جاهلية حديثة!!
منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس
منتدى الفلسفة من هنا
في زمن أصبحنا فيه كالآلآت، لا نعطي إلا ما تلقيناه من أوامر ولا نتبّع إلا ما إعتدناه، فأصبحت العملية هنا أشبه ما تكون بنموذج التحليل النسقي الإيستونيّ، ولكن بدون تغذية راجعة، فما يخرج لا يدرس ويوضع تحت مجهر العقل. في زمن أصبحت المصالح فيه آلهة تعبد ويسحق من يكفر بها، في هذا الوقت الذي نعجز فيه عن تعريف أنفسنا أمام أنفسنا، في زمن كثرت فيه الأرقام (ثورة كمية بشرية، بالطبع تختلف عن مثيلتها السابقة) فأصبحت الناس تحسب نفسها أرقاماً وترضى بذلك فلا تتعدى مرحلة إسمها ولا تعترف بقيمتها..
فما هذا الزمن الذي يتحدانا..!؟ زمن عادت فيه روح العصبية والجهل والجمود الفكري، التصنع والتشبه ليس بأحد، بل بأشياء أكثر تفاهة فخسرنا أنفسنا وفلسفتنا، علمنا وثقافتنا، تراثنا وقيمنا وإبداعاتنا وصورنا وتصوراتنا من طموحاتنا وآمالنا ودنيانا وآخرتنا، زمن بات يعرف بالجاهلية الحديثة.!!
لا أعلم على من ألقي اللوم..؟ على شرآسة تلك الرأسمالية التي أبت إلا أن تحولنآ إلى مستهلكين ننتظر اللقمة من فم أصحابها الذين سلبونا إياها برضانا، وإذا لم تأتي ننام أو نموت جوعاً!! فهل هناك خيرٌ في أُُمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج؟؟ أعادت مرحلة العبودية الى عهدها القديم، لأني أرى أناساً يعملون ولا يتملكون \"العبوديّة النسبيّة\"!! أم بإبتعادنا عن الإسلام كدستور ومنهج حياة، وتركه كقيادة ونظام، والإعراض عنه كعقيدة ودين: \" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى \". ومن الجدير بالذكر أنّ هذا ما قصد به المفكر الإسلامي منير شفيق في تعريفه للجاهلية فقال: \" أنها الخروج على أحكام الدين، ذلك الخروج عن الملة وأحياناً يبلغ حد الخروج والردّة عن الإسلام والقول بأنّ المجتمع جاهلي يوازي القول أنّ المجتمع فاسق أو فيه خروج ظاهر على أحكام الدين \". فهل إبتعاد الأمة عن الصواب والإنحراف عن مسار الحقيقة هو السبب؟؟ فديننا أصبح تديننا ووسيلة للتخلص من الذنب فقط وإن عجزنا عن قول ذلك نقول\" ذلك قدر، لا حول ولا قوة إلا بالله \" ليس باليد حيلة...!! أم على قيادة حزبية إستهلكت طاقات الشباب وإستغلتهم للبقاء في مناصب تأبى الذهاب، وترك الشاب في كم هائل من التساؤلات يبحث لها عن جواب فيلقاه يتعارض مع مبادئه وحدوده..!! أم على كل شخص أصبح يحسب نفسه رقماً لا يساوي شيء ولا يبالي، أو بالأحرى لا يُعّد، أما عدنا نقول \" إن كنت لا تطمح بأن تكون جنرالاً فأنت لا تستحق أن تكون جندياً \". أو، أهيَ ثورة كمية بمعنى جديد؟
