المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نــــــظرة فـــــي "أضـــاحي منــــطق الجـــــوهر



نتائج البكالوريا - bac
10-25-2014, 08:21 PM
نــــــظرة فـــــي "أضـــاحي منــــطق الجـــــوهر




منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)

منتدى الفلسفة من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


في خطوة تكشف بعضاً من العلل التي نخرت جسد كياننا العربي والإسلامي الذي لم يفتأ يأمل بالنجاة ويتطلع إلى اليوم الذي ينهض فيه نهضة أيوب من سقمه، يقدم الدكتور والشاعر السوري حمزة رستناوي أول ثمار إبحاره في عباب المنطق الحيوي كتاباً دعاه "أضاحي منطق الجوهر" وبما أن المكتوب يُعرف من عنوانه، ينجح عنوان كتابه بإلقاء ظلال من التشويق الذي يشد القارئ ليقرأ ما بعدَ بعدِ الغلاف بسرعة فائقة متجاوزاً العنوان الذي بدوره يلخصُّ الكتاب بمفردات لا تنجو من الشاعرية رغم بُعدِ الكتاب التام عن الشعر والشاعرية وعن التأليف الأدبي ولكن أنّى لها أن تنجو؟
و كتاب "أضاحي منطق الجوهر" لا يخرج عن مهمة الكتب التقليدية إلا انه يبزُّها بأنه يعلمنا كيف نقرأ تلك الكتب ويرسم لنا مسار التغيّر الذي لابد حاصلٌ فينا حسب ما يقول المؤلف وذلك من خلال تقديم حواري لطيف لا يغيب عنه التحد العقلاني المطروح بين الكاتب نفسه و القارئ ومما يزيد في حرارة التحد أن الكاتب يشكك في إمكانية خسارته لتحديه بتغير نظرة القارئ التقليدية للنصوص وغيرها من مسائل الحياة اعتباراً من لحظة الانتهاء من قراءة هذا الكتاب فصاعداً معللاً ذلك بأن ما يقدمه هو أداة جديدة ودقيقة تفيد القارئ في كشف صوّر الظلم و ازدواجية المعايير.
ففي أول 84 صفحة من هذا الكتاب يحاول د. رستناوي تنصيب برنامج تحليلي عالي الحساسية اسمه تقنية مكعب المصالح في ذهن القارئ بحيث يصبح رديفاً لمخزونه الفكري ومقياساً لمدى حيوية ذلك المخزون وصلاحيته، وهذا البرنامج من إصدارات مدرسة دمشق المنطق الحيوي**.
فأهمية المقدمة تأتي من كونها ترسم بسلاسة ومهنية هدف الكاتب من نشر هذا الفكر التحليلي الذي يعرفه كل إنسان بالفطرة ولكنه، أي الإنسان، يتهرب من معرفته تلك أو يكبتها استجابةً لمصلحة تتطلبها صلاحية وجوده وظهوره كما يراها أو ربما التي يود أن يراها. وهذه المقدمة تنجح أيضا بجعل القارئ عاجزاً عن طرح الكتاب جانباً بمفعول فيروس الفضول الذي نجح الكاتب في زراعته في روع القارئ منذ السطور الأولى والتي يحثه فيها على معرفة ماهية الأضاحي وكيف صار اسمها كذلك؟ ومن ذاك الذي يضحّى بها؟ و أخيراً ليجد القارئ نفسه أمام بوابة "الجوهر الأرسطي" وهي بوابة معروفة له و لطالما سمع عنها و تفكَّر بها، وربما كان متشبثاً بمبادئها قبل قراءة هذا الكتاب الذي يحاول توصيفها على الطريقة الحيوية ونزع قداستها للأبد.
