جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام




منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس


منتدى الفلسفة من هنا


أن الحديث عن العلاقة بين المثقف والسلطة بإبعادها الشرقية امتدت في الفكر الإسلامي من خلال مقولة الموالي التي كان لها الرياده في طرح تصوراتها العقيدية – السياسية من الجبرية والقدرية والخوارج ، بالإضافة إلى دور الدين الحيوي في السلطة ، دور الإمامة في الفكر الإسلامي التي ارتبطت بالخلافة ودورها الذي يرتبط بالإيمان والخلاص الروحي وتحقيق العدالة التي بقت إشكالية إيمان :
- إما أنها تقوم على البعد " الداخلي " الذي يتمثل العدو في الداخل من خلال النفس ا للوامة كما فعل المتصوفة أو الذين أنشوا مبدأ قوامه الابتعاد عن السياسة من خلال الانشغال بسياسة النفس إلا أن السياسة لم تدعهم وشانهم .
- أو من انشغل بالخارج وأهمل الداخل فاهتم بالصراعات التأويلية أو الأخذ بظاهر اللفظ كما حدث في علم الكلام .
- أو من اهتموا بالبعد الأخلاقي لداخل السلوك و أهملوا الخارج كما فعل فلاسفة الإسلام اهتموا بالخواص التكوينية الواجب توفرها لدى الرئيس والدولة الفاضلة وأهملوا القانون والمؤسسة الدستورية .
أن البحث في الفكر السياسي لدى فلاسفة الإسلام له مبرراته لأنه يشكل رؤية جديدة على الساحة الفكرية من حيث المنهج والرؤية أي الإطار النظري من خلال انصهار الأفاق بين المرجعية النصية من جهة والمرجعية العقلية اليونانية، وانصهارهما في معالجة الواقع الإسلامي يومها فان هذه الملابسات تجعل الفكر الفلسفي يتميز عن سواه من الاتجاهات الأخرى بهذه المميزات ، إلا أن السلطة كان لها دور في استنبات الخطاب العقلي في الإسلام وهي مدفوعة بأسباب ومسوغات وعلى هذا الأساس يمكن أن نرصد التجربة الفلسفية من خلال السلطة اذ ظهرت هناك علاقة خاصة بين السلطة والفلسفة او بين السلطة والعقل : سواء كان الامر مرتبط بالاشكالية المشرقية او المغربية على حد سواء اذ جاءت بدايتها البارزة مع المأمون ونهايتها بانقلاب المتوكل:
لقد كانت هناك رؤية سياسية دافعة الى دخول العقل اليوناني الى الاسلام مع مشروع المأمون الذي أراد استنبات الخطاب الفلسفي اليوناني من اجل أن يتخذه وسيلة لمواجهة الخطابات المحلية التي تنافس الدولة على الشرعية السياسية والرأسمال الرمزي ، ارتبطت نشأة الفلسفة في الإسلام بمسألة الترجمة: ترجمة فلسفة اليونان وعلومها إلى العربية. وحتى إذا اعتبرنا، مع ابن "النديم" أن تلك الترجمة نتجت عن "حلم" رآه الخليفة العباسي المأمون( ). فإن الحلم، حسب التحليل النفسي، هو تعبير غير مباشر ولا شعوري عن تطلعات ورغبات مكبوتة في لا وعي صاحبها (الحالم) في يقظته.
إذ نحن إمام نص ينقل إلينا تبريرا وافيا لعملية الترجمة ولقد كتب ابن النديم النص سنة 377 هـ. أي بعد وفاة المأمون بنحو قرن ونصف( ) . وقد حمل هذا الحلم( ) . صياغة بيانية تذكر بالحديث المشهور عن كيفية تمثل جبريل في صورة إنسان ، وقول الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم . والغرض من هذه الصيغة هو إضفاء المصداقية حتى يكون على مستوى الرؤية الصادقة ؛ إن السؤال الذي طرحه المأمون ( ما الحسن ؟) كان الغرض من ورائه هو تحديد وسائل إدراكه ، وبالتالي تحديد وسائل المعرفة . وهي هنا العقل ثم الشرع ثم الجمهور( ) . ويرى إن الهدف من الحلم هو مقاومة ( ) ( المعارضين). الفكر المعارض فلسفه سياسية دينية معرضه للسلطة السائدة قائم على( الوصية والعصمة ، وبالتالي وراثة النبوة مما يستتبع وراثة الخلافة والحكم ولمواجهة ذلك دفع المأمون إلى إدخال ( العقل الكوني ) بوصفه سلاحا يقف بوجه العقل المستقل)( ) . وجاء الرد من خلال رسائل إخوان الصفا على ستراتيجية المأمون الثقافية تلك ، لكن كيف التقى المأمون بـ"أرسطو في الحلم المذكور؟؟
أ – إن حديث المأمون عن أرسطو، في الحلم، كان حديث مدح وإعجاب وسرور: "وكأنني بين يديه قد ملئت له هيبة"، ثم "سررت به..".
وما يقوله المأمون عن أرسطو هو قول عن الفلسفة؛ فأرسطو يلخص ما قبله، وتساوي معرفته معرفة الفلسفة اليونانية بأكملها. لذا كان إعجاب المأمون (السلطة) بأرسطو إعجابا بالحقيقة الفلسفية.
ب – يوازي هذا الإعجاب، الذي يصدر عن رجل السياسة (المأمون) تجاه الفلسفة (أرسطو)، حاجة ملحة لدى السياسي للمزيد من الحديث الفلسفي. إذ نجد في الحلم أن المأمون يطالب أرسطو بالاستمرار في خطابه، وتزويده بالنظر الفلسفي: قلت: زدني.