إن ما يوجد من مظاهر في هذه الفترة العصيبة أثناء حياتنا يختلف عن الجاهلية القديمة بأشياء وعناصر أساسية ولكن تستحق هذا الإسم المطلق عليها، فقديماً كان الجاهل يجهل بأنه جاهل ولديهم الأعذار المختلفة لذلك، بدليل قدوم من أخرجهم من الظلمات إلى النور ومن تلك الجاهلية الى الإستنارة والتفتح الفكري بجميع جوانبه فالمرء عدو ما يجهل طبعاً، أما حاليا فالأخطاء تتكرر وعملية المعالجة بائت شبه مستحيلة، ولنا على ذلك الحال عقود. وإن أهم ما يواجه الأفراد في هذه المرحلة المتميزة عدم قدرتهم على التعامل معها بالشكل الملائم، فالنتيجة تكون بظهور جيل جديد يختلف بقيمه وثوابته وأفكاره ومعتقداته متعارضاً مع من هم قبلهم، وجهل الأخيرة بالحلول التي يقدمونها أنها لا تلائم هذا الجيل فمشاكل اليوم لا تحتاج حلول الأمس، هذا بالإضافة إلى تعنتهم وتصميمهم على الفكر البالية بحذافيرها والخوف من كسر القيود والقواعد فيقولون: هذا ما وجدنا آبائنا عليه!! وإن كان لا بد من نتائج لهذه الجاهلية التي عادت فينا فستكون مصبوبة على ذلك الجيل الذي فرُضت عليه ليخرج قلباً وقالباً منسوخاً عن أبآءه وتسليمهم لذلك.
وقليل هم الشواذ في هذا العصر، فالشواذّ من وجهة نظرنا هم الصواب، وهم من كسروا تلك القواعد لينطلقوا بأفكارهم نحو خلق شيء لذاتهم وليس لإرضاء المجتمع وقيادته والتذبذب للإثنَين، وللأسف فالمجتمع يراهم على خطأ وحالة شاذة يجب التخلص منها في أقرب فرصة لأنها تشكل خطراً على مكانتهم . في المقابل إن أمعناّ النظر في أفراد هذا الجيل سنجدهم معقدّين مشلولين الفكر والتفكير يئسون لا يطلبون سوى الهجرة والرحيل، واقعين في شباك الأزمات التي فرضها المجتمع المحاصر في قيود الغرب من جهة وقيود الأفكار والمعتقدات المُغلطة من الجهة الأخرى، وهم أبرياء من كل ذلك يرَون أنفسهم غير قادرين على الرفض حتى، فقانون المجتمع هنا سيحكم بالأحكام الشتّى: أولها السجن في البيت مع ألفاظ يكون الموت أرحم منها فتصبح مرفوض من الكل بإنطلاق الإشاعات، وآخرها الإعدام بحجج لا تعرف الحقيقة كالشرف والمساس بالقواعد الأخلاقية وغيرها العديد من تعقيدات المجتمع، يحملون كميات لا بأس بها من الهموم وفوقهم سحاب الخوف من المستقبل يرعبهم، فيفتقرون إلى التخطيط وبعد البصر والبصيرة، ويجهلون وأحيانا يتجاهلون الحقيقة ولا يبحثون عنها وهذا أسوأ ما وصلنا إليه بمواجهة أفراد إمعات غير مستعدين على حمل جزء من تساؤلات ومسؤوليات هذه الفترة الغريبة وما هو أخطر من هذا، كون هؤلاء الأفراد طلاب يرسم الأمل عليهم من قبل من هو مهتم بأحوال هذا المجتمع.
