المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فلسفي : الأبيقورية فلسفة للحرية



نتائج البكالوريا - bac
06-20-2014, 11:57 PM
مقال فلسفي : الأبيقورية فلسفة للحرية
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة



منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


لا مراء أن المدرسة الأبيقورية، ظلت تُعْتَبَرُ لقرون طويلة منذ هوراس حتى ديدرو، مرورا بمفكري القرن 17، الأحرار، مدرسة المتعة بامتياز. لكن خلف هذا الاعتبار، تتجلى نيَّة مغرضة، تبغي النيل ما أمكن من فلسفة أبيقور التي لا يمكن حصرها بتاتا في مجرد هكذا وصف. ذلك أن صاحب البستان لم يكن في واقع الحال، يميز المتعة عن الحرية.وإذا كانت المتعة بالنسبة إليه هي «أساس تحقق الخير الأسمى وبلوغ السعادة «(1)، فالحرية على حد تعبيره هي : «ثمرة الاكتفاء الذاتي، الأكثر أهمية»(2). من ثمة يتبدى أن الاستلذاذ عنده، مشروط قبل كل شيء آخر، بالاكتفاء الذاتي، باعتباره مبدأ فلسفة الحكيم . والأكيد أن هذا المبدأ، ولئن كان البعض يربطه بالتزهد، فهو بالأساس موصول بالحرية . كيف لا؟، والحاجة التي تجعلنا مرهونين بالغير، هي في غالب الأحوال، أساس استعبادنا وعلامة ضعفنا. على هكذا نحو، يصر أبيقور، صيانة للذات ودرءا لخطر العبودية، على نهج العدّ الرياضي، القائم على مبدأ تصنيف الرغبات وبالتالي حِساب الملذات حالما رغبنا في إتيانها.كل ذلك، الغاية منه، إنما هي تفادي التعاسة والعيش على نحو مرح، مادام أنه ثمة مابين الملذات والعذابات علاقات متشابكة، ليس فحسب لأن بعض المتع قد تنقلب إلى ضدها، بل لكونها تكاد تفقدنا التناغم القبلي الضروري لبلوغ حالة الهدوء أو ما يدعوه هو نفسه بالأتراكسيا.يجب على المرء إذن أن يعمل على حصر رغباته، مبقيا منها فقط على تلك الطبيعية والضرورية، على اعتبار أن الفقر، بالنسبة لأبيقور، ليس يرجع بالأساس إلى ندرة الأشياء أكثر مما يرجع إلى الاحتياجات الغير الطبيعية. «فكل امتلاك، ثراء بالنظر إلى ما نحن بحاجة إليه بحكم الطبيعة، لكن بالنظر إلى الرغبات اللامحدودة، فحتى أكبر ثراء ليس إلا فقرا». ضد متعة الامتلاك، إذن يدافع أبيقور عن متعة الوجود. في الحالة الأولى يكون المرء عبدا للمال ولا يستمتع إلا وهو يستهلك ويتبضع، يَحُوز ويُرَاكم البضاعة، بينما في الحالة الثانية بقدر ما نكون مكتفين بدواتنا، بقدرما نضاعف من فرص التواجد السعيد والمرح في العالم، مما يعني أننا بذلك نقلص من احتمالات التعاسة ونَحُدُّ من إمكانات البؤس. فضلا عما سلف، يلزمنا الإشارة أيضا، إلى أن خلف حكمة التزهد، التي اتصف بها أبيقور، ثمة استراتيجية ناجعة، هي استراتيجية تفادي الألم، التي عليها تقوم سياسة الحمية المقترحة تجاه الملذات.وهي سياسة تمكن صاحبها من رفض لذة تكون مكلفة وباهظة الثمن باعتبارها تَجُرُّ معها عذابات لا تحصى. يقتضي الأمر، حتى تغدو الحصيلة مفيدة، أن نتقن فن الحساب بحيث تُرَجَّح كفة المتعة على حساب كفة الألم ؛مما يُيَسِّر علينا بالتالي مأمورية القبول أو الرفض، الموافقة أو العدول. هذا من جهة، لكن هذه الإستراتيجية، لا تتوقف عند هذا الحد، بل تستدعي كذلك، تعديل علاقتنا بالزمان، والتحكم ما أمكن في أبعاده خاصة الماضي منه والمستقبل .