المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فلسفي : حاجتنا إلى العقل المدني



نتائج البكالوريا - bac
06-25-2014, 11:05 PM
مقال فلسفي : حاجتنا إلى العقل المدني
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة



منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


عيش العالم من حولنا، ومنذ عقود طويلة، اندفاعاً حثيثاً من أجل فرض ذاتٍ جماعية ما أو كيانٍ ما أو رؤيةٍ أيديولوجيةٍ ما بل حتى نزوات شخصيةٍ ما، يتوسَّل دُعاتها وأهلها وأصحابها جملة من الأساليب الحربية والعسكرية ذات الطابع العُنفي الدَّموي لتحقيق أهداف معينة.

وفي خلال كل ذلك، يبرز العقل العسكري أو الحربي أو التدميري الدَّموي إلى مسرح حياتنا اليومية سواء كان يستندُ إلى رؤية دينية أصولية جذرية أم إلى رؤية فكرية أو فلسفية جذرية غير دينية، من دون أن يعر أيَّة أهمية للوعي المدني، أو قُل للعقل المدنيCivil Raison كون هذا الأخير يمثل قدرة الإنسان الذِّهنية التي تتعامل مع الإنسان والطبيعة والمجتمع والتاريخ والمستقبل وفق رؤية تنفتح على الوجود وتتفاعل معه بوصفه نسقاً مدنياً لا يمكن تجاهل خصائصه اليومية وحراك تحوُّلاته الذاتية والوجودية والكونية.

في كل الأساطير التي وصلت إلينا من الأمس البعيد يوجد طابع مدني، وفي كل الأديان هناك خطاب مدني، وفي كل الرؤى الفلسفية العقلانية توجد دعوات مدنية. لكنَّ الإشكالية هنا هي أن جماعات بشرية/ مجتمعية تقرأ كل تلك الأجناس المعرفية من منظور مصالحها الذاتية والشخصية والجهويَّة والأيديولوجية سعياً منها لفرض أطماعها كما تشاء، خصوصاً من مبدأ "الغاية تُبرِّر الوسيلة" لتجد عندها مُتسعاً من الفرص في اختيار أكثر السُّبل قدرة على تحقيق مصالحها على حساب سحق ذوات الآخرين بكل ما لها من موجوديات، ومصادرة طابعها المدني بطرق غير مدنية تجعل من الإنسان، وهو عنصر جوهري في الحياة المدنية، وقوداً لحرق الحياة وتدمير مُنجزات الإنسان فيها، وخلق صورة قاتمة للمستقبل.

لهذا، تدعونا الحاجة اليوم إلى تأمُّل هذه الإشكالية بوازعٍ من إمكانية تفكيك سلطتها الثاوية فيها، ومحاولة البحث عن مخرج للتعامل الحر مع العقل المدني بوصفه أداة فاعلة في تجاوز كل مناحي التهميش القمعي لهذه القدرة الذِّهنية النادرة في ثرائها، وتغييبها عن الأداء الإنساني المعاصر.

