المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التضخم في الاسلام



ميرهان عز
08-20-2013, 09:09 AM
التضخم في الاسلام


الدكتور عادل عامر


عندما بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم كانت النقود التي يتعامل بها الناس هي الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، فشرع صلى الله عليه وسلم من الأحكام ما ينظم تعامل المسلمين بهذين المعدنين: الذهب والفضة، وهذه الأحكام التي تُعرف في الفقه الإسلامي بأحكام الصرف. ومن هذه الأحاديث ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد))، [رواه مسلم، 4147]. فهذا الحديث وغيره في بابه يُؤخذ منه أن الصرف كي يتم صحيحًا بغير ربا يشترط فيه الآتي: 1. التماثل بغير زيادة ولا نقصان عند تبادل ذهب بذهب، ومثله دينار بدينار، أو تبادل فضة بفضة، ومثلها درهم بدرهم، ويسقط هذا الشرط إذا كان بيع ذهب بفضة ولا يتأخر البيع. 2. القبض في المجلس قبل الافتراق؛ فلا يُباع غائب بحاضر، ولا يتأخر القبض وإنما هاء وهاء، ويدًا بيد، فإذا افترق المتصارفان قبل أن يتقابضا، فالصرف فاسد بغير خلاف، وأحكام الصرف واضحة ومفصلة في كتب الفقه. ولكن المشكلة طرأت من الزيادات الفاحشة للأسعار، مما أدى إلى انخفاض قيمة النقود يومًا تلو الآخر على النحو المشاهد والمعايش، وهو ما يُعرف بظاهرة "التضخم". والتضخم بكل بساطة هو ضعف القوة الشرائية للعملة، فإذا كان عشر وحدات من عملة البلد تشتري كيلو غرام من اللحم أو دجاجتين في الزمن الحاضر، ثم ضعفت القيمة الشرائية للعملة بعد سنة وأصبح ثمن كيلو اللحم أو قيمة الدجاجتين ما يعادل خمس عشرة وحدة من وحدات العملة المحلية، فهذا يعني أن التضخم حدث بمعدل كبير وهو 50%. لذا فإن المستثمر الذي ربط أمواله لفترة طويلة بعائد مقبول لديه وقت بداية الاستثمار أصبح خاسرًا؛ ليس بسبب سوء اختياره لقناة الاستثمار، بل لأن عاملًا آخر وهو التضخم قد قضى على قدر كبير من قيمة استثماره. والتضخم أمر لا بد منه، فالأشياء ترتفع أسعارها، فبذلك تقل قيمة النقود أمام السلع، فما كان الإنسان يشتريه منذ ثلاث سنوات بمبلغ 20 جنيهًا مثلًا فإنه الآن غالبًا ما يكون بخمسة وعشرين جنيهًا، وهذا هو التضخم. والتضخم المقبول والمعقول والمتوقع وجوده يكون صغير المقدار، وقد لا يتجاوز نصفًا في المائة، أو واحدًا في المائة في العام، عندما يكون الوضع الاقتصادي للبلد سليمًا وصحيحًا، علمًا بأن تضخمًا في حدود 1-2% لا يمكن اعتباره نذير سوء، ولكن في حالة تجاوز معدل التضخم لهذا المعدل؛ فإن هذا يعني وجود خلل اقتصادي كبير. فإذا ما أردنا التعرف على أسباب التضخم من خلال ما عرضه علماء الاقتصاد في مؤلفاتهم، فسوف نجد ما يأتي: الاختلال بين العرض والطلب، ارتفاع التكلفة، ارتفاع الأجور بسبب ارتفاع الأسعار، ارتفاع سعر الفائدة، ارتفاع أسعار السلع التي يتم إنتاجها في الاحتكار أو منافسة القلة، ارتفاع معدلات الأجور، ارتفاع أثمان المواد الخام أو المواد الغذائية المستوردة مما يزيد من نفقات الإنتاج، التوسع في الاستهلاك، اختلال التوازن بين الاستهلاك والاستثمار، ثم النفقات العامة، والتي تتطلب رءوس أموال كبيرة دون أن تؤدي في غالب الأحيان إلى أي إنتاج؛ كالمصاريف العسكرية، والمصاريف المنفقة على الصحة والتعليم وغيرها، كل هذه تؤدي إلى التضخم. فهل التضخم يؤثر على الحقوق والالتزامات المختلفة؟ فلنأخذ القرض مثالًا على ذلك: فإذا ما اقترض شخص من آخر ألفًا مثلًا، وحان موعد ردها، وانخفضت قيمة النقود بمقدار مائة، فهل يردها إليه ألف ومائة أم ألف فقط؟! يجدر بنا هنا أن نناقش أقوال علماء المذاهب في هذه المسألة: أولًا ـ أقوال الحنابلة: قال "ابن قدامة" في "المغني": (وإن كانت الدراهم يتعامل بها عددًا فاستقرض عددًا رد عددًا، وإن استقرض وزنًا رد وزنًا، وهذا قول الحسن وابن سيرين والأوزاعي، ويجب رد المثل في المكيل والموزون، لا نعلم فيه خلافًا) أ.هـ، [المغني، 4/357]. وقال في موضع آخر: (المستقرض يرد المثل في المثليات، سواء رخص سعره أو غلا، أو كان بحاله، وإن كان القرض فلوسًا أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها ولم يلزمه قبولها...، قال القاضي: هذا إذا اتفق الناس على تركها، فأما إن تعاملوا بها مع تحريم السلطان لها لزمه أخذها، وقال مالك والليث بن سعد والشافعي: ليس لنا إلا مثل ما أقرضه) [المغني، 9/114]. أقوال المالكية: يقول "ابن وهب" في "المدونة الكبرى": (كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا) [المدونة، 8/451]. وفي "المعيار المعرب" تحت عنوان: "الحكم إذا بدلت سكة التعامل بأخرى" يقول: (وسُئِل ـ أي أبو سعيد بن لب ـ عن رجل باع سلعة بالناقص المتقدم بالحلول ـ أي بالتقسيط ـ فتأخر الثمن إلى أن تحول الصرف، وكان ذلك على جهة، فبأيهما يقضي له؟ وعن رجل آخر باع بالدراهم المفلسة فتأخر الثمن إلى أن تبدل، فبأيهما يقضي له؟فأجاب: لا يجب للبائع قِبل المشتري إلا ما انعقد البيع في وقته؛ لئلا يظلم المشتري بإلزامه ما لم يدخل عليه في عقده، فإن وجد المشتري ذلك قضاه إياه، وإن لم يوجد رجع إلى القيمة ذهبًا لتعذره) [المعيار المعرب، 6/461-462]. أقوال الشافعية: قال الإمام "الشافعي" في كتاب "الأم": (ومن سلف فلوسًا أو دراهم، أو باع بها ثم أبطلها السلطان؛ فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي أسلف أو باع بها، ومن أسلف رجلًا دراهم على أنها بدينار أو بنصف دينار فليس عليه إلا مثل دراهمه، وليس عليه دينار ولا نصف دينار...) [الأم، 3/33]. وقال الشيرازي في المهذب: (ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل، لأن مقتضى القرض رد المثل...) [المهذب، 2/81]. وقال النووي: (ولو أقرضه نقدًا، فأبطل السلطان المعاملة به، فليس له إلا النقد الذي أقرضه) [روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 1/499]. أقوال الحنفية: اختلفت أقوال الحنفية فى هذه المسألة: فقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى وجوب المثل في جميع الحالات. قال "المرغيناني" فى "الهداية": (ولو استقرض فلوسًا نافقة فكسدت فعند أبي حنيفة رحمه الله يجب عليه مثلها لأنه إعارة، وموجبه رد العين معنى ـ أي رد القرض بالمثل لأنه يستهلك بالمنفعة فلا تبقى عينه ـ) [العناية شرح الهداية، محمد محمود البابرتي، 10/32]. مع العلم بأن صاحبيه "أبا يوسف" و"محمدًا" رحمهما الله كانا يذهبان إلى الأخذ بوجوب القيمة، ولكن أبو يوسف يأخذ بوجوب القيمة يوم ثبوت الحق في جميع الحالات أيضًا، بعد أن كان موافقًا لرأي الإمام في حالة تغير القيمة. أما محمد فيرى ثبوت الحق يوم حدوث الكساد أو الانقطاع، مع أنه كان يأخذ برأي أبي حنيفة عند تغير القيمة، ففي فتاوى قاضي خان رحمه الله: (قال محمد رحمة الله عليه: قيمتها في آخر يوم كانت رائجة، وعليه الفتوى، ويقصد بقول محمد هنا: أي قبل أن يحدث لتلك النقود التي تم إقراضها كساد) [فتاوى قاضي خان، 2/254]. ومن أقوال العلماء الآخرين: يقول ابن حزم رحمه الله: (ولا يجوز في القرض إلا رد مثل ما اقترض، لا من سوى نوعه أصلًا) أ.هـ، [المحلى، 6/56]. ويقول ابن تيمية رحمه الله: (لا يجب في القرض إلا رد المثل بلا زيادة، والدراهم لا تقصد عينها، فإعادة المقترض نظيرها، كما يعيد المضارب نظيرها، وهو رأس المال ـ ولهذا سُمي قرضًا ـ ولهذا لم يستحق المقرض إلا نظير ماله، وليس له أن يشترط الزيادة عليه في جميع الأموال باتفاق العلماء، والمقرض يستحق مثل قرضه في صفته) [مجموع الفتاوى، 29/473]. حتى إن القانون يأخذ بنفس الرأي منعًا لفتح باب كبير من الخلاف، فيقول: (إذا كان محل الالتزام نقودًا التزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد، دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها وقت الوفاء أي أثر)، [الكتاب الثاني الالتزامات والعقود، الباب الأول مصادر الالتزام، الفصل الأول القانون، المادة 95]. هذا وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته الخامسة في الكويت في جمادى الأولى 1409هـ الموافق ديسمبر 1988م قراره في هذا الشأن، حيث قرر ما يلي: (العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ـ أيًا كان مصدرها ـ بمستوى الأسعار). من هنا؛ فإن ما قال به أكثر الفقهاء هو الراجح، فالقرض لا يرد إلا مثله، ولا عبرة هنا بانخفاض قيمة النقود نتيجة الغلاء؛ اللهم إلا إذا انقطعت العملة لأي سبب من الأسباب كما حدث للدينار الكويتي؛ عندما انهار تمامًا عقب الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م، ففي هذه الحالة يمكن الأخذ برأي بعض الأئمة بالنظر إلى قيمة الدين. كما يجب أن نعلم أن تغير قيمة النقود لا يظهر في القروض والديون فقط، إنما يظهر أيضًا في عقود أخرى؛ كعقد الإيجار، والبيع الآجل (التقسيط)، والمهور المؤجلة ، فالنظر إلى تغيير قيمة النقود لابد وأن تكون شاملة عامة، ولا تقتصر فقط على الديون والقروض.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وظائف اليوم
02-07-2015, 01:37 PM
التضخم في الاسلام