شرح نص المعاينة والتجربة الجاحظ



شرح نص المعاينة والتجربة الجاحظ بكالوريا آداب محور المنزع العقلي
يمثّل المعاينة والتجربة مجموعة من الأخبار والمعاينات الواردة ضمن كتاب الحيوان للجاحظ الّذي قال عنه صاحبه إنّه كتاب أخذ من طرف الفلسفة وجمع بين معرفة السّماع وعلم التّجربة وهو كتاب خصّصه الجاحظ لدراسة مختلف صنوف الحيوان دراسة علميّة تقوم على منهج علميّة على قواعد الملاحظة والتّجربة والاستقراء والموازنة من أجل إدراك طباعها وتبيّن محرّكاتها إلى الفعل والإلمام بقوانين تكاثرها.

الموضوع:

يظهر الجاحظ وهو ينقل جملة من الأخبار المتعلّقة بعالم الحيوان قيمة المعاينة والتّجربة في تمحيص المرويّات وتبيّن سلوك الحيوان ومحرّكاته.

المقاطع:

ينهض النّصّ على قسمين:يمتدّ الأوّل من بدايته إلى حدّ قوله “ضعيف” وفيه تتّفق تجربة الجاحظ الذّاتية ومعاينته الشّخصيّة مع محتوى رواية رجل من ثقيف أمّا الثّاني فيستغرق بقيّة النّصّ وفيه بدت معاينة الجاحظ مناقضة لمضمون الأخبار المرويّة.

التّحليل:

*اتّفاق تجربة الجاحظ الذّاتية ومعاينته الشّخصيّة مع محتوى رواية رجل من ثقيف:
وجد الجاحظ في بنية الخبر الأدبيّ بنية صالحة لإنشاء نصّه فعمد إلى تقديم خبر اتّبعه بسرد تجربة ذاتيّة وأنهاه بحكاية معاينة فرديّة أيضاأمّا الرّاوي المخبرعنه فقد بنى متنه على التّحوّل من الإجمال والاختزال إلى التّفصيل والتّوسّع وقد أقام القسم المختزل على جملتين اسميّتين تتّحدان في القول بغرابة الجعل وعجائبيّة طبتعه ثمّ استدعى تركيبا شرطيّا الهدف منه تضخيم القول بغرابة الجعل : أساس هذا التّركيب الشّرطيّ شرط مداره على المعاينة القطعيّة القاهرة وجوابه ضرورة التّسليم بالخبر وليس من شكّ في أنّ القول بالعيان القاهر حجّة في بناء المعرفة وأداة في التّسليم بالخبر ثمّ إنّ سرعان ما خلص إلى التّفصيل والشّرح بهدف إثبات غرابة الجعل وتأكيد عجائبيّة طباعه مستخدما بعض التّراكيب الشّرطيّة الدّالّة على الافتراض والإمكان باعتماد اسم الشّرط إذا وقد رصد بتركيبين شرطيّين حالين من أحوال الجعل والتّركيبان الشّرطيّان ينتجان صورتين متقابلتين عن طباع الجعل فتلازم تنزيله في أمكنة نقيّة زكيّة الرّائحة كالورد وأفعال تدلّ على الفناء والجمود والاسترخاء والموت وفي المقابل تلازم إحلاله في أمكنة قذرة ملوّثة باستعادته للحركة والحياة وبهذا النّحو يبدو طبع الجعل طبعا غريبا شاذّا لأنّه يجد حياته في القذارة وموته في النّقاء غير أنّ الجاحظ أتبع رواية الخبر المتعلّق بالجعل الموضوع إلى رجل من ثقيف برواية تجربة ذاتيّة شخصيّة أنجزها الجاحظ نفسه وهو ما يجسّمه نزوعه إلى سرد بعض أعمال مسندة “جرّبت ” وجدت …




بني السّرد على أساس علّيّ سببيّ فمثّلت التّجربة حدثا سببا بنى عليه حدثا نتيجة غير أنّ الجاحظ لم يُخْضِعْ الفعل الجعل للتّجربة بل عوّضه بالخنفساء فانتهى علّيّ سببيّ فمثّلت التّجربة حدثاسببا بنى عليه حدثا نتيجة غير أنّ الجاحظ لم يُخْضِعْ الفعل الجعل للتّجربة بل عوّضه بالخنفساء فانتهى إلى نفس النّتيجة الّتي انتهى بها الخبر المرويّ وبهذا النّحو يعوّل الجاحظ على التّجربة باعتباره مقوّما من مقوّمات منهجه العلميّ في علوم الحيوان بصفة خاصّة وعلوم الطّبيعة بصفة عامّة.” جرّبت أنا مثل ذلك…”

وقد عمد الجاحظ مستخدما خبرا طلبيّا مؤكّدا بأسلوب الحصر إلى البحث إلى تعليل اتّفاق الخنفساء مع الجعل في شذوذ الطّبع وغرابته بقرابة بينهما وهو إذ يستخلص مابين الجعل والخنفساء في طباع مشتركة فإنّ أداته في ذلك الاستقراء باعتباره منهجا يقوم على البحث عن المشترك بين الحيوان

على هذا النّحو يبدو الجاحظ ينزع نزوعا عقليّا في التّعامل مع المرويّات والأخبار باعتبار أنّه لم يسلّم بالخبر المرويّ عن رجل من ثقيف بقدرما سعى إلى إخضاع مضمونه إلى التّجربة من أجل التّثبّت من صحّته وصدقه وموضوعيّته وتطابقه مع كل الحيوانات القريبة منه بأنّ التّجربة أفضت به إلى نفس النّتائج الّتي أنهي بها الخبر والجاحظ إذ يجرّب مضامين الأخبار بنفسه فإنّه يثبت حاجة العقل إلى تجربة ووسيلة لاختبار الظّواهر والتّثبّت في الحقائق





لم يلتزم الجاحظ وهو يبني نصّه بموقع ثابت من مواقع الرّواية إذ تدرّج من موقع الرّاوي المكتفي لينقل الخبر إلى موقع الرّاوي المنجز للحدث ثمّ خلص إلى موقع آخر هو موقع المشاهد المكتفي بمتابعة أعمال غيره

جاءت أعمال الجاحظ ناشئة عن سعي إلى التّثبّت من صدق مضمون الرّواية الّتي دارت على طباع الجعل وقوادح فعله وجموده

إنّ ما قدح الفعل عند الجاحظ هو منزعه إلى تمحيص الرّواية والتّثبّت من صدقها وهذا دليل على منتهى عقلانيّته لأنّه لم يسلّم بالرّواية على أخطائها وإنّما عوّل على التّجربة باعتبارها هقوّما علميّا حاسما في تأكيد الرّواية أو نفيها ولعلّ في الرّبط بين حدث التّجربة وحدث اكتشاف طبع الخنفساء في تشابهه مع طبع الجعل ربطا سببيّا علّيّا دليل على احتفاء الجاحظ بالتّجربة منهجا علميّا في دراسة الحيوان دراسة موضوعيّة. شرح نص المعاينة والتجربة الجاحظ

إنّ عدم اطمئنان الجاحظ إلى الرّواية من جهة وتعلّقه بالتّجربة معيارا علميّا حاسما في إثبات تلك الرّواية أو نفيها قرينتان تؤكّدان علميّة الكاتب وتعلي المنزع العقليّ منه ثمّ إنّ التّجربة ليست عن الجاحظ مقصورة على تبيّن طبائع الحيوان بل هي معيار أيضا في إثبات الرّواية أو تكذيبها وقد أثبتت التجربة الّتي أجراها الجاحظ رواية رجل ثقيف.

غير أنّ الجاحظ في نهاية القسم الأوّل من النّصّ مرتبة النّاقل للخبر والمنجز للتّجربة إلى مرتبة المشاهد المعاين المستنتج وهذا ما جسّمته بعض القرائن النّصّية الّتي أظهرته بمظهر الرّاصد لأطوار تجربة ابن أبي كريمة مع عالم الذّباب “هكذا كان في رأي العين” وما يدلّ على اضطلاعه بوظيفة الرّصد هو بناء السّرد بناء خطّيا تتابعيّا يتطابق فيه منطق الخطاب السّرديّ مع منطق التّجربة في الواقع.

لكنّ الجاحظ وهويرصد أفعال التّجربة الّتي أنتجها ابن أبي كريمة مع مع الذّبان لم يظهر موقفا من موضوع المعاينة وهو ما يوحي بإقراره الضّعيف بأنّ المعاينة يمكن أن تكون مقوّما من مقوّمات المعرفة شرط أن تكون معاينة ذاتيّة شخصيّة مدركة بالحسّ والبصر وبذلك تستحيل المعاينة عند الجاحظ مقوّما من مقوّمات منهجه العلميّ في دراسة عالم الحيوان وعالم الطّبيعة

المقطع الثاني شرح نص المعاينة والتجربة الجاحظ
إنّ التّحوّل من قسم النّصّ الأوّل إلى قسم النّصّ الثّاني هو تحوّل في المنهج المعتمد في التّعامل مع الرّواية تكذيبا وتصديقا فلئن شغّل منهج التّجربة في القسم الأوّل فإنّه قد اندفع في القسم الّذي يشغل منهج المعاينة وقد اتّبع منطقا متدرّجا من الأخبار تتّحد أساسا في تضخيم داء الكلب على من يعضّه كلب (التّشبّه بأفعال الكلاب: الإفراط في طلب الماء والإعراض عنه)

لمّا كانت كانت هذه الرّوايات تنزع منزعا خرافيّا في الحديث عن ظاهرة الكلب فإنّ الجاحظ لم يطمئنّ إليها ولم يسلّم بصحّتها رغم تعلّقه بالرّواة ولم يسلّم بصحّتها رغم صدورها عن رواة ثقات لأنّ الجاحظ رجل عقل وعلم يستهجن الوعي الخرافيّ بالظّواهر.

لقد أوجد الجاحظ في المعاينة الحسّية البصريّة معيارا علميّا في تمحيص تلك الأخبار لذلك مثّل فعل الرّؤية البصريّة الحسّية فعلا قادحا لسرد وتوليد أعماله فعلّقت أكثر الأفعال المحكيّة به (رأيت كلبا)س20 وأفضت الرّؤيية الحسّية البصريّة بالجاحظ إلى اكتشاف بطلان الرّوايات المنقولة وهو ما جسّمه تواتر عمل النّفي في قوله متحدّثا عن الصّبيّ س28 ….. إنّ هذه الأعمال المنفيّة الّتي أثبتها الجاحظ قد أسلمت إليها المعاينة الحسّية البصريّة فإنّ نتائج تلك المعاينة الّتي توسّلها الجاحظ مناقضة مفنّدة لما روّجت له الرّوايات والأخبار من آثار ظرفيّة غير معقولة تنشأ عن داء الكلب.

إنّ شحوب النّصّ من بعد الحجاج المهيمن على سائر نصوص الجاحظ يبرّر بأنّ الكاتب لم يكن هدفه التّأثير في المخاطب وتقويم سلوكه بل استفزازه ودفعه إلى إعمال عقله وتنشيط فكره لتبيّن قوادح الجاحظ في اتّخاذ التّجربة والمعاينة مقوّمين من مقوّمات العلم وإدراك الحقيقة لذلك لم يلتفت إلى مخاطبه إلاّ قليلا فلم يستحضره في النّصّ في موضعين محدودين

وقد نتج عن تهميش البعد الحجاجيّ في النّصّ ضمور الوظيفة التّلقينيّة المباشرة

لئن تخفّف النّصّ من البعد الحجاجيّ والوظيفة التّلقينيّة التّعليميّة فإنّه لم يتخفّف في المقابل من النّزعة العقليّة فقد بدا فيها الجاحظ عالما يؤمن بأنّ السّبل إلى إدراك الحقيقة صعبة عصيّة تقتضي معايير علميّة دقيقة صارمة وقد وجد في التّجربة والمعاينة ما به استطاع أن يدفع الأوهام والخرافات ويظفر في المقابل ببعض الحقائق العلميّة المتّصلة بطباع الجعل والخنفساء والنّباب.