بعد أن حدَّدنا معنى "العقل المدني"، لنتساءل: ما هي خصائص هذا العقل؟

يستند العقل المدني إلى جملة من الخصائص الداخلة في بنية نسيجه المكوِّن له؛ منها: إنه عقل "عقل تعميري ـ بنائي"، وليس عقلاً تدميرياً يتقصَّد الانقضاض على المُنجز البشري في الحياة بكل صورها وأشكالها وعناصرها المفردة. كما إنه "عقل نهضوي" يسعى إلى الارتقاء بالوجود الدُّنيوي والبشري نحو الكمال في الأداء والفاعلية، وليس عقلاً يحافظ على الموجود بقصد استنفاد ممكناته حدَّ التناهي والتلاشي والتعطيل، وبالتالي الضياع في مطلق الرتابة والتقليد والجمود وانعدم المشاركة الفاعلة. إلى جانب ذلك، يتسمُ العقل المدني بأنه "عقل إصلاحي" في طبيعته الذاتية وفي حراكه الموضوعي، وإصلاحيته هذه تتسم بأنها ذات طابع تجديدي مُبادِر لا يستسلم للتحديات التي من شأنها تعطيل أنساق ونُظُم ومنجزات الحياة البشرية. ولذلك تتطلَّب إصلاحية العقل المدني الرُّكون إلى "عقل تواصلي"، أي اللجوء إلى ممكنات الشراكة التواصلية متعددة الأبعاد، شراكة مع النَّفس والذات والملَّة، وبالتالي مع النُّفوس والذوات والملل الأخرى المختلفة سعياً لتجاوز محنة الانكفاء على الذات غير المُبرَّر، والتقوقع المقيت الطارد لكل ما عداه، والانغلاق الشَّرس على النَّفس والذات والملَّة وتقديسها كثوابت مطلقة لا توجد غيرها ثوابت في عالمنا ذي الطابع المدني النسبي. أخيراً، يتسمُ العقل المدني بأنه "عقل اعتدالي" يتوسَّل الاعتدال في تصريف يوميات الحياة بالانطلاق من رؤية تجعل من تسديد حقوق الإنسان قيمة أساسية بل جوهرية في الوجود؛ فهو عقلٌ لا ينظر إلى الإنسان إلا بوصفه إنساناً وليس كائناً جهوياً يُنظر إليه بحسب لونه وعرقه ودينه ومذهبه ومستوى تعليمه وثقافته وصحته وعافيته البدنية أو فقره الاقتصادي، وهي أمور عرضيَّة ونسبيَّة لا تستطيع مقاومة الجوهر الحقيقي للإنسان كونه مخلوقاً باهر التكوين والمهارات والذكاء.

صارَ واضحاً أن البشرية الرّاهنة عادت إلى الحروب العسكرية في غير مكان بالعالم، فقد شهد النِّصف الثاني من القرن العشرين حروباً دامية في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، ومن ثمَّ العراق ولبنان ثانية مطلع القرن الحادي والعشرين.

لقد كوَّنت تلك الحروب "ثقافة عسكرية" ما زالت سارية الشواهد في ذاكرة وعروق أكثر من جيل في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وتلك هي طامَّة كبرى في ظل تسرُّب مفردات هذه الثقافة إلى مجمل الصناعات الثقافية المعروفة كالسينما والتلفاز والدُّمى والمنشورات الورقية والإلكترونية والضوئية، وإلى مجمل ما يتناوله المحللون السياسيون فيما يكتبون ويتناقشون عبر وسائل إعلام متعدِّدة التوصيل حتى صار الفرد المتلقِّي محاطاً بالكثير من المعلومات والصور المرئية المُرسلة إليه لتمارس ضغوطاً كثيرة على وعيه وذاكرته وفاهمته وكيانه النفسي، بل والجسدي بالنسبة للأطفال وهم يحاكون يومياً وبدمى ذات طابع عسكري، ما يرونه في الشاشات الصغيرة والكبيرة من أفلام وأخبار مرئية تنقل الحروب والعُنف العسكري والدموي الفادح وغير ذلك من أشكال الثقافة العسكرية ومفرداتها القتالية.

كان الأمل أن تلجأ وسائل الإعلام العربية، المرئية والمقروءة والمسموعة، إلى احتواء مفردات هذه الثقافة، إلا أنها تمادت أكثر بل وتبارت في بثِّ تلك المفردات من خلال مشهد تنافسي سافر دون مراعاة لجملة المؤثرات السلبية على المتلقِّي العربي المُحاط بضغوط هائلة لهذا النوع من الثقافة العسكرية. فكم نحتاج من الجهد والمال والعزيمة والتضحيات، العامَّة والخاصة، الفردية والمجتمعية، لاحتواء هذه الثقافة لتطويق مؤثراتها الجهنمية في حياة الإنسان المعاصر؟

لقد أنتجت الثقافة العسكرية نوعاً آخر من الثقافة ذلك هو "ثقافة المقاومة"، وفي الواقع لا أحد من البشر يستطيع أن يتنكَّر لفعل المقاومة في حياته، فالإنسان هو كائن مقاوم بطبيعته لكل التحديات ليبقى على قيد الحياة، إلاّ أن فعل المقاومة، وفي ظل تجارب عربية وإسلامية راهنة؛ كالتجربة العراقية بعد نسيان/أبريل 2003، قد اتخذ مساراً سلبياً انعكس وبالاً مُدمِّراً على المجتمعات العربية والإسلامية؛ فبدلاً من أن ينصرف هذا الفعل إلى الهدف الحقيقي الذي من أجله يقاوم المرء..، راح، هذا الفعل، يأكل أخضر الحياة ويابسها، وصار فعل المقاومة يجلد النَّفس والكيان والأهل والمجتمع، ويُدمِّر موجودات الوطن والأمة المحسوسة والمنظورة، الاستراتيجية والمستقبلية معاً؛ ففي العراق صار الفرد يقتل ابن ملَّته وجلدته ووطنه ومنطقته، وفي العراق صار العربي المسلم يقتل العراقي المسلم والمسيحي، وراح المقاومون يدمِّرون مُقدرات الحياة، وينقضُّون على الزَّرع والضَّرع، وعندها أتى فعل المقاومة على تدمير الحياة وما فيها من مصادر بشرية وطبيعية ومأمُولات مستقبلية، في حين لم يأت هذا الفعل على بناء الحياة.

إن تفشي "ثقافة المقاومة" بالشَّكل الزائف والانتهازي بل والساخر والمضحك حتى؛ فـ "شرِّ البليَّة ما يُضحك"، وبالمضمون الظلامي الذي رأيناه ولمسنا نتائجه التدميريَّة بين ظهرانينا، ليمثلُ اليوم آفة كبرى تحيق بالإنسان في مجتمعاتنا العربية والإسلامية سوءً وهلاكاً من كل صوب وطريق. لا سيما وأنها آفة تستند إلى وعي تدميريٍّ يستقطبُ كل أشكال ومعاني وصور ومآثر الأمس الأسود في تاريخنا، خصوصاً ما فيه من عنفٍ دمويٍّ بدلاً من الرُّكون إلى صفحات تاريخنا المدنية المضيئة التي علا وفقها اسم أمتنا وحضارتنا وثقافتنا وفكرنا إلى مراقي العُلا ومراتب الغنى ومآثر السَّنا.

ما هو مؤسف، أنَّ وسائلنا الإعلامية، المرئية والمسموعة والمقروءة، بل ومؤسساتنا التعليمية ومراكز أبحاثنا الاستراتيجية التي راحت تحفل بالطُّغاة والجبابرة والمستبدين بحفاوة، هي الأخرى تبارت في نقل أطياف لا متناهية من المعلومات عن العُنف الدَّموي الذي كرَّسته ثقافة المقاومة الزائفة وأنزال فعلها التدميري الشرس من دون مراعاة لأي قيمة مدنية طيبة يمكن أن تتمسَّك بها وهي تخاطب وتقود جمهوراً واسعاً غالبية تعليمه بمستوىً متدنٍّ، ومن دون أن تتجشَّم عناء فضح فعل ثقافة المقاومة الزائف هذا، وتعرية صُنّاعه وأهله ودُعاته ومموليه والمروِّجين له، فدخلت في فضائه وصارت جزء منه سواء عن قناعة أو تمرُّد.

صار العُنف الدَّموي سيداً في دارنا، وأُكلة بين موائدنا، وخياراً في ذواتنا، حتى تلبَّس وعينا، وحاز ذاكرتنا الجمعية بعد الفردية، وها هي الأجيال التي عاشت حروب المنطقة في فلسطين ولبنان والجزائر والعراق والسُّعودية، تسري في عروقها صور العُنف الدَّموي والتخريب التدميري. وشيئاً فشيئاً هيمن هذا العُنف على البنية الذِّهنية لإنساننا الجديد، إنسان المستقبل وثروة الأمل الذي مرَّت عليه بعض الحروب الدامية التي ما زالت ذكراها جاثمةً على صدره بعنتٍ كالشَّبح الهائج والحمل اللاهج، فخرج من القرن العشرين بذكريات أليمة، وحمولات سقيمة، وذهنية مثقلة بالانتكاس بل والإحباط واليأس. فما هي الحلول للتخلُّص من هذه الآفة اللَّدود التي أمست تنخر حشا إنساننا المعاصر وتقذفهُ نحو متاهات الضياع والسقوط المروِّع؟.

