تلخيص محور شعر الغزل في القرن الاول للهجرة عند جميل ابن معمر و عـمـر ابن أبي ربيعة
محور شعر الغزل
مداخل عامّة تلخيص محور شعر الغزل في القرن الاول للهجرة
مدخل 1 :
شهد المجتمع العربي منذ القرن الأول للهجرة جملة من التحولات ساهمت في إيجاد غرض شعريّ جديد نشأ بالحجاز وشكل ظاهرة تختلف عمًا سبقها، ويتمّثل وجه الجدة في أن المرأة التي كانت تمثل في الشعر الجاهليّ عنصرا من عناصر الاستهلال في القصيدة قد تحولت مع جميل بن معمر ومن عاصره إلى موضوع مستقل بذاته وأصبحت تستقطب جميع حركات النص الشعري.
مدخل 2 :
إن المطّلع على شعر جميل بن معمر سرعان ما يدرك أن الغزل قد كف عند عن كونه مجرد غرض استهلالي وأصبح موضوعا مستقلاً بذاته تمثل فيه الحبيبة مدار القصيدة بأكملها ويستغرق الشاعر من خلالها في تصوير العلاقة بين المحبّين وفي كشف ملامحهما.
مدخل 3 :
إن الغزل على اختلاف تيّاراته غرض مستحدث في الشعرء فإذا كان الشعراء القدامى يتّخذُون من غزل المرأة مدخلا لقصائدهم يمدون به للغرض الرئيسي مدحا كان أو فخرا فقد أصبح مع جميل وعمر ومن عاصرهما غرضا مستقلا بذاته وموضوعا رئيسيًا ينطلقون منه وينتهون إليه. ويعود ذلك بالأساس إلى جملة التحولات التي عرفها المجتمع العربي الإسلامي إثر انفتاحه على الحضارات الأخرى.
غزلية جميل ابن معمّر
صورة العاشقين
أ) صورة المعشوقة
الصورة الخلقيّة الجسديّة :
لئن لم يهتمٌ العذريّون بالصورة الخلقيّة قدر اهتمامهم بالصورة الخلقيّة بتأثير البيئة البدويّة التي عاشوا فيها ؛ ونخصّ بالذّكر منهم جميل بن معمر أو جميل بثينة؛ قد رسموا للمحبوبة صورة مثاليّة نموذجيّة تجعل من المعشوقة رمزا مطلقا للحسن وللجمال.
الصورة الجسديّة المحتشمة التي رسمها جميل لبثينة ارتقت إلى مستوى الرّمز الأسطوري فإذا هي أجمل خلق الله :
هي البدر حمنا والنساء كواكب ** وشتّان ما بين الكواكب والبدر
لقد فضلت حسنا على الناس مثلما ** على ألف شهر فضلت ليلة القدر
محور شعر الغزل تلخيص محور شعر الغزل في القرن الاول للهجرةفي القرن الاول للهجرة
الصورة الخُلقيَة
تمثّل هذه الصورة مدار الغزليّة العذريّة عند جميل إذ رسم لنا في جل قصائده جملة الخصال. والخصال التي تحلّت بها المعشوقة فهي :
-> امرأة متعففة؛ محصّنة؛ بعيدة عن عالم الرجال./امرأة رفيعة المقام سيدة بين أهلها.
/امرأة لعوب؛ تعد وتخلف؛ تمنّي بالوصل وتهجر متلاعبة بعواطف المحب؛ ساعية إلى تأجيج نار عشقه.
-> عندما نقارن بين الصورتين : الصورة الخِلقيّة والصورة الخُلُقية نلاحظ أنّ المرأة عند جميل جمعت بين بعدين : بُعد واقعيّ وبُعد خيالي أسطوري؛ وهذا التداخل يرثقي بها إلى مستوى الرّمز، ويؤسّس بينها وبين عاشقها علاقة غير مألوفة.
ب) صورة العاشق
الصورة الخِلقية:
اعتنى جميل ببيان آثار الحب على العاشق وما يُفضي إليه سهاده وهيامه من ألم ومعاناة ينعكسان جسديا
على ملامحه فيبدو نحيلا ذابلا أنهكه الحب وأفناه العشق.
الصـورة الخلفية:
من المعاني الثابتة في الغزلية العذرية معنى الوفاء. فإذا كانت المعشوقة تعد ولا تفي فإن العاشق يخلص لها الود ويزداد بها تعلقا، بل يعتبر حبها قضاء وقدرا لا خلاص منه. ويصل حدّ اعتبار الرابطة الجامعة بينهما قائمة قبل الولادة وممتدة إلى ما بعد الحياة.