والدكتور رستناوي من خلال هذا الكتاب يحاول أن يقنعنا بأن كثرة الجواهر وتعددها فرض على الإنسان تقديم الأضاحي بسخاء تقرباً وصوناً لتلك الجواهر التي وبالرغم من كل الأضاحي والتضحيات بدل أن تحميه وترفعه، فضحته وأذلته . والذي يقرأ ما سبق للتو، ربما يقول: على رسلك! سبحان الله !جواهر وخسائر! كيف يستويان؟
نعم الجواهر – حسب د. رستناوي – هنا يا سيدي ليست اللآلئ البراقة الباهظة الثمن التي تتزين بها الحسناوات، بل هي كل ما يـُعتبر أساساً أو معبوداً أو مهماً كأهمية الجوهر وكل شيء من حوله سفاسف لا قيمة لها أو أعجاز نخل خاوية في أحسن أحوالها، فالإنسان الأبيض جوهر، والنازي صاحب الدم الأزرق جوهر، والشيوعية جوهر، واليهودية جوهر، والمسيحية جوهر، و الإسلام جوهر، والشيعية جوهر، والصوفية جوهر، والسلفية جوهر، والعلمانية جوهر، و الإلحاد جوهر وغير ذلك بالنسبة للمؤمنين بأي مما ذكر أنفاً سفاسف وأَعرَاض لا قيمة لها.
وفي الصفحة 25 يبدأ الكاتب بعرض مفهوم الجوهر عند أرسطو فيقدمه للقارئ بقوله:
" والمقولات عند أرسطو هي عشر مقولات، واحدة الجوهر، والتسع الباقيات أعراض، والجوهر إما ذات تدل على جزئي موجود في الواقع التجريبي مثل هذا الرجل وهذه الشجرة..الخ، وإما مفهوم يدل على فئة من الأفراد كمفهوم "إنسان" ومفهوم "حيوان" أي يعبر عن ماهية الجوهر بالمعنى الأول ويندرج تحته هذا الأخير"
ويستطرد الكاتب في الصفحة التالية بالقول استناداً لما سبق من تعريفه للجوهر:

"إذاً فالكون والوجود عند أرسطو هما أساسا جواهر مادية ومعنوية، أي "مفاهيم" ثابتة لا تتغير، ولكن الذي يتغير هو العَرَض، فيوجد، أو لا يوجد هذا العَرَض. فزيد مثلاً هو عربي سوري وسمين وذكي واسمر لون البشرة وفلاح..الخ
في هذا المثال، زيد هو جوهر ماهيته الإنسان، والبقية مجرد أعرَاض وصفات لزيد وحتى الآن يبقى الكلام منطقيا ومقبولا بشكل عام"
وفي هذه النقطة يفجر الكاتب سؤالاً مزلزلاً يجعل الحليم يـُطرِق قليلاً متيحاً له الفرصة ليعود إلى شبابه البعيد أو القريب ليقارن تغير هيئته، حين يسأل :
" ولكن هل زيد هو زيد نفسه زيد، بعد دقيقة واحدة؟ وهل فقط أعراض زيد هي التي تتغير؟ أم أن زيدا نفسه هو مجرد طريقة تشكل للإنسان ضمن معطيات الصيرورة الحركية الاحتمالية النسبية، وهذا لا ينبغي أن يُفهم منه أن زيدا غير موجود، ولكن أقول حتى زيد نفسه عَرَض."
وبمعنىً واضح لا لبس فيه يجده القارئ الذي رفع حرارة دمه نسْفُ معتقده الراسخ بأن الجوهر الأرسطي هو القيمة الثابتة التي لا تتغير ليجد أن هذا الثابت ذاته ما هو إلا عَرَض برز للوجود في لحظة ما، وهذه اللحظة تشكلت و نتجت عن صيرورة حركية احتمالية نسبية. فقضية إثبات "أن الجوهر ما هو إلا عرض، وأن التمسك بالجوهر الثابت ليس إلا مجلبةً للظلم وازدواجية المعايير" تـُشَكِلُ أحد مرتكزات مدرسة دمشق المنطق الحيوي.
