مقال فلسفي : حوار مع الروائية الفيلسوفة أيريس مردوخ: الرواية الجيدة هي هِبة للإنسانية
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة




منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس



القسم الثاني

* : هل ما زلت تكتبين بيدك باستخدام قلم و ورقة؟
- : أوووووووه ، نعم ، نعم ، نعم
* : بلا كومبيوترات و لا ناسخات؟
- : أبدا .
* : و تأخذين مسودتك الوحيدة إلى الناشر المرتقب لأنها كل ما كتبت ؟
- : نعم ، في ختام أي عمل لا يكون لدي سوى نسخة وحيدة . اعلم ان بعض الناس يحبون العمل على الكومبيوترات ، لكنني اختلف عنهم بكوني مغرمة بعمل الكثير من التصويبات مع تقدم العمل و ان الشاشة الخضراء الفاتنة للكومبيوتر أمام المرء قد تجعله مندهشا ألى حد أن لا يقدم على إجراء أية تعديلات على النص.
* : أحكي لنا شيئا عن عاداتك اليومية في العمل.
-: أحب العمل و أعمل متى ما توفر الوقت لي للعمل ، لكن يتوجب أيضا ان أعمل أشياء كثيرة أخرى، كالغسيل و شراء الطعام ، و لحسن الحظ فإن زوجي يقوم بواجب الطبخ . أذهب مرات للقاء أصدقائي في لندن و أنشغل أحيانا في كتابة رسائل تستنفد مني الكثير من الوقت ، لكنني على العموم اعمل بشكل منتظم كل الوقت : أذهب للنوم مبكرا و أصحو و أمارس الكتابة مبكرا في النهار ، أعمل طوال الصباح ثم اذهب للتسوق بعد الظهر و أعود للكتابة منذ الرابعة و النصف عصرا حتى الثامنة مساء ، لذا تراني اعمل بانتظام اغلب الوقت و لمعظم الأيام و هي أيام اكثر بكثير مما قد يظن معظم الناس .
* : كيف تختارين أسماء شخصياتك الروائية ؟
- : ينبغي للشخصيات ان تختار أسماءها بنفسها و ليس بوسع المرء سوى الانتظار . إذا ما حصل خطأ ما في الاختيار فمن الممكن ان يكون أمرا خطيرا . ينبغي للشخصية ان تعلن عن اسمها الشخصي . أعمل في العادة قوائم بالأسماء ، و يمكن لي ان أخترع الأسماء أيضا . حدث مرة ان اخترعت اسما لشخصية أسميتها Gavender و ظننت انه لا يمكن لأحد أن يتسمى بهذا الاسم ، و بعدها تلقيت رسالة من أحد الأشخاص في الولايات المتحدة يكتب فيها لي : كيف عرفت ما حدث لعائلتنا ؟ !! . إن اختراع الأسماء لشخصيات روائية عمل مسل للغاية.