لا يكف العاشق عن البكاء والشكوى وطلب الوصال، بل يصبح هذا الألم أحيانا مصدرا للمتعة يستعيض به عن الحرمان من الحبيبة.
يعيش العاشق ماساة تجعل وجوده رهين وجود محبوبته وبدونها تفقد حياته معناها و وجوده مبرره.
ج) العلاقة بين العاشق والمعشوق
من المعاني الثابتة في الغزلية العذرية معنى «الشكوى» ويعود ذلك إلى طبيعة العلاقة الجامعة بين المحبين والتي تقوم على ثنائية الاتصال والانفصال. بل يمثل فيها الاتصال منشودا يقابله موجود هو حالة البعد والانفصال الناجمين عن عاملين أساسيين أحدها يتصل بالمحبوبة التي تمعن في التلاعب بمشاعر الحبيب. فتعد ولا تفي، وتمني ثم تخلف.
وثانيهما موضوعي له صلة بالمجتمع وبقيمه وما يضربه من حصار على هذا الحب الناشئ خارج مؤسسة الزواج، وهذا ما يفسر الحضور المكثف للعذال والوشاة في هذا النوع من الغزل.
لا يشكو جميل هجر الحبيبة وتمنعها فحسب بل يشكو كذلك من الواشين والعذال باعتبارهم معرقلين لهذه العلاقة حائلين دون لقاء المحبين.
رغم ما يعانيه العاشق من صد وما يتولد عنه من ألم فإنه يظل وفيا لمحبوبته، محافظا على عهدها، بل إن وفاءه لها يتخذ طابعا أسطوريا عندما يتجاوز حدود الزمان ليتحول إلى حب أزلي يجمع العاشقين قبل الولادة وبعد الموت :
تـعـانق روحـي روحـهـا قـبـل خـلـقـهـا ** وبعـد أن كـنـا نـطـافـا وفـي الـمهد
يـهـواك مـا عـشـت الـفـؤاد فإن أمت ** يتـبـع صـداي صـداك بـيـن الأقـبـر
محور شعر الغزل أولى ثانوي
حب جميل لبثينة حب مقدر من قبل قوى غير منظورة، وهو عندما يسأل عن سر وفائه للمحبوبة يقول :
فـقـلـت لـه فـيـمـا قـضى الله مـا تـرى ** علي وهـل فـيــا قـضى الله مـن رد
حياة العاشق في هذا الحب سلسلة عذابات لا تنتهي، بل إنه يقف على عتبة المأساة وعلى شفا الجنون، وانفصاله عمن يحب يفقده الإحساس بجدوى الحياة، فبدون الحبيبة لا قيمة للوجود ولا معنى للحياة :
أظل نـهاري مـسـتـهـامـا ويـ نقي ** مـع الليل روحـي فـي الـمـنـام وروحـها
وجود المحب مشروط بوجود المحبوب، وأزمته لا تحل إلا بالاتحاد بمن يحب :
فلا أنعـمـت بـعـدي ولا عـشـت بعـدها ** وداست لنا الدنـيـا الـي الـحـشـر
ذات المعشوقة تأسر ذات العاشق وتملأ عليه حياته فلا يعيش إلا بها ولها :
خيالك في عيني وذكـرك فـي فمـي ** فـمـثـواك في قـلـبي فـأيـن تـغـيـب
لو أن داعـيـا يـدسـو جـنـارتي .. وكنت على أيدي الرجــال حـيـيت
إن العلاقة التي تجمع بين جميل وبثينة قد تجاوزت حدود العقل والمنطق، وكسرت طوق الزمان. ويأتي المعجم الديني الذي يمتزج بالمعجم الغزلي ليرتقي بالعلاقة بينهما إلى مستوى القداسة فينزلها في مستوى ليلة القدر، ويعتبر حبـه لـها ومجازفته في سبيل الوصول إليها غزوة في سبيل الله :
يقـولـون جـاهـد يـا جـمـيـل بـغـزوة*** وأي جـهـاد غـيـرهـن أريـد
البعد الاجتماعي في الغزلية العذرية
ركزت الغزلية عند جميل على تصوير العلاقة بين المحبين ولكن ذلك لم يمنع من كشفها عن بعض ملامح المجتمع العربي في ذلك العصر، فشكواه من العذال والوشاة يعبر عما يعانيه المحب من حصار نتيجة رفض المجتمع لأي علاقة بين الرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج .
جمعت غزلية جميل بين البعد الذاتي والبعد الموضوعي، أي بين تصوير حالة المحبين ونفسياتهم، والكشف عن ملامح المجتمع الإسلامي في القرن الأول من الهجرة.
بعض الخصائص الفنية في الغزلية العذرية
استطاع جميل أن يرتقي بالمعشوقة وبالعلاقة بين المحبين إلى مستوى القداسة وذلك بالجمع
بين المعاجم، فتجاور المعجم الغزلي والمعجم الديني أدى إلى تقديس المحبوبة وإلى اعتبار الحب
فعلا مقدسا.
غـزلـيـة عـمـر ابن أبي ربيعة
انفتاح المجتمع العربي على ثقافات الشعوب المهزومة (الروم/الفرس…) أدى إلى تأثرهم بما انتماء عمر إلى المجتمع الحضري – انتماء جميل إلى المجتمع البدوي.
ما عرفته هذه الحضارات من بذخ ورفاه سنجد له صدى في شعر عمر.
تطور أساليب العيش في المجتمع العربي الإسلامي نتيجة الفتوحات، ونتيجة الرخاء المادي.
-(عائدات الفتوحات) أدى إلى تغير العقليات، من ذلك انخراط المرأة في الحياة الاجتماعية واختلاطها بالرجال (سنجد صدى لذلك في غزلية عمر).
-تأثر غزلية عمر بجملة هذه التحولات سنجد له صدى في مستوى المـضامين الشعرية (صورة العاشق صورة المعشوقة / العلاقة بين الطرفين…)، كما ستلمسه في مستوى أساليب النظم (المعاجم / البحور / أنماط الخطاب…).
ے غزلية عمر شاهد على وجود تفاعل خصب بين الشعر والبيئة التي ينشأ فيها.
إذا كانت العلاقة بين العاشق والمعشوق عند العذريين قد ظلت إلى حد كبير تحلق في فلك المعاني الموروثة من صبابة وشوق وشكوى فإن غزلية عمر قد تحررت وإن نسبيا من سلطان الموروث وسلكت نهج التجديد سواء في مستوى المعاني الغزلية أو في مستوى أساليب النظم.
العلاقة بين العاشق والمعشوق في غزلية عمر
إن من المعاني الثابتة في الغزل سواء كان مدخلا كما عند الجاهليين أو غرضا كما عند جميل وغيره من الشعراء العذريين أن يرسموا للمعشوقة صورة المرأة المتمتعة المتدللة التي تتلاعب بمشاعر المحب، فتعد ولا تفي وتقسو ولا ترحم، وبموجب ذلك يصبح المحب أو العاشق أسيرا لها يشكو ويبكي ويطلب الوصال ويتخذ من الوفاء شريعة له، فإذا عالمه الشعري عالم معاناة وألم وما السعادة فيه إلا لحظة هاربة يختلسها من الدهر ومن الوشاة والعذال.
مع عمر تحول الشاعر قبلة النساء يعشقنه ويطلبنه فلا يظفرن به، وهذا يعني أن العلاقة بينهما قد شهدت انقلابا أو تبادلا للأدوار، فإذا العاشق معشوق، وإذا المعشوق عاشق، ونتيجة لذلك اصطبغ الغزل بالفخر فإذا «أنا» الشاعر تصبح محور القول الشعري لا المرأة، وإذا مفاخر الأنا مدار القصيدة وإن وجدناها ترد على لسان المرأة ذاتها :
قالـت الكبـرى أتـعـرفـن الـفـتـي ** قالت الـوسـطي نعم هـذا عـمـر
قالـت الصغــى وقـد تـيمتها ** قد عرفناه وهل يخفى القمر؟
ومن صفات العاشق وهو في الواقع المعشوق هنا أنه لا يستقر على حال وينتقل من امرأة إلى أخرى كانه مسكون بهاجس لا يعرفه إلا هو.
إضافة إلى ذلك فالمرأة التي يصورها عمر تبدو امرأة حضرية مرفية تختلط بالرجال وتتحدث إليهم وتمارس نوعا من الحرية لم نألفها لا عند جميل ولا عند شعراء الجاهلية. ولعل ذلك راجع إلى اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب من أمثال الروم والفرس وتأثرهم بعاداتهم.