ولتوضيح كيف يكون منطقُ الجوهرِ مدمراً، نستذكر مثالاً واضحاً يرفضُ منطقهُ كل البشرِ كما يؤكد المنطق الحيوي، آلا وهو ظاهرة العبودية التي تفشَّت في القرون الماضية ومازالت بعض أثارها ماثلةً في فكر بعض الشعوب. فالعبودية نتجت بأن ادعى الإنسان ذا العرق الأبيض أنه بعرقه (العرق الأبيض هنا =جوهر) يملك حق استرقاق الإنسان الأسود لأنه أسود (العرق الأسود هنا = جوهر.) هل يستطيع عاقل ما أن يخبرنا ماذا يسمي السبب الذي دعا الأبيض لأن يسْتّرِقَّ الأسود غير منطق – "أنا ابيض وقوي بسلاحي القاتل وأنت أسود ضعيف ولأنك كذلك فأنت يجب أن تخدمني وتقدسني و إلا قتلتك"؟ السؤال الذي يفرض نفسه و بقوة يقول: هل يقبل الأبيض من الأسود هذا المبدأ الجوهراني على نفسه لو قـُلِبَنا الآية؟ والجواب يأتي بسرعة الضوء قائلاً: بالطبع لا وربما ألف لا. ومثالي الثاني كانت جوهرانية سمو الدم الأزرق الذي يتدفق في عروق الألمان قد شكلت سياقا من سياقات تشكّل حربين عالميتين ضحَّت بملايين البشر كرمى لعيون الدم الأزرق الألماني المزعوم الذي جهد النازيون لاعتباره جوهراً يمتلكونه و اعتبار ما عداه من البشر أعراض أراذل لا يستحقون إلا الموت أو أن يكونوا في خدمة جوهرهم السامي ذاك.

وفي الصفحة 40 ينتقل الباحث رستناوي إلى تعريف الحيوية والتي يقدمها على أساس أنها ليست نقيض الجوهرانية حيث أن الأخيرة هي أيضا طريقة تشكّل
فهو يقول:
" هي صيغة تشكل الكينونة باتجاه وعي طرائق تشكلها الأكثر صلاحية وحيوية، وهي – أي الحيوية – نقيض الموت والقصور والجمود، وهي ليست مشتقة من مفهوم الحياة والكائنات الحية بصيغتها البيولوجية" ثم يردف بعد ذلك مبيناً أنه ينبغي من الآن فصاعدا أن نميِّز بين
"1. منطق الشكل: بالاستناد إلى السببية البرهانية، أو البداهة الكلية.
2. منطق الشكل الجوهراني، أو اختصاراً – منطق ش جوهر – الذي يستند إلى ادعاء الحقيقة المطلقة، بما يبرر الظلم وازدواجية المعايير والعنصرية، حيث أن كل ازدواجية معايير تمهد الطريق إلى العنصرية."
وهذا التعريف يقود القرَّاءُ إلى قـَطْبِ الحاجبين وربما التوتر متسائلين وما هو هذا لأفندي "الشكل"؟ السؤال الذي يستشعره ويتحسب له الكاتب فيفسره في باب سمّاه مفهوم الشكل في الصفحات التي تبدأ بالرقم 42 من الكتاب. فالقصد والمراد من الشكل يقول د. رستناوي:
" فالكائنات تتماثل في كونها شكل/ أشكال... تتماثل في كونها أشكالا، وتختلف في طريقة تشكلها: فالأشجار تتماثل في كونها أشجاراً، أي شكلا شجرياً، ولكن لا يوجد أي شجرة تماثل – تطابق – شجرة أخرى في الوجود."
إذاً فالشكل ليس هو الشكل بالمعنى الكلاسيكي الذي يوحي بالظاهرية والقشورية و إنما هو حالة كائن ما في لحظة ما، وهذه نفهما على النحو الأتي: لو قـُــدِّر لنا أن نزرع مليون شجرة في نفس الوقت وفي نفس الحقل، ستنمو الأشجار كلها أو معظمها وهذا أمر طبيعي، ولكن كل شجرة و بالتأكيد ستنمو على ليلاها، ولو أخذنا صورة في الساعة العاشرة صباحاً لكل شجرة عند بلوغها عمر خمس سنوات مثلاً، سنحصل على صور تجمد شكل الأشجار في لحظةٍ معينة وهي لحظة الساعة العاشرة صباحا. فإذا حاولنا المطابقة بين الصور، فهل سنجد شجرتين متطابقتين من حيث الطول والثخانة وعدد الأوراق مثلاً؟ وان وجدنا تطابقاً يـُظهر بأنه هنالك شجرتين متماثلتين في الشكل الخارجي الهندسي، فهل تتماثل في عدد الخلايا المكونة لها؟ وان تماثلتا في عدد الخلايا المكونة لهما، سيبقى أمر المكان الذي قد زُرعت فيه كل من الشجرتين، فالشجرة "أ" لها إحداثيات جغرافية (س،ع)، والشجرة "ب" لها إحداثيات أخرى هي (س1، وع1) وهذه خاصية لا يمكن مطابقتها. فإذا تجاوز التشابه الأطوال والأعداد فلن يتجاوز مسألتين على الإطلاق؛ مسألة الزمن الفارق بين زراعة "أ" و"ب" ولو بفارق عشر من مليون من الثانية والمسألة الثانية هي أنه لن يتم تجاوز قضية المكان أبداً، فتجاوز المكان يعني التطابق المطلق لدرجة أن إحدى الشجرتين "أ" أو "ب" ستلغي وجود الأخرى وسيكون لدينا شجرة واحدة لا تتطابق مع شجرة أخرى.
هذا بالنسبة لقضية الشكل، أما مسألة الصيرورة الحركية النسبية الاحتمالية، فتتضح لنا من مثال الشجرة نفسه، فعلى سبيل المثال، كنّا قد أخذنا صورة فوتوغرافية للشجرة عندما بلغت من العمر خمس سنوات في الساعة العاشرة، فإذا أخذنا صورة أخرى لنفس الشجرة في نفس التوقيت ولكن بعد أسبوع، فهل سنجد الشجرة بعد أسبوع هي نفس الشجرة قبله؟ طبعا يستحيل أن نجد حالة الشجرة في التاريخين متطابقة، وذلك بسبب النمو الطبيعي على الأقل، هذا إن بقيت الشجرة منتصبة أصلا ولم تتعرض للقص أو القضم أو الجفاف, أو الحريق أو الموت كلياً أو جزئياً خلال ذلك الأسبوع.
و مسار الحالة التي وصلت إليها الشجرة بعد أسبوع يسميه د. رستناوي حسب المنطق الحيوي: "طريقة تشكل"، ولو قلنا أن صورة الشجرة قبل أسبوع هي "ش" وهي بعد أسبوع هو "ش1"، لقلنا إن "ش" هو شكل و"ش1" هو شكل أخر مختلف لنفس الشجرة، ويكون ش1 هو شكل احتمالي نسبي فربما نحصل على ش2، أو ش3 أو ش4 ...الخ.
ثم ينتقل الكاتب إلى تقديم مفهوم "المصلحة" في الصفحة 46
"فالجدار الذي يسور المدن في العصور الماضية كان يتمتع بصلاحية ما، لصد هجمات الغزاة والدفاع عن المدينة، ونفس الجدار انتقلت صلاحيته في العصور الحديثة بعد استخدام البارود والأسلحة الحديثة ليكون معلماً تاريخياً وسياحياً يؤدي وظيفة جمالية واقتصادية برمزيته وليس من خلال استعماله التقليدي."
فالمصلحة تلازم الكائن كائناً من كان؛ إنساناً، أم حيواناً، أم بناءاً، أم فكرة، ...،أم نصاً ولا توجد كينونة بدون صلاحية و إنما توجد كينونات ذوات صلاحيات مرتفعة أو متدنية أو مابين هاتين النقطتين.
ولا تقتصر المصلحة على الماديات بل تشمل المعنويات أيضا، ومن المعنويات الحب، والكره، والتملق، والنفاق، والمديح، والهجاء، والعقيدة، وعقيدة اللاعقيدة، و الإيمان، وما يُصْطلح على تسميته بالإلحاد...الخ وكل ذلك يمتلك صلاحية ذات درجة ما، مرتفعة أو منخفضة، لكنها أي الصلاحية موجودة ولا يمكن القول بعدميتها.
ثم يصل الكاتب إلى فصل "العقيدة شكل العقيدة مصلحة" في الصفحة 50 حيث يقوم بتعريف العقيدة بقوله:
"يمكن تعريف العقيدة – الدينية وغير الدينية – بالعودة الى القانون الحيوي للمجتمع بوصفها بعدا من أبعاد الكينونة الاجتماعية، وهي ليست – فقط – مجرد تصورات وأفكار تُعنى بالإجابات على تساؤلات تتعلق بالحق والخير والجمال، والمقدس، ولكنها وقبل ذلك هي ولاء، يحدد مصالح عقدية فئوية ذات طابع وجودي وشعوري وحدسي من قبيل: من اين ومتى ولماذا أتينا للحياة؟.... فالعقيدة هي شكل/ طريقة تشكل للتصورات والسلوكيات والقيم والشرائع، وتختلف العقائد بعضها عن بعض فقط في اختلاف طرائق وسلوكيات التشكل، وينطبق عليها قانون الشكل الحركي الاحتمالي النسبي."
إلى أن يبدأ بتلمس واقعٍ يقول بأن:
"الدين شكل/ طريقة تشكل، منها ما هو اقل صلاحية، ومنها ما هو أكثر حيوية وصلاحية، أي أكثر معايشة لظروف وتجربة الكائن الإنساني."

فالإيمان بعقيدة ما، يتم نتيجة لصلاحية تتحواها ومصلحة يراها ويستغلها المؤمن اعتماداً على تلك العقيدة. وتلك العقيدة الـ "ما" ذاتها وصلت للمؤمن وفق منحىً صيروري حركي شكّلها، فإيمان بعض الناس بالمسيحية مثلاً في عام 2009 هو غيره في عام 1000م، وهو غيره في عامها الخمسين. وهذا ناتج بدون أدنى شك عن فهم المؤمنين الراهن لعقيدتهم حينئذ؛ أي في الأعوام المذكورة. حيث أنه في كل فترة تتخذ العقيدة شكلاً معيناً وصلاحية مختلفة ربما اقل أو أكثر من مراحل سابقة أو لاحقة. ففي حياة النبي عيسى كان الإيمان بالعقيدة التي أتى بها اقل من الفترة التي تلت رحيله بأشواط عدة، فنميّز هنا صلاحيتين للمسيحية: الأولى متدنية قبل رحيله، والثانية مرتفعة تشكلت بعد رحيله، حيث تمثلت بكثرة معتنقي المسيحية و بإصرار المؤمنين على تمثل تعاليمها، حيث نجد أن الفئات كلها اتبعت معتقدها حسب تصورها وفهما لذلك الدين وبمعنى أخر ذلك الفهم الذي بنيت عليه قوانين تحكم الأحوال شخصية، أو قوانين سياسية، أو حتى قوانين تحكم الفنون الإنسانية. وبنفس الوقت نجد أن تمثل هذه القيم يتراوح بين الملتزم إلى حد التشدد وبين المتهاون إلى حد التفريط، ولا ننسى أن هذا التدرج الذي ذكرته بين التشدد والتفريط هو بتعبير آخر: ارتفاع صلاحية أو انخفاضها أو تذبذبها بين المرتفع والمنخفض وهذا الخط البياني للصلاحية يحقق بدوره مصالح منخفضة أو مرتفعة الحيوية بحيث تتناسب حيويتها طرداً مع توافقها مع البداهة الكلية وكونها أو عدم كونها برهانية. وهذا الأمر لا يخص عقيدة دون غيرها، فهذه الصيرورات تشمل كافة العقائد السماوية والغير سماوية وحتى الأيديولوجيات بكل أنواعها.
ورب قائل يقول:" يا أخي ارحمنا، فما إن ننتهي من مصطلح حتى يقفز إلينا آخر مثل الجني!! فما هذه البداهة الكلية التي ذكرتها؟ في الحقيقة يجيب الكاتب نفسه عن هذا السؤال في الصفحة 55 من كتابه حين يبدأ بتعريف البداهة الكلية بقوله:
" البداهة هي ابسط القضايا وأشدها وضوحاً في الذهن، والبداهة حقيقة لا تحتاج إلى برهان، بل إن البرهان ذاته يقوم عليها، فالعقل إن أنكرها أنكر ذاته، كالقول أن كميتين المتساويتين لكمية ثالثة متساويتان"
إن القول بان العسل حلو وليس مالح، ويتكلم البشر لغات مختلفة، و الإنسان سيموت، و الجزء اصغر من الكل هو مما يندرج تحت ما يـُـدعى البداهة التي يمكن لعموم البشر الاتفاق عليها دون الحاجة للإتيان بأدلة وبراهين تؤكد ما ذهبنا إليه عن العسل واللغات وموت الإنسان والجزء والكل. ويضيف الكاتب مصطلح البداهة الكلية للمصالح المشتركة وذلك عندما تتحوى المصالح المعروضة مصالح تخصُّ البشر، ويتفق عليها عمومهم.
وينتقل الباحث في الجزء الأخير من الفصل الأول إلى تقديم المنطق الحيوي الذي هو منطق وفن وعلم معياري يطلق أحكاماً قابلة للبرهنة ومقبولة عند عموم البشر – إن أمكن ودائما حسب الكاتب الذي يقول في موضع أخر بأن المنطق الحيوي لا يُـعنى بإطلاق أحكام الصدق والكذب على الكلام ومن ثم المتكلم.... ولكن يُعنى بتحويل الكلام إلى مقادير عبر بوابة مفهوم الشكل والمصالح، فالكلام، أي كلام هو شكل/ طريقة تشكل وهو يعرض مصالح. والمنطق الحيوي يستند إلى البداهة الكونية للمصالح البشرية، الأمر الذي يجعله على مسافة واحدة من كل النظريات والعقائد والاتجاهات واللغات والقوميات.

ومن ثم يعرض الكاتب وباختصار في الصفحة 64 لتقنية مربع المصالح والذي يبدأه الكاتب بقوله:
"هو تقنية – أي مربع المصالح – للنمذجة ومقايسة المصالح، تم عرضها باللغة العربية لأول مرة في كتاب فقه المصالح للدكتور رائق النقري، وهي تساعدنا على مقايسة أي كينونة، أي موضوع و نمذجته وتطويف مصالحه في أربع دارات."
واختصاراً سأقدم وبشكل ملخص عرضاً مختصراً يشمل مفاتيح المقايسات الحيوية كي يستطيع القارئ الكريم أن يربط ما ذُكر عن المصالح بتطبيقات كتابية تصنيفية. حيث تشمل مقايسة المصالح المعروضة ثلاث مفاتيح تشتمل على ستة مقايسات لقرأنة كعبة المصالح للبداهة الكونية بقرائن قيم مربع المصالح في المعروض للقياس وقد اصطلح على توصيفها مقايسات المنطق الحيوي- كعبة المصالح. وهذه المقايسات تتم بالاستناد إلى تقنية مربع المصالح. و قد اكتفى الكتاب بتطبيق اثنتين من مقايسات المنطق الحيوي الستة؛ هما قياس حال المصالح و قياس الجذور المنطقية للمصالح.
أولاً: مفتاح هندسة المصالح و يشمل:
1. قياس حالة المصالح
وتتم المقايسة من خلال أربع قيم هي : عزلة، أو صراع، أو تعاون، أو توحيد.
أولاً: الحكم: مصالح صراع
إذا كان يمكن برهنة كون المصالح المعروضة تتحوى إشكالية ما , تتعارض مع مصالح عامة الناس , أو تتحوى مصالح مستغلقة , أو تتعارض مع سياقها , أو تتحوى نسبة غالبة من مصالح ذات إيقاع عالي, ومغلقه. مثالها: يشكو زيد كثيرا لعدم مشاهدة التلفزيون.
ثانياً: الحكم مصالح عزله
إذا كان يمكن برهنة كون المصالح المعروضة تتحوى نسبة غالبة من مصالح ذات إيقاع منخفض ومنفتحة مثالها: لا يحب زيد العمل ومتعته الوحيدة هي الاسترخاء والنوم فقط.


ثالثاً: الحكم مصالح تعاون
إذا كان يمكن برهنة كون المصالح المعروضة تتحوى نسبة غالبة من مصالح ايجابية ذات إيقاع منخفض , أو لا يعترض عليها عامة الناس ومثالها: لا يرفض زيد استراحة استرخاء.
رابعاً: الحكم مصالح توحيد
إذا كان يمكن برهنة كون المصالح المعروضة تتحوى نسبة غالبة من مصالح ايجابية , ومرتفعة الإيقاع . أو يوافق عليها عامة الناس ومثالها: يحب زيد الاختلاط كثيرا مع الناس ومشاركهم همومهم وآمالهم وأفراحهم.
ومن المهم أن نلاحظ أننا نحكم على نسبة المصالح الأكثر حضورا بوصفها حاله المربع الخاص , أما الحالات الأقل حضورا فتكون بمثابة اتجاهات معششة للمصالح ضمن المربع الفرعي في المريع الخاص نفسه ,أو اتجاهات ارتيابية في جواره . و أحكام قياس حالة المصالح تـُعرض بقرائن التوتر العالي علواً أو انخفاضاً, وقرائن التواصل انفتاحاً وانغلاقاً.


2. قياس الجذور المنطقية للمصالح
وتتم المقايسة من خلال أربع قيم هي: شكل جوهراني جزئي، أو شكل جوهراني كلي، أو شكل جزئي، أو شكل كلي.و أحكام قياس الجذور هي بقرائن برهانيتها و بداهتها و هل تتحوى ما ينافي أو هو غير برهاني، و هل هي تلزم الآخرين بما تعرضه من مصالح؟
أولا: الحكم جذر مصالح جوهر جزئي
يراها عامة الناس مصالح سلبية منغلقة بمعنى أنها مصالح ذات إيقاع منخفض منافية للبرهان أو مستحيلة البرهان ملزمة ذاتيا فقط أو ملزمة ضمن فئويات عقائدية أو عصيويات مغلقة. حيث يفهم الناس انه تعني: المستحيل التحقق , المنافي للبرهان , مستحيل البرهان , غير القابل للتدقيق , غير الصادق , ظالم لنفسه فقط. مثالها: يؤمن زيد بقدسية دينه ولا ينكر على غيره إيمانا مختلفا. أو ترى أم زيد – مثلها مثل اغلب الأمهات - ابنها أحلى الأولاد.
ثانياً: الحكم جذر منطق جوهر كلي
يراها عامة الناس مصالح سلبية منغلقة أو مصالح ذات إيقاع مرتفع تعرض لمصالح تعمم ازدواجية المعايير أو مستحيلة البرهان أو منافية للبرهان لا يقبلها عامة الناس بل فقط بعض الناس بسبب كونه أحادي المصالح يفرض أو يعمم بالدعاية أو بالقوة أو بالعادات أو بالتوظيفات العقدية الفئوية أو المزاجية وهو مما يفهمه الناس انه يعني :الخاطئ, الظالم لنفسه وغيره, الكاذب, الباطل , اللاحقيقي , المنافي للبرهان , المزور , , المظلم , مزدوج المعايير مثاله: زيد, يقول - دينه هو وحده – بالمقارنة مع كل الأديان – يحتكر معرفة الحقيقة , والحقوق .. ومنها حق احتكار الحكم باسم الرب.
ثالثاً: الحكم جذر منطق شكل جزئي
إذا كانت المصالح المعروضة لا تتحوى سببيه برهانيه كاملة , ولكن لا تتعارض معها، و يراها عامة الناس مصالح ايجابية منفتحة و مصالح ذات إيقاع منخفض ممكنة البرهان أو مما يمكن حدوثه عند عامة الناس أو مما لا يرفض إمكانية حدوثه عامة الناس غير ملزم إلا مع ثبوت الرهان والشكل الجزئي يفهمه الناس انه يعني: الممكن التحقق , القابل للبرهان , القابل للتدقيق , فيه بعض الصادق , بعض الحقيقة بعض العدل غير ملزم الإتباع إلا على الذات.


http://i60.tinypic.com/9u0tad.jpg

بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)