المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في العلاقة بين الكلام القديم والكلام الجديد



نتائج البكالوريا - bac
10-26-2014, 03:32 PM
في العلاقة بين الكلام القديم والكلام الجديد




منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)

منتدى الفلسفة من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


تتفرع مسألة العلاقة بين علم الكلام في شكله الوسيط وما يسمى بعلم الكلام الجديد في أدبيات الفكر الديني الإسلامي الحالي من منظور فلسفة الدين إلى مسألتين أهميتهما أنهما لا تقتصران على علاج أدواء الحضارة العربية الإسلامية فحسب بل هما تدوران حول أهم قضية في الثيولوجيا المسيحية التي تسيطر على فلسفة الدين المعاصرة والتي توالى الدخول إليها من الثيولوجيا إلى الانثروبولوجيا. والمعلوم أن أهم مميز بين المنظورين المسيحي والإسلامي أن الأول يقبل التوحيد بينهما والثاني يحظره. فمنزلة الإنسان الوجودية وكلمة الله مسألتان متمايزتان في الكلام الإسلامي. لكنهما تعتبران مسألة واحدة في الثيولوجيا المسيحية.
وسنحاول تجنب متاهات تأويل الفلسفة الحديثة كلها بمجرد ترجمة خطاب الثويولوجيا بمفردات خطاب الأنثروبولوجيا كما هو شأن الفكر الديني المسيحي وفكر ما يسمى بالكلام الجديد عند المفكرين الذين لا يميزون بين تحديث منظور الإسلام وتمسيحه. فكلا الموقفين يكتفيان بتكرار نفس المسائل والحلول في الكلامين بمجرد وضع الإنسان في الخانة التي كان يشغلها الله. سنعالج المسألة من منظور آخر. لذلك فسنعالج هاتين المسألتين من فلسفة الدين متحررين من الحكم المسبق الساعي إلى التنكر لقضايا ما يسمى بعلم الكلام القديم ورافضين استبدالها بما يسمى بعلم الكلام الجديد الذي لا نعتبره جديدا فضلا عن أن التجديد لا يقع من دون الشرطين التاليين:
الأول هو أن عملية تجاوز الكلام الثاني للكلام الاول لا تكون بمجرد القطع والتناسي بل لا بد من بيان كيفة الانتقال ببيان اسلوب العلاج الجديد لما اعتبر الكلام القديم قد فشل في علاجه.
والثاني أنه لا بد من النقلة المفهومة من حال كان عليها الفكر إلى حال أخرى آل إليها بمقتضى ما أدرك من الحال السابقة وما اكتشف فيها من موجهات موجبة أو سالبة توصل إليها.
ذلك أن جل قضايا الكلام الإسلامية يمكن إرجاع ما استعوص منها إلى سوء تأويل الرموز القرآنية سوئه الناتج عن العجلة في تحليل خصائص اللسان العربي عامة والأسلوب القرآني خاصة. كما أن جل قضايا الكلام المسمى جديدا مصدرها سوء فهم تمثيل الأزمة الإسلامية لأعماق الأزمة البشرية في عصرنا بحيث إن مصير العالم كله رهين علاج بؤرتي الثورة الإسلامية:
بؤرة تحرير البشرية من التحريف وأهم عناصرها نظرية الله الذي حل في الانسان
وبؤرة تحريرها من الطاغوت وأهم عناصرها نظرية تعين هذا الحلول في التاريخ من حيث هو تاريخ الروح.
لذلك فنحن نرى أن ما تصوره هيحل نجاحا في عملية الإصلاح المسيحي ليس إلا إطلاقا للتحريف والطاغوت اللذين هما وجها العولمة الحالية وجهاها الأساسيان. وما يعتبره فشلا في عملية الإصلاح الإسلامي هو الذي سيستأنف التاريخ الكوني ليحرره فعلا وليس فقط قولا من التحريف والطاغوت. وتلك هي مهمة ما يمكن أن يسمى كلاما جديدا بحق رغم كونه عين الكلام القرآني. ولكي نثبت فرضيتنا هذه سنتكفي بعلاج قضيتين عويصتين في ما يسمى بالكلام الجديد نقدم عليهما قضيتين أكثر منهما عواصة في ما يسمى بالكلام القديم:
1- كانت ثانيتهما سبب المحنة الثانية في تاريخ حضارتنا محنة إحكام الاستبداد بالسلطتين باسم العقل في الجدل الكلامي للمفاضلة بين التأويلات قصدت: قضية خلق القرآن أو قدمه.
2- وكانت أولاهما سبب المحنة الأولى التي أوجدت الاستبدادين عند المسلمين باسم النقل الذي نفي باسمه دور الإنسان في التاريخ من خلال سلبه حقه في التشريع والتنفيذ السياسيين وهما عين نقل القيم الدينية من ما بعد التاريخ إلى التاريخ قصدت: قضية القضاء والقدر لتبرير توريث الخلافة.
فأصبحت الدولة باسم النقل "أو-و" باسم العقل ثانيا ثم باسمهما معا جهازا جهنميا يواصل الدولة الساسانية والبيزنطية اللتين ثار عليهما الإسلام جمعا بين سلطة روحية تتحكم في حرية الفكر والاجتهاد وسلطة زمانية تتحكم في حرية الإرادة والجهاد.
فأما مسألتا الكلام الجديد اللتان نؤخرهما فهما:
1- أثر منزلة الإسلام من تاريخ الأديان في منظورنا الديني الحالي
2-وأثر منزلة الحضارة الإسلامية من التاريخ الحضاري البشري في منظورنا التاريخي الحالي.
وبين لكل من يحسن تحليل المعاني أن مسألتي الكلام القديم (قضية خلق القرآن وقضية الجبر والاختيار) هما أصل مسألتي الكلام الجديد رغم ما يبدو من تباعد بين الأمرين تباعد يجعل إدراك الأواصر العميقة بينهما من الحدوس التي يوفق الله بعض خلقه هبة من رب رحيم. فمنزلة الإنسان الوجودية فاعلا حرأ او منفعلا مضطرا و طبيعة كلام الله قديما أو مخلوقا هما اللتان بمناسبتهما في تاريخنا الفكري والسياسي وقعت المحنتان: محنة تأسيس الاستبداد نقلا من منطلق علاج مسألة القضاء والقدر أي مسألة اختيارية الإنسان أو جبريته ومحنة تأسيسه عقلا من منطلق علاج مسألة قدم القرآن أو خلقه.
لكن مسألة منزلة الإنسان في صلتها بالقضاء والقدر (قضية كلام قديم) ليست مقصورة على الوجه الذي يبدو خاصا بتاريخ المسلمين بل هي تحدد منظور الإسلام الديني باطلاق في علاقته بالأديان الأخرى جميعا وخاصة بالمسيحية لأنها سلبا تحدد تنافيه مع تحريف العقيدة أو مع سلطان الباطل الوجودي بتأليه الانسان كيانا تأليها تكون الحقيقة بمقتضاه نسبية إليه من خلال التجسد الخَلقي أو الكوني (كلام جديد). ومسألة كلام الله (كلام قديم) ليست مقصورة على الوجه الذي يبدو خاصا بتاريخ المسلمين بل هي تحدد منظور الإسلام لعلاقة الحق بالتاريخ وتحدد بالتالي تنافيه مع تحريف الشريعة أو مع سلطان الباطل القيمي بتأليه الانسان معيارا تأليها يكون الحق بمقتضاه نسبيا إليه من خلال التجسد الخُلقي أو الأمري (سلطان الظلم: قضيةكلام جديد)[1].
فيكون الرابط بين الكلامين القديم والجديد هو ما يمكن أن نطلق عليه مناط التحريف الوجودي أو تأليه الانسان بنفي ما يتعالى عليه من حيث المنزلة الوجودية و التحريف الخلقي بنفي ما يتعالى عليه قيما. والمعلوم أن الامرين (كلمة الله ومنزلة الانسان) موضوع واحد في الفكر المسيحي لكنهما أمران مختلفان في الفكر الاسلامي[2]. فعلاج أولاهما مرتبط بعلاج الاستبداد الزماني أو اغتصاب السلطة التنفيدية في مجال كل القيم الذوقية والرزقية والنظرية والعملية والوجودية. وعلاج ثانيتهما مرتبط بعلاج الاستبداد الروحاني أو اغتصاب السلطة التشريعية في مجال نفس القيم.
فتكون المسائل الفرعية أربعا الأوليان من الكلام القديم والأخيرتان من الكلام الجديد: 1- منزلة الانسان الوجودية 2- ثم كلام الله 3- ثم التحريف أو سلطان الباطل الوجودي 4- ثم الطاغوت أو سلطان الباطل الخلقي. وكلاهما ضديد الحق بمعنى الحقيقة وبمعنى الحقوق 5- وتتحد هذه المسائل الفرعية جميعا في مسألة أصلية هي طبيعة العلاقة البينة بين الآية 255 و256 من سورة البقرة. فآية الكرسي تعالج مسألتي الكلام القديم من المنظور الإسلامي وهي مسألة واحدة من المنظور المسيحي. وآية تبين الرشد من الغي تعالج مسألتي الكلام الجديد أو التحريف والطاغوت. لكن مسألتي الكلام الموسوم بالكلام الجديد (مسألة التحريف الخَلقي أو الوجودي ومسألة التحريف الأمري أو القيمي ) غير قابلتين للفصل عن مسألتي الكلام الموسوم بالكلام القديم (مسألة خلق آدم واستخلافة رمزا لمنزلة الإنسان الوجودية ومسألة كلام الله حدوثا وقدما). لذلك فنعالج الكلامين معا: في مسألتين بدايتهما قديمة وغايتهما جديدة.
المسألة الاولى

ويرمز إليها رمز خلق آدم واستخلافه منزلة للإنسان. ونتيجتها الأساسية هي قضية شروط تعالي الحقيقة على علم الإنسان. ويهدف علاجها إلى تحرير البشرية كلها وليس المسلمين وحدهم بالتصدي إلى التحريف الوجودي أو الخَلقي بلغة الكلام: تأليه الإنسان بديلا من منزلة الاستخلاف[3]. ولنشرح هنا دلالات رمز خلق آدم كما يصوغه القرآن الكريم. فكل من يقول إن الإنسان مؤلف من جوهرين ينبغي أن يعتبر النفخ الإلهي جزءا من جوهر الإله حل في الإنسان وليس رمزا لفعل الخلق الذي ليس فيه تواصل جوهري بين الفاعل وحصيلة فعله. فيكون صاحب هذا التصور قائلا بحلول بعض الله في آدم. وينتج عن ذلك ضرورة القول بأن جوهر العبادة ينبغي أن يهدف إلى تحقيق الفصل بين الجزء الرفيع من الذات البشرية (نفخ الله أو الروح) والجزء الوضيع منها (التراب المنفوخ فيه أو الجسد).وتصبح المسألة عند النقلة من الكلام القديم إلى الكلام الحديث هي كيف تنازل الله فصار إنسانا ليرفع الإنسان الذي تأله بفضل ذلك¿
وبالتصور الأول يفهم مقصود كلام المتصوفة الذين يتكلمون عن قتل الجسد وعن فتوة ابليس الذي لم يرفض السجود حسب رأيهم عصيانا بل تمحيضا للسجود لله وحده وبصورة أدق رفضا للسجود لما في الإنسان من جزء وضيع ذكره عند المقابلة بين النار والتراب. وبالتصور الثاني يفهم كل التخريف عن تقديس الإنسان في الثقافة الغربية دون ملاحظة أن هذا التقديس مشروط بأن يكون الإنسان غربيا ! كما يفهم طغيانه لإفساد العالم كله من أجل سد حاجاته بل وكمالياته فينتقل من راعي العالم في القرآن إلى مفسده في هذه الايديولوجية التي آل إليها التصور المسيحي وخاصة في فلسفة التاريخ الهيجلية التي هي عين فلسفة الرأسمالية وخاصة ذروتها الهدامة أو العولمة.
وطبعا فهذا كله من سوء التأويل. فالنفخ من الروح ليس نقلا لجزء من جوهر الله واحلاله في التراب بحيث يبقى التراب ترابا ويبقى الألهي إلاهيا وكأنه سجين التراب فيستدعي التخليص بالرياضة الصوفية (وللمسيح المنجي) بل هو رمز لفعل بث الحياة المبينة التي اختص بها آدم في التراب: وإلا لكان خلق الله عيسى من جنس تناسل الطيور الداجنة إذ ينفخ الديك في فرج الدجاجة فساءً ! لكن القرآن يعتبرما حصل من فعل النفخ تحويلا جوهريا للتراب الآدمي الذي لم يبق ترابا بل أصبح جوهرا ثانيا تماما كما يحصل من عملية تحويل أحد العناصر الطبيعية إلى عنصر آخر في ما نقوم به صناعيا عند التدخل في البنية الذرية للمادة. كما أن تكريم آدم لا يعني أنه صار ربا للكون يفعل فيه ما يريد.
فخلقه ليس متميزا عن خلق غيره من الموجودات. ومعنى ذلك أن رمز النفخ يصح على كل الموجودات على مقدار ما تحتاج إليه من ملكات. وعند الله لا فرق بين البشر والحجر إلا بقدر ما يطابق كلا المخلوقين ما أعد له. فيكون المتأله من البشر ما ينحط على ما أعد له وتكون الحرية مشروطة بالشر كما يتصور شيلنج. وعندئذ يكون مكرم آدم جزؤه الشيطاني الذي هو مصدر العصيان رمز الحرية لا الرحمن الذي هو مصدر الإيمان رمز التقوى[4].
لكن القرآن يعتبر هذا التميز بالشر علة مآله إلى حطب جهنم لأن كل الموجودات تأتي الله طوعا أو كرها. فلا يمكن لأي موجود أن يخرج عما أعد له دون أن يعني ذلك أنه ليس حرا في حدود ما يحول دونه وتخطي مفطوريته. فلايكون الإنسان حتى بالانحراف عن فطرته اي بالسقوط فضلا عن السمو ! لذلك ربط الله التكريم بالتقوى. فهي شرط الكسب أو جهد التوجه إلى القيم ( لها ما كسبت ) وعكسها الاكتساب أو ارتخاء الإخلاد إلى الدنيا (وعليها ما اكتسبت).
ليس الخلق كما آل إليه أمر تصوره الذي نتجت عنه هاتان القراءتان المحرفتان بتأثير من الهيولومورفية(=تصوير المواد في النظرة الصناعوية نموذجا تفسيريا لتكون الظاهرات الطبيعية) حيت تكون الصورة من جنس صورة الصناعة تضاف إلى مادة من جنس مادتها بل هو تصوير وجودي إن صحت هذه التسمية ينتح عنه تحول جوهري في المخلوق فيكون الحاصل بعدها جوهرا موحدا لا يمكن أن نميز فيه بين مادة وصورة: لذلك كان البعث الإسلامي للكائن كله بجسده وروحه. ومعنى ذلك أن فعل النفخ- ونحن نؤول رموزا ولا نقول حقائق إذ إن طبيعة الخلق من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله - ليس اضافة صورة إلى مادة أو جوهر إلى جوهر بل هو تحريك إيجادي لتفاعل ذاتي لمادة لا تنفصل فيها الهيئة عن الطينة لانها هي بدورها مخلوقة بنفس الفعل التحريكي في طور سابق. وفعل التحريك يحولها من تراب إلى آدم مثل ما نفعل عند تحويل أي مادة إلى طاقة. وطبعا فالصلصال الذي نفخ فيه هو بدوره سابق الخلق بعملية أخرى جعلته صلصالا وهكذا دواليك عودة إلى الشي العدم الذي أمره الله بكن فكان.
لذلك فالإنسان جوهر واحد يحيا بجسده ونفسه اللذين يشتركان في الترابية والنفخية ولا يبعث إلا بهما حتى وإن كانا يمران بفترات انفصال مؤقتة كما ينص على ذلك القرآن الكريم نصا صريحا يغني عن كل تأويل: ثم إن النفس نفسها جزء مادي ترابي ونفخي وهي ضرب وجود للذات البشرية الواحدة وليست جزءا منها كما أنها ليست كما يتصور صاحب الورقاء جزءا من الذات الإلهية هبطت من المحل الأرفع لتحل في الأجساد. أما التمنع والتدلل فهو بقايا من وسواس ابليس رفضا للسجود أمام من صور من تراب!
والاعتراض الممكن الذي هو في نفس الوقت عين علاقة المسألة الأولى (منزلة الإنسان رمزا إليها بآدم) بالمسألة الثانية (مسألة كلام الله) هو: كيف يخاطب المعدوم فيؤمر بكن ¿ فلننس-قبل الجواب- المسألة اللاهوتية ولننظر في أفعالنا نحن المتناهين. ألسنا نميز بين الصانع والمبدع سواء كان المجال ماديا أو رمزيا وخاصة في الفنون حيث نميز بين صاحب العمل الفني اليتيم والمقلد في نسخ قابلة للتعدد إلى غير غاية ¿ فبم نميز بينهما¿ أليس الصانع يصور مادة بصورة والصورة والمادة كلتاهما عنده متقدمتان على صناعته وعلى مصنوعه فيكون علمه الجمع بين الأمرين ¿ أما المبدع فهو الذي يتقدم على الصانع فيبدع له الصورة تسليما جدليا بأن المادة لا يبدعها أحد¿ إذا نفينا ذلك سنكون كمن يقول إن الحضارة كلها مثل الطبيعة-تسليما جدليا بأن الطبيعة متكررة ولا تتجدد-ليست قد كانت بعد أن لم تكن بل هي دائمة الوجود على الحال التي هي عليها فلم تتجدد. فلننف كل تطور حضاري إذن ما دمنا ننفي التجدد!
ولنعد الآن إلى الخلق عن عدم. ما نتصور بعضه ممكنا للإنسان المبدع لم لا يكون كله ممكنا للخالق وكل العلوم الآن باتت تهزأ بالنظرية القائلة بقدم العالم (بالعدد وبالنوع) وتسخر من ثبات الجواهر ¿ العدم المأمور هو عدم الوجود وهو ليس مادة أولى مستعدة لأن تكون كل شيء لكونها حبلى به بل هو عدم محض. ومثله ممكن وقابل للخطاب حتى عند البشر. فلما ينظر المرء في بيته فيرى ما فيها يرى ما ليس فيها من منظور ما يزيدها كمالا دون تحديد: مثال الكمال يقتضي ضرورة العدم الذي يمكن أن يكتمل بالاشرئباب إليه فيكون المشرئب ليس مشرئبا لما يكمل به ذاته بل لما يكمل به ما يماثل ذاته التي تحقق كمالها بخلق نسخة من ذاتها ليس لها قيام إلا بكونها نسخة من الذات. وإذن فالله يرى عدم الموجود دون تعيين فيخلق العالم لتتحلى فيه كمالاته آثارا لصفاته الفعلية أي إنه يرى الوظيفة التي ينبغي أن يوجد لها ما يحققها فيكون الأمر كن موجها للعدم ليصبح موجودا معينا يقوم بتلك الوظيفة.
ثم أليس الشيء في العربية هو ما يٌشاء (بضم الياء) ومن ثم فهو ليس تعبيرا عن موجود خارج المشيئة قبل هو تشيئته, خاصة إذا فهمنا الكلمة كما هي في الأصل أي مصدر فعل شاء ¿ ولما كانت الوظائف تتحدد بالقياس إلى المتعاليات وكانت المتعاليات الأعلى هي صفات الله كان علم الله بذاته ونظره إلى صفاته علة خلقة العالم من العدم حتى يقوم بالوظائف التي تحقق الكمالات الناتجة عن اسقاط الصفات على العدم المأمور بكن (بالمعنى الهندسي للاسقاط). إذا كان نظير ذلك كذلك بالنسبة إلى الإنسان فما بالك بالنسبة إلى الخالق¿
وفي كل الأحوال فلسنا نقول إن الأمر في حقيقته-لأن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه الا الله- هو كما نصف بل نقول إن ما يماثله ليس مستحيلا عقلا وإذن فهو يمكن أن يكون هكذا أو نحوه إذا حاولنا أن نفهم مدلول فعل الخلق. وليس هذا من الكلام القديم لأننا سنرى أن الكلام المزعوم جديدا لايزال دائرا حول نفس القضية في ترجمة انثروبولوجية عندما يحاول أن يفهم الإبداع الإنساني والتجدد في الكون الطبيعي عامة وفي التاريخ خاصة. والفرق الوحيد هو أن هذه النسخة أقرب إلى الذهن العامي من ذلك الأصل الذي لا ينفذ إليه الجمهور. فلو نفينا في الترجمة الانثروبولوجية خلق الجديد لنفينا التجديد ولو قلنا بالأصل القديم المطلق لادعينا ما ينفيه العلم كله: العالم محدث بحسب كل النظريات الكوسمولوجية لانه ذو سن قابلة للتحديد.
المسألة الثانية
أما المسألة القديمة الثانية فهي مسألة كلام الله والخلق بكن. وأما المسألة الجديدة فهي نتيجتها القيمية: كيف نحرر الانسانية كلها وليس المسلمين وحدهم من التحريف القيمي او بلغة الكلام الإسلامي من التحريف الأمري¿ بكلمة واحدة كيف يكون الحق متعاليا فلا يكون مجرد تحكم إرادة الانسان¿ لكن مسألة خلق القرآن أو قدمه مسألة مضاعفة. فهل القرآن كلام الله ¿ ثم هل كلام الله مخلوق أم هو قديم¿ والغريب أن القائلين بخلق القرآن (كل الباطنية وجل المعتزلة) لم يستنكفوا من القول بقدم مثل العالم أو بشيئية المعدوم والقائلين بقدم القرآن (كل الظاهرية وجل الاشاعرة ) يعتبرون القول بقدم العالم كفرا. ومن ثم فكلا الفريقين لم ينتبه للتناقض البين بين قوليه في العالم وفي القرآن.
فكلا الفريقين يغالط بالتلاعب على معنيي المصدر. فالتناقض ناتح عن الخلط بين معنيي المصدر في الصرف العربي: فمثلما أن "الخلق" يفيد فعل الخلق ومفعول الخلق فكذلك يفيد الكلام فعل الكلام ومفعول الكلام[5]. ومثلما أنه لا يمكن لعاقل أن يزعم أن العالم من حيث هو مفعول الخلق قديم من دون أن يسلم بتعدد القدماء لا يمكن لعاقل أن يقول إن القرآن من حيث هو مفعول الكلام قديم من دون أن يقول بتعدد القدماء. ومثلما أن اعتبار العالم من حيث هو مفعول فعل الخلق مخلوقا لا يعني أنه من خلق كائن آخر غير الله (كأن ينسب إلى كائن وسيط بين الله والعالم مثل الطبيعة بل الخالق هو الله) فكذلك اعتبار كلام الله من حيث هو مفعول فعل الكلام مخلوقا لا يعني أنه من خلق كائن آخر غير الله (كأن ينسب إلى الرسول محمد صلعم أو إلى جبريل بل المتكلم هو الله).
ويعني نفي تعدد القدماء أن كل ما عدا الله من الموجودات مجعولات ومن ثم فهي مخلوقات: لا يمكن استثناء كلام الله من حيث هو مفعول لا من حيث هو فعل من هذه الحكم. ولما كان القرآن من حيث هو مفعول فعل الكلام (لا من حيث هو فعل الكلام) لا يمكن أن يكون صفة لله فضلا عن يكون عين الله فإنه مخلوق ضرورةلكن كلام الله من حيث هو فعل صفة لله نفسه لا يمكن أن يكون مخلوقا.
وكان على كلا الفريقين أن يقول بأن فعل الخلق وفعل الكلام من الصفات الملازمة للذات الالهية وأن مفعوليهما مخلوقان مثل كل المخلوقات التي هي غير الله وجملتها هي العالم. ومن ثم فالأولان لا يفارقان الذات التي هي ذات صفاتها: الكلام والخلق من حيث هما فعلان. في حين أن الثانيين ينتسبان إلى العالم وهما مثل كل ما فيه مخلوقان: الكلام والخلق من حيث هما مفعولان. والذات الإلهية هي ذات الوجود المطلق. وهي ذات فعل الحياة المطلقة. وهي ذات فعل العلم المطلق. وهي ذات فعل القدرة المطلقة. وهي ذات فعل الإرادة المطلقة. ولا يعني ذلك أنها متعددة لأن وحدة الذات في القرآن ليست وحدة مجردة كما يزعم هيجل بل هي تنوع الفعل المطلق الذي وصفناه بكونه حياة وعلما وقدرة وارادة وكلاما وخلقا إلخ... من الصفات التي وصف الله نفسه بها في قرآنه الكريم[6].
وحدة الذات الإلهية ليست مثل وحدة العدد. إنها لا تقتضي نفي صفاتها لئلا تكون متعددة. ذلك أن علاقة الذات بالصفات ليست علاقة ظرف بمظروف حتى تفيد التعدد بل الذات وصفاتها نحوان للوحدة العضوية ذاتها. وذلك هو مفهوم ذات (مؤنث "ذو" من الأسماء الخمسة) أي "صاحبة" الصفات التي هي وجوهها ووظائفها التي تتعين في أفعالها قياما وجوديا وحياة وعلما وقدرة وإرادة: وتلك هي الكمالات التي بالقياس إليها يلاحظ العدم المأمور بكن. أما مفعولات هذه الذات فإنها غير الذات وغير الأفعال ومن ثم فهي مخلوقة لأنها ما حصل عن أمر كن للعدم في ضوء الكمالات التي تجعله ملحوظا فيؤمر.
وكلمة كن ذات قيامين: 1- قيام فعل التلفط بها في المتلفظ بها صفة فعلية له 2- ثم قيام اللفظة "كن" بذاها بعد أن يكون فعل التلفظ قد أحدثها فصارت ذات قيام ذاتي يخصها. وذلك قياسا على أي متكلم منا لاننا لا نستطيع تصور الكلام من حيث هو فعل المتكلم إذ يتكلم فيحصل عن كلامه كلمات تقوم بذاتها بعد التلفظ بها لا نستطيع تصوره إلا بهذه الطريقة. فعندما أقول أي كلمة يحصل أمران: فعل تكلمي والكلمة الحاصلة من فعل تكلمي. وكلاهما عندي حادث لاني أنا نفسي حادث فتكون صفاتي مثلي بالأولى. أما بالنسبة إلى الله فإن فعل التلفظ بكن قديم وهو كلام الله الخالق. لكن اللفظة "كن" محدثة في كل تلفظ. وهي مصاحبة للمخلوق المأمور بها عدمه. لذلك سمى القرآن كل المخلوقات كلمات الله التي لا يكفي لكتابتها مدادا كل بحار العالم. ولا معنى لوجود لفظة كن بمفردها. فالكلام عند الإنسان يمكن أن يقوم منفصلا عن معناه المفاد به لمحدودية قدرته فيحتاج الكلام إلى فعل ينقله من القول إلى العمل.
لكن الله ليس لقدرته حد. لذلك فإن مجرد كلامه عمل فلا يتراخي المأمور بكن عن الأمر بكن. وكان يكون غنيا عن الكلام فيكون مجرد علمه عملا لو كانت الكائنات تنفذ إلى المعاني بغير المدارك. والله غني عن خلق وسيط يخلق ما عدا صفاته قياسا على كلام الإنسان في علاقته بفعله[7]. وهذا هو الفهم السيء للكلمة في الأفلاطونية المحدثة الفهم الذي عم بعد ذلك على الكلام المسيحي الشرقي ثم انتقل إلى الكلام المسيحي الغربي وتدفق بتوسط التصوف إلى الفكر الإسلامي فأصبح حقيقة محمدية عند ابن عربي ثم انتقل إلى المثالية الألمانية فأصبحت الفلسفة منذئذ كلاما مسيحيا متنكرا في أسلوب فلسفي بعد كساد سوق الثيولوجيا.
ومن ثم فالقرآن وكلام الله عامة من حيث هو صفة فعل التكلم قديم قدم الذات. ومن حيث هو مفعول صفة فعل التكلم فهو محدث مثل كل المفعولات في صلتها بفعلها الذي هو غيرها. وما يصح على فعل الخلق يصج على فعل التكلم. فالعالم أي كل ما عدى الله مخلوق. لكن فعل خلقه ليس مخلوقا لأنه صفة فعل إلهي. وقياسا على ذلك فإن فعل النفخ الموجد للكائنات العاقلة قديم. لكن الكائنات التي حصلت عن فعل النفخ كلها محدثة. ولا بقاء لها إلا بالحد والقدر الذي وضعه فيها فعل النفخ لكأن ما وضع فيها شحنة خزان طاقة في جهاز صناعي بشرط أن نتصور كل الجهاز لا قيام له إلا بقيام هذه الشحنة وليس هو وعاء لها يقوم من دونها كما في الأجهزة الصناعية. ولهذه الشحنة بقاءان: بقاء دنيوي زائل يتقدم فيه فرعه الكلي الذي هو الشحنة النوعية التي نفخت في آدم بالنسبة إلى النوع البشري يليه فرعه الجزئي الذي هو الشحنة العددية (خلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء) ثم بقاء أخروي ينحصر في الشحن العددية الخالدة.


http://i60.tinypic.com/9u0tad.jpg

بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)