جملة هذه المؤثرات سنجد لها صدى في بنية قصيدته وأساليب القول فيها. وما يشد الانتباه
الی هذا الباب هو :
-نزوع عمر إلى ترك الإعجام في مستوى اللفظ والميل إلى استعمال عبارات سهلة يسيرة الفهم وهي نزعة تفسير بما بدأ المجتمع العربي الإسلامي يعرفه من رفاه بفضل الفتوحات وما أدت إليه من اختلاط بالشعوب الأخرى.
-اعتماد البحور الخفيفة في النظم مثل الخفيف والرمل مما يجعل شعره يتسم بغنائية تعكس حياة الترف والبذخ التي يعيشها.
حول العاشق إلى بطل والتجربة الغرامية إلى فعل بطولي يؤكد الشاعر من خلاله ذاته وكأنه يعمد بواسطته إلى سد نقص.
قد ترد قصيدة عمر أحيانا في شكل مغامرة عاطفية تتوفر على كل مقومات القص، زمانا ومكانا وشخوصا وأحداثا، يكون بطلها الشاعر ونهايتها الظفر أو تحقيق البغية وسد النقص.
هذه البنية تعتبر مظهرا من مظاهر الطرافة والتجديد في غزلية عمر.
مظاهر التقليد والتجديد في غزلية عمر
أ) مظاهـر التقـلـيـد
محور شعر الغزل في القرن الاول للهجرة
-في مستـوى الشكل
الالتزام بعمود الشعر من الاستهلال بالوقفة الطللية والبكاء على ديار الأحبة وهي سنة شعرية قديمة تتوزع القصيدة بموجبها إلى استهلال وغرض.
-اعتناء عمر بمدخل القصيدة باعتماد التكثيف الإيقاعي مثل التصريع والترديد.
-خضوع القصيدة إلى البنية التقليديـة والتـزامها بالسنــن القـديمة ونظمها على البحور الخليلية.
-ميل عمر في بعض قصائده إلى استعمال معجم لغوي ذي طابع بدوي لا يختلف عن المعجم الطاغي على قصائد جميل ولا على قصائد الجاهليين.
-في مستوى المضمون
رسمت قصيدة عمر صورة نمطية للعاشق والمعشوق، فبدا العاشق من خلالها متيما بالحبيبة يطلب الوصال ولا يدركه، وبدت المعشوقة متمتعة تعد ولا تفي وتضمر خلاف ما تظهر.
تبدو المعشوقة عنده رمزا للجمال المطلق قد فاقت النساء في الحسن والبهاء.
شكوى المحب من الوشاة والعذال كذلك من المعاني المتوارثة في الغزل وهي وثيقة الصلة بالقيم الاجتماعية السائدة.
لم تخل قصيدة عمر من معاني الشكوى والبكاء نتيجة بعد الحبيب وهجره.
ب) مظاهـر التـجـديـد
–في مستـوى الشكـل
مال عمر إلى قلب الأدوار في العلاقة بين العاشقين مما أفضى إلى تداخل في المعاجم اللغوية من ذلك امتزاج الغزل بالفخر والحماسة (عند سرد أطوار المغامرة الغرامية من أجل الوصول إلى المعشوقة).
لم نعد، في قصائد كثيرة، إزاء عاشق متذلل متصاغر بل أصبحنا إزاء معشوق يطلب ولا يدرك ويمثل قبلة النساء.
تحول التجربة الغرامية إلى مغامرة يصوغها الشاعر صياغة فنية تتوفر فيها جل مقومات القص من زمان ومكان وأحداث وشخصيات، ويمثل العاشق فيها بطلا يسعى إلى سد نقص أو تحقيق بغية وتنتهي في الغالب ببلوغه لمراده، بعد أن واجه العديد من المخاطر.
القصة الغرامية في غزلية عمر
تخضع القصة الغرامية عنده إلى بنية ثلاثية يصور وضع الانطلاق فيها، عادة، معاناة الشاعر المحب من غياب الحبيبة، وهذا يعني أن غيابها هو بمثابة نقص سيسعى إلى سده :
يـا مـن لـقـلب مـتـيـم كـلف ** يهـذي بـخود مـريـضـة الـنـظـر
يتزامن سياق التحول مع ظهور المحبوبة فجأة، ويتحول ذلك الحدث إلى حدث قادح يدفع إلى المغامرة الغرامية، وهي مغامرة يخوضها العاشق بمفرده أو بمعية عناصر مساعدة تكون في الغالب شخوصا تتعاطف مع العاشقين مثل الأختين أو الصويحبات، وتنتهي المغامرة بسد النقص وتحقيق الوصال :
فبـت قـريـر الـعـيـن أعـطيت حاجـتـي ** أقـبـل فـاهـا فـي الـخـلاء فـأكـثـر
تتوفر كل مغامرة غرامية على عناصر الحكاية، فلها :
مكانها : وتختلف الأمكنة باختلاف المغامرات، وتترواح بين السكان الطبيعي الفاتن والجذاب :
إذ تـمـشـيـن بـجـو مـونـق ** نـيـر الـنبـت تـغـشـاه الـزهـر
وبين المكان المقدس. ذلك أن الكثير من المغامرات الغرامية تجري في مكة والمدينة في موسم الحج :
فـأبـصـرتـهـا لـيلـة ونـسـوتـهـا ** يـمـشيـن بـيـن الـمـقـام والحـجـر
وتراوحت هذه الأمكنة كذلك بين الانفتاح والانغلاق إذ جرت بعض مغامراته الغرامية الحبيبة.
تنوع الأمكنة وتعدد المغامرات يدل على أننا إزاء شاعر مسكون بهاجس اللذة يطلبها أينما كانت، مجابها العراقيل، ومتحديا المخاطر.
زمانها : تنطلق أحداث الحكاية عادة ليلا في غياب الرقيب وتنتهي في الصباح بعد تحقيق الغاية وسد النقص
فـمـا راعـنـي إلا مـنـاد تـرحـلـوا ** وقـد لله مـفـتـوق عـن الصـبـح أشـقـر
لكل حكاية شخصياتها، ويمثل الشاعر بطلا والحبيبة بغية، وتتوزع بقية الشخوص إلى معرقلة ومساعدة، تمثل المعرقلة منها تجسيدا للقيم الاجتماعية التي تحاصر المحبين أما المساعدة رمزا للتمرد على تلك القيم.
تجمع مغامرة عمر الغزلية بين الوصف والسرد والحوار وقد وظف الحوار لكشف ملامح الشخصيات ومواقفها وجاء في الغالب على لسان المعشوقة ذاتها أو على لسان المحيطات بها.
وتكشف مخاطبات الحبيبة عن :
تمنعها وصدها للمحبوب غنجا وإمعانا في إلهاب عواطفه وتعطشه للوصال :
كـلما قـلـت مـتـى مـيـعـادنـا ** و ضحكت هنـد وقـالت بـعـد غـد
– تعبيرها عن رغبتها في الوصال :
قـالـت لـتـرب لـهـا تـحـدثـها** لنـفـسدن الـطـواف عـلى عـمـر
قـومـي تـصـدي لـه ليـعـرفـنـا ** ثم اغـمـزيـه يـا أخت فـي خـفـر
– أو تأخذ في التغني بالحبيب وتعداد خصاله :
قـالـت الـصـغـرى وقـد تيمتها .. قد عرفناه وهـل يـخـفـى القمر
تسهم العناصر القصصية في غزلية عمر في إمتاع القارئ، كما تساعده على تبين صورة العاشق والمعشوقة فيها وما قامت عليه من تبادل للأدوار، كما تكشف ما يسود المجتمع العربي من قيم اجتماعية موروثة أو منقولة نتيجة اختلاط العرب بالعناصر الأجنبية.
مظاهر الإباحية في غزلية عمر
تتميز غزلية عمر بنزعتها الإباحية في الوصف أي في رسم ملامح المعشوقة، وتتجلى تلك النزعة في مستويات عديدة :
-اعتماد معجم حسي نلمسه مثلا في ميل الشاعر إلى ذكر تفاصيل جسد المحبوبة كالعين والجسد والجيد، والتغني بجمال مفاتنها :
غـادة يـفـتـر عـن أشـنـبـها ** حـيـن تـجـلـه أقـاح أو بــــرد
ولـهـا عـيـنـان فـي طـرفـيـهــا حـور ** مـنـهـا ومـن الـجـيـد غـيد
الصور الحسية ونلمسها في توظيف الشاعر للحواس كالنظر واللمس والشم والسمع لتحسس جمال المحبوبة.
– لم تخل قصائد عمر من المعاني الغزلية الحسية ومن خلالها بدت المرأة عاشقة تبوح بعاطفتها
وتتوق إلى الوصال :
قـلـن يـسـتـرضـيـنـها مـنـيـتـنا .. لو أتـانـا الـيـوم فـي سـر عـمـر
أما الرجل فمعشوق مطارد من قبل العاشقات.