محور الاقصوصة اولى ثانوي .. الأقصوصة تعريفها وخصائصها



الأقصوصة أو القصة القصيرة هي جنس أدبي، وهوعبارة عن سرد حكائي نثري أقصر من الرواية، وتهدف إلى تقديم حدث وحيد غالبًا ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود غالبًا لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة، لا بد لسرد الحدث في القصة القصيرة أن يكون متحدًا ومنسجمًا دون تشتيت. وغالبًا ما تكون وحيدة الشخصية أو عدة شخصيات متقاربة يجمعها مكان واحد وزمان واحد على خلفية الحدث والوضع المراد الحديث عنه. الدراما في القصة القصيرة تكون غالبًا قوية، وكثير من القصص القصيرة تمتلك حسًا كبيرًا من السخرية أو دفقات مشاعرية قوية لكي تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الحدث في الرواية. يزعم البعض أن تاريخ القصة القصيرة يعود إلى أزمان قديمة مثل قصص العهد القديم عن الملك داود، وسيدنا يوسف وراعوث. لكن بعض الناقدين يعتبر القصة القصيرة نتاج تحرر الفرد من ربقة التقاليد والمجتمع وبروز الخصائص الفردية على عكس الأنماط النموذجية الخلاقية المتباينة في السرد القصصي القديم.

يغلب على القصة القصيرة أن يكون شخوصها مغمورين، وقلما يرقون إلى البطولة والبطولية، فهم من قلب الحياة حيث تشكل الحياة اليومية الموضوع الأساسي للقصة القصيرة وليست البطولات والملاحم.
ويعتبر إدغار آلان بومن رواد القصة القصيرة الحديثة في الغرب. وقد ازدهر هذا اللون من الأدب، في أرجاء العالم المختلفة، طوال قرن مضى على أيدي موباسان وزولا وتورغينيف وتشيخوف وهاردي وستيفنسون، ومئات من فناني القصة القصيرة. وفي العالم العربي بلغت القصة القصيرة درجة عالية من النضج على أيدي يوسف إدريس في مصر، ومحمد بوزفور في المغرب، وزكريا تامر في سوريا.
ثمّة اتفاق كبير بين دارسي الأقصوصة على ضرورة توافر ثلاث خصائص فنية رئيسية في أيّ عمل حتى نستطيع أن ندعوه بارتياح أقصوصة، وهذه الخصائص هي وحدة الانطباع ولحظة الأزمة واتساق التصميم.



تعتبر وحدة الانطباع من خصائص الأقصوصة وأكثرها وضوحًا في أذهان كتابها وقرائها على السواء، ليس فقط لبساطتها ومنطقيتها ولكن أيضا لأنها من أكثر الخصائص تداولاً إلى الحد الذي توشك معه أن تكون القاسم المشترك الأعظم في مختلف التعريفات في القواميس والموسوعات وقد بلور إدجار آلان بوهذا الاصطلاح عام 1842 واعتبره الخصيصة البنائية للأقصوصة والنتاج الطبيعي لوعي الكاتب لحرفته ومهاراته في توظيف كل عناصر الأقصوصة بخلق هذا الانطباع الواحد.





فقصر الأقصوصة لا يسمح بأي حال بالتراخي أو الاستطراد أو تعدد المسارات، ويتطلب قدرًا كبيرًا من التكثيف والتركيز واستئصال أية زائدة أو عبارة مكررة .
ومن هنا فإن وحدة الانطباع لا تعني بالضرورة أن تتجه كل جزئيات الأقصوصة إلى خلق هذا الأثر الواحد بصورة بنائية محكمة، فقد تستطيع أن تحققه من خلال تفاعل عدد من العناصر المتنافرة أو تعاقب مجموعة من المفارقات أو جدل العديد من النقائض أو تراكم أشتات من الذكريات، أو نتف التأملات التي تشبه الشظايا المتناثرة التي تبدو لأول وهلة أن لا رابط بينها، أو تداخل عدد من أشكال الكتابة القصيرة المختلفة وتفاعلها... إلى غير ذلك من الصيغ البنائية التي يبدو أنها تفتقر إلى البناء التقليدي المحكم، ولكنها تخلق انطباعًا وأثرًا جماليًا واحدًا .
ولحظة الأزمة هي لحظة الأقصوصة الأثيرة، لحظة الكشف والاكتشاف، ولذلك سمى جويس هذه اللحظات بالإشراق أو الكشوف، فغالبا ما يركز كاتب الأقصوصة على شخصية واحدة في مقطع واحد، وبدلا من تتبع تطورها فإنه يكشف عنها في لحظة معينة... هذه اللحظة غالبا ما تكون اللحظة التي تنتاب فيها الشخصية بعض التحولات الحاسمة في اتجاهها أو فهما.
وليست لحظة الأزمة بالضرورة لحظة قصيرة، فقد تستغرق عملية الكشف هذه زمنا طويلاً، ولا تتطلب أن تعي الشخصية ذاتها حدوث هذا الكشف أو حتى وجوده برغم معايشتها له، ولكنّها تستلزم أن يدرك القارئ كلاً من التوتر الصانع للأزمة والمفارقة التي ينطوي عليها الاكتشاف ،

واتساق التصميم هو الخصيصة البنائية التي تقودنا في الواقع إلى دراسة الملامح والعناصر البنائية المختلفة التي ينهض عليها أو يتكون منها شكل الأقصوصة من شخصية وحبكة ووحدث وزمن... الخ
وترتيب أحداث حبكة ما لا يتطلب أن يتوافق هذا الترتيب مع الترتيب الواقع أو التسلسل الزمني للأحداث، إنما هو يخضع لمنطق الأقصوصة الداخلي إذ يستطيع الكاتب أن ينسق الأحداث في قصة وفق عدد كبير من الطرق، وأن يعالج بعضها الآخر بإشارة واهنة أو يهمله تمامًا إن شاء، ومن هنا فإن هناك فارقًا كبيرًا بين القصة والحبكة لأن القصة التي تنطوي عليها أية أقصوصة هي مجموعة الجزئيات التي صاغتها مرتبة ترتيبًا زمنيًا، أو زمنيًا سببيًا، وفق حدوثها في الواقع أو وفق أي ترتيب آخر يمكن آن نرتبها به.
أما حبكة أية أقصوصة فهي النسق الذي رتبت به أحداث هذه القصة في هذه الأقصوصة المعينة، وهو ترتيب قد يتفق مع ترتيب حدوثها في الواقع أو قد يختلف عنه.
غير أن أي ترتيب يجب أن يحتوي على منطق يربط هذه الأحداث بعضها ببعض وفق نسق تحتل فيه هذه الأحداث مقامات مختلفة إذ لا يصح أن تكون جميع الأحداث على درجة واحدة من الأهمية.