المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة - دراسة حالة



احمد منصور السعودى
08-27-2013, 11:05 AM
الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة - دراسة حالة



الباحث
أ.نادية اسماعيل محمد الجبلي
جامعه عدن - اليمن


الملخص :
الخـاتمة
تعد الرقابة البرلمانية الحقيقية على تنفيذ الموازنة العامة ضرورة لازمة لأنها تحقق السيادة الشعبية والتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وترفع مستوى الحكم وتحافظ على المال العام من الإسراف والتبذير والسرقة ، فهي تمارس باسم الشعب مصدر كل السلطات ، فالشعب متحمل عبء تمويل الموازنة العامة ومن حقه أن يراقب تنفيذ الموازنة العامة وفقاً لما أقره الدستور والقانون المالي .
إن الرقابة البرلمانية في اليمن هي رقابة بعدية - رقابة بعد حدوث الحدث محل الرقابة - وهذا الأمر يمكن تواجده من خلال وسائل الرقابة البرلمانية في كافة برلمانات العالم تقريباً بلا استثناء. أما النوع الثاني من الرقابة وهي الرقابة القبلية - أي الرقابة قبل الحدث - فلا وجود لها في الواقع العملي في التجربة اليمنية وربما في غالبية التجارب الرقابية البرلمانية في كافة برلمانات العالم ، فهذا النوع الأخير لا يوجد إلا في الولايات المتحدة الأمريكية فقط ، حيث يقوم مشرعو الكونجرس بغرض الرقابة على الإدارة من خلال فرض شروطهم إبان تقنين المخصصات المالية أي قبل الإنفاق.
ولاشك أن هذا النوع الأخير من الرقابة هو الذي يمنح درجة أكبر من التطور والرقي السياسي، لأنه بمثابة محاسبة للحكومات على أعمالها التي تنوي القيام بها والمعلنة في خططها وبرنامجها. فالواقع أن الحكومة تطرح برنامجها على مجلس النواب عند بداية كل دورة برلمانية وعند تشكيلها ، كما أنها تطرح موازنتها العامة للسنة اللاحقة وهي أمور يناقشها المجلس مسبقاً ، وغاية ما هنالك أن تلك الأمور لا تدخل في باب الرقابة وفق المفهوم العام لأدوات ووسائل الرقابة البرلمانية ، ناهيك عن أنه في ظل الخلل في التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في اليمن أصبح من الصعب من الناحية السياسية إسقاط مجلس النواب للحكومة نتيجة رفض برنامجها .
ولقد خلص البحث إلى نتيجتين رئيسيتين مفادهما أن البناء القانوني للرقابة البرلمانية متوافر وإن شابه بعض القصور، كما أن الممارسة العملية الفعلية لهذه الرقابة تثبت عدم فعاليتها لسطحيتها أحيانا ولغيابها أحياناً أخرى ، حيث أن فكرة التوازن التي تتضمنها نصوص الدستور بين السلطة التنفيذية والتشريعية قد اختفت من الحياة الدستورية نفسها، والملاحظ أن نظرية تحقيق التعاون والتوازن بين السلطتين ، و نظرية إيقاف السلطة بواسطة السلطة الأخرى غير موجودة على واقع الحياة السياسية ، وإذ تهيمن السلطة التنفيذية على الواقع العملي وعلى الحياة الدستورية ؛ وهي التي تمارس من الناحية الفعلية أهم اختصاصات المجلس التي نوه عنها الدستور- بل إن الدستور قد أعطى هذه السلطة ضمانات تصل إلى حد المبالغة والتي يصعب معها لأعضاء البرلمان ممارستها .
ناهيك عن الأغلبية الساحقة لأعضاء الحزب الحاكم في أحضان البرلمان، وامتلاك السلطة التنفيذية الكثير من الخبراء الفنيين والمتخصصين واللذين يساعدونها من أجل تحقيق أهدافها حيث أنها تمسك في يدها زمام أمور الدولة ومصير البلاد.
