المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فلسفي : جون برجر: أن تحيا بالصخر وحده



نتائج البكالوريا - bac
06-22-2014, 09:46 PM
مقال فلسفي : جون برجر: أن تحيا بالصخر وحده
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة



منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


عاش الكاتب الانجليزي جون برجر في قرية فرنسية ليحظى بفرصة من الهدوء والسلام بعيدا عن ضجيج و نفاق ما اسماه بـ"الليبرالية الجديدة"، وهناك مات مؤخرا جزعا مما آلت اليه الامور في عالم اليوم.

كتب برجر عام 2003 وبعد الاحتلال الامريكي للعراق مقالا فيه الكثير من المرارة عنوانه (كُتِبَ في ليل) وفيه يتحدث عن الاستهانة بالامم والثقافات وشهوة المال والسلطة التي توجه الساسة الكبار و يعلن انه ليل الحضارة الذي نشهده الان. برجر يساري حتى العظم كما يقال وقد تبنى قضايا الانسان اينما كان. سبق لي ان ترجمت فصولا من كتابه الشهير (طرائق الرؤية) وكذلك حواره الطويل المدهش مع المصور الفيلسوف هنري كارتيه بريسون. ترجمت له ايضا المقال المشار اليه اعلاه.

جون برجر رسام وشاعر وروائي وقاص مدهش ايضا. يقول برجر ان الرسام مثل عازف البيانو اذا توقفت انامله ولو ليوم واحد خسر شيئا من مهارته. هكذا وجد برجر في النقد التشكيلي عالما يجمع الكتابة بالرسم. قصصه المدهشة في مجموعته الاخيرة (مُسْتَنسخات Photocopies) تضم نصوصا عميقة عن السجون والشوارع والرسم والناس. المقال المنشور هنا كتبه برجر على شكل رسالة ولكنه يفيض حكمة وايمانا بالحياة وانتصارها. ولان الكتاب في الواقع يتجاوز حدود الرسائل الى البحث في حياة اليساري الكبير غرامشي والبيئة التي ولد فيها لذا تصبح الكتابة سبرا شعريا للمكان وللحياة وللفكرة وبالتاكيد لمعنى وجود المثقف وارادته. انشره في العالم الان لاني ارى ان هذا هو وقته ليلقي شيئا من ضوء على هذا الجانب.

العيش على صخور

رسالة الى ماركوس في جبال جنوب شرقي المكسيك

كتب شاعر سردينيا ساباستينو ساتا ( 1867 – 1991):

"كلما أشرقت الشمس لتبعث الدفء في عروقك الصخرية يا سردينيا

عليك أن تلدي أبناءك الجُدد"

مافتئت سردينيا منذ ستة آلاف عام تفعل هذا باستمرارية جليّة و مازال ناي الراعي المذكور في الأساطير الأولى يصدح في سمائها. مازالت هناك أيضا أطلال سبعة آلاف نوراغي (nuraghi ) وهي أبراج من الصخور يعود تاريخها الى عصر قديم سبق غزو الفينيقيين. معظم هذه الأبراج خرائب الآن و عدد قليل منها مازال سليما ينتصب بأرتفاع يصل لـ12 مترا، ويمتد قطره الى سبعة أمتار وسمك جداره الى ثلاثة . تعتاد العينان على العتمة بطيئا داخل واحد من هذه الأبراج ذات المداخل الضيقة الواطئة التي تزينها نقوش على الصخور. على الداخل إليها أن يدب منحنيا. ما أن نُطل على باطن البرج المعتمة الباردة حتى نتمكن من رؤية كيف صنع الأسنان أقباءه الأولى من صخور لم تمسسها الأزاميل . تم تعشيق صفوف الصخور الهائلة برصف هرمي لصخرة فوق أخرى حتى ليبدو وكأنها أكواخ محاكة من القش. ليس لهذه الأبراج قمم مدببة حيث تتباعد جدرانها لتحمل الصخرة الكبيرة المسطحة التي تشكّل السقف. كما يشتمل بعض منها على طابقين وسلالم . وعلى خلاف الأهرامات مقابر الفراعنة شُيِّدت هذه الأبراج قبلذاك بألف عام ليعيش فيها الأحياء. هناك نظريات كثيرة بشأن تحديد وظائفها وأغراضها ولكن من الواضح أنها كانت ملاجئ لأجيال متعاقبة متغيرة تحت ظروف متغيرة. تم تشييد كل برج منها على نبوة تبدو وكأنها عين صخرية جاحظة تطل على مدى ساكن يمتد بعيدا لينتهي عند برج آخر وهذا ما يرجح أنها شيدت لأسباب عسكرية دفاعية أيضا. تسمى معابد الشمس و صوامع الصمت ففي داخلها يتكشّف لك الصمت المهيب بطيئا. سماها الأغريق (داداليا) نسبة الى ديدالوس صاحب المتاهة المعروف. تنتشر حولها أشجار عليق ثمارها شديدة الصغر حادة الحلاوة ينتزع الرعاة (النايات الصخرية) اشواكها قبل اكلها. أسوار من الأشجار تلتف حولها بينما تحرس جدرانها المشيدة قبل حروب طروادة صمتا يتكاثف في بطونها مثل معجون طماطم معلّب. لكن حين يصدر صوت ما ينبئ بالخطر يسيح الصمت في الأرجاء ويتحتم على الآذان حينذاك أن تجاهد في الإنصات الى اتساعه المرهق. النعوت التي نطلقها على الصخر من جماده وصممه وقسوته تبدو كلها أقل صلابة منه في التعبير عن صلابته. في سماء مدينة غالتيلي يرتفع شاهقا جبل كلسي يسمى (توتافيستا)، الجبل الذي يرى كل شيء.

لا شك في أن طبيعة الصخر المجازية قد اختلفت حين تحول ماقبل التاريخ الى تاريخ منسي فيما بعد. اصبح البناء مستطيلا وأتاحت الأزاميل بناء أقواس صقيلة. حينها برزت الى الوجود هندسة تبدو سرمدية و معها ظهر الكلام عن السعادة فاستلهم فن العمارة ذلك الكلام ليبحث بطرق مختلفة عن تحقيقها. لكن أوان السعادة لم يحن بعد بالنسبة الى القسم الأعظم من البشر و أنطلقت مجازات جديدة للصخر فهو على النقيض من الخبز لا يصلح لأن يكون طعاما وهو قاس لأنه أصم.

قديما حين كانت الخطوط متعرجة و لم يكن الصخر ليعد بأكثر من ملاذ، في عصر النوراغي البعيد كانت الصخرة تٌعدُّ صاحبا.

يشي الصخر بصورة أخرى للزمن، صورة يقدم فيها الماضي العتيد لهذا الكوكب سندا قويا رغم شحوبه لصمود الأنسان و كما لو أن عروق المعدن في الصخر هي أصل عروق الدم فينا.

إن تحريك صخرة الى وضع أفقي هو فطنة الى قدرات الرمز، فحينها تصبح الصخرة موجودة وبهذا تشترك في حوار الأشكال. بالقرب من مدينة ماكومر هناك ستة صخور تنتصب أفقيا نحتت بلا إتقان على أشكال موشورية. ترتفع ثلاثة منها الى مستوى الكتف، نحتت فيها تكويرات أثداء بمهارة لا تزيد على تلك التي للعصافير في بناء اعشاشها. النحت رديء، ولا يعود سبب هذا الى قلة الحيلة بالضرورة، بل وعلى الأرجح الى الاختيار.

الصخرة المنصوبة أفقياً لم تكن تمثل صاحبا بل كانت هي الصاحب نفسه. للصخور المقدسة الست تلك القدرة على امتصاص المياه ولهذا تظل حتى تحت لهيب الشمس في الصيف تحتفظ بدرجة حرارة الجسد البشري :

كلما أشرقت الشمس لتبعث الدفء في عروقك الصخرية يا سردينيا

عليك أن تلدي أبناءك الجُدد"

