المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فلسفي : العقل التدميري والعقل التعميري



نتائج البكالوريا - bac
06-22-2014, 10:02 PM
مقال فلسفي : العقل التدميري والعقل التعميري
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة



منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


ن التأويل غير المنضبط، والنزعة التكفيرية، والنزعة الطائفية، والنزعة الإهلاكية ـ التخريبية، والنزعة الجذرية غير الإصلاحية، والنزعة الدموية المضاعفة، والكره المزدوج، هي الخصائص الجوهرية التي يكشفها فعل جماعات العُنف الدِّيني المعاصرة التي تعيش بين ظهرانينا وهي تدمِّر موجوديتنا لتخرجنا إلى حال الحيرة والمتاهة والضياع والعدم الكلي.

في ضوء ذلك، أعتقد أننا معنيون أكثر من غيرنا، بوصفنا مشتغلين بحقول العقل والمنطق والإبستمولوجيا، بأن نسأل أنفسنا عن (العقل) الذي توظِّفه هذه الجماعات في تكريس خطابها العُنفي باسم العقيدة الإسلامية؟ فما طبيعة هذا العقل؟ ما سماته؟ وأخيراً: أين هذا العقل من التحديث؟ ومن ثمَّ، أين هو من الحداثة؟

وفي ضوء المعطيات الميدانية، لا شكَّ بأن هذه الجماعات تتعامل مع موجودية الحياة على نحو تداوليٍّ وعمليٍّ؛ فلهذه الجماعات فُقهاءها، ولها أيضاً حرفيوها أو متخصِّصوها الميدانيون، وكلاهما ليس على غرار مهاتما غاندي أو توماس أديسون، وليسوا على غرار المتصوِّفة أو أصحاب الكرامات الروحية المسالمين، بل هم عمَّال قتال وحرب، وأصحاب مهارات في جزِّ الأعناق، وحشو بطون البشر بأشلاء نظرائهم، والتمثيل باللحم البشري على نحو سافر ومخز، وهذا ما يشي به سلوكهم تعبيراً عن عقائدهم المقيتة.

إنَّ العقل العملي أو العقل التداولي الذي تشتغل به هذه الجماعات هو عقل تدميري (Destructiveness Reason)، وليس عقلاً إصلاحياً أو تعميرياً، وتلك هي سمته الخطابية والتداولية؛ فمن الجزائر إلى أفغانستان، إلى برجي التجارة العالميين، إلى مدن العراق، كل العراق، إلى الدار البيضاء، إلى مدريد، إلى السعودية ومصر ولبنان واليمن، يحق للناس أن يتساءلوا: ما العُمران الخدمي الآمن الذي شيَّدته هذه الجماعات؟ وما الإحساس بالطمأنينة الذي بثَّته في نفوس البشر؟ وما الأمل المشرق الذي كرَّسته في نفوس الأجيال الجديدة التي تعيش في كوكبنا الأرضي؟

في ضوء تجربة هذه الجماعات في العراق، على سبيل المثال، تسنى لي ميدانياً التأمُّل في طبيعة الفعل التداولي الذي تشتغل به هذه الجماعات سعياً مني للتعرُّف على الطبيعة العقلية الثاوية فيه، وعلى الطبيعة الجوهرية التي تسمه، والبحث عن منطقه ومسارات اشتغاله، فوجدتُ أن هذا العقل هو عقل تدميري لا غير.

أما ما يتعلَّق بصلة هذا العقل بالتحديث، فمعلوم أن التحديث يمثلُّ قيمة إصلاحية وعمرانية رائقة نجحت الشعوب المتحضِّرة في تحقيق الكثير من منجزاتها الملموسة في العصر الحديث. وما هو لافت، أن جماعات العُنف الدِّيني مارست بعقلها التدميري شتى أنواع الانقضاض على منجزات التحديث في دول الوطن العربي والعالم الإسلامي، ولنا في تجاربها في أفغانستان والجزائر والعراق والمغرب خير أدلّة وشواهد على ذلك.

ما هو غريب هنا هو أن الآليات التي تستخدمها هذه الجماعات في التدمير هي من إنتاج عصر التحديث الغربي، ومن صناعة أنامل الغربيين الذين تصفهم هذه الجماعات بالنجاسة والكُفر والشيطنة. مع ذلك، نرى هذه الجماعات "تدفع إلى التعصُّب والإظلام المُدجَّج بواسطة أدوات العلوم والتقنية الحديثة"، بحسب ما قاله جاك دريدا.

يعتمد العقل التحديثي أو العقل التمديني أو المدني على العنصر التجريبي والاختباري، وكذلك تستخدم جماعات (العقل التدميري) العنصر نفسه، إلا إنهما يفترقان في الغاية والهدف؛ فتجريبية (العقل التحديثي) إصلاحية، بينما تجريبية (العقل التدميري) تخريبية.