لهذا قسمنا بحثنا هذا إلى فصلين مسبوقين بمدخل تمهيدي، تناول المدخل التمهيدي التعريف بالموازنة العامة للدولة بينما تناول الفصل الأول الرقابة البرلمانية في إطارها النظري، وتناول الفصل الثاني أشكال الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة للدولة.
لذلك عرضنا في المدخل التمهيدي التعريف بالموازنة العامة للدولة في مبحثين ، أختص المبحث الأول بالموازنة العامة مفهومها وخصائصها وأهدافها ، وقد ذكرنا فيه مفهوم الموازنة العامة من حيث التعريف اللغوي والاصطلاحي، القانوني ، الاكاديمي والتعريفات عند علماء المالية العامة. مع التطرق إلى خصائص الموازنة العامة ، أهم أهداف الموازنة الاقتصادية ، والاجتماعية والمالية والتي تسعى إليها .
وتعرّض المبحث الثاني إلى مبادئ وأسس الموازنة العامة ، التي شملت مبدأ سنوية الموازنة وهي في الغالب تكون سنة وهي مدة كافية لمعرفة النفقات والإيرادات على الوجه الصحيح ، مبدأ وحدة الموازنة ويقصد بذلك أن تكون الإيرادات العامة والنفقات العامة ضمن صك واحد حتى تسهل للسلطة التنفيذية معرفة المركز المالي للدولة ومعرفة أوجه العجز والفائض فيها، وكذلك تمكن السلطة التشريعية من الاطلاع على إجمالي النفقات والإيرادات وأنواع كل منهما وكذا سهولة الرقابة عليها بفعالية . أما المبدأ الثالث فهو مبدأ توازن الموازنة في النظرية المالية التقليدية والنظرية المالية الحديثة ؛ فالنظرية المالية التقليدية لم تسمح بتدخل الدولة في توازن الاقتصاد العام، فمن الضرورة أن تحقق التساوي بين مجموعة الإيرادات ومجموعة النفقات، وسمحت النظرية المالية الحديثة للدولة بالتدخل لتحقيق التوازن الاقتصادي العام وتستند هذه النظرية إلى التوازن الاقتصادي الحديث ولا تنظر إلى العجز على أنه كارثة - لابد من تحقيق التساوي بين مجموع الإيرادات ومجموع النفقات - ويتجسد المبدأ الرابع في مبدأ شمول الموازنة وهو مبدأ يدعو إلى ضرورة أن تتضمن الخطة العامة للموازنة كافة الإيرادات وكافة النفقات بشكل تفصيلي، وكذا أنشطة الحكومة مهما كبرت أو صغرت.
وشمل الفصل الأول الرقابة البرلمانية في إطارها النظري ، وتناول المبحث الأول ماهية الرقابة البرلمانية وتطورها ، المبحث الثاني أهمية وأهداف الرقابة البرلمانية والعوامل المساعدة على تفعيل دورها، وفي المبحث الثالث وسائل الرقابة البرلمانية ونتائجها. إذ وضح المبحث الأول تعريف الرقابة البرلمانية لغويا واصطلاحاً، وهي تعاريف تختلف من حيث التركيب اللغوي ولكنها تتفق من حيث الجوهر والمضمون، وجميعها تنصب في قالب واحد وهو المحافظة على المال العام من الإسراف والتبذير والسرقة أو عدم استخدامها الاستخدام الأمثل. أما عن تطور الرقابة البرلمانية فيرجع ذلك إلى التطورات والكوارث عبر مراحل التاريخ نتيجة لتجاوز الحكام لحقوق الشعب مما نتج عنه ظهور مبدأ الفصل بين السلطات من سلطة تشريعية، تنفيذية وأخرى قضائية، وظهرت معه أنواع الرقابات باعتبارها تربط وتنسق ممارسات تنفيذ هذه السلطات لاختصاصاتها .