ج – تتميز الحقيقة الفلسفية، في حلم زعيم سياسة الدولة العباسية، بأنها شيء ثمين، يرتفع إلى مستوى الذهب. ومن هنا يكون ضروريا الحفاظ على هذا الذهب، أي الفلسفة، التي يمثلها أرسطو.
د – إن اللجوء إلى أرسطو (الفلسفة)، في الحلم، كان من أجل سياسة إخضاع تدعي: توحيد الجمهور والمذاهب والملل: "عليك بالتوحيد".. تلك هي وصية أرسطو للمألوف، وصية الفيلسوف لـ"السياسي".
إن المأمون خليفة يقود دولة، ويسوس أمة، في فترة تاريخية معينة. لذا فإن حلمه هو حلم تلك الدولة (العباسية). وإن الأسئلة التي طرحها في حلمه هي أسئلة فرضتها تلك الفترة التاريخية (عهد العباسيين، وخاصة خلافة المأمون والمعتصم والواثق، في أواخر القرن الثاني والنصف الأول من القرن الثالث للهجرة).
هاهنا، إذن، تجد سياسة الواقع نفسها في فلسفة الحلم، مما يجسد اللقاء بين "سلطة سياسية" و"حقيقة فلسفية". إنه نوع من "الحلم الذي يتحقق"، إذ سيعمل المأمون على تأسيس بيت الحكمة سنة 215هـ، وهو تأسيس شرعي من السلطة السياسية لخطاب الحقيقة الفلسفية.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الكندي (185-260هـ)، باعتباره أول فيلسوف ، كان قد حظي برعاية خليفتين عباسيين، وهما المأمون والمعتصم، وإذا عرفنا أن الكندي - أيضا- كان قد دخل في صراع فكري شديد، مع الفقهاء والمتعصبين للنص الديني، في دفاعه عن مشروعية خطاب الحكمة والعقل، فإن الصورة تكتمل لدينا، وهي صورة ارتباط الفلسفة والسياسة، في المراحل الأولى لنشأة الفلسفة في المجتمع العربي الإسلامي.( )،يمكننا الآن أن نستنتج أن صورة هذا الارتباط قد اتخذت مظهرين اثنين:
ـ أحدهما إيجابي: إذ أبرزت سياسة المأمون خطاب الفلسفة، فتأسس وتجذر هذا الخطاب مع الكندي.وصول الى المعتزلة اذ تم توظيف البرهان الارسطي في خدمة السلطة وتصوراتها العقائدية: فان المعتزلة الأوائل كالعلاف المتوفى سنة 235 هـ. والنظام ( إبراهيم بن سيار ) المتكلم ألمعتزلي قد وظفوا مفاهيم تنتمي إلى ( المعقول العقلي ) في ردهم على المانوية لكنهم فعلوا ذلك بطريقة غير ناضجة ويعزى هذا إلى إن بعض هؤلاء المعتزلة الأوائل قد رد على أرسطو ذاته. ويرجع هذا إلى الشك في فهم هؤلاء لأرسطو ولتمسكهم بطريقتهم بالاستدلال ( الاستدلال بالشاهد على الغائب ) أي ارتباطهم بالبيان العربي واللغة العربية ( ) .
ـ ثانيهما سلبي: إذ عملت السياسة، مع المتوكل (232-247هـ)، على تكفير الفلسفة والقضاء على خطابها. وهنا تعادي السلطة السياسية، وبتوظيف السلطة الفقهية، الفكر الفلسفي الناشئ.( ) حيث جاءت محنة المعتزلة وصعود الاشعرية، اي ان العلاقة مع الفلسفة علاقة ذرائعية من اجل كسب المشروعية التي يمنحها اليها العقل دون القيام بمقتضياته من تشريع وتاسيس سياسي مؤسساتي بل مجرد وسيله من اجل التاثير والتثقيف ، لكن متى ماتحولة هذه الوسيلة الى ثقل ممكن ان تتحول السلطة الى وسيلة اخرى حتى وان كانت الضد تماما اي السلفية ؟ وممكن تتبع هذه العلاقة منذ البداية :


ترجمة الفلسفة وسياسة الدولة (المأمون وأرسطو):
1. لحظة البداية في مسيرة التعرف على الأخر : "أول شيء هو"الترجمة" ليس اهتماماً فردياً بالتأكيد، ليس اهتمام أفراد، وليس اهتمام رعايا، إنما هو اهتمام شرائح متعددة، شرائح اجتماعية، واهتمام الدولة أيضاً، اهتمام الدولة بالذات، يعني قبل كل شيء بترجمة العلوم لحاجاتٍ عملية تطبيقية، يعني مثلاً في الزراعة والطب، ويريدون أفضل ما وصل إليه العلم في ذلك الحين، ولحاجات أيضاً سياسية، اذ في الدولة العباسية بدأ المسلمون يمتزجون مع أبناء الشعوب الأخرى ومع أبناء الديانات الأخرى "( )الواقع أن انتقال الفكر اليوناني، الى الحضارة العربية الإسلامية، كان بفضل مجموعة من المترجمين الكبار، الذين نقلوا أمهات الكتب اليونانية الى اللغة السريانية ثم الى العربية، وأحياناً كان يتم النقل مباشرة من اليونانية الى العربية. ومن جراء التشجيع السياسي ازدهرت حركة الترجمة وحققت انتشاراً واسعاً. وكان الخليفة المهدي (توفي 169 هـ)( ) أول من أشار الى ضرورة ترجمة الكتب اليونانية وفي شكل خاص الفلسفية منها، لذلك طالب المهدي البطريرك النسطوري طيموثاوس الأول بترجمة كتاب «مقولات أرسطو»، وبالفعل تمت هذه الترجمة. وكانت هذه هي الشرارة التي بدأت معها حركة الترجمة بالتطور الفعلي، وبلغت أوجها في القرنين الثالث والرابع للهجرة، ومن أشهر المترجمين في هذين القرنين: عبد المسيح ابن ناعمة الحمصي، ويوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق العبادي، وإسحاق بن حُنين، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وأبو بشر متى بن يونس القنائي، وأبو زكريا يحيى بن عدي، وأبو علي بن زرعة.