* : ما هي المشكلة التقنية الأكثر صعوبة في العادة التي تعترضك عند كتابة رواية ؟
- : هي ذات المشكلة التي أشرت اليها سابقا : كيف تبدأ الرواية و متى تقوم بهيكلتها و تحديد السرعة التي تتحرك بها الشخصيات ، إنها عملية تماثل الانتقال من حرية كاملة إلى قفص ضيق ،إذ عليك ان تقرر بأية سرعة تتحرك و متى تقرر ما ستؤول اليه الثيمات الرئيسية في الرواية .
* : قلت مرة " إن المرء يمكنه أن يتخذ من أنماط أدبية نماذج مؤثرة في سلوكه " ، هل يمكن ان تقدمي لنا أمثلة ؟
-: هل قلت ذلك؟!! حسنا ، لا أذكر السياق لكنك حتما تشعر بالتعاطف و تتقارب في سلوكك اليومي مع بعض الشخصيات الروائية ، النمطان المحببان لي هما " أخيل "Achilles و "السيد نايتلي Knightly Mr." و يمكنني أيضا الإشارة إلى الشخصيات التي ترد في روايات ديكنز و دوستويفسكي و تولستوي باعتبارهم الكتاب الأخلاقيين الذين يصورون التعقيد الكامن في المنظومة الأخلاقية و صعوبة ان تكون خيّرا في هذه الحياة . أشار أفلاطون في كتابه " الجمهورية " إلى ان الشخصيات الشريرة جذابة و ممتعة ، في حين تبدو الشخصيات الخيرة متماثلة و باعثة على السأم و هذا يؤشر مشكلة أساسية : إن من الصعوبة تماما أن تكون خيّرا في الحياة مثلما هو صعب تماما على الفن تصوير الأفعال الخيرة ، أظن ان المرء يتأثر بالبنية الأخلاقية الكلية للعمل الأدبي كما نفعل كلنا تجاه الأعمال الشكسبيرية التي أعدها مثالا عظيما للأعمال الروائية لأنها تصور بطريقة غير مجهدة للقارئ المعضلات الأخلاقية والصراع القائم بين الخير و الشر . أظن ان شكسبير مثال عظيم عن كيف نروي قصة ما وكيف نخترع الشخصيات و كيف نصور الأفعال الدرامية التي لها دلالة روحية عميقة .
* : إذا لم تكن شخصياتك الروائية تعود لشخصيات واقعية في معظم الأحيان على عكس الحالة السائدة عند أغلب الروائيين مثل همنغواي و لورنس ، فكيف تخلقينهم إذاً ؟
- : أجلس و أنتظرهم حسب. أمقت كثيرا فكرة ضخ شخصيات حقيقية في جسم الرواية ليس بسبب أن ذلك سيكون موضع تساؤل أخلاقي إنما لكونه سيغدو- برأيي -مملا أيضا . أريد اختراع شخصية لم توجد من قبل ثم تبدأ سمات الشخصية بالنمو مع تقدم العمل . الصورة الأولى للشخصية تكون في العادة ضبابية : تعلم مثلا أن ( فلانا ) في الرواية مواطن صالح أو ذو ميول دينية و قد يكون بيوريتانيا(Puritanical طهرانيا ) و ينبغي لي منذ البدء ان أملك فكرة ما عن المشكلات التي ستواجهه و علاقاته مع الشخصيات الأخرى ، لكن التفاصيل الخاصة التي تعتمد عليها الرواية ، مظهره ، سماته الخاصة ، خصوصياته، مزاجه ، هذه كلها تفاصيل تأتي لاحقا .
* : شخوصك الروائية ليسوا بالضرورة أبرياء ، يمكن لهم أن يجنحوا إلى العنف و جميع الأفعال السيئة الأخرى و مع ذلك يبدو أن فيهم دافعا ضمنيا نحو الخير . أية فلسفة تكمن وراء هذا ؟
- : لا أظن ان هذا له علاقة بأية فلسفة . إن تضمين الموضوعات الأخلاقية في الرواية يمكن أن يتضخم بفعل بعض الاعتبارات الفلسفية ، لكن من الخطر في المجمل كتابة رواية فلسفية خالصة فليس من السهل على الروائيين التخلص من هذا النمط في الكتابة متى ما علقوا فيه . خذ مثالا : توماس مان ، الكاتب الذي أعشقه ، عندما تبدأ شخصياته حوارات فلسفية طويلة للغاية يتنامى شعور بأنه كان بوسعه كتابة رواياته بطريقة أفضل دون هذه الحوارات . رواياتي ليست روايات فلسفية .
* : لكن بعض شخصيات رواياتك تدير حوارات تنطوي على حجج فلسفية ؟
- : نعم ، أحيانا ، لكنها في العموم ليست حوارات طويلة .




