مقال فلسفي : خطاب في اللامساواة لـ جان جاك روسو

مقال فلسفي : خطاب في اللامساواة لـ جان جاك روسو
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة

منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس

مقدمة
ان خطاب روسو حول عدم المساواة Discourse on Inequality هو من أشهر الانتقادات التي وُجّهت للحداثة حتى الآن. انها محاولة لتعقّب التأثيرات السياسية والسايكولوجية للمجتمع الحديث على طبيعة الانسان، ولتبيان الكيفية التي برزت بها تلك التأثيرات.
ولكي يقوم روسو بذلك، فهو أوضح ان هناك ارتباط وثيق بين تطور الانسان وبروز عدم المساواة بين الناس. فكانت نتيجة ذلك ظهور تفسير رائع لكيفية خلق الانسان الحديث، وانتقاداً حاداً لعدم المساواة في المؤسسات السياسية الحديثة.
في "الخطاب"،يحلل روسو مشكلة المؤسسات السياسية الحديثة التي يسعى لاحقا لحلها في "العقد الاجتماعي".
"الخطاب" كُتب في الاصل كمدخل للمسابقة في المقالات التي ادارتها اكاديمية ديجون للفنون والعلوم عام 1754. سؤال المقالة كان "ما هو اصل عدم المساواة بين الناس، وهل هو مسموح به من جانب القانون الطبيعي؟" . فاز روسو بجائزة المسابقة عام 1750 بـ مقالته "اول خطاب"في الفنون والعلوم. لكنه فشل في نيل الجائزة على خطابه الثاني هذا الذي كان سبباً في خلق الشهرة الواسعة لروسو واحتلاله موقعاً هاماً في تاريخ الفلسفة.
ان "خطاب عدم المساواة" هو نقاش مؤثر وقوي شغل مجالات واسعة. حاول روسو تعقّب الانسان رجوعاً الى حالته الطبيعية، متخلياً عن سلطة التفسير الانجيلي. ورغم ان "الخطاب" ارتبط بقوة بنقاشات القرن الثامن عشر عن طبيعة الانسان، وعن مختلف اشكال الحكومات، لكنه ايضا كانت له اهمية واسعة. اهمية الخطاب تنبع من ان روسو يطرح اسئلة حول منْ نحن وماذا نريد – اسئلة لا تزال تُطرح الى يومنا هذا . ان الفكرة المركزية لدى روسو هي ان الشعب الحديث يوجد ضمن نظام من الحاجات المتزايدة الى الابد وفيه افكار حيوية ومهمة جداً تؤثر على الآخرين بشكل كبير. تأثيرات هذه الافكار يمكن العثور عليها في فكرة هيجل عن المجتمع المدني ، وفي وصف ماركس لإغتراب العامل. وما هو اكثر اهمية انها تبدو واضحة في حياتنا. عندما تنظر في المرآة لتفحص مظهرك الخارجي، او حين تتسائل عن مدى شعبيتك، او حول ما يعتقده اصدقائك فيك،فانت تشارك في عملية وصفها روسو بشكل دقيق. فكرة ان الحياة الحديثة غير تامة وغير عادلة لم تكن من اختراع روسو، بل هو يعرض نقاشاً ساحراً عن الكيفية التي تجسدت بها عدم المساواة ذاتها.
تقريبا كل الفلاسفة الكبار في القرن الثامن عشر بالاضافة الى آلاف الناس العاديين قرأوا المحادثة. كل من يريد فهم القرن الثامن عشر او في الحقيقة القرن العشرين، يجب ان يقرأها جيداً.