2. هنا توصيف لمسيرة الترجمة : فأنها كانت من خلال أجزاء متفرقة من النصوص الأولى ترجمة كتابه ( السماء والعالم ) ترجمة ( يوحنا البطريق ) المتوفى سنة (220 هـ.) أصلحها حنين بن إسحاق المتوفى سنة ( 260 هـ.) . الثانية ترجمة كتابه المنحول ( اوتولوجيا) ترجمة ابن ناعمة ألحمصي المتوفى ( 220 هـ.) . الثالثة ترجمة ابن المقفع لأجزاء من منطق أرسطو( المقولات ) وتلخيص كتاب العبارة الذي يرجعه ( بول كراوس ) إلى ابنه عبد الله ابن المقفع الذي ترجم في زمن الخليفة المهدي وابنه الهادي ) الارغانون ) ليحيى بن خالد . هذه الترجمة ناقصة والدليل على ذلك كتاب أرسطو البرهان أو التحليلات الثاني لم يترجم إلا في القرن الرابع الهجري ، وقد كانت الترجمة على النوعية : في الفلسفة والأدب لأفلاطون / في الطب لابقراط / (وأكثرها في الرياضيات والفلك) لإقليدس وأرخميدس وبطليموس وغيرهم / من الفارسية التاريخ والأدب /من السنسكريتية في الرياضيات والطب والفلك والأدب / عن السريانية والنبطية، في الفلاحة والزراعة والسحر والطلاسم .
3. في سبيل التقييم للجهد الترجمة :والحقيقة أن لهؤلاء الرجال الأفذاذ الفضل الأكبر في تطوير الحضارة العربية الإسلامية، لأنهم وضعوا مُحصلة الحضارة اليونانية من علوم وفلسفة وآداب، في متناول مُريدي العلم والمعرفة في الإسلام، فأفضى ذلك إلى تكوين تيار ثقافي جديد غريب عن طبيعة الحضارة الإسلامية(من هولاء الفلاسفة تتكون أخطر جماعة في تاريخ الثقافة الإسلامية ،، فقد كانوا هم المسئولين إلى حد كبير عن إيقاظ الدراسات الأرسطية فالأقاليم المسيحية اللاتينية ، وكانوا هم الذين طوروا التقاليد الأرسطية التي أخذوها عن المجتمع السرياني، فصححوا وراجعوا محتوياتها بالدرجة المباشرة)( ).
4. الترجمة ولحظة : تكون النص الفلسفي العربي الاسلامي من خلال تفاعل الحقيقة (الفلسفة) والسلطة (السياسة) في فلسفة الإسلام يفرض نفسه بإلحاح على قارئها والباحث فيها، سواء في مرحلة تبلورها ونشأتها، أو في مراحل ما بعد النشأة: مراحل تطورها وانتعاشها، أو مراحل تراجعها وانتكاسها.لقد نشأت الفلسفة في الثقافة العربية الإسلامية، وامتلكت مشروعيتها أحيانا، وكانت موضوع تهيم ورفض في أحيان أخرى،.. وكانت هذه الصيرورة لفلسفة العرب المسلمين صيرورة "فلسفة" و"سياسة": صيرورة عانق فيها الفيلسوف (حامل الحقيقة) السلطة السياسية، وعانق فيها رجل السياسة (ممثل السلطة) الحقيقة الفلسفية. كما كانت صيرورة عانت فيها "الحقيقة الفلسفية" من عنف "سلطة السياسة".اذ كان الفلاسفة بين الواقع السياسي الذي شاركوا فيه أو انتقدوه وبين الأنموذج النصي أو العقلي المتمثل بالإرث القديم اليوناني الأفلاطوني أو الأرسطي أو الآداب الفارسية لقد كان النص الفلسفي السياسي بين المرجع والواقع في حالة من الاغتراب إذ ترابط ما هو فلسفي بما هو سياسي، في الثقافة العربية الإسلامية، اثأر الكثير من الأفكار والمواقف مثلت انصهار أفاق بين الماضي والحاضر بين النص والعقل بين الاستبداد والاعتدال ، بين الممارسة والنظرية .
5. دور النص الفلسفي في خدمة الخطاب السياسي للسلطة :هنا من رصد هذه اللحظة في المشرق وخلص إلى نتيجة "عابد الجابري " مفادها ان أرسطو كان غائبا في الثقافة العربية الإسلامية قبل عصر التدوين وكذلك في الحقل المعرفي في العصر الهلينستي حيث سادت الهرمسية في الأوساط المسيحية وكان المنطق معروفا لكنهم وظفوا منه الجانب الصوري ، التحليلات الأولى من اجل الدفاع عن وجهات نظر معينة( ) .لقد جاءت الفلسفة في المشرق العربي ممثلة في ابرز شخصيتان هما الكندي كونه مؤسس والفارابي وقد مثلا بنظر البعض (خطابا واحدا إذا أخذنا بنظر الاعتبار إن النظام المعرفي الذي يجمعهما ينتمي بمفاهيمه ونظرياته إلى أرسطو) . رغم انهما مختلفان( الناحية الإستراتيجية في الاتجاه والمضمون ).
أولا - الكندي ( 185- 252 هـ.)( ) أول فيلسوف عربي بـ ( دولة العقل في الإسلام ) اتخذ موقف التصدي ( للمعارضة )( ) . وقد عمل على مهاجمتها وتبنى أراء أرسطو بشكل عام ودافع عنها بوصفها المعقول الديني للفلسفة وعلومها ردا على الفقهاء والمتكلمين ، لكن مع هذا كان الكندي بنظر عابد الجابري ذا طابع سجالي نظرا لغياب المنطق الذي يمكن إن يعزوه إلى إن المتداول من المنطق في عصره كان خاليا من كتاب البرهان الذي ترجم في عصر الفارابي (260 – 339 هـ.) الذي كان هدفه تحقيق الوحدة على صعيد الفكر والمجتمع معا متجاوزا الطابع السجالي إلى الأخذ بخطاب (العقل الكوني )( ) . متخذا من المنطق وسيلة للحد من الفوضى الفكرية التي كانت تمزق الفكر والمجتمع( ) . فالكندي كان مدافعا عن ( البيان ) مشغولا بالرد على العرفان لذلك أهمل الفلسفة السياسية وانشغل بممارسة الفلسفة دفاعا عن السياسة( ) .الا اننا رغم ملاحظتنا لعلة القول السابق الا اننا نرصد ان الكندي كان مثقف قد وظف قدراته في التاسيس للبرهان في الفكر العربي الاسلامي برعاية الدولةرغم اننا نجد أن للكندي مؤلفات كثيرة في الحقل السياسي، إلا أنها غير موجودة لامخطوطة ولامطبوعة، وقد أشار العديد من المؤرخين والباحثين الى أن للكندي رسائل ومؤلفات في السياسة،الا اننا يضاَ ممكن ان نرصد في ثنايا كتبه او رسائله الموقف المدافع عما يسميه الجابري البيان ، فهو القائل للخليفه المعتصم( ) " أطال الله بقاءك يا ابن ذرى السادات، وعرى السعادات، الذين من استمسك بهديهم سعد في دار الدنيا،ودار الأبد، وزينك بجميع ملابس الفضيلة وطهرك من جميع طبع الرذيلة.
إن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة، وأشرفها مرتبة صناعة الفلسفة التي حدها: علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان؛ لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق، وفي عمله العمل بالحق، لا الفعل سرمداً، لأنا نمسك وينصرم الفعل إذا انتهينا إلى الحق. ولسنا نجد مطلوباتنا من الحق من غير علة، وعلة وجود كل شيء وثباته الحق: لأن كل ما له أنية له حقيقة، فالحق اضطراراً موجود إذن الأنيات موجودة. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق. ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف: لأن علم العلة أشرف من علم المعلول، لأنا إنما نعلم كل واحد من المعلومات علماً تاماً إذا أحطنا بعلم علته. لأن كل علة إما أن تكون عنصراً، وإما صورة وإما فعالة: أعني ما منه مبدأ الحركة، وإما متممة: أعني ما من أجله كان الشيء.والمطالب العلمية أربعة كما حددنا في غير موضع من أقاويلنا الفلسفية: إما هل، وإما ما، وإما أي، وإما لم، فأما هل فإنها باحثة عن الأنية فقط؛ وإن كل أنية لها جنس، فإن ما تبحث عن جنسها، وأي تبحث عن فصلها، وما وأي تبحثان عن نوعها، ولم عن علتها التمامية إذ هي باحثة عن العلة المطلقة. وبين أنا متى أحطنا بعلم من عنصرها فقد أحطنا بعلم جنسها، ومتى أحطنا بعلم صورتها فقد أحطنا بعلم نوعها،وفي علم النوع علم الفصل، فإذا أحطنا بعلم عنصرها، وصورتها، وعلتها التمامية، فقد أحطنا بعلم حدها. وكل محدود فحقيقته في حده. فبحق ما سمي علم العلة الأولى الفلسفة الأولى، إذ جميع باقي الفلسفة منطو في علمها. وإذن هي أول بالشرف وأول بالجنس، وأول بالترتيب من جهة الشيء الأتقن علميه، وأول بالزمان إذ هي علة الزمان."( )، ثم أن النتيجة التي يتوصل اليها هي ذات النتيجة التي يدافع عنها علم الكلام أي الدفاع عن العقيدة فهو يقول : فنحن نسأل المطلع على سرائرنا، والعالم اجتهادنا، في تثبيت الحجة على ربوبيته، وإيضاح وحدانيته،وذب المعادين له، والكافرين به عن ذلك بالحجج القامعة لكفرهم، والهاتكة لسجوف فضائحهم،والمخبرة عن عورات نحلهم المردية، وأن يحوطنا ومن سلك سبيلنا بحصن عزه الذي لا يرام، وأن يلبسنا سرابيل جنته الواقية، ويهب لنا نصرة غروب أسلحته النافذة والتأييد بعز قوته العالية حتى يبلغنا بذلك نهاية نيتنا من نصرة الحق وتأييد الصدق، ويبلغنا بذلك درجة من ارتضى نيته وقبل فعله، ووهب له الفلج والظفر على أضداده الكافرين نعمته، والعائدين عن سبيل الحق المرتضاة عنده.ولنكمل الآن هذا الفن بتأييد ولي الخيرات، وقابل الحسنات. ( )