أما الحاضر، فهو جوهر كينونة الحكيم، والتشبث به لب القضية. فإذا كان التذكر، يجعلنا ملزمين باستحضار فترات مضت، والرجاء يدفعنا إلى ترقب الآتي، فقوة الحكيم، تتجلى في قدرته على التحكم في تصوراته، سواء منها ما تعلق بالماضي أو بالمستقبل. عليه ألا يتذكر مثلا، إلا ما هو ممتع وينسى كل ما هو مقلق . وعلى نفس المنوال، ينبغي له أن لا يترقب إلا ما يفيده مرحا وفرحا. مثلما عليه، أيضا أن ينغمس في حاضره، وأن يعيش كل يوم بيوم، وكل لحظة بلحظة، وفق شدرة هوراس الشهيرة :Carpe diem، «أقطف نهارك». علينا أن نُشَغِّل عقولنا، وأن نُفَعِّل منطق الإرادة تجاه الضرورة، وأن نُلَقِّحَ الطبيعة بالثقافة. كل ذلك، من أجل أن نطرد من النفس كل ما يستعبدها، و من الجسد كل ما يؤلمه .عش إذن وفق الطبيعة، لا وفق آراء الدوكسا.هذه هي نصيحة الحكيم، على اعتبار أن من يعيش وفق الأولى لن يعرف معنى العوز في حياته، لكن من يعيش وفق الدوكسا، لن يذوق مهما طال به العمر، طعم الغنى.معضلة العامة، تتجلى في كونها تعيش على الخرافات والشائعات، ولا ترغب بالتالي في أن تُغَيِّر جلدها.وإذا صح القول بأن كل اعتقاد سجن لصاحبه كما أكد نتشه، فأبيقور، يتقاطع مع صاحب فلسفة المطرقة في مهمته المثلى التي هي هدم الأوثان .كلاهما، عاشق للحرية حتى النخاع، ولا يستطيع أن يساوم على حسابها .لذلك، تمرد كل منهما، على الثقافة السائدة أيما تمرد؛ هذا إن لم نقل، أن صاحب البستان قد سبق صاحب العود الأبدي، في اختبار، نهج التمرد ومحنة الهدم هاته، بل أكثر من ذلك فنتشه هو من وجد نفسه، يغرف من فلسفة أبيقور في فترة من فترات عمره، مدركا أنها ما سيسعفه على الشفاء عندما انتابه المرض، وعارفا بأن هذه الفلسفة، لا تتقلص في معرفة عقيمة بل هي تقنية للعيش تسعف على اللوذ بحياة سعيدة .لكن ما هي السعادة بالنسبة لطبيب نتشه؟ ألا تكمن في عدم الخوف ليس من الآلهة فحسب بل وكذلك من الموت؟ من أجل ذلك علينا إذن أن نعمل جاهدين على تبديد الأساطير، التي تكاد تفصلنا عن ذواتنا وتسلب إرادتنا. فلنتعاط الدواء، ولنتشبع بالفطنة، التي هي بنظر أبيقور أفضل من الفلسفة ذاتها، مادام أن الفلسفة عنده، قبل أن تكون فلسفة متعة، فهي فلسفة حرية كما أسلفنا وذلك بأكثر من معنى. أولها أنها عملت على مجابهة الأفلاطونية وامتداداتها، وثانيها كونها عارضت فكرة القدر التي شكلت صلب فلسفة الرواقيين وثالثها أنها واجهت مبدأ الحتمية الذي قال به ديمقريطس. وإذا كان هَمُّ الرجل هو تحرير الناس من أسر الخرافات المرتبطة بالدين، وترهات الأعراف الاجتماعية، فذلك ليس إلا لأنه يدرك أيما إدراك، أنها أكبر أعداء الحرية . هاهنا تكمن راهنية أبيقور. إذ، نحن اليوم أحوج ما نكون لنظريته المتعوية المادية، للخروج من مأزق اللاهوت أولا، والانفلات ثانيا من سطو الإيديولوجية الليبرالية وبراثن الأسر الاجتماعي.