المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فلسفي : امبراطوريات الوهم



نتائج البكالوريا - bac
06-27-2014, 12:07 AM
مقال فلسفي : امبراطوريات الوهم
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة



منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


من المفارقات المستغرَبة أن شاعراً ذائع الصيت مثل سعيد عقل، لم يحظَ من النقاد بما يعادل مكانته الشعرية، وموقعه في خارطة الشعر العربي. وبما يستحق من متابعة دؤوب لأعماله الممتدة على مدى حقبة طويلة من الزمن. وفي إحصاء أولي فوجئت بأن بضعة مؤلفات عربية، تفرّدت في البحث والتنقيب في متونه الشعرية بالذات، كتبها مناف منصور، وجورج زكي الحاج، وجورج غريب، وهند اديب، وآخرها لهنري زغيب أحد مريديه المخلصين لخطّه الشعري. كما انه بالرجوع إلى طبعة نوبيليس التي أصدرت مجموعاته الشعرية والنثرية، تبيّن ان معظم دواوينه لم تُطبع مرة ثانية إلا بعد مرور أعوام مديدة. هذا إذا حسبنا الطبعات الشرعية غير المقرصنة.
ربما زعم قائل أن حنجرة السيدة فيروز هي التي أتاحت لشعر سعيد عقل هذا الفضاء الرحب، ليحلّق في أرجاء بلاد العرب، ويأخذ بمجامع القلوب. لكن ما حصل، هو ان الرجل بدّد شعره في هباء السياسة، وفي التنظير لمفاهيم عنصرية ضيقة، وفي بناء إمبراطوريات الوهم.
بدّد سعيد عقل الحدود الفاصلة بين رأيه السياسي المنغلق، وصوته الشعري المتميّز. وأرسى منطلقاته الايديولوجية منذ مطلع شبابه على أرضيته التعبيرية الشعرية. منطلقات زعزعت صورته كشاعر موهوب وفذّ، وحجبت عن قراء عديدن إنجازاته وابتكاراته الشعرية. بل ان أستاذة جامعية مثل هند أديب التي نشرت عن سعيد عقل أطروحة هامة أمضت زهاء خمس عشرة سنة في كتابتها، هي «شعرية سعيد عقل» أقرّت بأنها كانت في البداية متوجسة من قبول فكرة الكتابة عن سعيد عقل لأن المسألة في نظرها، كما في نظر العديد من العرب واللبنانيين، هي في عدم التمييز بين مواقفه السياسية والإيديولوجية من ناحية، ونتاجه الشعري من ناحية أخرى. لكن الباحثة ما لبثت في أثناء توسّع عملها، ان تبنّت النظرة المخالفة التي تقوم على عدم محاكمة الأديب بناء على عقيدته السياسية. والنظرتان المتناقضتان كلتاهما مثار نقاش وجدال. وضربت أمثلة على ذلك من الأدب العالمي الذي عرف بلزاك (الملكي) وسيلين (النازي) واراغون (الشيوعي).
من الطبيعي أن تحمل شخصية ذكية وعصامية، مثل شخصية سعيد عقل بأعوامه التي نافت على مئة عام، مكونات حياة فكرية خصبة عملت على تشكيل صورته الأدبية والشعرية المعقدة والفريدة التي جمعت السياسي بالشاعر، والأرضي بالسماوي، واللغة اللبنانية العامية الرخوة والفقيرة، باللغة العربية الكلاسيكية الناصعة.
كما ظهّر الإعلام اللبناني صورة للشاعر ترسّخت في أذهان الناس، ووصلت الى حدود الهزل أحياناً، مستوحاة من أداء الشاعر حركات جسدية تعبيرية، وتكراره لوازم كلامية مدارها عظمة لبنان المزعومة، وتاريخ مؤسطر، يمزج بين الذاكرة الحية والميتولوجية المتخيّلة. وتُعدّ هذه الإيماءات والإشارات والمفردات جزءاً من عملية التفاعل مع الجمهور، وتجعل من قصيدته المشرئبة نحو الأعلى، المحمولة بصوته المفخّم صورة مرئية ومسموعة. محوّلة المنبر الى حيز مسرحي، أو ما يحاكي القصيدة الرنانة الحديثة «Poésie Sonore» التي عرفها بعض شعراء الغرب المحدثين مصحوبة أحياناً بإيقاعات راقصة.
وإذا كانت التهويمات الشعرية جزءاً من عصب الشعر الغنائي مصداقاً للآية القرآنية: «والشعراء يتبعهمُ الغاوون، ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون» فإن هذه الرؤية التهويمية لا يمكن ان تنسحب على مجالات البحث العلمي او التاريخي التي تكذّب ادعاءات سعيد عقل، كقوله مثلاً في كتابه «لبنان إن حكى» عن فيثاغورس الذي يمنحه الجنسية اللبنانية بالطبع: «إن كل الديانات التي قامت بعده، مدينة له، ومدين له كذلك كل مذهب في الفكر، في المنقبية، أو في صناعة الجمال». مثل هذا المنحى في القول الذي يفيض دوماً عن سعيد عقل، يقوّض كل أساس منهجي، ويناقض كل بحث أكاديمي رصين.

نزوع شوفيني

لا ريب أن الشاعر غزير الإطلاع ومتعدد المواهب، وطامح إلى لعب أدوار بطولية من خلال مطيته الشعرية، إلا أنه يغلو في كل شأن. يغلو في صناعة الكلمة، وفي نحت الصورة الشعرية. وفي تطويع العربية لمستلزمات الحرف اللاتيني بداعي اختصار طريق الحداثة والعصرنة. ويغلو في تعظيم الذات كلازمة أساسية في شعره. ويغلو في موقفه السياسي الى درجة انه دعا أيام الحرب الأهلية اللبنانية، إلى عصبية احترابية تقضي بقتل الفلسطينيين جميعاً.
وفي موقف سعيد عقل الإيديولوجي الذي ينحو إلى الانطواء على فكرة لبنان السرمدي الأزلي، وعلى سردية تاريخية نسجتها مخيلة مشتطة، عبّر عنها في كتابه «قدموس» 1944. إنما مثّل لحظة تنازع على هوية لبنان، أرادها سعيد عقل فينيقية صافية أصيلة ومتفردة عن محيطها العربي. وناظرت في مصر عهذاك، او قبل ذلك بقليل، دعوة أخرى مماثلة هي النزعة الفرعونية الخجولة لطه حسين، التي واكبت حركة تنويرية علمانية وليبرالية قادها احمد لطفي السيد وسلامة موسى. في حين ظلت دعوة عقل المنكفئة على تاريخها، أو بالأحرى على أساطيرها، خاوية من أي مضمون فكري أو ذهني أو اقتصادي، ولا تحمل في طياتها إلا رموزاً لبنانية مخترعة أو منفوخة. وفي كتابه «بنت يفتاح» الذي أصدره العام 1935 متزامناً مع صعود النازية، برز هذا النزوع الشوفيني العميق الذي تخالطه شطحات صوفية، وعنجهية فينيقية، على ما يرى منير معلوف. وفي هذا المقام يمكن التذكير بأن سعيد عقل الذي انخرط في الحزب السوري القومي الإجتماعي أيام شبابه، قدم مشروع نشيد للحزب. لكن زعيمه انطون سعادة رفض النشيد، ثم طرده من صفوف الحزب لأنه أسس مسرحيته الشعرية «بنت يفتاح» على قصة توراتية. وعلى الرغم من المسحة المسيحية الإنجيلية في شعر سعيد عقل، فإننا نشعر بالفعل بجنوحه نحو لغة توراتية متشبّعة بالنبوءات الخادعة، وباقتفائه أثر تصور توراتي، يُنزل شعب لبنان الفينيقي منزلة شعب الله المختار، على قدم المساواة مع الشعب الإسرائيلي. وفي اختصاره تاريخ البشر بتاريخ (أسطورة) شعبه.
السمة الغالبة في شعر سعيد عقل، والتي لا يمكن أن تخطئها العين هي نرجسية الشاعر واعتداده بنفسه، وتفاخره بشعره، وتباهيه ببراعته في سبك قصائده، ووضع نفسه فوق سائر الشعراء الأحياء والأموات. وهو يُطرب لشعره بالذات، ويقف شعر رأسه إعجاباً وفرحاً، إلى حدّ أن يتساءل في حوار مع لامع الحر: هل صحيح أنني كتبت شعراً بهذا الجمال؟
هذه المركزية الأنوية التي تكاد تبتلع العالم، حاضرة في شعره بشكل مطلق لتشكّل الأنا المؤلهة، حيث يقول في «دلزى» «أنا الشعر تعالى» و«أنا طلوع الشمس» و«أنا قصفة الرعد». ومن مفارقات سعيد عقل أنه رغم هذا التأليه لنفسه، أطرى العديد من الشعراء والأدباء العرب والأجانب، وبعض القادة السياسيين والدينيين المسلمين، لا سيما في ديوانه «كما الأعمدة». لكنه في مديحه حاول التماثل مع صفات الممدوح، كأنما يرى في ما يصف مرآة لشخصه، وفي ما يعزوه من سجايا، يردّها إلى ذاته. إذ هو الجذر والأصل، والبدء والمنتهى. وليس الآخر إلا ترجيعاً وتظهيراً لما يمتلك من خصال مزعومة. وإلا كيف نفهم قصيدته عن الإمام علي في احتفال عاشوراء في بعلبك، حين قال: «حببت علياً مذ حببت شمائلي/ له اللغتان: القول يشمخ والعضب»؟

شاعر الغبطة

من الإجحاف بحق الشعر، أن تُختزل قامة سعيد عقل الشعرية بمواقفه الإيديولوجية. فسعيد عقل الرمزي والرومانسي، واللاعب بالصور والمجازات والاستعارات والكنايات. إنما يضع مدماكاً في عمارة الشعر العربي، مادته الأولى الموسيقى المنسابة عبر عباراته المختزلة، المكثفة، المشرقطة. وعبر مهاراته اللغوية المتألقة، وصوره الشعرية المبتكرة والنادرة. غير أن هذا اللعب الحر الذي يقلب العلاقات بين أطراف الجملة الشعرية، أفضى بشعره إلى ضرب من ضروب «البرناسية» التي تُولي جماليات الكلمة اهتماماً فائقاً في بناء العمل الشعري على ما عداها من عناصر العملية الإبداعية. وما لفت انتباه النقاد أن سعيد عقل الذي كسر رتابة البحر الواحد، والذي تحرّر من البنى العروضية التقليدية، كما فعل العديد من شعراء جيله، وآثر استخدام بحر الرجز في أغلبية قصائده: «أجمل منك؟ لا» 1960، و«أجراس الياسمين» 1971، و«قصائد من دفترها» 1973. لم يستطع رغم هذا الانعتاق من أسر عمودية الشعر التربّع على عرش الحداثة، لأن من متطلبات بلوغها، تضافر الشكل والمضمون للتعبير عن قيام مجتمع جديد، وعن انقطاع تاريخي بين القديم والحديث. في حين ان شعر سعيد عقل لعب في فضاء القصيدة المفرغة من أي وجع أو معاناة انسانية. والشاعر من الذين يؤمنون باستمرارية الأزمنة، وقدرة الماضي على اخـتراق الحاضـــر ورســـوخه فيه.
وفي حين كان شعراء الحداثة فريسة القلق والكآبة والشقاء الوجودي، كان سعيد عقل يعيش غبطة طفولية ونرجسية مفرطة. شاعر مبتهج مطمئن تستحوذ عليه «أنا» مضخمة بأحلامها الفردوسية. وقد أحصت الكاتبة هند أديب في أطروحتها 233 قصيدة غنائية، لم تجد فيها سوى ثلاثة عناوين تدل على القلق والألم والكآبة. بينما تهيمن على سائر القصائد صورة العاشق المسرور في عالم من الوضوح والصفاء والبهاء والنور. عالم من السلام والفرح. حتى لكأن سعيد عقل، وفق عبارة الكاتبة: جاء لُيدخل البهجة والأمل إلى شعر يتآكله اليأس.



http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

وظائف اليوم
08-18-2014, 04:05 PM
مقال فلسفي : امبراطوريات الوهم