يبدأ روسو محادثته بتعامل جديد مع السؤال الاصلي عن عدم المساواة ليُدخلهُ ضمن أجندته الخاصة. ان السؤال الاصلي يتعلق بطبيعة عدم المساواة بين الناس،وما اذا كان القانون الطبيعي يسمح بعدم المساواة هذه. يطرح روسو سؤالاً آخر ذي صلة: كيف نستطيع معرفة عدم المساواة دون معرفة الانسان؟ لكي نجيب على هذا السؤال علينا ان لا ننظر الى الانسان كما هو عليه الآن، وحيث اُعيد تشكيلهُ من جانب المجتمع، وانما كما كان في الطبيعة. التقدم يسحب الانسان كمخلوق بعيداً عن ظروفه الاصلية في دولة الطبيعة. مع زيادة المعرفة، يزداد جهلنا بالطبيعة الحقيقية للانسان.
يعترف روسو بالطبيعة الافتراضية وغير التامة لما يعتزم القيام به في المحادثة. محاولة تحرير الطبيعي من الاصطناعي في الانسان هي مهمة شاقة في الواقع. ما نحتاج اليه هو نوع من التجربة لتحقيق ذلك. حاليا، يؤدي الجهل بطبيعة الانسان الى خلق حالة من عدم التأكد تجاه طبيعة الحق الطبيعي. روسو يقدم تفسيراً مختصراً للنقاش القديم والحديث عن الحقوق الطبيعية والقانون الطبيعي.
المشكلة الثانية التي تبرز هنا هي، اذا كنا غير متأكدين حول ما تعنيه عبارات الطبيعة والقانون، فكيف سنعرّف القانون الطبيعي الذي يُفترض ان يجيز عدم المساواة؟ في تناول هذا السؤال، نعود الى مشكلة الطبيعة الحقيقية للانسان. ذلك اذا كنا جاهلين في طبيعة الانسان، فمن المستحيل الابلاغ ما اذا كان تعريف القانون الطبيعي الذي نعتمده ينسجم مع تلك الطبيعة دائما. لكي يكون قانوناً، يجب ان يحظى بقبول واتفاق معرفي وعقلي، ولكي يكون طبيعي يجب ان "يتحدث بصوت الطبيعة".
هناك طريق للخروج من هذه المشكلة. روسو يدّعي انه يتصور وجود مبدئين اساسيين يوجدان قبل العقل، اي قبل ان يتطور الانسان بفعل المجتمع والعقلانية. ان هذين المبدئين هما المحافظة على الذات والشعور بالتعاطف تجاه الاخرين. القانون الطبيعي ينطلق من هذين المبدئين الذين لا يحتاجان الى الاجتماعية. واجبات الانسان لا تُخصص له عن طريق العقل وحده، وانما عبر حماية الذات والعطف. ولذلك فان الانسان سوف لن يؤذي انسانا آخر يشعر بالألم ما لم يكن وجوده في خطر. واجب عدم ايذاء الاخرين لا يرتكز على العقلانية وانما على حالة الشعور، او المقدرة على الشعور. هنا يطرح روسو حلاً للسؤال القديم حول ما اذا كانت الحيوانات تشارك في القانون الطبيعي ام لا. بما ان الحيوانات ليست رشيدة،يقول روسو، فهي لا تستطيع المشاركة في القانون الطبيعي، ولكنها ككائنات شاعرة فهي تشارك في الحقوق الطبيعية، اي انها تشعر وتتعاطف مع الآخر. هذا يعطي الحيوانات الحق بان لا تنال التعامل السيء من الانسان.
ان دراسة الانسان الطبيعي لحاجاته الحقيقية وللمبادئ الاساسية لواجباته، هما الطريقة الوحيدة لتوضيح القضايا الهامة مثل اصل عدم المساواة الاخلاقية واسس السياسة العامة "الدولة". بدون هذه الدراسة، تبقى اسس المجتمع الحديث غير مستقرة وغير آمنة، ومن الصعب الفصل بين ما ارادته رغبة الاله وما خلقه الانسان.
تحليل
ان مقدمة الخطاب هي في الاساس محاولة من روسو لتعريف المشكلة التي يسعى لمعالجتها. وضع روسو في بداية عمله منهجية وافتراضات واضحة، وأوضح بعض المشاكل في المصطلحات التي يستعملها. اولى اهتماماته الهامة جداً كانت: تحويل تركيز السؤال نحو طبيعة الانسان وهو ما أعطى للخطاب عمقا اضافياً. جميع الاسئلة المتعلقة بعدم المساواة والمجتمع الحديث تعتمد على سؤال واحد: ما هو الطبيعي؟
ان سياق الحقوق الطبيعية ونظريات القانون الطبيعي هامة جداً لفهم ما يقوم به روسو. النقاشان الاثنان المتصلان هما معقدان ويرتبطان بالمفكرين القدماء ومفكري القرون الوسطى. من بين المفكرين المحدثين الذين يشير لهم روسو هم هوبز و غروتز.
ان الحق الطبيعي هو في الاساس ادّعاء بان كل الناس لهم الحق تجاه الاخرين بمقتضى كونهم كائنات انسانية، مثل الحق بامتلاك شيء او عمل شيء ما. الحقوق الطبيعية لا تُمنح او تؤسس من جانب المجتمع وانما تُخلق من جانب الله او الطبيعة. كذلك بالنسبة للقوانين الطبيعية هي تعليمات رشيدة تجبر الناس للعمل بطريقة معينة، وهي عموما يُنظر اليها كاوامر من الله او الطبيعة يجب اطاعتها من جانب الانسان. ولذلك فان السؤال المهم الذي يجيب عليه روسو هو ما اذا كانت اوامر الله ام الطبيعة هي من يقرر وجوب عدم مساواة البشر. مثال على القانون الطبيعي هو امر البحث عن السلام مع الناس الاخرين في اي فرصة ،اما المثال عن الحق الطبيعي هو الحق بالحفاظ على الذات. الحق الطبيعي والقانون الطبيعي ليسا مترادفين لكنهما مجتمعان يُنظر عادة اليهما كونهما يوفران الاطار الاساسي للحقوق والواجبات التي يمكن استخدامها لايجاد المجتمع السياسي. المسألة الهامة هي اننا لكي نتجنب الصراع علينا ان نؤسس قاعدة للناس غير مثيرة للجدل ليرتبطوا مع بعضهم. لكن روسو يشير الى عدم وجود اتفاق بين البشر حول اي الحقوق والواجبات هي طبيعية او اساسية.
المشكلة الثانية هي ان المفكرين المحدثين يعتقدون ان المخلوق الرشيد هو وحده منْ يمتلك الحقوق الطبيعية. هذا يمثل تعاملاً دونياً للحيوانات، لكنه خلق ايضا مشكلة لروسو الذي يستمر في النقاش بان الانسان الطبيعي والحيوان هما في الحقيقة متشابهان.
النقطة الاساسية لدى روسو هي ان الحقوق الطبيعية والقوانين لا تعني شيئا اذا لم نفهم طبيعة الانسان. يجب ان يكون هناك ارتباطاً بين الاثنين لكي يصبح هناك معنى للقوانين الطبيعية. ولذلك، لكي نفهم ماهية هذه الطبيعة،علينا اخراج العقل بعيدا عن المعادلة، لأن الانسان في ظروفه الاصلية لم يكن كائنا رشيدا. نحن نحتاج الى مفاهيم اساسية او مبادئ نضع على اساسها نظرية الانسان – مفاهيم ليس لها علاقة بالتعليل السببي.
حين يطرح روسو حماية الذات والتعاطف كمبدئين، فهو انما يختار مفهومين متضادين فيما يبدو. ان رغبة الفرد في حماية الذات هي قياس او مستوى لنظريات الحقوق الطبيعية التي نوقشت من جانب كل من هوبز و غروتز، لكن التعاطف هو مفهوم اكثر حداثةً. وبينما يسحب احد المبدئين الانسان نحو الناس الآخرين، فان المبدأ الآخر يوجّهه نحو ذاته. روسو يجادل بعدم وجود تناقض بين الاثنين.

http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg