-8 سنوات .
الطفولة المتأخرة 9-12سنة .
المراهقة المبكرة 13-15 سنة .
المراهقة الوسطى 16-18 سنة .
المراهقة المتأخرة 19-21 سنة .
الرشد والنضج 22-40 سنة .
وسط العمر 41-60 .
الشيخوخة 60 حتى الممات .
ومما هو جدير بالذكر أن التصنيف السابق يرتكز على الأساس العضوى والخصائص الجسمية للفرد خلال مراحل نموه المختلفة .
جدول (7) : مراحل النمو على الأساس التربوى
اسم المرحلة السن بالتقريب(العمر الزمنى)
مرحلة ما قبل الميلاد مدة الحمل .
الوليد الميلاد - أسبوعين .
الرضيع أسبوعين - عامين .
مرحلة ما قبل المدرسة(الحضانة) 2-5 سنوات .
مرحلة المدرسة الابتدائية 6-12 سنة .
مرحلة المدرسة الاعدادية 12-15 سنة .
مرحلة المدرسة الثانوية 15-18 سنة .
مرحلة التعليم الجامعي 18-22 سنة .
مرحلة العمل 22-60سنة .
مرحلة المعاش 60 حتى الوفاة .
إن التصنيف السابق يستند استناداً كبيراً على الأساس التعليمي فهو مرتبط بالسلم التعليمى (الابتدائي- الاعدادي الثانوى- التعليم الجامعي "العالي") وهو تصنيف يهتم به المشتغلون بالنظام التعليمى أو التربوى بمعناه الواسع .
طرق البحث في نمو الشخصية
يستخدم علماء النفس المهتمين بدراسة نموالشخصية مجموعة من المناهج وطرق البحث (نقلا عن طلعت عبد الرحيم ، 1983: 71-88) من أهمها ما يلى :
1- المنهج التاريخي : Historical Method
يعتمد هذا المنهج على البعد التاريخي في دراسة بعض مظاهر النمو في الماضي ، ويمد هذا المنهج "الدراسات النمائية المقارنة" بالعديد من المعلومات عن حقائق النمو في الماضي .
وعلى سبيل المثال يمكن أن يقارن الباحث المهتم في نمو الشخصية بين أطوال وأوزان بعض الأجيال السابقة وذلك للتحقق من صدق الفرض القائل بأن الأجسام الانسانية لديها استعداد فطرى ووراثي للزيادة في الطول والوزن جيلاً بعد جيل ، وخاصة أن هذا الفرض مازال يثير جدلاً بين علماء التاريخ .
2- المنهج الوصفى : Descriptive Method
يركز هذا الأسلوب على وصف السلوك خلال مراحل النمو المختلفة للشخصية ، وفي مرحلة من مراحل نمو الشخصية ، وفي مرحلة عمرية محددة من مراحل نمو الفرد ، وفي ظروف ثقافية واجتماعية وحضارية مختلفة .
والطريقة الوصفية لا تهتم فقط بوصف خصائص النمو المختلفة للفرد (الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والحسية والحركية ... الخ) عند كل سن ، ولكنها تهتم أيضاً بكيفية تغير هذه الخصائص مع مرور الزمن.
فالباحث في النمو العقلي للطفل مثلاً لا يهتم فقط بوصف نوع العملية وخصائصها عند كل سن معينة ، بل يتعدى ذلك إلى محاولة التعرف على الطريقة التي يتم بها تتابع هذا النمو العقلي في مراحله المختلفة .
وعلى هذا فالطريقة الوصفية في دراسة نمو الشخصية لا تتناول الوضع القائم لأى مظهر من مظاهر النمو والعلاقات المتبادلة بين هذه المظاهر فحسب ، بل يتناول أيضاً التغييرات التى تحدث لهذه المظاهر النمائية نتيجة لمرور الزمن فهى تصف هذه المظاهر في مجرى تطورها عبر فترة تمتد شهوراً أو سنوات عديدة .
ومن أهم طرق المنهج الوصفى المستخدمة في دراسة نمو الشخصية ما يلى :
(1) الملاحظة العلمية المنظمة Systematic observation
تعتبر الملاحظة العلمية المنظمة وسيلة هامة من وسائل جمع المعلومات ، وقد استخدمت في الماضى كما تستخدم في الحاضر لما لها من أهمية في الدراسة والبحث .
وتعتبر الملاحظة مورداً خصباً للحصول على المعلومات الحقيقية عن وقائع السلوك ، فهي تعتمد على المعاينة المباشرة لأشكال السلوك الذى ندرسه ، فإذا أردنا أن ندرس سلوك عينة من الأطفال أثناء اللعب في جماعات ، فما على الباحث إلا أن يقصد احدى دور الحضانة أو المدارس الابتدائية لجمع الملاحظات العلمية عن طريق معاينتهم أثناء اللعب معاً .
ومما يزيد من أهمية الملاحظة أن الباحث يستطيع أن يستخدمها في الدراسات الاستطلاعية والوصفية والتجريبية .
وهذا ما استخدمه عالم النفس الشهير "أرنولد جيزيل" Gesell ومعاونوه ، وقد استخدم "جان بياجيه "- عالم النفس السويسرى الشهير - وسائل عديدة لتسجيل وقائع السلوك الملاحظ ولرصد حركات الأطفال ومظاهر سلوكهم في مواقف مختلفة .
وقد استعمل "فريمان" Freeman هذه الطريقة في دراساته عن القوائم، حيث كان يدرس مدى تأثير كل من البيئة والوراثة في نمو وارتقاء السلوك البشرى .
(ب) الطريقة المستعرضة Cross- Sectional Method:
وفي هذه الطريقة يركز الباحث على دراسة مجموعة من الأفراد في مرحلة عمرية معينة حتى يحيط مرة واحدة بمظاهر النمو (الجسمية ، الفيزيولوجية ، الاجتماعية ، الانفعالية ، العقلية ، الحسية الحركية) وخصائصه في هذه المرحلة العمرية . أو دراسة مجموعة من الأفراد في مستويات عمرية مختلفة لدراسة خصائصهم النمائية ، وعادة ما تصف الدراسات المستعرضة عوامل النمو ومظاهره في صورة أقل كفاءة من الدراسات الطولية ، ولكنها تتضمن مفحوصين أكثر من الدراسات الطولية .
ومما هو جدير بالذكر أن هذه الطريقة تستخدم وسائل القياس النفسيى المقننة كالاستخبارات ومقاييس الشخصية والاختبارات وغيرها من وسائل القياس السيكولوجي .
(ج) الطريقة الطولية Longitudinal Method :
وفي هذه الطريقة يركز الباحث على فرد أو مجموعة من الأفراد فيدرس ويتتبع ويلاحظ ويصف نموهم من شهر إلى آخر ومن سنة إلى سنة أو من مرحلة نمائية إلى أخرى وهكذا .
ويطلق بعض علماء نفس النمو على هذه الطريقة مفهوم الوصف المستمر أو طويل المدى حيث يتناول هذا المنهج الدراسة التتبعية التى تتناول مراحل النمو وخاصة عند الأطفال وذلك باختيار مجموعة من الأطفال والقيام بملاحظتهم وتتبعهم شهراً بعد شهر وعاماً بعد الآخر ويطلق على هذه الطريقة أحياناً الدراسة التتبعية .
3- المنهج التجريبي : Experimental Method
يعتبر المنهج التجريبى من الأساليب الهامة في مناهج البحث في علم النفس بوجه عام وعلم نفس النمو بوجه خاص ، ذلك أن الباحث الذى يستخدم المنهج التجريبي في بحثه لا يقتصر على مجرد وصف الظواهر التى يتناولها بالدراسة ، كما يحدث عادة في البحوث الوصفية بل يسعى إلى ضبط وتغيير متعمد للشروط المحددة لظاهرة ما وملاحظة التغييرات الناتجة في الظاهرة ذاتها وتفسيرها .
خطوات المنهج التجريبي :
(أ ) الملاحظة المنظمة والعلمية لأفعال تجرى تحت ظروف محددة ومضبوطة ضبطاً تجريبياً .
(ب) يتم وضع فرض أو فروض (الفرض هو حكم أولى بوجود علاقة بين ظاهرتين أو محاولة مبدئية لتفسير ظاهرة من الظواهر أو رأي يضعه الباحث على سبيل التخمين ) وتكون هذه الفروض في صياغتها قابلة للاختبار والقياس .
(جـ) يغير عادة العامل المسبب لوقوع الظاهرة لمعرفة تأثيره على الفعل أو السلوك المراد دراسته أو قياسه ، مع ثبات المتغيرات الأخرى التى قد تكون ذات تأثير في النتيجة .
(د) تسجيل كافة التغييرات التى تحدث .
هذا ويتميز المنهج التجريبي بخصائص أساسية أهمها :
1- يستطيع الباحث أن يحدد الوقت الذى تحدث فيه الظاهرة فيستعد له ويرسم خطة لملاحظته الدقيقة .
2- حصر الظروف وتحديد العوامل التى يكون لها أثر في حدوث الظاهرة النفسية .
3- من الممكن للباحث أن يغير التجربة ليرى الآثار المترتبة على الظروف المتغيرة .
4- التحكم في كل المتغيرات الدخيلة في الظاهرة المراد دراستها .
5- إمكانية إعادة التجربة تحت نفس الشروط والظروف .
4- المنهج المعملى : Laboratorial research
يعتبر البحث المعملى من أهم الأساليب العلمية التى استخدمت بنجاح في مجال علم نفس النمو ، وقد تم عن طريق المعمل (LAB.) دراسة العديد من أنماط السلوك .
ويعتبر البحث المعملي هو الوجه المخالف أو العكسي للبحث المبداني أو الحقلي (Field research ) ، ذلك أن الدراسة الحقلية أو الميدانية تتعامل مع الأفراد الحقيقيين (موضع البحث) تعاملا حقيقياً وتحت ظروف طبيعية حقيقية وليست مصطنعة ، أما الأسلوب المعملى فيسعى إلى دراسة السلوك تحت ظروف مصطنعة داخل المعمل ومحاولة ضبط المواقف (Situations) التى تعرض على المفحوصين داخل المعمل .
5- المنهج الانثروبولوجى : Anthropological Approach
يعتبر الأسلوب الأنثروبولوجى من الأساليب الهامة لدراسة السلوك الإنساني في ثقافات مختلفة ، ويهتم هذا الأسلوب بالدراسات عبر الثقافية ويقوم المنهج الانثروبولوجى على الملاحظة الميدانية التى يقوم بها الباحث شخصياً أو الاعتماد على "إخباري" أو أكثر في تزويده بالمعلومات التى تلزمه ، ويقوم في نفس الوقت بإجراء ملاحظات مباشرة لعادات الأفراد وتقاليدهم وسلوكهم الاجتماعي والثقافي والتربوي وكافة أوجه نشاطهم ويدون هذه الملاحظات دون تحيز .
وحيث أن الانثروبولوجيا " Anthropology " هى علم دراسة الانسان، فهي تهتم بدراسة حضارة الانسان وثقافته عبر ثقافات مختلفة وترتبط "الانثروبولوجيا الثقافية " " Culture Anthropology" بدراسة ثقافة الانسان وحضارته وأساليب تطبيعه الاجتماعي في ثقافات متباينة .
6- الطريقة عبر الثقافية : Cross- Cultural Method
يهتم أسلوب الدراسات عبر الثقافية بمقارنة أساليب "التربية الأسرية" وأساليب "التنشئة الاجتماعية" في ثقافات مختلفة ، ويستخدم علماء نفس النمو هذه الحقائق والمعلومات التى تفيدهم في دراساتهم وابحاثهم عن حقائق النمو الانساني والتى تزودهم بها علماء الأنثروبولوجيا الحضارية .
7- طريقة القياس النفسي والتربوى :
Psychological & Educational Testing Method
تعتبر الطريقة القياسية من الأساليب الهامة في مجال التشخيص الاكلينيكي والتربوى في الدراسات النمائية. وتستخدم هذه الطريقة كافة أدوات القياس السيكولوجي في دراسة المتغيرات السلوكية مثل الذكاء والميول والاستعدادات والدافعية والاتجاهات الشخصية . وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح فى دراسات نمو الطفل والمراهقة والمسنين .
ويفيد هذا المنهج في " الدراسات المقارنة " لنمو قدرات الأطفال أو سمات شخصياتهم في المراحل المختلفة للنمو ، وفي بيئات ثقافية مختلفة ، وفي تتبع قدرات معينة خلال مراحل النمو المختلفة .
8- الطريقة الاكلينيكية (العيادية) : Clinical Approach
يستخدم الأسلوب الاكلينيكي أو العيادى في دراسة وتشخيص السلوك الفردي للأطفال والمراهقين وخاصة عندما ينحرف النمو عن معاييره الطبيعية كما حددها علماء النمو النفسي .
ويستخدم الأسلوب الاكلينيكي (العيادى) مع الحالات المرضية (الباثولوجية ) التى تعانى من سوء التوافق ، والاضطرابات الانفعالية والنفسية والاجتماعية في الطفولة والمراهقة والشيخوخة .
وكذلك تهتم الطريقة الاكلينيكية بحالات التوافق المدرسي ومشكلات التعلم والتوافق المهني في مرحلة المراهقة وعلاجها .
ويستخدم الأسلوب الاكلينيكي في عيادات توجيه الأطفال والعيادات النفسية والتربوية ، وعيادات الارشاد النفسي ، والعيادات النفسية .
هذا وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح في مجال دراسات الأطفال والمراهقين وفي علاج كثير من الاضطرابات السلوكية في هذه المراحل النمائية وعلاجها .
نظريات نمو الشخصية
سوف نعرض نماذج فكرية مختلفة تعتبر الأكثر ذيوعاً وقبولاً في التراث النفسي وهى ( نظرية فرويد - ونظرية أريكسون - ونظرية بياجيه- ونظرية كولبرج - والنظرية التكاملية ) مع نظره نقدية لكل نموذج منها . وفيما يلى عرض لهذه النماذج .
أولا : النظرية الفرويدية (نظرية التحليل النفسي )
ترتبط النظرية الفرويدية بمؤسسها العالم النمساوى الشهير "سيجموند فرويد " ( 1856- 1939) ، وتكتسب مدرسة التحليل النفسي اتجاها خاصا في مجال سيكولوجية النمو ذلك أنه في الحقيقة تجمع بين نظرية في الشخصية ونظرية في النمو ، ذلك أن الشخصية في نموها تمر عبر سلسلة من المراحل ( من الطفولة إلى النضج) ويختلف الأفراد في درجة نجاحهم وتوافقهم في اجتياز هذه المراحل المختلفة .
ربما كان فرويد أول صاحب نظرية سيكولوجية يؤكد الجوانب التطورية في الشخصية ويؤكد - بخاصة - الدور الحاسم لسنوات الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة ، في إرساء الخصائص الأساسية لبناء الشخصية والحقيقة أن فرويد يرى أن الشخصية يكتمل القدر الأكبر منها عند نهاية السنة الخامسة من العمر ، وأن ما يلى ذلك من نمو يقوم في معظمه على صياغة البناء الأساسي .
إن الشخصية تتطور استجابة لأربعة مصادر رئيسية للتوتر :
1- عمليات النمو الفسيولوجي .
2- الاحباطات .
3- الصراعات .
4- التهديدات .
وكنتيجة مباشرة لتزايد التوتر الناتج من هذه المصادر يجد الشخص نفسه ملزما بتعلم أساليب جديدة لخفض التوتر . وهذا التعدد هو المقصود بتطور الشخصية .
إن التعيين والازاحة طريقتان رئيسيتان يتعلم الشخص عن طريقها حل احباطاته وصراعاته وما يعانيه من ضروب الحصر .
التعيين :
فيمكننا تعريف التعيين بوصفه الطريقة التى يتمثل بوساطتها الشخص سمات شخص آخر ويجعلها جزءا مكونا لشخصيته ذاتها ، فهو يتعلم خفض التوتر بصياغة سلوكه على غرار سلوك شخص آخر .
وليس من الضرورى أن يتعين شخص بشخص آخر من جميع الجوانب . بل انه عادة ما يختار ويستدمج ، فحسب تلك السمات التى يعتقد أنها ستساعده في بلوغ الهدف الذى يرغب فيه وثمة قدر كبير من المحاولة والخطأ في عملية التعيين لأن المرء لا يكون عادة على ثقة كبيرة بذلك الذى يتسم به الآخر بحيث يتحقق له النجاح . ان الاختبار النهائي هو : هل التعيين يساعد على خفض التوتر ؟ فإذا فعل ذلك استدمجت الصفة ، وإذا لم يفعل نبذت الصفة ( هول ، لندرى ، 1971: 69) .
ويمثل البناء النهائي للشخصية تراكم العديد من التعيينات وهو تراكم يحدث في فترات متباينة من حياة الشخص ، وإن كان الاحتمال أن الأب والأم هما أهم الشخصيات التى يتعين بهما الطفل في حياته .
الأزاحة :
عندما يصبح اختيار موضوع أصلى للغريزة غير ممكن بفعل عوائق خارجية أو داخلية ( الشحنات - المضادة) فأن شحنة جديدة تتكون ما لم يحدث كبت قوى . فإذا ما أعيقت هذه الشحنة الجديدة كذلك ، حدثت ازاحة أخرى ، وهكذا ، حتى يتم العثور على موضوع يحقق قدرا من التخفف للتوتر المحتبس . وعندئذ يشحن هذا الموضوع حتى يفقد قدرته على خفض التوتر ، وإذ ذاك يبدأ بحث آخر عن موضوع هدف مناسب . وخلال هذه السلسلة من الازاحات التى تشكل بدرجة كبيرة تطور الشخصية يظل مصدر الغريزة وهدفها ثابتين على حين يتغير الموضوع فقط (المرجع نفسه: 71) .
ويرى " فرويد " أن تطور الشخصية - كما يبدو في الطاقة النفسية (اللبيدو) - يمر بثلاث مراحل نفسية جنسية Psychoua أساسية هى : قبل التناسلية أو الجنسية الطفلية ( وتضم ثلاث مراحل فرعية) مرحلة الكمون ، المرحلة التناسلية (انظر الجدول8 ) :
جدول (8) : مراحل النمو النفسي الجنسي تبعا لمفاهيم "فرويد"
المرحلة العمرية المرحلة النفسية الجنسية
الشهور الستة الأولى الفمية - الاتكالية
من الستة شهور حتى نهاية السنة الثانية الشرجية - السادية
من 3-6 سنوات القضيبية : عقدة أوديب وعقدة اليكترا
من 6-12 سنة الكمون
المراهقة والرشد التناسلية
وتتحدد كل مرحلة من النمو خلال السنوات الخمس الأولى من حيث أساليب الاستجابة من جانب منطقة محددة من الجسم . ففي خلال المرحلة الأولى التى تستمر قرابة العام يكون الفم هو المنطقة الرئيسية للنشاط الدينامي . ويلى المرحلة الفمية نمو الشحنات والشحنات المضادة حول وظائف الاخراج ويطلق على ذلك اصطلاح المرحلة الشرجية . ويستمر ذلك خلال العام الثاني ثم يتبعه المرحلة القضيبية حيث تصبح الأعضاء الجنسية المناطق الشهوية الأساسية . ويطلق على هذه المراحل الثلاث الفمية ، والشرجية ، والقضيبية المراحل قبل التناسلية . ثم يمر الطفل بعد ذلك بفترة الكمون التى تطول ، وهى المسماة بسنوات الهدوء من الناحية الدينامية . وتميل الدفعات في هذه الفترة إلى البقاء في حالة كبت . وتؤدي عودة النشاط الدينامي في المراهقة إلى تنشيط الدفعات قبل التناسلية فإذا أتم الأنا بنجاح ازاحة هذه الدفعات والتسامى بها فأن الشخص ينتقل إلى مرحلة النضج الأخيرة ، المرحلة التناسلية .
أولا : مراحل النمو النفسي الجنسي في الطفولة :
كل مرحلة من المراحل الطفيلية الثلاث (قبل التناسلية ) خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تتركز في منطقة محددة من الجسم ينتج عنها أكبر استثارة ، وتعد أعظم مصدر لللذة خلال هذه المرحلة . ونعرض لهذه المراحل بشيء من التفصيل ، وهى المراحل الفمية والشرجية والقضيبية .
أ - المرحلة الفمية Oral Stage
لا أحد ينكر أهمية الفم بالنسبة للوليد في عامه الأول ، فهو مصدر الطعام والحب ، إذ يتضمن تناول الطعام تنبيها لمسيا حسيا للشفتين وللتجويف الفمي ، ومن ثم يعد الفم مصدر أشباع ولذة . وبعد ظهور الأسنان يستخدم الفم في العض والمضغ . وتجد لذة عن طريق التنبيه اللمسي للفم والشفتين واللسان بوساطة المص والبلع على حين يحدث العض لذة فمية عدوانية .
ولاشك أن فهم الوليد وسيلة الاتصال المهمة بالعالم وهو يستخدمه بهدفين : سحب الطعام ليخفف من توتر أحشائه ، والاستمتاع بحنان أمه وهى تقدمه له ، ويصبح للشخص الذى يقدم للطفل الطعام (الأم غالبا) ويحتضنه أهمية الطعام ذاته .
ويؤدى اعتماد الطفل التام على أمه فى المرحلة الفمية إلى تكوين مشاعر الاعتماد لديه في هذه الفترة ، وهى مشاعر تميل إلى الاستمرار والبقاء طوال الحياة . ويعتقد "فرويد" أن أكثر أعراض الأعتماد تطرفا هى الرغبة في العودة إلى الرحم .
وللفم عدة وظائف هي : البلع ، الامساك ، الاصرار ـ العض ، اللفظ ، الاطباق . ويمثل كل من هذه الوظائف نموذجا لسمات في الشخصية، ويميل الطفل إلى اتباع الأسلوب ذاته عندما يواجه بعض المواقف المشابهة فيما يأتي من أيام حياته . فإذا كان البلع مؤديا إلى الشعور باللذة ، فإن الفرد ينغمس في أنشطة مثل الأكل والشرب والتدخين والادمان ، والتهام المعرفة والحب والقوة عندما يحس الفرد بالخواء .
ب - المرحلة الشرجية Anal Stage
عندما تضغط مخلفات عمليات الهضم على العضلات العاصرة للشرج ، يحدث لدى طفل فعل منعكس يطرد هذه الفضلات التى تسبب الضيق له ، فيحدث شعور بالراحة بعد طردها والتخلص منها .
وتقوم الأم عادة في السنة الثانية تقريبا من عمر الطفل بتدريبه على النظافة ، وعلى أن يقضى حاجته في مكان خاص . ولعل هذه أول خبرة يمر بها الطفل ، وتكون متصلة بالتنظيم الخارجي لدفعة غريزية إذ يتعين عليه أن يرجئ أفراغ أمعائه تبعا لما تعلمه أياه أمه ، على الرغم من أن التخلص من هذه النفايات يسبب للطفل التخلص من الضيق وانهاء التوتر إذ يزيل مصدرهما ، ومن ثم تتحقق الراحة له .
ويترتب على الأسلوب الذى تتبعه الأم في تدريب طفلها على ضبط أمعائه وقضاء حاجته في المكان المحدد نتائج غاية في الأهمية بالنسبة لشخصية الطفل ، فإذا تميزت طريقة الأم بالصرامة والشدة فقد يقبض الطفل على فضلاته ويصاب الأمساك ، وقد يلتمس مخرجا لغضبه باخراج فضلاته في أوقات غير مناسبة . ويقوم الطفل بتعميم هذه الاستجابة فيما سيأتي من أيام إلى مجالات أخرى للسلوك ، فينمو لديه شخصية تتسم بالبخل والشح والعناد والقسوة والانغماس في الشهوات والميل إلى التدمير ونوبات الغضب والفوضى وعدم النظام (أحمد عبد الخالق ، 1993 -ج : 258) .
ومن ناحية أخرى فإذا كانت الأم تتودد إلى الطفل ليخرج فضلاته وتسرف في مديحه عند استجابته لذلك ، فأن الطفل تتكون لديه فكرة مؤداها أن عملية الاخراج ذات أهمية بالغة ، وقد تكون هذه الفكرة أساس الانتاج والابتكار والابداع . أن الطفل عندما يتعلم أن يطيع رغبة أمه بخصوص عملية الاخراج ، فإنه سيحصل على الحب وسيحظى بالاطراء والثناء .
جـ - المرحلة القضيبية Phallic
بعبور الطفل المرحلتين : الفمية والشرجية - أن قدر له أن يعبرهما - فإنه يصل إلى المرحلة القضيبية . وتجدر ملاحظة أن ما يقوم بدور مهم في هذه المرحلة ليس هو الأعضاء التناسلية لدى الجنسين ، بل هو العضو التناسلى الذكر فحسب ، ومن هنا أتى اسم هذه المرحلة . وتبلغ الجنسية الطفلية الأولي - خلال المرحلة القضيبية - ذروتها حيث يستمد الطفل اللذة من العبث بالأعضاء التناسلية ، ثم تقترب هذه المرحلة أيضا من أضمحلالها.
وتبدأ هذه المرحلة حوالي الثالثة من العمر ، حيث تتفجر لدى الطفل رغبة في استطلاع أمور الجنس ، مع قدر من الاستثارة الجنسية ، تصاحبها أخيلة متصلة بالنشاط الجنسي ، تصل إلى حد النشاط الشهوى الذاتي أو الاستثارة اليدوية والاستمناء واللعب الجنسي كالاستعراض أو لعبة "الدكتور". ومن هنا يمكن القول بأن المشاعر الجنسية والعدوانية المرتبطة بوظائف أعضاء التناسل تحتل مركز الاهتمام في هذه المرحلة من نمو الشخصية . فمشاعر اللذة المرتبطة بالاستمناء وبحياة التخييل لدى الطفل والتى تصاحب نشاطه الشهوى الذاتي تهيئ السبيل لظهور عقدة أوديب . وقد أعتبر فرويد كشف عقدة أوديب واحد من أكبر اكتشافاته .
وتستمد عقدة أوديب اسمها من ملك طيبة الذى قتل أباه وتزوج بأمه.
وعقدة أوديب في إيجاز هى شحنة جنسية تستهدف الوالد من الجنس المقابل وشحنة عدوانية تستهدف الوالد من نفس الجنس . فالصبى يرغب في امتلاك أمه واستبعاد أبيه على حين ترغب الفتاة في امتلاك أبيها وأبعاد أمها . وتعرب هذه المشاعر عن نفسها في تخيلات الطفل أثناء الاستمناء وفي التذبذب بين الأفعال الدالة على الحب والأفعال المعربة عن التمرد والثورة ازاء والديه .
ويحدث عكس ذلك لدى الطفلة ، حيث تدعى في هذه الحالة " عقدة الكترا " Electra : ابنة " أجاممنون" في الأسطورة التى كتبها " سوفوكليس" ، حيث تدفع "الكترا " أخاها ليقتل أمها جزاء قتلها لأبيها ، وتظل الكترا مخلصة وفية لأبيها بعد موته ، بالرغم من أن أمها جعلت منها رقيقة جارية.
ولكن هذا التعلق بالوالد من الجنس الآخر يتناوله الكبت بسبب الصراع الذى ينشأ من اصطدام هذا التعلق بمشاعر الحب والكره والخوف التى يشعر بها الطفل تجاه الوالد من الجنس نفسه ، ويتوقع أن يوقع به الأذى والعقاب ، ويتركز هذا العقاب على أعضائه التناسلية فهى مصدر مشاعره الشهوية ، فيخشى أن يستأصل والده الغيور هذه الأعضاء المسيئة ، ويتحول هذا الخوف ليصبح قلق الخصاء . ويؤذى قلق الخصاء إلى كبت الرغبة الجنسية في الأم والعدوان على الأب ، ويتوحد الأبن بأبيه ويتقمص شخصيته أى يتوحد بها ، ويحقق بذلك أشباعا بديلا لمشاعره نحو الأم ، وتتحول هذه المشاعر الشهوية نحوها إلى مشاعر رقيقة حانيه . وبذلك يحقق الحل السليم لعقدة أوديب ، حيث ينمو الطفل الذكر ليبحث عن زوجة تشبه أمه . ويرى "فرويد" أن الأنا الأعلى هو وريث عقدة أوديب لدى الذكر ، إذ يعد الأنا الأعلى حائلا دون رغبة الفرد في المحارم والعدوان . وعلى الرغم من حل عقدة أوديب فأنها تظل قوة فعالة في الشخصية طوال الحياة ، إذ يؤثر في اتجاه الفرد نحو الجنس المقابل والعلاقات الأسرية والزوجية ونحو الرؤساء والسلطة .
تتحول طاقة اللبيدو في الجنسية الطفلية عبر مراحل الفم والشرج والقضيب ، ولكن لا يتبادر إلى الذهن أن هذه المراحل الثلاث تتمايز عن بعضها تمايزا تاما ، فقد تظهر واحدة منها إلى جانب الأخرى أو تتداخل معها.
وحتى ينتقل الطفل انتقالا سلسا من مرحلة نفسية جنسية إلى التى تليها فيجب أن يتسم أشباعه لحاجاته في تلك المرحلة بالاعتدال ، فلا زيادة ولا نقصان ، لأن كلا منهما يؤدي إلى تثبيت الطفل على هذه المرحلة . وعندما تواجه الفرد مشكلة في الكبر فأنه ينكص إلى المرحلة التى حدث فيها تثبيت . ويشير تثبيت اللبيدو إلى تثبيت اللبيدو بمرحلة من مراحل التطور النفسي الجنسي ، مما يقلل فيما بعد مقدار اللبيدو المهيأ للتوافق مع الواقع . وإذا اعترض طريق الاشباع الحالي عقبات عجز الفرد عن تذليلها ساعد ذلك على حدوث نكوص إلى احدى النقط التى تثبت اللبيدو عليها . ومن هنا فأن التثبيت أساس لتعرض الفرد - في مستقبل أيامة - للأصابة بالمرض النفسي أو العقلي .
ثانيا : مرحلة الكمون Latency Stage
تلى مرحلة الكمون المراحل الفمية والشرجية والقضيبية ، وتمتد هذه المرحلة من سن السادسة عشرة عاما تقريبا . والكمون هنا معناه خمود وركود وقعود للنزعات الجنسية ، وتناقص للاهتمام بها ، مع اهتمام الطفل عندئد بأمور أخرى غير الجنس ، حيث يتم اعلاء الطاقة الجنسية وتوجيهها إلى اللعب والعمل المدرسي والاهتمامات العقلية والرياضية (البدنية) والاندفاع إلى تكوين صداقات وعلاقات مع الأتراب والأنداد .
ولاشك أن لعوامل التنشئة دورا في هذا الصدد ، إذ تبنى سدود تقف كما لو كانت عقبات فى طريق الغريزة الجنسية وتحد من تدفقها ومنها الخجل والاشمئزاز ومطالب المثل العليا الجمالية والأخلاقية .
ثالثا : المرحلة التناسلية Genital Stage
والمرحلة التناسلية أطول المراحل جميعا ، إذ تبدأ من البلوغ وتستمر حتى الشيخوخة . والمتوقع أن يصاحب الانتقال من الطفولة إلى البلوغ خلال المرحلة التناسلية - في الحالات السوية - تحول من الأثرة إلى الايثار ، ومن عشق الذات إلى عشق فرد من الجنس الآخر من الجنسية الذاتية إلى الجنسية الغيرية مما يترتب عليها من تناسل وانجاب وتكوين أسرة، هذا فضلا عن العمل والاضطلاع بمهام الراشد ومسئولياته .
في هذه المرحلة يزيد مستوى الدافع الجنسي وذلك نتيجة لنمو الغدد الجنسية في مرحلة البلوغ ويحطم الدافع الجنسي حواجز الكبت ويعاود الفرد النظر إلى الجنس الآخر نظرة جنسية مشبعة باللذة وتكون بعيدة عن الوالدين وتميل إلى رفيق (رفيقة) من نفس السن ، وتعتبر هذه المرحلة علامة بارزة في سلم النضج ، وارتقاء الأنا الأعلى (سلطة الضمير) وللجنس في هذه المرحلة يتضمن فكرة الحصول على اللذة باعطائها للجنس الآخر بمنأى عن الأنانية المطلقة والتمركز حول الذات ( اللبيدو النرجسية) التي تميز المراحل السابقة للنمو الجنسي للفرد .
نقد نظرية التحليل النفسي :
1- التركيز على الدوافع البيولوجية
أكد " فرويد " على الأساس البيولوجي لكل من الجنس والعدوان (الهو) إلى الدرجة التى أهمل فيها الآثار الاجتماعية والثقافية في التعبير عن هذه الغرائز البيولوجية . وعلى الرغم من أنه قد بين في بعض الأحيان أن الانسان يتعلم عن طريق الأنا كيف يتصرف بطريقة عدوانية أو جنسية ، فقد كانت غالبية التركيز على الغرائز (الدوافع البيولوجية) أكثر من التعلم الاجتماعي . كما افترض "فرويد" أن عقدة أوديب وعقدة اليكترا عامة شائعة، وأن الصراع الأساسي يشتق دائما من الدوافع الجنسية ( أحمد عبد الخالق ، 1993 -ج :264).
2- ضعف البيانات المتاحة :
اعتمد "فرويد" بصورة أساسية - على ما أدل به الراشدون عن طفولتهم في تكوين استنتاجات عن دور كل من الصراع والقلق والاحباط في تحديد نمو الشخصية وظهور الأمراض النفسية . ومن الواضح أن هناك خطرا ومأزقا في هذا المنهج الاسترجاعي ، حيث أن هذه البيانات لا تعكس بالضرورة ما الذى حدث فعلا خلال مرحلة الطفولة .
3- ضعف المنهج :
نقد " فرويد " بوجه عام فيما يتعلق بمنهجه في اختيار فروضه ، حيث عد هذا المنهج مشكوكا فيه ، فلم تضبط ملاحظاته ضبطا كافيا . فعلى سبيل المثال لم يترك أية ملاحظات دقيقة عن الحديث الذى كان يدور بينه وبين المرضى أثناء جلسات التحليل النفسي . كما كان يكتب وصفه للحالة بعد انتهاء الجلسة بساعات ، ومن ثم قد يتأثر استرجاعه بما كان يريده أن يحدث بالفعل .
قام "ايزنك ، وويلسون ) ( Eysenck & Wilson, 1973 بتحليل بعض الدراسات ذاتها التى قام "كلاين" بعرضها ، وبخاصة تلك التى تتعلق بالنمو النفسي الجنسي أثناء المرحلتين الفمية والشرجية ، وعقدة أدويب وعقدة الخصاء ، وطبيعة العصاب والذهان . وقد توصلا - بوجه عام - إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بنتائج الدراسات وهى على النحو التالي :
1- تقسيم مراحل النمو النفسية الجنسية لدى الأطفال إلى المراحل الفمية والشرجية والقضيبية عليها شك . وقد أجريت دراسة على العلاقة بين خبرات التغذية المبكرة في الطفولة لدى الأطفال الذين تغذوا من الثدى مقابل من تلقوا تغذية صناعية ، العلاقة بينهما وبين عادة مص الصابع وعمر الفطام . وقد استخرجت بعض النتائج الايجابية من الباحث المتحيز الذى أجرى الدراسة ، ولكن التصميم التجريبي يوجه عليه جوانب نقد أساسية .
2- أجريت دراسة أخرى على العلاقة بين سمات شخصية الراشد وعمر الفطام المبكر مقابل المتاخر ، ولكن يوجه إليه النقد ويمكن أن تفسر نتائجها تفسيرات بديلة على أسس أخرى كالوراثة مثلا أو غيرها .
3- درست العلاقة بين الشخصية الوسواسية والتدريب المتشدد على "التواليت " ، ولم تؤديها الدراسات التجريبية .
نظرية أريكسون (النظرية النفسية الاجتماعية )
يشير أريك "أريكسون" Erikson في نظريته النفسية الاجتماعية إلى أن الإنسان يمر خلال مراحل نمـــوه وتطــــوره بــثمانية مراحل أساسية هى ( مرحلة الرضاعة - مرحلة الطفولة المبكرة - مرحلة سن اللعب - مرحلة سن المدرسة - مرحلة المراهقة - مرحلة الشباب المبكر 0 مرحلة الرجولة - مرحلة النضج والكهولة ).
وإن الفرد يواجة خلال كل مرحلة من مراحل نموه بعض المشكلات التى يطلق عليها "أريسكون" الأزمات (Crisis) وذلك نتيجة مواجهتة لمواقف البيئة التى يتفاعل معها ، ومما هو جدير بالذكر أن "أريسكون" لا يعنى باصطلاح أزمات كما ورد في نظريته - الكوارث والنكسات إنما يعتبرها نقطة تحول في حياة الفرد النفسية . ولهذا حاولت نظرية "أريكسون" التأكيد على النمو النفسي للفرد في علاقته بالمحيط الاجتماعي ومن ثم أطلق على نظرية "أريكسون" ( النظرية النفسية الاجتماعية ).
ويشير "أريكسون" إلى أن مراحل النمو الثمانية متداخلة فكلما سعى الفرد إلى حل مشكلة من هذه المشكلات خلال مرحلة من مراحل نموه نجد أن آثار هذه الأزمات تنعكس بصورة ما على مراحل النمو الأخرى .
ويشير "أريكسون" إلى أن الصراع ينشأ بين حاجات الفرد ومطالب المجتمع ولهذا يسعى الفرد خلال مراحل نموه إلى تطوير وتنمية بعض الكفايات والمهارات الأساسية لديه مثل الثقة والاستقلال والمبادأة والكفاية لمجابهة هذه الأزمات .
جدول (9) مراحل النمو النفسي في نظرية أريكسون
المرحلة والسن بالتقريب مظاهر الصراع النفسي الاجتماعي (الأزمات) مجالات العلاقات الانسانية المتضمنة في المرحلة
يتبع