على هذا النحو ينبغي أن نعرف، أنه لم يكتف بالتأسيس للزمان وفق ميتافزيقا اللحظة الحاضرة، بل تعدى ذلك، فصاغ أسلوبا فريدا لفن الاستلذاذ، وأقام نوعا من العلاقة التعاقدية النفعية لتيسير الاستمتاع على نحو متبادل، ناهيك عن انتصاره للتحرر النسوي على قوامه لا يجب أن يكون ثمة من فرق مابين الجنسين: الأنثى والذكر. مثلما نهج، أيضا، نمطا من الابتكار الذاتي المرهون بفن العزوبية، فلم يُعْرَف عنه إطلاقا أي اهتمام بالأسرة، ولم يتزوج قط، معتبرا الحب سيما منه العاطفي، أساس العذاب والفوضى وفقدان الحكيم لحالة الأتراكسيا لب وجوده من حيث هو كذلك. والحالة هاته، ففي عصر عدمي مثل عصرنا، عصر موسوم بشتى الأمراض، بدءا من مرض اللاهوت، أفيون الشعوب، حتى مرض التسلط والهيمنة، مرورا بكل مظاهر الغش والنهم، والسعي وراء الشهرة والربح السريع...أليس المذهب المتعوي المادي الأبيقوري، بملجأ آمن؟ فالرجل، جعل من الفلسفة إمكانا للعيش، و من الأفكار، نهجا للمقاومة. فهو من طينة أولئك الذين ينبغي لنا أن نحياهم لا أن نقرأهم فحسب . ذلك ما أستشعره، حالما أستعيد ما تبقى لنا من نصوصه أو نصوص تلامذته وبالأخص قصيدة لوقراتوس. بحيث سرعان ما تَنْطَرِحُ عَلَيَّ أسئلة عديدة، من قبيل :كيف يمكن للعلاقات العاطفية أن تقوم؟ على أي نحو نستطيع أن نحب، دونما الإجهاز على حريتنا؟كيف نُخَلِّصُ علاقاتنا الجنسية وغيرها من الحزن والكآبة؟ كيف باستطاعتنا أن نحيا سعداء، في ظل سيادة المنطق الليبرالي الوحشي، وهيمنة لغة السوق؟ كيف يمكننا أن نقاوم آليات التفقير ومخططات الاستعباد التي نكابدها كل يوم، وكل ساعة؟

الحاصل أن روعة نصوص أبيقور، تتجلى أول ما تتجلى، في كونها نصوص مُحَفِّزَة، بسيطة لكن عميقة، إنها أشبه ما تكون بغداء، إنْ لم يقتلك يُقويك .فهو حينما يتكلم عن المتعة، يميز ما بين المتعة الشعبوية والمتعة الميتافزيقية، قاصدا التقعيد لنهج في الحياة تتقوى فيه ذواتنا، ويزداد معه كمالنا. فالناس ولئن كانت ترغب بطبعها في الاستمتاع وتنزع نزوع الاستلذاذ؛ فهي ليست على نفس الخط من حيث القدرة على بناء الذات ونحث أسلوب خاص في الحياة. لماذا؟ لأنها لم تتسلح بعد بما يكفي من حكمة السعادة التي شيَّدها صاحب البستان ولم تَغْرف قط من وصفة الدواء الرباعي التي أقرها أبيقور. نورد هذا القول، لأن كلا منا ينبغي أن يعثر له في مساره، على أسلوب يقويه ونهج يسعفه على المزيد من السعادة في الوجود.ذلك أن قصر الحياة وعدم قابليتها للتكرار، تفترض منا أن نحترس ما أمكن في كل أمور الدنيا، و ألا ننقاد دونما إعمال للفكر، وراء الشائع من الخرافات والسائد من الاعتقادات. علينا أن نمارس حقنا في الارتياب وأن نعمل ما أمكن على وضع كل الآراء في محك السؤال، وأن نُغَرْبِلَها بمصفاة الشك .في هذا السياق، واعتبارا لقيمة الحياة أولا، و لغلاء كل لحظة من لحظاتها ثانيا، يدعونا أبيقور إلى العيش دونما عراقيل أو مضيعة للوقت، وفق وصفته الرباعية الشهيرة، التي تتلخص فيما يلي :
1-إن الآلهة لا تكترث بأمورنا ولا ينبغي لنا أن نخشاها .
2-علينا ألا نهاب الموت، مادام أنه عندما نموت لا وجود لنا بعد.
3-إن الرغبات الطبيعية (كالجوع والعطش والوقاية من البرد...) رغبات سهلة الإشباع، بل حتى عدم إشباعها (وهذا حال الرغبة الجنسية سيما عندما لا يكون لدينا عشيق/عشيقة، في المستوى) لا يؤذي (وقد نلجأ إلى الرياضة أو الأعمال اليدوية للتخفيف من حدتها).
4-إن الآلام الحالية بوسعنا القضاء عليها وتبديدها بفضل الذكريات الجميلة.
ومن خلال هذا، العلاج، الذي نحته ديوجين الإينواندي حوالي 120م، على حائط (طوله 80م وعلوه 4م وعرضه 1م) ببلدة إينواندا التي تقع على بعد 45 كلم في الشمال الشرقي لمدينة فتحية بتركيا، وذلك بغاية إشفاء الناس من أوهامها، قلت من خلال هذا العلاج، يتبدى أن أبيقور، كان يروم عبر فلسفته التقعيد لفهم جديد للحياة، تصب في السعادة وتنأى بنا عن الحزن . صحيح أنه لم يقل بأن الرب لا وجود له، لكنه مع ذلك، فقد حَدَّ من جبروته . هكذا نلاحظ كيف أكد على أن الآلهة، لا دخل لها في أمور الناس، وأن الروح تفنى، مما يعني ضمنيا ألا وجود لا لجهنم ولا للجنة، ولمَّا كان الأمر كذلك، فمن الضرورة بمكان، التخلص من هاجس الخوف، الذي مصدره الاعتقاد بالماورائيات والإحساس بالذنب في كل ما نحن بصدد إتيانه في الحياة. إن الرجل واضح في تصوره للكون وما ينبغي أن تكون عليه تصوراتنا تجاهه، دونما لف أو دوران. وثمة خطورة مذهبه المادي والذري، على اعتباره ككل المذاهب المادية، لا يستسيغ القبول بالترهات الدينية .لذلك أيضا، يقول عنه نتشه في كتابه ضد المسيح : «علينا أن نقرأ لوقراتوس، حتى نفهم، ضد من كان أبيقور يتصارع .إنه لم يكن يصارع الوثنية، بل المسيحية، باعتبارها ما يفسد النفوس بواسطة مفاهيم الخطيئة والعقاب والخلود»(3). وعلى نحو ما فعل صاحب أفول الأصنام، عمل أبيقور على إسقاط الأوثان واحدا تلو الآخر، كاشفا عن زيف الأقنعة، و مفندا إيديولوجيا غريزة الموت. «فالموت الذي يبدو مرة أخرى، أخطر الشرور، ليس إلا وهما، لأنه ليس شيئا طالما الحياة تستمر؛ لكنه حالما يحُلُّ، فالحياة لا توجد بعد: هكذا فلا سلطان له لا على الأحياء ولا على الأموات ؛ الأوائل لا يحسون برعبه بعد، بينما الآخرون في منأى عن كل تأثيره، لأن لا وجود لهم بعد»(4). الموت، طبعا، مجرد رعب، يزرعه التيولوجيون في أذهاننا، ويُسكنونه في تصوراتنا قصد النيل من قدراتنا في الوجود، والتقليص ما أمكن، من فرص الحياة السعيدة حيث تزداد قوتنا وتنفتح أمامنا إمكانات جديدة للعيش. إن الوعاظ الدينيين وأنصار اللاهوت، إذْ يكرهون العقل والمعرفة ويعارضون كل تقدم طبي أو تطور علمي وينبذون المتعة و الفرح، فذلك ليس إلا لأنهم أسعد ما يكونون بالجهل والشقاء ؛ وأنعم ما يكونون بالتأخر والتخلف؛ ولا عجب في ذلك، لأن من طبيعة الأمور، أن تنقلب إلى ضدها، سيما حالما ييأس المرء من الشفاء، و لا يلقى بديلا لاستعادة الصحة .على إثر، هكذا نزوع مرضي، ومن فرط الهذيان التيولوجي، ابتُكِرت الآخرة بتفخيماتها حتى لا يبقى أحد من بني آدم ينظر إلى الواقع كما هو ويلتفت إلى قَدَره مواجها إياه وجها لوجه .وإذا كانت المسيحية على حد تعبير نتشه، وعلى مقاسها - أضيف - كل أديان التوحيد، »في أمس الحاجة للمرض تماما مثلما الحضارة الهلينية كانت في أمس الحاجة للصحة» ؛فهَمُّ أبيقور، خلافا لذلك، هو أن يجعل كل واحد منا يعيش «كإله بين البشر»(5). لذلك مكث يفسر الطبيعة ويشرح الأخلاق ويوضح قواعد المعرفة. فعمل، على تفكيك صرح التيولوجيا، التي باسم الرب أجبرت الإنسانية على الزحف، وباسم الأخلاق قادتها من أنفها طيلة قرون. كيف؟ بتبنيه لتصور مادي للكون، ينسحب فيه الرب من عالم البشر، فلا يكترث في شيء لأمرهم .لابد لنا إذن، استيعابا لفلسفته، أن نستحضر، نظرته الذرية للكون، وأن نفكر معه، كفزيائي وطبيب، كعالم ميكانيكا وضليع في الأخلاق، لأن في عالم أبيقور لاشيء يوجد خارج المادة والفراغ الخالدين.كل شيء عنده خاضع لقدر التنسيق البنيوي.ذلك أن الكون، بحسبه قديم وأزلي، أي أن العالم كان وسيبقى دائما مثلما كان «فلاشيء يولد من لاشيء، لأنه لو كان بوسع الأشياء أن تولد دونما حاجة للبذور، لكان بوسع كل شيء أن يولد من كل شيء «(6) . هذا المنطق العِلِّي، جعله كذلك يلح على أن الكون لم يُخْلَق بالصدفة مثلما زعم ديمقريطس، بل كان نتيجة الجاذبية، التي هي السبب في سقوط الذرات («شتاء الذرات» بتعبير لوقراتوس)، من أعلى إلى تحت، على نحو مستقيم .فحدث أن انزاح بعضها عن المسار العمودي، مما أدى إلى وقوع التصادم، أو «الكلينامين» بلغة لوقراتوس، لتصاغ بالتالي، لحمة الوجود على نحو ما هي عليه وتتشكل الظواهر.في هذا المبدأ، الذي هو الكلينامين، أو انحراف الذرات، يعثر أبيقور على ضالته، لتفسير مبدأ الحركة الحرة، التي تُكَسِّر قوانين القدر، وتفنِّد مبدأ الضرورة الديمقريطسي. ضد النزعة الميكانيكة الذرية، التي تقر بالحتمية الفزيائية، نرى أن أبيقور، هو أول من قال باللاحتمية، أو ما يسمى اليوم بالاحتمال. المغزى والمراد إنما هو التبصر الحاذق لصاحب البستان، القائم على مناهضته لفكرة القدر التقليدية، انتصارا للحرية الإنسانية.آيته في ذلك، كون القول بالضرورة المطلقة، تفسد الأخلاق، و تجعل أنفسنا في اضطراب وألم مستمر.إن للحرية أعداء بنظر الحكيم.أولها القدر، ثانيها الإكراهات الطبيعية التي نحن مشمولين بها . ثالثها الخرافات التي نؤمن بها . بدهي إذن أن يتصدى لفكرة الضرورة، بحكم أنه ليس ثمة من ضرورة للعيش وفق الضرورة.مثلما هو بديهي أيضا أن يناهض كل قول بالعناية الإلهية إذ :»ليس هنالك بالتالي أي شيء يمكنه (يقصد الكون)أن يتحول إليه، مثلما ليس هنالك أي شيء خارجه، يمكنه أن يُؤَثِّر عليه، فيُغَيِّره»(7) ؛ وبالتالي فالرب لا دخل له بمجريات العالم، وليس ينشغل في شيء بهموم البشر حتى يعاقبهم أو يحاسبهم.أما الروح، فلئن كان يُقِرُّ بوجودها، فهو مافتئ، خلافا لأفلاطون كما لأرسطو، يلح على أنها ذات طبيعة ذرية أي أنها ليست كائنا لا جسميا، على اعتبار أن الفراغ وحده هو اللاجسمي.بناء عليه، فلا وجود لغائية من وراء خلق الكون، والروح تموت لأنها جسم مركب من ذرات قابلة لأن تنحل؛نقطة إلى السطر.معنى ذلك، لمن يرغب في المزيد، أن حقيقة هذا العالم، إنما تكمن فيه، ولا ينبغي علينا أن نبحث له عن علة خارجة عنه.فليذهب تجار الماورائيات، إذن إلى الجحيم، لوحدهم، أما من سبر أغوار الحكمة الأبيقورية، فلا خوف عليه ولا هم يحزنون ؛لأنه كعاشق لقدره، لا يعرف في هذه الحياة، كما أكد أبيقور في شذرة له، إلا «أن يتفلسف وأن يضحك وأن يهتم ببيته».



http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

sisko
01-13-2016, 07:26 PM
مقال فلسفي : الأبيقورية فلسفة للحرية