والأمّر من هذا كله أن اللوم في النهاية لا يحدد مصيره، ولا أحد مستعد لتحمل المسؤولية \"الهزيمة\" من أبناء هذا الجيل وسلفهم السابق، فالأطفال والشباب لن يرحموا من مثل هذه المجتمعات المتخلفة، وكذلك الأقدَمين يرونَ أنفسهم صواباً بكل ثقة، وما هي الثقافة عند هؤلآء إلا التقليد الأعمى، وصولاً الى مرحلة العبودية الغير مباشرة \"النسبيّة\" فنحن في حقيقة الأمر وأعترف بها بكل أسف نواجه فعلاً جاهلية حديثة تختلف عن الجاهلية القديمة قبل الاسلام للأسوأ بكون هذه الجاهلية الجديدة قادرة على إمتلاك الحلول ومعرفتها ولكن تجاهلها والتغاضي عنها هو الشائع، وما هو تكراري إلا لشدّة عنفوان هذه الفترة والمطلق عليها بالجاهلية، نجد أيضاً أنّ معرفة الاسباب والأخذ بها للتوصل الى الحلول المناسبة يكون أمراًغريباً كالطفرة، فالتعليم أصبح تلقين والطالب لا يبالي وهمه الأكبر العلامة فيلحقها ويترك الفكرة والمعلومة \"المضمون\" وهم هنا يعبدون مبدأ ميكافيللي ف\"الغاية تبرر الوسيلة\" في كل وقت ومرحلة، والإنتهاء من المرحلة الدراسية طموحهم الرآقي، ونرى حول هذا أن المجتمع يقول: هناك نسبة كبيرة من المجتمع متعلمة، والكثير الكثير من طلاب العلم ويفتخرون بهذا ويتحدثون عن إقتراب موعد النصر والحرية الإستقلالية بهذا الجيل الصاعد الذي يحمل هذا الكم الكبير من العلم!!! ولكنهم يجهلون أن النسبة الأكبر من هؤلاء الطلاب لا يستحقوا هذا الإسم ليطلق عليهم، فهم مجرد أرقام تمر أحياناً بدون عدد \" وكم من رجل يعد بألف رجل، وكم من رجال يمروا بلا عداد \" وعلمهم بهذا وسكوتهم عليه الأخطر من هذا كله، إذاً ولماذا نرى السجون المدنية أصبحت مأوى للمفكرين والمبدعين من أفراد هذا الشعب وغيره..؟؟
ولكن فينا سيبقى الأمل، والطموحُ ما هو إلا خصلاً حية تعيش في ذهون الأطفال منذ وصولهم الى المرحلة التي يبدؤوا فيها بالتحرر والإنطلاق نحو الفكر الجيد المفيد والبحث عن الحقيقة، ونحن نأمل أن تكون هذه المرحلة على وشك الإنتهاء فقد تطاولت وتمادت فينا كثيراً ، فما هو مطلوب من الأمة أن تعترف أولاً بالواقع ولا تنكره بتجاهلها له بدون معرفة العواقب، وأن تبحث جيداًعما هو مفقود فيها ولا تعتمد على غيرها ليقول لها ما هو ضائع منها وبالتأكيد لن يقول الحقيقة لأنها تختلف تماماً مع مصالحه، فالعدو يبقى عدو وعدونا ليس بسهل. وأذكر أنّ فيسكوت قال يوماً \"لا تعتمد على أي شخص قد يأتي لينقذك ، ويمنحك الدفعة الكبرى لكي تنطلق ، ويهزم أعداءك ، ويناصرك ، ويمنحك الدعم اللازم لك ، ويدرك قيمتك ، ويفتح لك أبواب الحياة. إنك الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يلعب دور المنقذ الذي سوف يحرر حياتك من قيودها ، و إلا فسوف تظل حياتك ترسف في أغلالها\".
ولكن إن قبلت بدور المعاق في حياتك، ستكون عواقب صمتك أشد خطورة من أسبابه وتأنيب ضميرك الآثم سيقتلك، فمن بالغ في إستسلامه ضاق فكره عن رؤية الحقيقة ومأوآك في نهاية المطاف سيكون في مزابل التاريخ... هذا حالنا، فمجتمعنا إذاً بحاجة ماسة إلى العلم ثم العلم ومن ثم العلم أيضاَ، فهو الأساس لتقدم الحضارات وتطوّرها وخروجها من الأفكار الغامضة المشوهة القاتلة وهو بالتأكيد من يطلق العنان لضمائرنا لكي تنطق بالحق والحقيقة.
بالتوفيق للجميع
موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا