المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرقابه القانونيه على دستوريه القوانين



Legal advice
07-05-2013, 03:35 PM
الرقابه القانونيه على دستوريه القوانين



أن مصر أولت حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الواردة بالمواثيق الدولية عناية خاصة، حيث تضمنتها مواد دستورها الدائم، وقد أقام لها هذا سياجاً قوياً يكفل لها ما تتمتع به النصوص الدستورية من حجية والتزام أمام كافة السلطات فى الدولة عند ممارستها لسلطاتها على صعيد التطبيق العملى على المستوى القومي، وذلك تأكيداً لمبدأ أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة المنصوص عليه فى المادة 65 من الدستور.
وفى إطار تحقيق هذا الالتزام الذى يستوجب بداهة عدم خـروج القوانين واللوائح وغيرها عن أحكام الدستور باعتباره القانون الأسمى وضمانـاً لالتزام الدولة بأحكامه، نص الدستور المصري الدائم على إنشاء المحكمة الدستورية العليا وهى هيئة قضائية مستقلة أناط لها الدستور دون غيرها اختصاص الرقابة على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية وذلك بأحكام وقرارات تنشر بالجريدة الرسمية وتكون ملزمة لجميع السلطات وللكافة (المواد 174، 175، 178 من الدستور ).
وقد انتهج المشرع الدستوري بذلك مبدأ الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من خلال هيئة قضائية وآخذاً بقاعدة مركزية الرقابة والالتزام بأحكامها لجميع سلطات الدولة وللكافة، وهو مايعنى عدول المشرع الدستوري عما كان سائداً آنذاك بالجهات القضائية مما عرف برقابة الامتناع أى امتناع الجهة القضائية عن تطبيق النص المخالف للدستور فى النزاع المعروض وذلك حيث لم تعرف الدساتير المصرية السابقة مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين.
وقد جاء المشرع الدستورى موفراً لجوء الكافة للمحكمة عن طريق إجراءات مبسطة ومصاريف يسيرة مما يعكس رغبة المشرع الدستورى فى تحفيز الكافة على اللجوء للمحكمة للفصل فى دستورية القوانين بأحكام نهائية وملزمة يتحقق بها الاستقرار للبنيان التشريعى وللحقوق والحريات المكفولة بمقتضى الدستور.
وبناء على ما تقدم توافرت لمبادئ حقوق الإنسان الواردة بالدستور الحماية القضائية المقررة للنصوص الدستورية من خلال الرقابة القضائية على دستورية القوانين بواسطة جهة قضائية مستقلة هى المحكمة الدستورية العليا.
ورغم الفترة الزمنية القصيرة التى تواجد فيها القضاء الدستوري فى البنيان القضائى المصري (1969 – 2002)، فقد شهدت ساحته العديد من الاجتهادات البارزة لرجال القانون فى مصر إذ عرض الكثير من الأنزعة التى تتعلق بمدى دستورية بعض النصوص التشريعية فى مختلف المجالات.
وقد صـدر عن المحكمة العليا ومن بعدها المحكمة الدستورية العليا العديد من الأحكام التى أرست ورسخت المعانى السامية والقيم الرفيعة التى تضمنتها النصوص الدستوريـة المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتحقق بها ما ابتغاه المشرع الدستوري من توفير الرقابة القضائية على ما يتضمنه الدستور من مبادئ متصلة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية أو غيرها من القواعد التى يقوم عليها البنيان الدستورى.
وخلال فترة عمل المحكمة العليا ( 69 – 1979 ) جاءت أحكامها فيما عرض عليها بمقتضى القانون المحدد لاختصاصها آنذاك من الأنزعة الدستورية حول القضاء بعدم دستورية النصوص التشريعية التى كانت تحول دون اللجوء إلى القضاء والتى كانت تنص على نهائية القرارات الصادرة من الجهات المخول لها إصدار بعض القرارات أو تحول دون التظلم من بعض القرارات، وارتكن قضاء المحكمة العليا على مخالفة ذلك لحق التقاضى المكفول للكافة بمقتضى الدستور.
وكذلك تعرض قضاء المحكمة العليا للمصادرة الإدارية حيث قضت بعدم دستوريتها إعتباراً من تاريخ نفاذ الدستور فى 11/9/1971، والذى جاء محرماً للمصادرة الخاصة.
[ الدعوى رقم 3 لسنة 8 قضائية دستورية جلسة 4/3/1978 ] ومن أمثلة ما قضت به المحكمة العليا فى هذا الشأن ما يلى :
1. عدم دستورية المادة الأولى من القانون 119 لسنة 1964 قبل تعديلها بالقانون 59 لسنة 1968 والتى قضت على أنه لا يجوز الطعن فى قرارات رئيس الجمهورية الصادرة وفقاً لأحكام القانون المذكور لمخالفة ذلك لدستور 1958، وكذلك المادة الأولى التى خولت لرئيس الجمهورية حق إعتقال أى شخص دون أن توجه إليه أية تهمة، وأفصحت المحكمة على أن رقابة المحكمة الدستورية للقوانين تدور فى نطاق الدستور الذى يحتكم إليه وهو الدستور الذى صدر القانون المطعون فيه فى ظله والدستور الذى عمل به بعد ذلك وظل معمولاً به طوال فترة سريانه.
[ الدعوى رقم 5 لسنة 7 قضائية عليا جلسة 1/4/1978 ].
2. عدم دستورية المادة التاسعة من القانون 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد فيما نصت عليـه مـن أنـه فى حالة عدم الإذن برفع الدعوى، يجوز لوزير المالية أو من يندبه مصـادرة المبلغ موضـوع المخالفة، وذلك إعتباراً من تاريخ نفاذ الدستور فى 11/9/1971 لأنه حرم المصادرة الخاصة.
[ الدعوى رقم 3 لسنة 8 قضائية عليا جلسة 4/3/1978 ]

وبصدور القانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن المحكمة الدستورية العليا، حرص المشرع على توسعة نطاق الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح فنص على ثلاث طرق لتحقيق هذه الرقابة :ـ
• حق جهة القضاء فى اللجوء من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية للفصل فى دستورية نص لازم للفصل فى النزاع المعروض أمامها.
• حق أحد الخصوم فى الدفع بذلك أمام جهة القضاء التى تنظر دعواه.
• تخويل المحكمة الدستورية العليا أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة جميع اختصاصاتها .

وقد واصلت المحكمة الدستورية العليا بعد صدور قانونها وحلولها محل المحكمة العليا فى أداء دورها، الذى اتسع نطاقه عما كان عليه فى ظل قانون المحكمة العليا، وتواصل عملها فى القضاء بعدم دستورية النصوص التشريعية التى كانت أو جاءت معارضة أو مخالفة أو تمس حقوق الإنسان وحرياته المنصوص عليها فى الدستور وقد صاغت بأسباب أحكامها المنهج الفكري والأساس النظري الذى يقوم عليه مفهومها ورؤيتها لتلك الحقوق والحريات ومداها فى الدولة القانونية.

ففى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية :
أوردت بأسباب أحكامها إن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، وتتقيد هى بها، إنما يتحدد فى ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية بإطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل على انتهاجها وبالتالى لا يجوز للدولة القانونية أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيوداً تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محدداً فى ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة ".
[ الحكم الصادر فى القضية 22 لسنة 8 قضائية جلسة 4/1/1992 نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 4 لسنة 1992 بتاريخ 23 /1/1992 ]
وفى مجال تنظيم الحقوق والحريات العامة :
أشارت إلى أن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى هذا المجال لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية بالنقص أو الانتقاص وأن ممارسة المشرع للسلطة التقديرية فى هذا المجال يكفى فيه أن يكون التنظيم مستهدفاً أغراضاً يقتضيها الصالح العام.
[ الحكم الصادر فى القضية رقم 16 لسنة 15 قضائية دستورية، جلسة 14/1/1995 والمنشور بالعدد رقم (6) فى 9/2/1995 ].
وعن حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية :
أوردت أن حقوق الإنسان وحرياته التى كفلها الدستور لا يجوز عزلها عن بعض أو تجزئتها ـ إذ من المتعين توافق هذه الحقوق لتتكامل بها الشخصية الإنسانية فى أكثر توجانها عمقا ونبلاً، وأن الأصل فى الحقوق المدنية والسياسية هو اتسامها بإمكان توكيدها قضاء وإنفاذها جبراً، أنه يتعين امتناع الدولة من التدخل فى نطاقها دون مقتضى.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فلا يتصور ضمانها إلا من خلال تدخل الدولة ايجابيا لتقريرها عن طريق الاعتماد على مواردها الذاتية التى تتيحها قدراتها ولهذا قد لا تنفذ نفاذاً فورياً بل تنمو ونتطور بالنظر إلى مستوياتها وتبعا لنطاقها.
[ الحكم الصادر فى القضية 30 لسنة 16 ق دستورية جلسة 6/4/1996 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم 16 بتاريخ 18/4/1996 ]

وعن الحق فى المحاكمة القانونية :
أشارت المحكمة إلى إن الحق فى المحاكمة القانونية الذى أورده الدستور فى سياق المادة 67، أنه يشمل الحق فى المحاكمة المنصفة، إذ أوردت المحكمة الدستورية العليا فى أحكامها أن الحق فى المحاكمة المنصفة كفله الدستور فى المادة ( 67 ) وأن هذا الحق يستمد أصله من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى يردد قاعدة استمر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة الضمانات الرئيسية التى تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الأمم المتحضرة كتلك المتعلقة بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها بكيفية تطبيقها من الناحية العملية.
[ الحكم الصادر فى القضية 5 لسنة 15 قضائية جلسة 20/5/1995 نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم (23) لسنة 1995 بتاريخ 8/6/1995 ].
وعن حق التقاضى :
أوردت المحكمة أن حق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور مؤداه أن لكل خصومة، فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور وهى لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معاً، وذلك أن هاتين الضمانتين وقد فرضهما الدستور على ما تقدم، تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافها.
[ الحكم الصـادر فى القضيـة رقـم 133 لسنـة 19 قضائية دستورية، جلسة 3/4/1999 ونشر بالجريدة الرسمية العدد (15 ) فى15 / 4/1999 ]
كما وأن ضمانة الفصل إنصافا فى المنازعات على اختلافها وفق المادة (67) من الدسـتور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أياً كانت طبيعتها جنائية أم مدنية أم إدارية أم تأديبية إذ أن التحقيق فى هذا الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده لجهة أو هيئة قضـــائية منحها القــانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضى التى يندرج تحتها حق كل خصم فى عرض دعواه وطرح أدلتها والرد على ما يعارضها فى ضوء فرص يتكافأ فيها أطرافها، ويكون تشكليها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
[ الحكم الصـادر فى القضيـة رقـم 133 لسنـة 19 قضائية دستورية، جلسة 3/4/1999 ونشر بالجريدة الرسمية العدد ( 15 ) فى 15/4 /1999 ]

وفى معرض تناول المحكمة الدستورية فى أحكامها لحق التقاضى أوضحت أن هذا الحق مكفول فى البلاد للمواطنين أو غيرهم وبذات الضمانات اللازمة لإدارة العدالة إذ أوردت أن الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقاً لنص المادة 68 من الدستور يقتضيها أن توفر لكل فرد وطنياً كان أم أجنبياً نفـاذاً ميسراً إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة، بمراعاة الضمانات الأساسية لإدارة العدالة بصورة فعالة وفقاً لمستوياتها فى الدول المتقدمة.
[ الحكم الصادر فى القضية رقـم 8 لسنـة 8 قضائية دستورية، جلسة 7/3/1992 ونشر بالجريدة الرسمية العدد ( 14 ) فى 2 /4/1992 ]
كما وأن المحكمة أوضحت أن الحق فى التقاضى ثلاث حلقات وهى أنه يفترض ابتداء وبداهة تمكين كل متقاضى من النفاذ إلى القضاء نفاذاً ميسراً دون أعباء مالية أو إجرائية وأن ذلك يكمله حلقتان أخريان لا يستقيم بدونهما هذا الحق ولا يكتمل فى غيبة أى منهما وهما الحلقة الوسطى التى تعكس حيدة المحكمة واستقلالها وحصانة أعضائها والأسس الموضوعية لضماناتها العملية وهى بذلك تكفل المقاييس المعاصرة التى توفر لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافأ مع غيره فى محاكمة منصفة، وعليه تقوم محكمة مستقلة ينشئها القانون وتتولى الفصل خلال مدة معقولة فى حقوقه والتزاماته المدنية أو التهمة الجنائية الموجهة إليه ويتمكن فى كنفها من عرض دعواه وتحقيق دفاعه ومواجهة أدلة خصومه رداً وتعقيباً فى إطار من الفرص المتكافئة، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وأسس تنظيمها، وطبيعة القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها فى نطاقها وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، هى التى تحدد ملامح الحلقة الوسطى، والحلقة الأخيرة هى توفير الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً بوصفها الترضية القضائية التى سعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق وهذه الترضية بافتراض مشروعيتها واتساقها مع الدستور تحتل الحلقة الأخيرة من الحق فى التقاضى.
[ الحكم الصادر فى القضيـة رقـم 81 لسنـة 19 قضائية دستورية، جلسـة 6/2/1999 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد (7 ) فى18/2/1999 ].
وعن حق الملكية :
فقد فسرت المحكمة الدستورية العليا نص الدستور من أن الملكية الخاصة التى كفل الدستور فى المادة 34 منه أصل الحق فيها وأحاطها بالحماية اللازمة لصونها، تنصرف إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء وتتسع إلى الأموال بوجه عام دون تمييز بينها بإعتبار أن المال هو من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية، ومن ثم فإن الحقوق الشخصية تمتد لها الحماية الدستورية سالفة الذكر.
[ الحكم الصـادر فى القضيـة رقـم 34 لسنـة 13 قضائية دستوريـة، جلسة 3/6/1994 ونشر بالجريدة الرسمية العدد ( 27 ) فى 7 /7/1994 ]

وعن شرعية الجزاء :
وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية فى تفسيره لشرعية الجزاء على أن شرعية الجزاء جنائياً كان أم مدنياً أم تأديبياً مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التى حظرها المشرع أو قيد مباشرتها، وأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقـدر لشروطهـا ولا يجوز بالتالى أن يكون ايلاماً غير مبرر يؤكد قسوتها ولا أن تناقض بمداها وطرائق تنفيذها مع القيم التى ارتضتها الأمم المتحضرة .
[ الحكم الصادر فى القضيـة رقـم 2 لسنـة 15 قضائية دستورية، جلسـة 4/1/1997 ونشر بالجريدة الرسمية العدد (3 ) فى16/1/1997 ]

وعن مبدأ المساواة :
يعتبر مبدأ المساواة من أكثر المبادئ إلى دارت حولها الأنزعة الدستورية المعروضة على المحكمة الدستورية العليا وقد أرست المحكمة من خلالها عدة مبادئ أهمها :
أ ـ أن نص المادة 40 من الدستور أورد حظراً على التمييز بين المواطنين فى أحوال بعينها وهى تلك التى يقـوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو العرق أو الدين أو العقيدة، إلا أن إبراز الدستور لصور بذاتها مرده هـو كونها الأكثر شيوعاً ولا يدل عن انحصاره فيها، إذ لو كان ذلك لأدى إلى أن التمييز مباح فيما عداها وهو ما يتناقض مع المساواة التى كفلها الدستور وأن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكميه من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون سواء إذا كان وجودها أو إنقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة من المؤهلين قانوناً للانتفاع بها .
[ الحكم الصـادر فى القضيـة رقـم 17 لسنـة 14 قضائية دستورية، جلسة 14/1/1995 ونشر بالجريدة الرسمية العدد ( 6 ) فى 9/2/1995 ]
ب ـ أن المساواة المنصوص عليها بالمادة 40 من الدستور ليست مساواة حسابية، بين ذلك أن المشرع يملك بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط فى طائفة من الأفراد وجب أعمال المساواة بينهم لتماثل مراكزهم القانونية، فإذا انتفى مناط التسوية بينهم بأن توافرت الشروط فى بعضهم دون الآخر فأن لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التى كفلها القانون لهم.
[ الحكم الصـادر فى القضيـة رقـم 16 لسنـة 8 ق، جلسة 21/5/1989، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد ( 23 ) فى 8/6/1989 ]

وعن حقوق الإنسان وارتباطها بالدستور :
فقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على عدة مبادئ هامة عند تناولها لمبادئ حقوق الإنسان حرياته التى أوردها الدستور تكشف بوضوح رؤية المحكمة لما ورد فى الدستور من حقوق فى ضوء المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومن خلال رؤية شاملة لأحكام الدستور كنسيج مترابط إذ تضمنت أحكام المحكمة الدستورية إن إغفال بعض الوثائق الدستورية النص على بعض الحقوق، لا يعنى التفاتها عنها اذ ان أبعاد العلاقة بين النصوص الدستورية وربطها ببعض كثيراً ما يرشح لحقوق لم ينص عليها صراحة فى الدساتير.
وعلى ذلك استقر قضائها على :
أ ـ أن الحق فى الزواج والحق فى اختيار الزوجة وهى الحقوق المقررة عالمياً بالوثائق الخاصة بحقوق الإنسان، تندرج بالضرورة تحت الحق فى الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة المنصوص عليها بالمادة (45) من الدستور.
[ الحكم الصادر فى القضية رقم 23 لسنـة 16 قضائية جلسة 18/3/1995 ونشر بالجريدة الرسمية العدد (14) فى6/4/1995 ]

ب ـ أن الحق فى حرية الاجتماع وثيق الصلة بالحق فى التعبير وأن الحرية ذاتها لن تظفر دونهما بالضمان الحاسم لحمايتها ويتعين أن تنظر المحكمة الدستورية العليا بطريقة صارمة إلى القيود التى يفرضها المشرع على حرية الاجتماع.
[ الحكم الصـادر فى القضيـة رقـم 38 لسنـة 17 قضائية دستورية، جلسة 18/5/1996 ونشر بالجريدة الرسمية العدد (21 ) فى 30/5/1996 ]

ج ـ أن الحق فى التنمية وثيق الصلة بالحق فى الحياة وكذلك بالحق فى بناء قاعدة اقتصادية تتوافر أسبابها عملا بالمادة الأولى من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية وتعتبر التنمية من الحقوق الإنسانية التى لا يجوز النزول عنها وأن التنمية مرتبطة بصون الديمقراطية والتى أوجب مؤتمر فيينا لعام 1993 تعاون دول العالم فيما بينها من أجل ضمانها وإنهاء معوقاتها بما فى ذلك مكافحة الإغراق غير المشروع للمواد مخدرة.
[ الحكم الصادر فى القضية رقم 34 لسنة 15ق جلسة 2/3/1996 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 11 تابع أ فى14/3 /1996 ]

وتعكس الأحكام سالفة الذكر وما ورد بأسبابها اتجاهات المحكمة ورؤيتها حيال أدائها للاختصاصات المنوط بها قانونا القيام بها، وتشير هذه الأسباب على نحو ما سبق إلى اعتماد المحكمة فى قضائها على المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان بوجه عام ودون التقيد باعتبار انضمام مصر لها أم لا، وكذلك بما صدر عن آلياتها من رؤى أو أحكام أو تفسيرات، وإتخاذ من تجارب الدول الديمقراطية ما استقر فيها مقياساً للدولة القانونية ومبدأ سيادة القانون والاستعانة بها فى إقرار حقوق الإنسان وحرياته على النحو الوارد بها فيتحدد بها نطاقها ومدى الحماية المقررة لها أو القيود والضوابط المقبولة وفقاً لضرورات فرضها، كما أفصحت المحكمة الدستورية فى قضائها عن الحدود الجائز للدولة فيها التدخل تشريعياً لوضع ضوابط أو حدود لهذه الحقوق والحريات المكفولة دستوريا.
وقد جاء ذلك معبراً عن الاتجاه الواضح للمحكمة فى اعتبار المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان بوجه عام تشكل مصدراً رئيسياً لها عند صياغة رؤيتها لأى من النصوص الدستورية المتعلقة بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهذا فى ذاته يشكل إعلاء من قدر هذه المواثيق الدولية والنظر إليها من زاوية اعتبارها من عداد المصادر الرئيسية للمشرع الدستورى ومن جانبنا نرى أن هذا الاتجاه من المحكمة لا يقيده سوى القيد الوارد بالمادة الثانية من الدستور والمتعلق باعتبار الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وذلك بطبيعة الحال بالنسبة لما قد يخالف احكام الشريعة الأسلامية الواجبة الاتباع.
وقد أدى وبحق القضاء الدستورى دوره فى المدة الزمنية القصيرة لتواجده فى النظام القضائى المصرى، أثبتت التطبيقات العملية التزام المحكمة بهذه الرؤى المعاصرة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.هذا ما سوف سنشير إليه فى الجزء التالى والمتعلق بالتطبيقات العملية للقضاء الدستورى فى مواجهة النصوص الوطنية المخالفة للدستور.