قبل النوراغي كانت هناك الـ(دوموس دي جاناس)، وهي حجرات مستدقة القمم شيدت من الغرانيت لأيواء الموتى، هكذا يقال. كان علي أن أزحف يا ماركوس وأنا أدخلها وكان علي أن أجلس هناك فليس للوقوف فضاء. مساحة الحجرة ثلاثة أمتار في مترين، وعلى صخرها كورتي زنابير. الصمت فيها أقل مهابة من ذلك الذي في النوراغي، يدخلها النور بحرية أكبر ولهذا تشعر بأنك أقل خفاء. الجيوب هي أقرب ما في المعطف الى الخارج. هناك تدرك بوضوح أنك في عصر الأنسان ليس بفعل معرفتك بتراتب العصور، حجري وسيط و حجري حديث، بل بفعل العلاقة الجلية بين الصخور التي تحيطك وبين لمسة الإنسان. صُقلت سطوحُ الغرانيت ولم تترك هناك بقعة خشنة او ناتئة. لا شك في ان الأدوات التي أستخدمت لهذا الغرض كانت من صخر أصلب. المكان حميم للحد الذي يبدو فيه وكأنه أمتداد لجسدك ذاته، كأنك تجلس في جيب كنغر تزيد من شعورك بذلك بقايا مسحات من طلاء أصفر وبني محمَّر علقت على وجه الصخور منذ عصور غارقة في القدم. ولعل أشكال الصخور لعبت دورا في عدم اتساق الفضاء في الحجرة، غير أن المهم حقا هو ليس السبب في عدم اتساقها بل بما كانت ستؤول إليه.

وانت ترقد في هذا المخبأ ياماركوس ستشم رائحة شذية كأنها رائحة الفانيلا تنبعث من نباتات ما في الخارج، وسيكون بإمكانك أن ترى في عدم الاتساق ذاك المحاولات الأولى التي قادت الى ظهور الأعمدة، الأشكال الأولية لما سيكون فيما بعد أقواسا وقبابا تتطلع الى محاكاة فكرة السعادة.

عند موضع القدمين، وهو مميز وبيّن من الوضع الذي أعد لاستلقاء الأحياء أو الأموات، هناك حفرة منحوتة في الصخر وعلى ذلك السطح الصلب تبرز من البؤرة شبكة من أخاديد نقشت بعناية. وعند المدخل الخفيض آثار ازاميل نحتت استدارات كأنها ثنيات في ستائر صخرية فيما يبدو أنه أول محاولات الأزميل في الوصول الى شكل العمود. تواجه هذه الحجرات جهة الشرق وبإمكانك أن ترى شروق الشمس عبر المدخل الضيق.

في عام 1931 كتب غرامشي من سجنه رسالة الى ولديه، ولم يكن قد رأى أصغرهما بسبب سجنه الطويل. يحكي في تلك الرسالة حكاية عن ولد صغير ينام في فراشه وعلى الأرض قربه كأس حليب. تأتي الفأرة وتشرب الحليب فيبكي الولد حين يستيقظ ويجد كأس الحليب فارغة. هكذا تذهب الفأرة الى المعزى وتطلب منها قليلا من الحليب لكن المعزى تريد العشب فتذهب الفأرة الى الحقل اليابس الذي يريد ماء ومن ثم الى البئر لتطلب الماء. تجد أن البئر متهدم وبحاجة الى بناء. تذهب الفأرة الى عامل البناء فيشكو من قلة الصخور وتذهب الى الجبل الذي يرفض النطق بجواب ويلوح اجرد مثل هيكل عظمي سُلخت أشجاره. (في القرن الماضي تحولت أشجار سردينيا للأسف الشديد الى عوارض تستخدم في بناء سكك الحديد في أيطاليا). تقول الفأرة للجبل: مقابل صخورك أيها الجبل سيقوم الفتى حين يقوى ساعده بزرع سفحك بأشجار الكستناء والصنوبر. يوافق الجبل على منح صخوره ويحصل الولد الصغير على كل ما يريد من الحليب. وحين يشتد ساعده يزرع الأشجار فيتوقف التصحر وتصبح الأرض خصبة .

ملحوظة:

في مدينة غيلارزا وقرب المدرسة التي ارتادها غرامشي هناك متحف صغير يضم صورا ومخطوطات كتب ورسائل قليلة و قفصا زجاجيا يحتوي على كرتين من صخر نحتتهما الأزاميل. كان انطونيو غرامشي في صباه يستعينن بهاتين الصخرتين في ممارسة رياضة لتقوية عضلات منكبيه، محاولة منه لتقويم الانحراف في عموده الفقري.



http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

وظائف اليوم
06-03-2015, 02:28 PM
مقال فلسفي : جون برجر: أن تحيا بالصخر وحده