وهنا، "يجب أن نسلِّم بميلاد إرهاب جديد يمتلك قواعد اللعبة لأجل التشويش عليها بشكل أفضل؛ فهذه الجماعات لا تحارب فقط بأسلحة مشابهة لأسلحة نظام دولة ما، ولكنهم امتلكوا جميع أسلحة القوة المهيمنة؛ المال والمضاربة في البورصة، والتكنولوجيات المعلوماتية، وتكنولوجيا الطيران، والبعد الفرجوي (من الفرجة)، وشبكات الاتصال، لقد امتلكوا كل شيء عن الحداثة والعالمية من دون تغيير هدفهم الذي هو تدميرها"، بحسب ما قاله الفيلسوف الفرنسي جان بودريار، والقضاء عليها بقصديَّة مبيَّتة.

في ضوء تجربة دولة الملا عمر في أفغانستان، نلاحظ أنَّ خليفة المسلمين هذا حوَّل منجزات التحديث في بلاده إلى أطلال بالية، وكان يحثُّ الناس على العيش كما كان المسلمون يعيشون في ما قبل القرن الأول الهجري أو نحوه. وكان فعل (العقل التدميري)، وما زال، واضحاً فيما تفعله راهناً جماعات العُنف باسم الإسلام؛ فهناك مسلسل لا ينتهي لتفخيخ منازل الناس وتفجيرها، وتفجير دوائر ومؤسسات ومخازن الدولة المدنية، وتدمير أعمدة وأسلاك توصيل الكهرباء، وتدمير المنشآت التي تصنع الكهرباء، ومضخات إنتاج ماء الشرب، ناهيك ببقية المرافق المدنية، كالجسور والشوارع والمدارس والجامعات والمستشفيات والقطارات والطائرات والمطارات.

هذا ما جرى في العراق ابتداء من شهر آب/ أغسطس 2003، وما يجري راهناً في غير مكان بالعالم. وكل ذلك يتمُّ، وما يزال، بطاقة عقلية تدميريَّة هائلة، وبمنطقٍ تدميريٍّ مهول وضع في نصابه التعامل المزدوج مع التحديث؛ فمن جهة الاستفادة القصوى من أدوات وآليات التحديث، ومن جهة أخرى القضاء المبرم على منجزات التحديث، والغاية هي إخراج المجتمعات العربية والإسلامية من أزمنة التحديث إلى أزمنة القرون الوسطى، بل وإلى أزمنة الحياة البدائية.

ليت الأمر يتوقَّف عن هذا الحد، بل هو يتجاوزه إلى ما هو أفدح؛ فدُعاة العقل التدميري وعمّاله يلاحقون دُعاة العقل التحديثي والعقل التعميري لاستدراجهم، غصباً، إلى معامل صناعة المتفجرات، وإلى ورش القتل المنظَّم، وإلى صالات تشريح جثث الضحايا قصد إعادة تفخيخها، وإلى ورش تفخيخ المباني والمنازل، وإن امتنعوا فالقتل نصيبهم.

هذا ما جرى في العراق حيث مسلسل الموت المجاني للنُّخب العلمية العراقية مثل أستاذة الجامعات، والأطباء، والمهندسين، وأصحاب المهارات الفنية والحرفية.

لقد رأينا كيف كان (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) يستهدف عمّال البناء البُسطاء الذين يتجمَّعون كل صباح في ساحات خاصة لهم ببغداد لغرض الذهاب إلى عملهم في بناء الدور أو المباني العامّة والخاصة، لكنهم يواجهون خطر الموت قتلاً بالسيارات المفخَّخة أو بواسطة الانقتاليين المفخَّخين (الانتحاريين). وكان الهدف من ذلك واضحاً، ألا وهو قتل الموارد البشرية الأولية المتخصصة بالبناء والعُمران. وهذا ما يمثلُّ أحد مظاهر عدائية العقل التدميري لكلِّ مقصد عُمراني أو تحديثي.

لا يكاد الأمر ليختلف عن تفجير المنشآت النفطية بالمملكة العربية السعودية، وتفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وتفجيرات مدريد، والتفجير بالدار البيضاء وفي الجزائر، وغير ذلك؛ فالفعل التدميري يسير نحو تخريب وإهلاك ثمار التحديث العربي والإسلامي والعالمي.

صار واضحاً لدينا أن (العقل التدميري) يتناقض مع (العقل التحديثي) ومع (العقل التعميري)، وهو أيضاً يتقاطع مع (العقل الحداثي)، لأنَّ الصلة بين التحديث والحداثة (Modernism) متجاورة ومتداخلة من حيث فكرة الإصلاح والتنوير والعقلانية والكينونة الإنسانية والتقدُّم والحرية.



http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

وظائف اليوم
06-03-2015, 02:09 PM
مقال فلسفي : العقل التدميري والعقل التعميري