ووضح المبحث الثاني أهمية وأهداف الرقابة البرلمانية وعوامل تفعيلها ، وتظهر أهمية الرقابة بوضوح من خلال تنفيذ النصوص الدستورية والقانونية المختلفة والتي تحدد العلاقة بين الرقابة البرلمانية وهيئاتها من جهة وسلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من جهة أخرى، وتهدف الرقابة البرلمانية إلى تحقيق المشروعية في عملية صرف الموازنة والتوافق مع نصوص الدستور ، القانون المالي واللوائح والتعليمات المالية، ومن أجل نجاح هذه الرقابة هناك عوامل خارجية تزيد من تأثيرها بما يحقق لها نتيجة أفضل في كشف الحقائق والمعلومات لأعضاء البرلمان عن كيفية تنفيذ الموازنة كرقابة الرأي العام ، رقابة الأحزاب والتنظيمات السياسية ورقابة الصحافة والإعلام وجميعها لها دور كبير في نجاح الرقابة.
وقد شرح المبحث الثالث وسائل الرقابة البرلمانية ونتائجها ، وهذه الوسائل(الأسئلة ، الاستجواب ، التحقيق البرلماني و المسؤولية الوزارية) وهذه الوسائل تتدرج من البساطة والضعف إلى القوة والخطورة ، قد منح الدستور السلطة التشريعية هذه الوسائل من أجل الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وخاصة المسائل المالية ، ولذا فقد تنتهي الرقابة البرلمانية بنتائج أما بلوم الحكومة أو طرح الثقة بالوزارة أو الوزير المعني أو حل البرلمان حلاً وزاريا إذ لم تقدم الحكومة استقالتها وطلبت من رئيس الدولة الاحتكام إلى الشعب عن طريق الاستفتاء المباشر .
وقد تطرق الفصل الثاني إلى أشكال الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة في ثلاث مباحث ، تناول المبحث الأول الرقابة البرلمانية السابقة على تنفيذ الموازنة العامة ، بينما تناول المبحث الثاني الرقابة البرلمانية المعاصرة لتنفيذ الموازنة العامة ، وأخيراً شمل المبحث الثالث الرقابة البرلمانية اللاحقة على تنفيذ الموازنة العامة . وقد أوضح المبحث الأول أن الرقابة البرلمانية السابقة على تنفيذ الموازنة تظهر عندما تقوم السلطة التنفيذية بإعداد مشروع الموازنة وبعد الموافقة عليها من قبل اجتماع مجلس الوزراء تقوم الحكومة بإيداع هذا المشروع على السلطة التشريعية ، وبعد قراءة البيان المالي على أعضاء البرلمان لأخذ الموافقة المبدئية للمشروع يشكل البرلمان من أعضائه لجنة تسمى (لجنة الشؤون المالية) ويحيل رئيس مجلس النواب هذا المشروع على لجنة الشؤون المالية لدراسته ومناقشته بحضور وزير المالية أو من ينوبه وتقدم اللجنة ملاحظاتها إلى رئيس المجلس لمناقشتها ، ولايجوز لأعضاء البرلمان أو لجنة الشؤون المالية أن تعدل أو تحذف أو تضيف أي بند من بنود الموازنة إلا بموافقة الحكومة. وبعد الانتهاء من دراسة ومناقشة الموازنة في اللجنة يعرض المشروع برمته مرة أخرى على المجلس بحضور الوزير المختص لدراسة المشروع ومناقشته واقتراح التعديلات والملاحظات على الحكومة والتصويت النهائي عليه حيث يعطي الإذن للحكومة بتنفيذ برنامجها المالي للسنة المقبلة وأخيراً إصدار الموازنة بقانون من قبل رئيس الجمهورية .
وتناول المبحث الثاني الرقابة البرلمانية المعاصرة لتنفيذ الموازنة العامة إذ تعد هذه الرقابة من أدق وأقوى الرقابة على الإطلاق لأنها رقابة مستمرة وآنية في مختلف مراحل الأداء ، وتعد هذه المرحلة مهمة لأنها تكشف الأخطاء والمخالفات المقصودة والغير مقصودة في وقتها مما يسهل معها اتخاذ الإجراءات ومعالجتها وتجنب استفحالها وتضخمها قبل إتمام العمل . وتكون هذه الرقابة أما عن طريق الأعضاء أنفسهم وذلك باستخدام وسائل الرقابة البرلمانية من أسئلة ، أو استجواب ، أو تحقيق نيابي ، أو سحب الثقة من الحكومة أو الوزير المعني ، إذا ثبتت مسؤوليتها السياسية أو الجنائية، أو تكون الرقابة عن طريق أجهزة رقابية عليا مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهو جهاز تابع لرئاسة الجمهورية، ويقوم بمراقبة تنفيذ الموازنة العامة في جميع المرافق الحكومية أو الهيئات التي تمولها الدولة ، ويقدم تقارير إلى رئيس الدولة وإلى مجلس النواب حيث أن هذا الجهاز يوافي السلطة التشريعية بجميع التقارير الدورية والبيانات والمعلومات الواردة عن نشاط الأجهزة التنفيذية بمختلف مستوياتها بهدف تحليلها وتقييمها . كما يقوم المجلس التشريعي برقابته عن طريق الاعتمادات الإضافية وضرورة موافقة مجلس النواب عليها قبل صرفها وعدم المناقلة بين بنود وأنواع الباب الواحد أو من باب إلى آخر إلا بعد أخذ الموافقة من المجلس مسبقاً .
وتكلم المبحث الثالث عن الرقابة البرلمانية اللاحقة على تنفيذ الموازنة العامة وهو الحق الذي منحه الدستور للسلطة التشريعية من خلال الرقابة على الحساب الختامي وهذه الرقابة تعد وسيلة للمجلس من أجل التأكد من مدى مطابقة أرقام الموازنة التقديرية مع الأرقام الحقيقية ومعرفة مدى التزام الحكومة ببرنامجها الذي قدمته إلى البرلمان لأخذ موافقتها عليه، ويكون ذلك عن طريق إحالة المشروع إلى لجنة الشؤون المالية لدراسته ومناقشته وتقديم تقريرها عنه إلى المجلس, وهذا المجلس يقوم بدراسة المشروع المقدم من لجنة الشؤون المالية لمناقشته وإقراره أمام المجلس بكامل هيئته وبنفس طريقة اعتماد الموازنة العامة. ثم تكلمنا عن الحساب الختامي كوسيلة رقابية هامة على تنفيذ الموازنة، وأخيراً ابرزنا أهم المعوقات التي أدت إلى إضعاف الرقابة البرلمانية وما هي الوسائل والحلول الكفيلة لمعالجتها والحد منها. ولقد توصلت هذه الدراسة إلى العديد من النتائج والتوصيات نذكر أهمها فيما يلي:

أولاً: النتائج :
1- من خلال دراسة المقارنة التي شملت كلاً من اليمن ومصر وفرنسا ، يمكن التوصل إلى وجود تشابه كبير بين مصر واليمن إلى حد بعيد في الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة الذي يمكن أن يرجع إلى كون القانون اليمني اشتق معظمه من القانون المصري، والاختلاف نلمسه بشكل كبير بين كل من اليمن وفرنسا، حيث أن هذه الأخيرة تطبق الرقابة بشكل جدي ومرن إلى حد يضمن مصداقيتها وفعاليتها على عكس التعقيدات والصعوبات الموجودة في الدستور اليمني (مثلاً في فرنسا يطلب الدستور عشرة أعضاء لطلب اللوم الموجه للحكومة على عكس الدستور اليمني الذي يطلب ثلث أعضاء البرلمان وهذا ما يمنع رقابة فاعلة على الموازنة ) .
2- إن المتأمل في الدستور اليمني يلاحظ أنه زود السلطة التنفيذية بكل إمكانيات الهيمنة وحضنها بكثير من الضمانات التي تصل إلى حد المبالغة، وذلك بإيراد قيود شديدة على حق السلطة التشريعية في ممارسة وسائله الرقابية ( السؤال، والاستجواب، والتحقيق النيابي،....الخ) في مواجهة تلك السلطة وهذه الضمانات والقيود تعيق الرقابة البرلمانية ، وتؤدي من الناحية العملية إلى ندرة استخدام مجلس النواب لوسائل الرقابة المقررة له من الدستور ، وهذا التقييد البرلماني أدى إلى ضعف رقابة المجلس.
3- قد يضطر مجلس النواب وفقاً لحقوقه الدستورية والقانونية إلى الموافقة على الموازنة العامة كما هي ، فهو قد يعترض عليها أو يطلب تعديلها ولا تستجيب الحكومة لمطالبه في تعديل الموازنة، فيتأخر العمل بالموازنة الجديدة، ويستمر العمل بالموازنة القديمة خلال السنة الجديدة، وهو أمر لا يمكن أن يطول ، فسيجد البرلمان نفسه مضطراً إلى الموافقة على الموازنة العامة الجديدة.
4- أغفل نص دستور الجمهورية اليمنية صراحة وجوب إنشاء هيئة أو محكمة رقابية عليا مستقلة ، تحديد أهدافها واختصاصاتها، صلاحياتها والضمانات الكافية التي من شأنها دعم استقلاليتها وحياديتها. واكتفى بالإشارة بصورة ضمنية على وجود مثل هذه الهيئة الرقابية بالتأكد، وعلى وجوب عرض التقارير من الجهاز بملاحظاته وتوصياته على مجلس النواب .
5- هناك عوائق أمام توجيه الأسئلة منها امتناع بعض الوزراء حضور المجلس للإجابة على الأسئلة الموجهة إليهم من قبل النواب في المجلس؛ حيث تمر أشهر عديدة على بعض الأسئلة المدرجة على جدول أعمال المجلس دون أن يحضر المعنيون للإجابة عليها.
6- إن أغلبية وسائل الرقابة قد أضعفها النواب بسبب يعزى إليهم؛ إذ كثيراً ما توجه أسئلة أو استجوابات إلى الحكومة ذات طابع شخصي لا علاقة لها بطبيعة عمل المجلس وإنما تستهدف الابتزاز السياسي أو المصلحة الانتخابية المحضة.
7- يرجع سبب ضعف رقابة البرلمان على الموازنة والحساب الختامي إلى المسائل الفنية والحسابية التي تتضمنها الموازنة ونقص المعلومات والبيانات التي تقدمها الحكومة وكذلك قصر الفترة الزمنية المحددة لمناقشة القوانين المالية بصفة خاصة ، ويؤكد ذلك أن الحسابات الختامية للدولة لا تقدم إلا بعد سنوات مما يضعف من رقابة المجالس النيابية .
8- يقوم الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ببعض الإجراءات والتوصيات إلا أن معظم الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز لا تستجيب لتلك التوصيات وتظل المخالفات المالية قائمة، وهذا ما تؤكده تقارير الجهاز نفسها التي تبدأ ملاحظاتها بالتأكيد على تنفيذ توصياته السابقة.
9- هناك خلط لدى النواب بين وسائل الرقابة وآثارها بالرغم من التباين الظاهر بينهما؛ فالوسيلة طريق إجرائي يستهدف إتباعه تحقيق أمر معين ، أما الأثر فهو ما تمخض عنه هذا الإتباع ، ومن هنا إذا كانت وسائل الرقابة مسالك أعضاء البرلمان للتحقق من سلامة تنفيذ الموازنة العامة بشكل خاص والأداء الحكومي بصفه عامة فإن أثرها ما أفضت إليه ، إذا يفترق السؤال عن الاستجواب والتحقيق عن المسؤولية الوزارية فالأول سبل لاستقاء المعلومات الحكومية وآليات لتمحيص الأعمال الوزارية أما الأخيرة فهي أثر أفرزته تلك السبل فصارت بمثابة جزاء أفضت إليه .
10- تستخدم الرقابة البرلمانية في معظم الأحيان كوسيلة لتصفية حسابات المعارضة البرلمانية مع الحكومة ويسخرها النواب لكسب تأييد ناخبيهم وإرضاء لحزبهم أو إظهار براعتهم أمام الرأي العام ووسائل الإعلام في مطاردة وزير أو ملاحقة آخر، وأحياناً تصل إلى تحقيق مصالح شخصية على الرغم من أنها وسيلة لتحسن أداء دوره النيابي ورعاية مصالح الشعب .
11- تعد الرقابة البرلمانية اللاحقة على تنفيذ الموازنة العامة مهمة كونها تشكل الرقابة السياسية لهذه السلطة. إلا أن تأخر تقديم مشروع الحساب الختامي للبرلمان يقلل من فاعليتها ونجاحها وبخاصة إذا ما تغير الوزراء اللذين نفذوها ، حيث أصبح اعتماد الحساب الختامي إجراء شكلياً بحت في معظم برلمانات العالم ولتلافي ذلك لابد من صدور قرارات تشريعية مالية بضرورة عرض المشروع خلال مدة قصيرة من تاريخ انتهاء السنة المالية ووضع عقوبة إذا تأخرت عن المدة المحددة.
12- إن الرقابة البرلمانية خالية من الجدية والفاعلية والواقعية لأنها تقف عند الحكم على النتائج وتناقش الإجماليات دون أن تقترب من الرقابة الفنية ، ونظراً لاصطباغها بالصبغة السياسية وتأثيرها إلى حد كبير بالاعتبارات الحزبية التي كثيراً ما تؤدي إلى أفساد الرقابة البرلمانية بسبب مدارة حزب الأغلبية للحكومة وتغطيته على أخطائها.
13- قد يحدث أن النائب في المجلس التشريعي يتلقى هموم ومشاكل الناخبين في دائرته الانتخابية بسبب ضعف الحالة الاقتصادية ، فيضطر النائب للانتقال من وزارة إلى وزارة أخرى ، لإيجاد حلول مع الوزير المختص لهذه المشاكل وخاصة في المسائل المالية ، وهذا يؤدي إلى ضعف هيبة النائب البرلماني وبالتالي إلى ضعف الرقابة البرلمانية .

ثانياً: التوصيات:
1- تأمين كوادر فنية ذات كفاءة عالية من المختصين بالعلوم المحاسبية والقانونية وتزويدها للجان البرلمانية، وخاصة لجنة الشؤون المالية في مجلس النواب.
2- تفعيل الدور الرقابي للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من خلال إعطاءه صلاحيات وسلطات أكبر.
3- ضرورة وجود نصوص دستورية وقانونية من أجل إنشاء هيئة رقابية عليا مستقلة عن السلطتين (التنفيذية والتشريعية) تتمتع بالحصانة والمميزات التي منحها الدستور للسلطة القضائية من أجل الوصول إلى أعلى دراجات الاستقلالية ، والحصول على نتائج دقيقة وكاملة وسليمة ولابد أن يتسم العمل الرقابي بالموضوعية والحيادية، وهما سمتان مرهونتان بتوافر هذا العنصر الهام والجوهري، وإن كان هناك صعوبة في الوقت الحاضر بسبب أن اليمن من الدول النامية والتي لا تستطيع إنشاء مثل هذه الهيئات فالأقرب إلحاق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمجلس النواب بدلاً من رئاسة الجمهورية حتى يؤدي هذا الجهاز دوره الرقابي بحرية تامة ، ولكي ينضبط في موافاة المجلس بالتقارير الدورية في مواعيدها المحددة دستورياً وقانونياً .
4- إزالة القيود والعوائق العددية الموجودة في الدستور واللائحة لكي يمارس عضو البرلمان دوره الرقابي بفاعلية عن طريق استخدام وسائل الرقابة البرلمانية( السؤال، والاستجواب، والتحقيق النيابي،....الخ) ، فقد أفاض الدستور ولائحة مجلس النواب بتلك القيود فطلب سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أي من أعضاء الحكومة لابد أن يقدم من ربع أعضاء المجلس، وطلب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أومن أحد الوزراء لابد أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس .
5- ضرورة إنشاء مجلس أو محكمة تأديبية للمخالفات المالية يتبع اللجنة العليا للفساد ، وتحديد أنواع المخالفات المالية البارزة ووضع عقوبات صارمة ورادعة مما يضع حداً للانحرافات والأخطاء التي تحدث عند تنفيذ الموازنة، ومنح جهاز الرقابة المستقلة حق إحالة المخالفات والجرائم المالية إلى القضاء المختص ووضع عقوبة رادعة بحق القائمين بالرقابة على تنفيذ الموازنة إذا تبين فيما بعد أن هناك خطأ أو انحرافات قد وقع منهم نتيجة عدم بذلهم العناية الكافية واللازمة.
6- لا يمكن لعضو البرلمان الإلمام بكافة نواحي الوظيفة البرلمانية(التشريعية والرقابية) ويحتاج من يمارسها إلى نشاط زائد وخبرة ودراية كافية ، فهو عبء ضخم ينوء به عضو البرلمان، وإن كان الأصل هو تفرغ عضو البرلمان أثناء ممارسته لعمله النيابي. ولذلك نرى من الأفضل عدم الجمع بين عضوية مجلس النواب وعضوية مجلس الوزراء ، حيث يكون من الصعب على النائب تقديم سؤال أو استجواب لوزير وهو يعمل في مصلحة حكومية تخضع للإشراف وتبعية الوزير المطلوب استجوابه ، وحتى إذا قدم استجواب فسوف ينتهي بالشكر والتقدير الأمر الذي يهدم الدور الرقابي للسلطة التشريعية ، وإن كان هذا الاقتراح يتطلب تعديلاً دستورياً، وتعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب اليمني .
7- ضرورة تطوير العمل الرقابي لمجلس النواب يستوجب إنشاء مركز معلومات مزود بالأجهزة العلمية الحديثة على أن يكون لها علاقة بمختلف شبكات المعلومات الداخلية والخارجية في مختلف دول العالم لأن الملاحظ أن بعض أعضاء البرلمان لا يملكون الكفاءة والخبرة الكافية لممارسة الرقابة البرلمانية، وعدم قدرتهم على المتابعة المستمرة لأعمال الحكومة، أو عدم إدراكهم لشؤون الموازنة العامة والضرائب ولكي يكون لهم الدور الرقابي الفاعل في إثراء العمل البرلماني.
8- إعطاء السلطة التشريعية صلاحيات أكبر تتجاوز صلاحيات السلطة التنفيذية التي من المفترض إن تخضع لها.
9- لابد أن يتم اختيار أعضاء البرلمان عن طريق انتخابات حرة ونزيهة دون أي ضغوط على الناخبين ، ويشترط في عضو البرلمان أن يكون من حملة الشهادات الجامعية وأن يكون مثقفاً ومؤهلاً تربوياً وبعيداً عن الشبهات، ولذلك نرى ضرورة إعادة النظر في المادة (64) الفقرة (2) (ج- أن يكون مجيداً للقراءة والكتابة) من الدستور اليمني الحالي.
10- ضرورة وجود نصوص دستورية وقانونية تنص على عقوبة رادعة للوزراء اللذين يرفضون الحضور إلى قاعة البرلمان للرد على الأسئلة والاستجوابات الموجهة إليهم من أعضاء البرلمان.
وأخيراً أن الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وظائف اليوم
04-12-2015, 06:22 PM
الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة - دراسة حالة