* : تشيرين في أعمالك ما الذي يعنيه الدين لأناس لا يؤمنون بالله ، هل يمكنك ان تعلقي على هذه الموضوعة ؟
- : هذا سؤال يعنيني و يمتعني كثيرا، عندما انظر إلى مجتمعاتنا الغربية ، أجد أننا اذا ما اردنا أن يكون لنا دين ، أن ندين بدين ما ، فينبغي ان يكون دينا بغير " الإله " ، لأن الإيمان بإله شخصي صار مستحيلا لكثير من الناس ، إنه لسؤال غاية في الصعوبة أن نعلم ما الذي يعنيه الإيمان بإله شخصي . أنا نفسي اعلم تماما بأنني لا اؤمن بأي إله من هذا النوع ، كما لا أؤمن باللاهوت المسيحي و بالحياة بعد الموت ، اعتقاداتي هي بوذية في جوهرها و لقد انجذبت إلى البوذية بقوة لأنها تجعل الأمر واضحا تماما ، يمكن ان يكون لك دين من دون " الاله " و إن هذا الدين سيكون أفضل من غير الاله ، لأن الدين سيكون معنيا بما تقوم به في اللحظة الحاضرة و في كل لحظة من حياتك : كيف تفكر و ماذا تفعل و كيف تنظر إلى الحب و التعاطف و التغلب على الذات و رؤية الفارق بين الوهم و الحقيقة .
* : في كتابك عن ( سارتر ) تكتبين عن نوع من انهيار السلطة الأخلاقية ، و عن غياب الدين و الإحساس بالفوضى و الضياع؟
- : أنت تأخذني بعيدا إلى الوراء حيث سادت حقبة سارتر . كانت شعبية سارتر لا تصدق بعد الحرب العالمية الثانية ، حتى ان الناس الذين لم يكن لديهم أدنى اهتمام بالفلسفة شعروا بفضل سارتر ان الفلسفة إنما خلقت من أجلهم لأن الحرب كانت قاسية و مدمرة للأرواح حد ان الناس جاهدوا في طلب شيء " روحي " يعينهم على المضي في حياتهم . جاءت فلسفة سارتر الوجودية بمفهوم الحرية الكاملة و بفكرة أن تأخذ نفسك إلى حيث يمكنك الاختيار الحر الذي يتجاوز المسلـّمات و الشعور البليد بأنك " محتوى" و غاطس في مستنقع وقد عكست رواياته هذه الأفكار كلها مضافا لها مسحة بطولية و بسببها ابتهجت أرواح الناس و مع اني شخصيا لا أتوافق مع هذا الاتجاه ، لكن لا يمكن نكران ان هذه الأفكار كانت ذات تأثير منعش في تلك الحقبة .
* : هل يقرأ زوجك و يعلق على مسودات أعمالك قبل أن تنشر؟
-: لا أبدا . زوجي لا يرى أعمالي إلا بعد ان تطبع ، يحصل أحيانا ان أتحدث إليه في أمور قد تساعدني في عملي الروائي ، مثلا : كيف تعمل بكرة مسدس أو شيء مثل هذا.
* : هل تعتقدين ان أولادك يحدون من الحرية التي تحتاجينها ككاتبة؟
- : كلا و يمكنني أن آتي بأمثلة لا تعد على توافقهم مع متطلبات عملي . تشتكي النساء في العادة من متطلبات العائلة و العمل و لكن كون المرأة كاتبة يسهل الوضع كثيرا لأن الكتابة عمل يمكن إنجازه في المنزل ، لم أشعر يوما ان ثمة ما يخيفني بخصوص هذه المسألة .
*أي الكتاب المعاصرين تحملين له تقديرا أكبر؟
- : لا أقرأ في العادة لكتاب معاصرين ، لكنني تمتعت كثيرا بقراءة رواية كونديرا ( خفة الكائن التي لا تحتمل ) ، و رواية أيشيغورو ( منظر شاحب للتلال )، وعمل الروائية Byatt ". S. A " الرائع ( استحواذ Possession ) .
* : أي تأثير تريدين أن يكون لأعمالك؟
- : أحب ان يتمتع الناس بقراءة أعمالي و أرى ان الرواية الجيدة هي هبة للإنسانية ، لذا اطمح ان يقرأ الناس كتبي قراءة جادة و أن أكون مفهومة لديهم رغم علمي ان بعض أعمالي ليست سهلة القراءة ابدأ ، لكن ينبغي دوما ان يفهم العمل الأدبي عن طريق المتعة المرافقة للعمل.
* : كيف تصفين قارئك المثالي؟
- : أرى الأشخاص المحبين للحكاية الجيدة هم القراء المرحب بهم و الذين يعتد بهم دوما . أحسب أن القارئ المثالي هو شخص محب للتفكير في كل ما يخص الكتب و الكتابة إضافة إلى التفكير بالقضايا الأخلاقية






بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا