المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المجتمع المدني أساس التنمية البشرية في العالم العربي



نتائج البكالوريا - bac
10-26-2014, 11:58 AM
المجتمع المدني أساس التنمية البشرية في العالم العربي




منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)

منتدى الفلسفة من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


تواجه المجتمعات العربية كثيرا من المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية عجزت الحكومات والسلطات عن إيجاد الحلول الناجعة لتطويقها والحد منها وتجاوزها بعد ذلك؛ مما جعل الأمم المتحدة تعدها ضمن العالم الثالث أو من الدول السائرة في النمو ، لكونها لم تحقق مؤشرات التنمية البشرية المطلوبة التي تتحدد في ثلاثة معايير أساسية متكاملة ومترابطة فيما بينها وهي: الدخل الفردي السنوي، والرعاية الصحية ، والتعليم المتطور المنتج. وهناك من يضيف معايير إنسانية أخرى إلى هذه المعايير كاحترام حقوق الإنسان وإرساء دولة الحق والقانون وتكريس ثقافة المواطنة الصالحة.
بيد أن الحكومات العربية بمفردها لن تستطيع أبدا أن تحل جميع المشاكل والأزمات التي تحول دون تحقيق نهضتها الحقيقية وازدهارها الشامل وتقدمها الفعال، فلابد من مساعدة المجتمع المدني بجميع جمعياته ومنظماته ومكاتبه القانونية والتنظيمية ومراكزه العلمية وهيئاته النقابية والمهنية من تحمل مسؤولية المشاركة والمساهمة في بناء المجتمع البشري والإنساني وتكثيف الجهود لتنمية الوطن والأمة قصد اللحاق بركب الدول المتقدمة.
ولن تكون مساهمة المجتمع المدني إيجابية إلا إذا طبقت الديمقراطية في المجتمع الإسلامي، وآمن الإنسان العربي بالتسامح ونبذ العنف وإقصاء الآخر وكراهية الغير، واعتمد التعايش سبيلا للتنمية، واختار الانفتاح طريقا للدخول في العولمة وتحصيل الحداثة والتنمية الشاملة ، واتخذ التعارف ركيزة للتعامل مع الآخرين قصد الدخول إلى سوق المنافسة المعرفية والعلمية والتقنية . لأن أي تقوقع على الذات وأية انطوائية انغلاقية سادية أو مازوشية أو أي تواكل سلبي قد يكلف الإنسان العربي ثمنا باهظا ، وسيسبب له خسائر فادحة تتمثل في التراجع عن سنوات عديدة من التنمية. إذاً، ماهو المجتمع المدني؟ وماهي التنمية البشرية وأهدافها؟ وإلى أي مدى يعد المجتمع المدني قاطرة للتنمية أو وسيلة من وسائل التقدم والازدهار والنماء المادي والرفاهية المعنوية؟ تلكم هي الأسئلة التي سنحاول رصدها في موضوعنا الفكري هذا.
أ‌- مفهـــوم المجتمع المدني وخصائصه:
1- مفهـــوم المجتمع المدني:
يعتبر المجتمع المدني من الركائز الأساسية لتحقيق التقدم والازدهار وتفعيل التنمية البشرية الحقيقية. ويسمى هذا المجتمع بهذا الاسم ؛ لأنه يتخذ طابعا اجتماعيا مدنيا وسلميا مستقلا عن الدولة والحكومة وعن كل المؤسسات الرسمية والعسكرية، على الرغم من كونه يتكامل مع المؤسسات الحاكمة تنسيقا واستشارة واقتراحا.
هذا، ويجسد المجتمع المدني مظهرا من مظاهر الديمقراطية الحديثة التي ترتكز على الحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية والإيمان بحقوق الإنسان.
ولايمكن للمجتمع المدني أن يشتغل إلا في مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان ويعمل على تثبيتها وتكريسها في جميع المجالات والأصعدة والمستويات. كما أن المجتمع المدني " من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهي علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع والتعاقد والتراضي والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسؤوليات. ثم، إن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوى، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة."[1]
ويعرف المفكر الإيطالي أنطونيو گرامشي (1937-1981) المجتمع المدني بأنه :" مجموعة من البنى الفوقية مثل: النقابات والأحزاب والمدارس والجمعيات والصحافة والآداب والكنيسة".[2] ويقابل المجتمع المدني لدى گرامشي المجتمع الرسمي أو مايسمى بسلطة الدولة، ويعرفه المفكر الألماني هابرماس بقوله:" المجتمع المدني نسيج من الجمعيات والهيئات الاجتماعية التي تناقش الحلول الممكنة لبعض المشاكل المرتبطة بالمصلحة العامة".[3]
أما الدكتور سعد الدين إبراهيم فيعرفه بأنه:" مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام، والتآخي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع والخلاف."[4]
ومن هنا، فالمجتمع المدني عبارة عن هيئات مدنية حرة تقوم بأعمال تطوعية اختيارية لصالح الإنسان بتنسيق مع الدولة أو في استقلال عنها من أجل تحقيق التنمية الشاملة.
2- ظهور مفهوم المجتمع المدني:
من المعروف في الكتابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفلسفية أن المجتمع المدني لم يظهر في الغرب إلا مع الدولة الليبرالية التي دافعت عن الدولة واستوجبتها للخروج من حالة الطبيعة والفوضى والإقطاع عن طريق الاعتراف بحقوق الإنسان والملكية الخاصة والعلمانية، وقد دافعت عنه الكتابات الفلسفية وخاصة كتابات جان جاك روسو التي أتت مناهضة للمجتمع الديني، فضلا عن كتابات هيگل وأنطونيو گرامشي التي قدمت تصورا إيديولوجيا للمجتمع المدني من خلال ربطه إما بالبورجوازية عند هيگل وإما بالطبقة البروليتارية عند گرامشي.
ولم ينتقل مفهوم المجتمع المدني إلى العالم العربي إلا في السنوات المتأخرة من القرن العشرين بفعل انتشار الوعي العلمي والثقافي والمثاقفة مع الغرب والانفتاح الإعلامي ومحاولة الدول العربية لتبني الديمقراطية والتيار الليبرالي وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وإرساء دولة الحق والقانون خاصة بعد فشل الأنظمة الاشتراكية والتجارب السياسية اليسارية في جل الدول العربية. ، وذهب الأستاذ حبيب الجنحاني إلى أبعد من ذلك حينما أثبت بأن مفهوم المجتمع المدني دخيل على تراث الفكر السياسي العربي الإسلامي، ولم يبرز في الخطاب السياسي العربي إلا في العقود الأخيرة، واتسم عند ظهوره بسمات خاصة جعلته يختلف عن ميزات المفهوم في بيئته الأولى، ولم يتأثر المجتمع العربي الإسلامي بهذا المفهوم إلا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهي الفترة التي رحل فيها بعض رواد الفكر الإصلاحي العربي الإسلامي إلى أقطار أوربية وسجلوا ما شاهدوه.[5]
وأصبح اليوم مفهوم المجتمع المدني من أكثر المصطلحات تداولا في كثير من الحقول المعرفية والمنتظمات الدولية واللقاءات التي تعقدها المنظمات غير الحكومية وشبه الحكومية.
3- مقومات المجتمع المدني وشروطه:
يقصد بالمجتمع المدني مجموعة من التنظيمات الأهلية والشعبية المستقلة عن الدولة والحكومة والأفراد، تتكون من هيئات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وإيكولوجية ودينية، تدافع عن مصالح الشعب المشتركة ومصالح الأمة والإنسانية قاطبة. وتسعى كذلك لخدمة أهداف المجتمع الأهلي ماديا ومعنويا من أجل الرفع من مستوى التجمعات البشرية وتحقيق حاجياتها وإشباع رغباتها وتوفير الرفاهية المطلوبة والتنمية المستدامة.
ومن مقومات المجتمع المدني الاستقلالية عن كل الضغوطات الخارجية الرسمية أو شبه الرسمية والتخصص في الأعمال والمشاريع التي تنفع المجتمع البشري بصفة خاصة والمجتمع الإنساني بصفة عامة، واحترام الشرعية القانونية والتنظيمية للجمعيات والهيئات المدنية. أي لايمكن لجمعية أو هيئة أو منظمة مدنية أن تشتغل إلا في ضوء القانون واحترام مبادئ الدستور وكل القوانين المنظمة لمؤسسات الدولة ، لكي لايستغلها ضعفاء النفوس لتمرير أهوائهم الإيديولوجية وارتكاب الأفعال المشينة التي تضر بالمصلحة العليا للدولة أو بمصلحة الشعب أو بمصالح الأعضاء الذين ينتمون إلى هذه المؤسسات غير الحكومية.
ومن المقومات الأخرى للمجتمع المدني التطوعية والاختيار الحر، ويعني هذا أن خدمة المجتمع مبني على المساهمة الحرة والفعل التطوعي دون إلزام وإجبار . ويكون الالتزام بالواجب والاستجابة للضمير الإنساني والمواطنة الحقة والشعور بالأواصر القومية والإنسانية من المحفزات الأساسية للمشاركة في التجمعات المدنية. ومن المقومات الأخرى لهذا المجتمع نستحضر تكامل المجتمع المدني مع الدولة عن طريق البحث والتحقيق وتقديم الاقتراحات والاستشارة و إعلان الاحتجاج البناء والنقد الهادف أو المساهمة في التغيير البديل والبناء الفعال لصالح الإنسان مع تحقيق التنمية الشاملة.
وينبني المجتمع المدني كذلك على مجموعة من الشروط الجوهرية كتحقيق الديمقراطية وإرساء دولة حقوق الإنسان والاعتراف بحريات المواطنين الفردية والجماعية، وتكوين نظام انتخابي تمثيلي شفاف ونزيه يخدم مصلحة الوطن والشعب على حد سواء. ومن ثم، فعلاقة الديمقراطية بالمجتمع المدني علاقة وطيدة ؛ لأن الديمقراطية تساهم في :" دعم استقلالية مبادرات المجتمع المدني بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني، والسير إلى طريق التنمية الوطنية المعتمدة على النفس للحد من العلاقات اللامتكافئة، وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية، تمكن المجتمع المدني من ممارسة دوره في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع. ويحتاج السير بنجاح إلى طريق التطور الديمقراطي على ثقافة ترسخ في المجتمع التعاون واحترام الآخر والتنافس والصراع السلميين."[6]
أما الشروط الأخلاقية التي ينبني عليها المجتمع المدني فتكمن في التسامح وتقبل الآخر والإيمان بالاختلاف والاعتراف بالرأي المخالف وحب الغير والتضحية بالذات في سبيل المصلحة العامة وإيثار منطق الحوار والاختلاف والتعايش والأخوة ، ونبذ العنف والتهميش والإقصاء وسياسة التغريب والتطرف والإرهاب.
ويتضح مما سبق أن المجتمع المدني يلتزم:" في وجوده ونشاطه بقيم ومعايير الاحترام والتسامح والمشاركة وإدارة التنوع والاختلاف إدارة سلمية، وهي نفس القيم والمعايير التي تقوم عليها الديمقراطية لتدبير شؤون المجتمع، فالديمقراطية أسلوب حياة يشمل كافة مجالات المجتمع. ولا يكفي أن تكون هذه القيم أساس تحرك الإنسان في المجتمع، بل ينبغي أيضا تنمية مهارات المشاركة التي تمكنه من التفكير والتصرف تصرفا يوازن بين حقوقه الفردية وبين الصالح العام."[7]
وخلاصة القول: يقوم المجتمع المدني على الحرية والاستقلالية والفعل التطوعي والتسامح وخدمة الإنسان ودمقرطة العمل والعمل في إطار فرق مشاركة والاعتماد على التعاون الجماعي والمزاوجة بين النظرية والممارسة وبين القول والفعل مع الانطلاق من الأهداف الإنسانية النبيلة من أجل تحصيل تنمية بشرية مستدامة مبدعة وفعالة.
4- مكونات المجتمع المدني:
يتكئ المجتمع المدني على مجموعة من المكونات يمكن حصرها في: النقابات والاتحادات المهنية، والجمعيات التعاونية والخيرية، والغرف التجارية والصناعية، والقطاع الخاص، والجمهور العريض، والمنظمات غير الحكومية مثل: مراكز حقوق الإنسان والمنظمات الشبابية ومنظمات المرأة والطفل والتنمية والبيئة وأجهزة الإعلام والنشر وأجهزة التوعية والتربية ومراكز البحوث والدراسات العلمية والجمعيات الثقافية والرياضية، بله عن الأحزاب السياسية والآداب والفنون والصحافة والمراكز الدينية...
ويلاحظ أن هذه المنظمات والجمعيات مستقلة عن الدولة والحكومة والمؤسسات السياسية حيث تشتغل بكل جدية ومثابرة وتفان خدمة لأهداف إنسانية سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم بيئية أم ثقافية أم تربوية أم إعلامية.
بيد أن هناك اختلافا فكريا حول الأحزاب السياسية ومدى انتمائها إلى المجتمع المدني، فإذا كان هناك من لايدرجها ضمن المجتمع المدني لكونها تخدم مصالحها السياسية والإيديولوجية؛ إلا أننا نرى أن لهذه الأحزاب أدوارا مدنية تقوم بها من أجل مصلحة الشعب خاصة إذا كانت مؤسسات تبتغي خدمة الرعية والدفاع عن حقوقها والعمل على تحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. ويعني هذا أن الأحزاب السياسية لايمكن فصلها بتاتا عن المجتمع المدني إذا كانت تخدم مصالح المواطنين وتنوب عنهم في المؤسسات التمثيلية كالمجالس البلدية والإقليمية والجهوية وعبر مؤسسة البرلمان في تبليغ حاجياتهم وتوصيل طلباتهم إلى السلطات الحاكمة إما عن طريق الاستشارة والحوار السلمي وإما عبر الضغط واستخدام قوة الإضراب وحشد الرأي العام.
ويذهب الباحث المغربي الدكتور حسن قرنفل مذهبا معاكسا، إذ يؤكد أن جل المفكرين يتفقون على أن:" النقابات والجمعيات الثقافية والحقوقية والأحزاب السياسية تشكل أهم مقومات المجتمع المدني. وإذا كان انتماء النقابات والجمعيات المختلفة إلى المجتمع المدني لايثير أي نقاش ولا اعتراض، فإن اعتبار الأحزاب السياسية أحد مكونات هذا المجتمع المدني، على العكس من ذلك، يثير الكثير من الأسئلة. ذلك أنه يجب أن نذكر بأنه لامجال للحديث عن مجتمع مدني داخل مجتمع معين إلا مقابل وجود هيئات وتنظيمات أخرى مختلفة. من هنا يمكن القول بأن المجتمعات المعاصرة تتكون من ثلاث مستويات. المستوى الأول يضم السلطة السياسية الحاكمة الممارسة لكل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية المخولة لها من طرف الدستور أو القانون؛ والمستوى الثاني يتكون مما يمكن تسميته بالمجتمع السياسي الذي يضم النخبة السياسية المؤطرة داخل الأحزاب السياسية؛ والمستوى الثالث هو الذي يضم المجتمع المدني. وكل مستوى من هذه المستويات الثلاثة يقيم علاقات تقارب وتنافر مع المستويين الآخرين."[8]
ومن ثم، يرفض الدكتور حسن قرنفل إدراج الأحزاب السياسية ضمن المجتمع المدني؛ لأن الأحزاب السياسية تنتمي إلى المجتمع السياسي وتمارس جميع الوسائل الشرعية وغير الشرعية للوصول إلى السلطة واحتكارها، وهذا يتنافى مع مقومات وأهداف المجتمع المدني الذي يعمل على خدمة الصالح العام في جو ديمقراطي شفاف ونزيه بعيدا عن الديماغوجية والاستغلال والانتهازية، يقول حسن قرنفل في هذا الصدد:" وهكذا، وحسب هذا التصور، فإن الأحزاب السياسية لاتدخل في نطاق المجتمع المدني، بينما تعتبر النقابات إحدى دعائمه، وذلك ببساطة لكون النقابات وإن مارست السياسة في كثير من الأحيان في التوجهات السياسية العامة للبلاد وبقيامها بإضرابات ذات طابع سياسي، فإن الهدف من سلوكها ذلك ليس هو الوصول إلى السلطة السياسية، ولكن التأثير عليها ومراقبتها." [9]
ومهما اختلفنا في طبيعة الأحزاب السياسية، فكل من يساهم في خدمة الإنسان وكان ينطلق في توجهاته من منطلقات مستقلة عن ضغوطات السلطة الحاكمة والضغط العسكري فهو ينتمي إلى المجتمع المدني.
5- إستراتيجية العمل لدى المجتمع المدني:
يستند المجتمع المدني إلى مجموعة من الخطوات والمراحل الإجرائية في تنفيذ مهامه التنموية والبشرية كالبحث عن الظاهرة المتفشية سلبا في الوسط البشري، ودراسة المشاكل والآفات والتحقيق فيها قصد فهمها وتفسيرها ، وإعداد الدراسات النظرية والميدانية لفهم هذه المشاكل فهما عميقا، وتحديد الحاجيات وحصرها، وتوقع المعيقات والمثبطات قصد توفير الإمكانيات المادية والمالية والبشرية الملائمة، وتسطير الأهداف البعيدة والوسطى والقريبة للتحكم في المشاكل والأزمات المرصودة، واستخدام أسلوب المشاورة والاقتراح والتنسيق، وتشغيل وسائل الإعلام للتوعية والتنبيه والإرشاد، واللجوء إلى الضغط في حال الرفض لمتطلبات المجتمع المدني ، ويمكن أن يترتب عن هذا الرفض والمنع رفع القضية إلى القضاء والعدالة أو استخدام أسلوب الاحتجاج والمواجهة.
ومن بين المهمات التي يتكلف بها المجتمع المدني تحديث الوطن والأمة وإشاعة العقلانية وتحقيق التنمية البشرية والعمل على تحصيل التنمية المستدامة وتطوير المجال العلمي والمعرفي عن طريق تشجيع البحث النظري والتطبيقي ودعم التطور التكنولوجي وتنمية المجال الصحي والرفع من مستوى الدخل البشري.
6- الأدوار والمهام التي يقوم بها المجتمع المدني:
يرتكز المجتمع المدني على المشاركة الشعبية والفعل التطوعي لكل مواطن غيور على بلده لخدمة بيئته القروية والحضرية والجهوية ووطنه وأمته عن طريق تحقيق مشاريع إنسانية تساهم في تحقيق التقدم والازدهار قصد الخروج من التخلف والفقر ومشاكل البطالة.
وينبني المجتمع المدني أيضا على خدمة مصالح الأفراد والمجتمع ومصالح المواطنين عن طريق اقتراح منجزات تنموية تستهدف الرفع من قدرات المواطنين وتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية وتوعيتهم سياسيا لتحمل مسؤولياتهم التاريخية للمساهمة في تفعيل التنمية المستدامة .
ولايمكن السير بالمجتمع المدني إلى آفاق أرحب في المجتمعات العربية إلا عن طريق العلم وتحسين الرعاية الصحية والرفع من الدخل الفردي ، ولن يتم هذا الطموح المشروع والنبيل إلا بوجود استثمارات اقتصادية وأيد عاملة مؤهلة قادرة على تشغيل دواليب الاقتصاد وتسيير عجلة النمو الإنتاجي.
ومن هنا، لن ينبغي أن تقتصر أنشطة المجتمع المدني على ماهو مادي وبيولوجي واقتصادي، بل ينبغي أن تتجاوز ذلك إلى تحقيق المنجزات الثقافية والفكرية عن طريق محاربة الأمية بكل أنواعها(الأمية الأبجدية، والأمية الوظيفية، والأمية الإعلامية، والأمية اللغوية ، وأمية نقص التكوين). وتزداد :" أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة المواطنين في تقرير مصائرهم، ومواجهة مايؤثر في معيشتهم ويزيد من إفقارهم، ولما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، وثقافة بناء المؤسسات، وثقافة إعلاء شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي، والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات.".[10]
ويلاحظ أن أدوار المجتمع المدني متعددة ومتشعبة تنطلق مما هو محلي إلى ماهو جهوي ووطني وقومي وإنساني، وبالتالي، يخطط المجتمع المدني إستراتيجيته كلها لتنمية الإنسان باستخدام الطاقات البشرية لتحسين ظروف الإنسان ليتبوأ مكانته التي ارتضاها الله له أثناء استخلافه في هذه الأرض الطيبة المباركة عبادة و تعميرا وإنجابا.
ب- التنمية: الخصائص والمقومات:
1- مفهـــوم التنمية لغة واصطلاحا:
تدل التنمية لغة على الزيادة والنماء والكثرة والوفرة والمضاعفة والإكثار. بينما يختلف مفهوم التنمية الاصطلاحي من مجال إلى آخر، فيتخذ دلالة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أوبيولوجية أو نفسية. ومن هنا، أصبح مفهوم التنمية مفهوما معقدا ومتشابكا يصعب تعريفه وتحديده بدقة.
هذا، وقد ارتبط مصطلح التنمية في البداية بالتقدم والتخطيط والإنتاج، ليصبح فيما بعد ذا أبعاد مادية ومعنوية. ولكن التنمية بالمفهوم العام هي تحسين ظروف المواطنين وتغيير مستوى معيشتهم عن طريق تحسين دخلهم الفردي والرفع من شروط الرعاية الصحية وتقديم أحسن منتوج في مجال التربية والتعليم والتثقيف عبر تكثيف برامج العمل ذات الطابع البشري والإنساني والأهلي ، وإعداد مشاريع تنموية واستثمارات من أجل خدمة هؤلاء المواطنين والأجيال اللاحقة ضمن مايسمى بالتنمية المستدامة أو الطويلة الأمد.
و ترتبط التنمية أيضا بالتحديث والتغيير والعصرنة وتحقيق مؤشرات النمو الاقتصادي والرفع من الإنتاجية وتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي والاعتماد على العقلانية والتصنيع من أجل اللحاق بالدول المتقدمة والدخول في سراديب العولمة التي لاتؤمن سوى بالمنافسة والعمل المتواصل واحتكار الأسواق.
وعليه، تدور التنمية البشرية حول تطوير:" المقدرة البشرية بسياسات وبرامج اقتصادية واجتماعية ودولية تعزز قدرة الإنسان على تحقيق ذاته. ويرتبط مفهوم التنمية في هذا السياق بتنمية الإنسان من حيث هو هدف ووسيلة، أو بتنمية قدرات الإنسان على سد حاجاته المادية والمعنوية والاجتماعية. وإذ تتركز إستراتيجيات تحقيق التنمية البشرية على إحداث تغييرات في البيئة القانونية والمؤسسية التي يعيش في كنفها البشر، يبقى الأساس في ذلك دائما توسيع خيارات الإنسان وبذلك يتسع فضاء حريته، وهو مايتضمن البعد الاقتصادي للتنمية دون أن يقتصر عليها.
والخلاصة أن التنمية البشرية...توسيع لقدرة الإنسان على بلوغ أقصى ما يمكنه بلوغه من حيث هو فرد أو مجتمع ذو أفراد كثيرة وذلك بزيادة إمكانياته التي ليست القدرات الاقتصادية إلا مجرد جانب منها. ومن هنا لابد أن تكون السياسات التنموية بالضرورة متعددة الآفاق، لا اقتصادية فحسب."[11]
وهكذا، فالتنمية ذات أبعاد مادية اقتصادية، وأبعاد إنسانية بشرية قائمة على التثقيف وتطوير مؤهلات الكائن البشري عن طريق استثمار قدراته الذاتية للتأقلم مع وضعيات المجتمع المعقدة.
2- تاريخ مفهوم التنميـــة:
من المعلوم تاريخيا أن مفهوم التنمية لم يتم تداوله إلا مع منتصف القرن العشرين، وذلك مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية ومع استقلال جل الدول التي تنتمي إلى العالم الثالث أو إلى دول الجنوب، ومنها بعض الدول العربية التي كانت تعاني من التخلف على جميع المستويات والأصعدة.
ورغبة من هذه الدول في التحرر، تبنت عدة مقاربات اقتصادية وسياسية للخروج من شرنقة التبعية والتخلف قصد اللحاق بدول الشمال والدول المتقدمة، فظهر مايسمى بالدول النامية أو البلدان السائرة في النمو، و طفحت على السطح إشكالية التخلف و التنمية ، وأصبحنا اليوم نتحدث عن مفاهيم مقترنة بالمفهوم كالتنمية المستدامة والتنمية البشرية. بيد أن هناك العديد من الدراسات الاقتصادية التقليدية التي تحدثت عن التنمية، ولكن بمفهوم النماء والإنتاج والربح.
وعليه، فقد وظف مصطلح التنمية في الاقتصاد أولا ليعني إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين عن طريق التحكم في الموارد الذاتية وتوظيفها توظيفا حسنا لرفع من قدرات المجتمع قصد تحقيق الحاجيات المستلزمة، وإشباع رغبات المواطنين عن طريق تحسين ظروفهم المادية والمعنوية. بيد أن هذا المصطلح قد اتخذ في الستينيات من القرن الماضي بعدا سياسيا ليعني تطبيق الديمقراطية وإرساء ثقافة حقوق الإنسان وتنمية الموارد البشرية قصد اللحاق بالدول الصناعية الغربية.
وتنقسم التنمية إلى قسمين: تنمية مادية اقتصادية، وتنمية بشرية إنسانية. ويعني هذا أن التنمية ذات شقين: شق مادي تقني وشق ثقافي معنوي. وبالتالي، فالتنمية تسعى جاهدة إلى تأهيل الإنسان معنويا واجتماعيا وحضاريا وثقافيا وتقنيا عن طريق تطويع الاقتصاد لخدمة الإنسان.
3- أســس التنمية ومرتكزاتها:
لايمكن تحقيق التنمية الحقيقية إلا بإرساء مجتمع الديمقراطية والعدالة ودولة الحق والإنسان والمواطنة الصالحة ونشر العلم بين كل أفراد الشعب وتوزيع الثروات بكل إنصاف وتشغيل العقل والمنطق وتغيير العقليات الموروثة وتحرير العقل من أي فكر مسبق وإعطاء الأولوية للتجريب العلمي والاختراع التقني عن طريق تطوير التعليم والتربية وإعلاء خطاب التسامح والانفتاح على الآخر وإرساء الفكر الفلسفي الايجابي الذي يساهم في اختراع النظريات وإثراء التجارب التطبيقية الناجعة لتحقيق مجتمع مزدهر يؤمن بالديناميكية والفعالية السياسية القائمة على المشاركة وخدمة الصالح العام .[12]
وتنبني التنمية في جوهرها على أربعة عناصر أساسية وهي: الإنتاجية والمساواة والاستدامة و تمكين المجتمع المدني بقوة التمثيل السياسي للمشاركة في اتخاذ القرارات الصائبة من أجل المساهمة في تحقيق التنمية البشرية الفضلى.[13]
لكن تبقى العقلانية والحرية والديمقراطية وتسييد خطاب حقوق الإنسان والارتكان إلى المبادرة الحرة من الأسس الفعالة لترجمة التنمية إلى الواقع الفعلي.
4- مفهوم التنمية البشرية وأهدافها:
تستند التنمية البشرية إلى خدمة الإنسان عقليا وجسديا ووجدانيا وحركيا، وتحقيق توازنه البيولوجي والنفسي في الوسط الاجتماعي عبر تحسين ظروفه المادية والاقتصادية والاجتماعية، وتغيير مستوى معيشته من خلال تقديم رعاية صحية لائقة به وتحسين دخله الفردي السنوي وتوفير منظومة تربوية متقدمة تؤهله للانفتاح والمساهمة في تحقيق الازدهار والتقدم لوطنه وأمته .
ويمكن الحديث عن التنمية البشرية في إطار ربطها بالمواطنة الصالحة وإرساء دولة الحق والقانون والاعتراف بحقوق الإنسان وبالحقوق والواجبات المشتركة والإيمان بالنضال الحزبي والنقابي لتحقيق مصلحة الشعب والإنسان على حد سواء.


http://i60.tinypic.com/9u0tad.jpg

بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)