ثانيا – الفارابي ( )
اولا - فضاء النص "الثقافي"

"أي الربط بين النص والمنتج والثقافة " :وفيه نتناول طبيعة التفكير وإشكاله والأعراف والعادات والسياسية والفكرية : لما هو افلاطون الحقيقة أن الفارابي كان وليد نظام سياسي وثقافي شرقي يقوم فيه على تماثل مع أفلاطون الذي بدوره كان متأثر بالفكر السياسي المصري الا أن الفارابي اقرب ما يكون إلى الفكر الشرقي والمصري جزء منه اذ هناك عملية جمع بين الراعي السياسي والراعي الإلهي فهو واسطة بين السماء والأرض خاضع الى اختيار جبري متعالي جلعته يمتاز بصفات استثنائية على المستوى تظهر في صفاته المفارقة التي تجعلنا اقرب ما نكون إلى الفكر الاسماعيلي وإخوان الصفا لكن بلبوس أفلاطون( ) وتمثيل أرسطي غائي ولعل هذا الأمر يجعنا نتذكر التحليل الذي عرض له مشيل فوكو ومحمد عابد الجابري :اذ ثمة فرضية قدمها مشيل فوكو في تصور الاختلاف في النظر إلى الراعي السياسي بين الفكر الشرقي والفكر اليوناني حيث يحدد الفــرق بين (( السلطة الرعوية )) في الشرق القديم والفكر السياسي عند اليونان ، وذلك من خلال المقارنات الآتية:




أ‌- يلاحظ أولاً إن الراعي في الفكر الشرقي القديم يمارس سلطته على ( قطيع ) يرعاه ، وليس على الأرض كما في الفكر اليوناني. وهكذا تختلف العلاقة بين الآله والبشر هنا عنها هناك: فالآلهة عند الإغريق يملكون الأرض ، وهذه الملكية هي التي تحدد العلاقة بين الناس وآلهتهم ، وبعبارة أخرى إن علاقة الآلهه بالناس تمر عبر الأرض: الآلهة يتصرفون في الناس بوساطة الأرض من خلال ( التحكم في الفصول والخصب وأحوال الناس.
أما في الفكر الشرقي القديم فليس هناك مثل هذا ( التوسط ) في العلاقة بين الإله الراعي ورعيته. إن العلاقة بينهما علاقة مباشرة: الإله الراعي يمنح الأرض لشعبه أو هو يعده بها. فالآلهة في الفكر اليوناني تملك الأرض ومن خلالها وبواسطتها تتصرف في أقدار الناس ، أما الفكر الشرقي القديم فالإله يملك العباد وقد يعطيهم الأرض ، وقد يعدهم بها.
ب‌- مهمة الراعي أن يجمع شمل الرعية ويقودها وليس ثمة شك في إن مهمة الرئيس السياسـي عند اليونان الهدوء والأمن داخل ( المدينة ) وعلى إشاعة الوحدة والائتلاف فيها. ولكن الفرق بين الفكر الشرقي القديم والفكر اليوناني في هذه المسألة فرق واضح أيضاً: ذلك إن ما يجمعه الراعي الشرقي هم الأفراد المتناثرون المشتتون الذين يلبون نداءه اذا دعاهم للاجتماع لصوته و (( ضميره )) ولكن ما إن يختفي الراعي حتى يتشتت شمل القطيع / الرعية.
ج_ الراعي في الفكر الشرقي يضمن الخلاص للرعية. واليونانيون يقولون أيضـا إن الالهه تنقذ المدينة ، وهم كثيراً ما يقارنون الرئيس الفاضل بربان سفينــة يقف فيها بعيداً عن الصخور فيجنبها الارتطام بها. لكن الكيفية التي يخلص بها الراعي في الفكر الشرقي رعيته تختلف عن الكيفية التي ينقذ بها الربان سفينته: فالرعية لا تعني قيادة السفينة وتجنبها الأخطار بوصفها كلاً ، أي كسفينة ، بـل هي رعاية دائمة يقوم بها الراعي لكل فرد من رعيته ، كلاً على حدة.
د_ ويبرز فوكو فرقاً أخر هذه المرة بممارسة السلطة ودوافعها: الرئيس ، رئيـس :المدينة عند الإغريق يصدر فيها عن فكرة الواجب فالواجب ، واجبه رئيســاً هو الذي يفرض عليه. أما الثواب الذي يناله عندما يقوم بما يفرضه عليـــه الواجب ، من الانقطاع إلى العمل من اجل المصلحة العامة ، فهو تخليد الشعب له: فالذين يضحون بحياتهم أثناء الحرب ، من اجل المدينة ، أبطال خالـدون.
أما الراعـي فهو يصـدر رعايته لرعيته ، لا عن فكرة الواجب بل بدافــع ( الإخلاص ) وهو يخلص رعيته يسهر على حقيقة ، وذلك شغله الدائم من خلال انه يعمل على تدبير طعام قطيعه بينما قطيعه نائم وانه يسهر عليه بعينه التي لا تنام لا يسهو ولا يغفل عن أي فرد منه ( )
يمكن الحفر في المكون المعرفي والبطانة ألاشعورية التي تستبطنها جمله من الفرضيات يمكن أن تكون هاديا لنا من اجل توصيف الفكر السياسي الإسلامي خصوصا عند فلاسفة الإسلام وهم يحاولون أن يجدوا حلول للواقع السياسي يومها
أن المجتمع الإسلامي مجتمع يتصف في كونه مجتمع خراجي ، فأنه الكثرة الكاثرة من الشعب المسخر تتألف من المقاتلة والموالي وقد كانوا يشكلون بالفعل الوسط المُلْهِم لبعض الاتجاهات الفلسفية.والانتفاضات التي هي غالبا تطرح تصورات معارضة الأيدلوجية المهيمنة ثم ان اغلب أصحاب هذه الأفكار من كان لا يحتلون مواقع في صفوف هذه الارستقراطيه"القريشية " نفسها .. تحاول مثقفي تلك الفئات استثمار الرأسمال الرمزي الذي يسبغ الشرعية على السلطة غالبا ما يكون مستمد من الدين اذ (فكرة الدين هي التي تتيح المجال لإدراك طبيعة السلطة للوقوف على ماهية الاجتماع ذاتها. وبيانه ، إن الدين يتضمن أولا مبدأ ( الخارجية ) أي القول بأن المجتمع يستمد قوانينه من خارجه لا من ذاته. ويتضمن ثانياً ، مبدأ (( المغايرة )) أي القول بأن البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم وليس إلى بشـر مثلهم ، ويتضـمن ثالثاً ، مبدأ (( الانفصال )) ، أي القول بوجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره ، بين المجتمع ومصدره ، بين الجماعة والمبدأ المؤسس لها. فأن هذه المباديء تحدد أسـس الواقعة الدينية البدائية فإنها تشــكل من جهة أولى شروط أمكان الدولة ؛ لان نشوء الدولة ما كان ممكناً الإ أن يعقل المجتمع نفسه بواسطة مبدأ خارج عنه.( ).
وبالتالي يشكل الدين القوة التي تمنح الشرعية وتسبغ على أي فعل القبول وبالتالي يدفع الناس إلى التغير والثورة .والتي وقدنا مصادقها بالتحول الإسلامي من حيات الجاهلية والبداوة إلى حياة أخرى بفعل عامل محرض فقام أرشيف جديد محرض للتحول نحو الأفضل وهو يعتمد على قوة خفيه هي المحرضة على التحول هذا ؟
وفي نفس إذا ما عدنا إلى طبيعة المجتمع الخراجي نجده يربط بين الدولة والقوى الغيبية وبالتالي يرتبط بالاحتجاج على الدولة بالاحتجاج على الغيب ،وبالتالي كل الحركات المذهبية والصوفية والفقهية لا يمكن أن تكون بعيدة عن هذا المؤثر لهذا غالبا ما يرتبط الأمر بالدين والاختلاف في تأويل النصوص وعادة امتلاك المعنى وهذا يتحقق من خلال مناهج تقوم على إعادة تأويل النصوص الدينية بشكل يجعل منها وسيله الامتلاك الرأسمال الرمزي والعنف الاجتماعي غالبا ما يمنح بعدا دينيا ولعل هذا العنف المادي تحول إلى عنف رمزي عبر إنتاج التأويلات المغلقة ، تنطلق من "مشكلة الإيمان" وجهاد النفس ، أي القرب من المعتقد وتأويلاته المركزية .مما يجعل الفكر ينشطر بين تأويل رسمي أقيمت على أساسة الدولة وبين تأويل جديد يحاول إقرار معنى جديد أو تأويل جديد مما جعل السلطة تتبنى مذاهب معينة تحول إلى خطاب مركزي وقد وصف "ارنست غلينر "هذا الانشطار : ويرى ان الفرق بين النمطين : يعتنق الإسلام النخبوي الرفيع الفقهاء والعلماء في المراكز الحضرية (وينتمي هؤلاء غالبا الى طبقة التجار حيث تجتمع بين الثقافة والعلم والتجارة وتعكس الميول والقيم الطبيعية للطبقات الوسطى المدنية وتشمل هذه القيم النظام ، والتقيد بالقوانين والقواعد ، والرزانة والرصانة ، والتعلم وتنفر نفورا شديدا من الحالات الهستيرية والإسراف في الاهتياج العاطفي والوجداني . والاستخدام المفرط للاستثمارات السمعية البصرية المساعدة على نشر الدين . يشدد هذا النمط العالم الرفيع من الإسلام النخبوي على الطبيعة التوحيدية ، أما الإسلام العام أو إلا سلام القاعدي الشعبي بثقافته الدنيا فمختلف تماما ( )
فاعتماد الرأسمال الديني من اجل تجيش المشاعر وتعبئتها من اجل إقرار المعنى الحق وإزالة التضليل والكفر هذا يشكل مخيال جمعي يستثمر العواطف خلف التأويل الجديد هذا الأمر أسبغ وسيلة جديدة في النظر إلى القيادات التي لم تعد ذات طابع ناسوتي يذكرنا بربان السفينة. بل أصبحت كرزما متعالية على المحيط مهمة تتمثل بإنقاذ الأنفس وتحقيق العدالة . ولعل هذا الأمر بدا مع الحكم الأموي القائم على حكم يعتمد على تحالف عشائري غالبا ما يكون الحاكم شبيه بزعيم القبيلة بالمقابل هناك ثورات تطالب بالحكم وفق معنى وتأويل مختلف للإسلام الرسمي وتتهم الحكم بالزيغ عن المعنى الحقيقي للدين انظر الثورة العلوية والعباسية والثورات في الأمصار .