مثلما عرَّفنا العقل المدني بأنه "قدرة ذهنية..."، فإنَّ هذا المفهوم يُحيلنا إلى الحقل المعرفي أو الفكري أو قل الحقل التعليمي في مجتمعاتنا؛ فمعلوم أنَّ مناهجنا التعليمية في مراحلها الابتدائية والثانوية، بل والجامعية حتى باستثناء مناهج أقسام الفلسفة وعلم النَّفس فيها، لا تتناول درساً وتدريساً موضوع نظرية المعرفة (Theory of knowledge) أو البحث في أصل المعرفة وطبيعتها وأشكال تحصيلها وطرق توظيفها، ولذلك نعتقدُ أن تغييب هذا الدَّرس عن مناهج التعليم يمثل عقبة كأداء في طريق التساؤل عن قيمة المعرفة قدر تعلُّق الإنسان فيها، وعن مكانتها في تقديم أفضل الرؤى والطرق التي من شأنها وضع العقل وما يتلقّاه من معلومات ومعارف على محكِّ التحليل المضموني المُقارن، ومن ثمَّ تقويض (Deconstruction) جملة الأفكار والتصوُّرات والمفاهيم والقناعات التي من شأنها دفع الإنسان باتجاه ممارسة العُنف في كل صوره وأشكاله وأساليب تصريفه في الحياة اليومية.

وهذا يعني أن طريقنا ـ نحنُ العرب في أقل تقدير ـ للتخلُّص من الذِّهنية غير المدنية في الفاهمة الفردية والجمعية لدى أجيالنا المعاصرة، إنما يبدأ من إعادة بناء التركيبة الذِّهنية التي هي أداة التعليم عندنا وغيرنا سواء، وهي مَهمة تضطلع بها عملية تدريس "نظرية المعرفة" كحقل معرفي وفكري وفلسفي ومنطقي قادر على تفكيك بنيتنا الذِّهنية وإعادة بناءها بعيداً عن العوالق الفاسدة، والأوهام الضارَّة، والأخيلة غير المنضبطة.

إنَّ البشرية الراهنة بحاجة إلى تنمية العقل المدني لدى أبنائها من خلال تنمية قدرة هذا العقل الذِّهنية لديهم، وزرع بذور ثقافة العقل المدني، وإرواءها على نحو مُستدام، تلك هي مسؤولية كونية، لكنها مسؤولية قومية ومحلية أيضاً، وبالتالي مسؤولية فردية تقع على كاهل كل إنسان إمكانية العمل بها والشروع بتطبيقها في حياته اليومية.

لذلك، إننا معنيون كمثقَّفين ومفكِّرين وفلاسفة وفُقهاء وعُلماء وساسة ونُخب مجتمعية، بالبحث عن السُّبل الكفيلة الخاصة بترسيخ قيم الثقافة المدنية في المجتمع، خصوصاً وأن هناك دوافع ومسببات ذاتية موضوعية قويٍّة تحثُّنا على السَّعي الوجودي والكوني في مناكب الأرض بكل ما فيها من خيرات وثروات ومعطيات أخرى منظورة وغير منظورة، بل الارتقاء بتلك الخيرات والثروات إلى مستوى التعامل الإنساني والحضاري والثقافي المتمثَّل في ترسيخ "ثقافة حُب البيئة"، بل عشقها، والعمل على خلق نسيجها المجتمعي في تواصل بنّاء، والدخول معها في شراكة جمالية مفعمة بالروح الإبداعية الخلاقة، وهو ما يؤدِّي حتماً إلى ولادة الحاجة الحقيقية إلى "ثقافة البناء والعُمران" بدلاً من "ثقافة الهدم والخسران". والعمل الدؤوب على ترسيخ "ثقافة حب الإنسان" في الحياة، الإنسان في جوهره الإنساني وليس في عوارضه الجهويَّة كالعرق والأصل والدين والمذهب واللون والمستوى الاقتصادي والمعيشي والتعليمي والمناطقي.

إنَّ كل هذه التوجُّهات والاشتغالات وغيرها من أساليب تصريف معطيات ثقافة العقل المدني ستضع البشرية على عتبة مرحلة جديدة يتخلَّص من خلالها الإنسان من براثن السُّقوط في أوحال التخلُّف والتردي الشامل، والعُنف البيني والجهوي، والتفرُّد الأعمى بالموجودات، وبخس حقوق الآخرين.



http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)