ألا إن الحاكم سوف يتغير دوره ووظائفه مع اتساع نفوذه وتحول الدولة إلى حكم شبيه بالحكم الكسروي حيث سوف تظهر الإحكام السلطانية جاذبتا معها الخلفية الفارسية إذ الخلافة العباسية التي جاءت تحت شعارات وتأويل جديد للإسلام يختلف مع التصور الجبري الأموي إلى تأويل قدري ومطالبة بالحق بالحكم كانت عبارة عن إيديولوجيا ثورية تقوم على الانقلاب الذي يقود إلى تغير النظام وعادت تأسيس السلطة وفق رؤية تقوم على تأويل جديد كان من ألوانها القول: بالقدر والاختيار والاعتزال ، إلا أن السلطة عاشت تطور لاحق إلى تضخم دور الحاكم الذي أصبح خليفة الله على الأرض و توسع بعد تأسيس الجيش ولم يعد الخليفة بحاجة إلى التحالفات العشائرية ، توسع دور الخليفة القطب الاوحدد الذي تم استنساخ شخصيته في اغلب الشخصيات القيادية كما عبرت عنها الأفكار الدينية والصوفية حيث أصبح المهم هو الرئيس وأصبح الصحابة بمثابة إتباع وعبيده كما هو مع الكتاب والموظفين فهم البطانة التي تعزل الخليفة عن الناس ألعامه ولعل هذا يستدعي بنظرنا التصور الفارسي كما جاء في الإحكام السلطانية او الفكر الشرقي القديم الذي تضخمت شخصية الملك لديه هذه السلطة الفاعلة والمؤثر في تشكيل المخيال السياسي عند البحث عن طبيعة تلك السلطة في الثقافات السابقة للرأسمالية أولا، يطالعنا التحليل التالي:
1. تكون لدى إنسان الشرق ايديولوجيا تربط بين التصورات الاجتماعية والتصورات الكونية في مفهوم الدولة ـ التي من النمط الخراجي ( بدل الآسيوي ) ـ إيديولوجيا قوامها منظومة من المفاهيم والتصورات المركبة المتداخلة ، هي من اخص خصائص العقلية التي من النمط الخارجي ، تصورات توحد وتجمع بين: (1) الألوهية ؛ (2) الطاغية ؛ (3) وظائف السياسية القانونية ، وظائف التنظيم ( القانون الأخلاقي والديني ، القانون السلطوي القمعي ) الذي تقوم به الدولة الخراجية ؛ (4) نظام حركة الكون ؛ (5) خصوبة الحقول. وتتأسس الوحدة بين هذه العناصر في ذهن الرجل الشرقي القديم على الاعتقاد في الأصل الإلهي لسلطة الطاغية الحاكم المستبد والاعتقاد في القوانين التي يسنها. بإلهام من الإله ، هي قوانين مكملة بطبيعتها ، للقوانين الطبيعة ينتج الخصب ، خصب الأرض: هناك وحده بين الأمر التشريعي الصادر عنه وبين الحركة الكونية كالليل والنهار والفصول ( وبالتالي خصوبة الأرض ) لأنها جميعاً من الله. ( ).

ثانيا - العلاقة بين المثقف الفيلسوف والحاكم :

ان الحديث عن هذه الجدلية يقودنا الى الحديث عن العلاقة بين :
1- الفيلسوف والفقيه: اذ يشكل الاول عامل مغترب على ثقافة يهيمن عليها الفقيه الذي يهيمن على المشروعية الدينية التي ترتبط بالناس و التي تعمل الدوله على كسب طاعتهم . وهنا تاتي ملازمة الفقهاء للسلطة، ومسايرة السلطان للفقهاء، والعمل بأقوالهم وفتاواهم...، إن ذلك هو ما يشير إلى الارتباط الذي نحن بصدده: لقد كفر الفقهاء متكلمي الاعتزال بأمر من السلطان (المتوكل)، كما أحرق السلطان "علي بن يوسف بن تاشفين" كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين" بإيعاز من الفقهاء( )من هنا يمكن ان ندرك دور الفيلسوف الذي يشغل حيز يقوم على التلميح لا التصريح ويعمل على انتاج خطابه بشكل يتوافق مع افق التلقي الا انه يعمل على التاسيس لافكاره ورغباته من خلال القول بوحدة الحقيقة الا ان الطرق الموديه اليها متنوعة وهو قول يريد منها التاكيد على ان العقل احد المناهج التي تقر الثوابة الا انها تختلف في المسالك الا ان هذا يشكل محاولة من اجل كسبب الشرعية التي تبيح الخوض في قضايا ومواقف للفيلسوف فيها موقف مميز .
2- العلاقة بين الفيلسوف او المثقف بشكل اعم والسلطة : هنا يمكن ان نمسك بالكثير من ملامح الحده بين السلطة والمثقف تميل الى الترويض والاكراه او التوظيف او الاحتواء . وهنا يظهر الفارابي بوصفه مثقف ظهرت اهتماماته بالسياسة بينة ثمة الكثير من الاشارات التي تربط الفارابي بالفلسفة السياسية ، الذي كانت حياته تجمع بين ممارسة الفلسفة والمنطق، تأليفا وشرحا، إذ يقول بول كراوس: "إن النظرة السياسية تهيمن على فكر الفارابي لدرجة أن باقي الدراسات الفلسفية، بما فيها الإلهيات والأخلاق، وحتى الطبيعة والمنطق، تتبع تلك النظرة - السياسية- وتخضع لها"( )،ويرى هنري لاووست : بأن الجزء الرئيسي والمحوري في فلسفة الفارابي، وأكثر فروعها إحالة، هو سياسته وبين وجوده في علاقة مع السلطة السياسية. فقد انتقل إلى دمشق، ثم اتصل بسيف الدولة الحمداني صاحب حلب، فضمه إلى علماء بلاطه واصطحبه في حملته على دمشق( )
ثالثا- الفضاء السياسي للنص :

إن نظرة سريعة لكتاب "الفارابي"، المسمى "آراء أهل المدينة الفاضلة"، تكفي لاعتباره نموذجا ممتازا لارتباط "الفلسفة" و"السياسة"بل أن الكتاب يقدم لنا صورة متكاملة عن مكان الفعل السياسي داخل الفضاء الوسيط بشكل عام و الإسلامي الفلسفي على وجه الخصوص حيث مركزية الله هي المركزية الفاعلة على عكس الخطاب الحداثوي الذي ينطلق من مركزية الانسنة .
إذ احتل العقل النظري إلى جانب النص المرجعية الأساسية ومفادها ارتباط السماء بالأرض حيث كل شئ له غاية ماورائية ضمن فضاء متعالي حيث هناك خالق ومخلوق لهذا الكون والأخير ينقسم الى عالم سماوي يتسم بالثبات والكمال واللامادية مقابل عالم المادة عالم الكون والفساد كما رسمته الفلسفة اليونانية على المستوى العقل النظري وكما حدد فضاءه النص في الإسلام فأصبح لهذا الكون غاية مرسومه من قبل العلة الأولى . ولعل هذا الكتاب( ) خير ما يعبر عن تلك الرؤية إذ يتضمن خطابا في الميتافيزيقا، ويتعلق الأمر بالحديث عن واجب الوجود، وعن "تراتب الموجودات"، وعن "فيض العقول"، وعن "المادة والصورة"، وعن "اتصال النفس بالعقل الفعال". ويتضمن الكتاب نفسه، من جهة ثانية، خطابا في السياسة، ويتعلق الأمر هنا بالحديث عن "ضرورة الرئيس للمدينة"، وعن "خصال الرئيس" وعن "العدل".إن كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة" هو كتاب "فلسفة" و"سياسة". وعلى الرغم من أن فصول الحديث الميتافيزيقي تفوق، من حيث عددها البالغ سبعة وعشرين فصلا، فصول الحديث السياسي العشرة، فإن عنوان الكتاب، ومنذ البدء، يجعل منه كتاب "سياسة"، ويحدده كخطاب عن "مدينة فاضلة"؛ مما يسمح بافتراض أن القسم الميتافيزيقي في الكتاب (نظرية الفيض) مدخل ومقدمة للقسم السياسي (المدينة الفاضلة). ونمثل لذلك بما يلي:
أ – يطرح الفارابي ضرورة واجب الوجود - الله- لكي يتحقق وجود الموجودات ونظامها. كما يطرح ضرورة الرئيس لكي يتحقق نظام المدينة، ولكي تكون فاضلة. ونقرأ في هذا الطرح تماثل مفهومين أساسيين: مفهوم داخل النظرية الفيضية الفلسفة (واجب الوجود)، ومفهوم سياسي (الرئيس)، هذا التداخل بل والاحتواء والهيمنة بين السماء والأرض أو بلغة أرسطو عالم الأفلاك وعالم الكون والفساد حيث هذه العلاقة القائمة على هيمنة السماء على الأرض داخل نظام غائي ولعل هذا واضح في رؤية ومنهج الفارابي حيث الاجتماع السياسي يتبع للميتافيزيقا د اخل نظرية الفيض وقد ترجم هذا في كتابه :"أهل المدينة الفاضلة " حيث تم تناول الحديث عن القول في الموجود الأول في تسع أبواب؛ ثم الحديث عن صدور الموجودات والنفس عنه وعلاقتها بالبدن والمنامات ثم الحديث عن الوحي ورؤية الملك في أربعة عشر باب ثم الحديث عن احتياج الإنسان إلى الاجتماع والتعاون والعضو الرئيس وخصاله ومضادات المدينة الفاضلة واتصال النفوس الخ تم تناول هذه الموضوعات فقط في اثنا عشر باب هكذا يمكن الحديث عن جزئين عالم ما بعد الطبيعة حيث العقل الأول والأفلاك والعالم الطبيعي أو الكون والفساد الذي يشكل جزء منه الاجتماع السياسي لكن تم دمج كل هذا عبر "نظرية الفيض "وهو ما يمكن تأصيله بالرجوع إلى أفلوطين ومفهوم القائلون "بالأحادية" فقد كان (أفلوطين) قد واجه المشكلات السابقة وقد كان بين ضاغطين الأديان التوحيدية من جهة، والفلسفة اليونانية من جهة أخرى اجتهد في أن يوفق بينهما فقال برد الأشياء الى الله على أساس أنها صدرت منه وبنفس الوقت حاول ان يبقي للمادة اختلافاً عن الله فافترض انها اخر الفيوضات، وبذلك فهي مثلت الفيض بالنسبة لها قبلها في سلسلة الفيض( ).
ومن هنا جاءت الاراء الكثيرة حول مفهوم الوجود وطبيعته والتي تشكل تأثيرا كبيراً في افكار العصور الوسطى اذ كان المدرسيون والفلاسفة المسلمون يميزون بين وجود الله ووجود سائر الكائنات ويرون ان لفظ (الوجود مشكل اي لا يدل على صفة بدرجة واحدة، فالوجود في الجوهر اقوى منه في العرض، والوجود في الله اقوى منه في الإنسان وربما لا نهاية له من الدرجات، ذلك ان وجود الله وجود بذاته (ens ase) بينما وجود الإنسان وجود بغير ه ( ).وفي هذا يفتتح الفاربي كتاب اراء اهل المدينة الفاضلة بالحديث عن الموجود الاول :هو السبب الاول لوجود سائر الموجودات كلها وهو برئ من جميع إنحاء النقص وكل ما سواه فليس يخلو من أن يكون فيه شئ من إنحاء النقص





بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا