المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوقيع الإلكترروني في القانون المغربي



Legal advice
07-01-2013, 04:25 PM
التوقيع الإلكترروني في القانون المغربي



تميز القرن العشرون بظهور وسائل اتصال حديثة من أهمها وأكثرها فائدة الحاسوب الآلي، الذي أصبح اليوم ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين من لوازم الحياة المتطورة سواء على المستوى العام أو الخاص.
فتطور مجال تكنولوجيا المعلومات أدى إلى ازدياد الحاجة إلى الحاسوب الآلي واحتلاله موقع الصدارة بالنسبة لإنسان القرن الحادي والعشرين لاسيما الثورة الرقمية التي تجمع بين المعلومات والاتصالات، الأمر الذي أدى إلى ظهور نظام جديد للتعاقد يطلق عليه التعاقد الإلكتروني .
وقد صاحب هذا النوع من التعاقد تغيرات على مستوى مفهوم عناصر الإثبات، بحيث لم يعد التوقيع التقليدي يلائم العقود التي تبرم عبر دعامة إلكترونية، لذلك تم إحداث توقيع آخر يتلاءم مع طبيعة هذه الدعامة وهو التوقيع الإلكتروني ولم يعرف المشرع المغربي التوقيع الإلكتروني في القانون رقم 05-53 53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والذي صدر في 19 ذي القعدة 1428 الموافق ل 30 يونيو 2007 ، بل اكتفى بذكر وظائف التوقيع العادي والتوقيع الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني المؤمن، حيث نص الفصل 2/417 على بانه:" عندما يكون التوقيع إلكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به" . كما نص كذلك الفصل 3/417 على ما ياتي:" يعتبر التوقيع الإلكتروني مؤمنا إذا تم إنشاؤه وكانت هوية الموقع مؤكدة وتمامية الوثيقة القانونية مضمونة، وفق النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال" .
إضافة إلى ذلك فإن هذا القانون بين لنا المقصود من آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني في المادة 8:" تتمثل آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني في معدات أو برمجيات أو هما معا يكون الغرض منها توظيف معطيات إنشاء التوقيع الإلكتروني التي تتضمن العناصر المميزة الخاصة بالموقع، كمفتاح الشفرة المستخدم من لدنه لإنشاء التوقيع الإلكتروني" .
، وتبرز أهمية هذا التوقيع بازدياد الإقبال على التعاقد الإلكتروني، ونظرا للمزايا التي يحققها كان لزاما تدخل التشريعات لتنظيمه قانونيا من خلال النص على حجيته ومعادلته بالتوقيع التقليدي.
وللتوقيع الإلكتروني صور مختلفة تتباين باختلاف الوسيلة التي يتم تشغيل منظومته من خلالها، ومن صور التوقيع الإلكتروني: التوقيع الكودي والتوقيع البيومتري والتوقيع بالقلم الإلكتروني والرقمي.
أولا: التوقيع الرقمي
يحتل التوقيع الرقمي مرتبة متقدمة باعتباره صورة من صور التوقيع الإلكتروني الأكثر استخداما في إبرام التصرفات القانونية عبر الوسائط الإلكترونية خاصة التي تتم عبر شبكة الإنترنت، نظرا لطابع الآمان والثقة الذي يوفرهما.
ويقوم هذا التوقيع على تقنية التشفير عن طريق استخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدة تحول بيانات المحرر الإلكتروني من رسالة مقروءة إلى رسالة رقمية غير مقروءة ، وذلك بواسطة عملية حسابية خاصة قد تكون تماثلية "التشفير بالمفتاح المتماثل" وقد تكون لا تماثلية "التشفير بالمفتاح اللامتماثل" ، كإحدى وسائل الآمان التي يبحث عنها المتعاقدون عند إبرامهم صفقات إلكترونية، ومن هنا نتساءل عن مدى قانونية التوقيع الرقمي في الاحتجاج به باعتباره دليلا للإثبات؟
يرى البعض أن طريقة التوقيع الرقمي هي الأفضل حتى الآن لما توفره من آمان وثقة للتوقيع على المحرر الإلكتروني، وذلك من خلال التحقق من هوية الموقع، وضمان سلامة بيانات الرسالة الموقع عليها إلكترونيا وعدم التلاعب في بياناتها، كما يحقق أيضا هذا التوقيع سرية المعلومات التي تتضمنها الرسائل الإلكترونية حيث لا يمكن فك شفرتها إلا ممن يملك مفتاح ذلك التشفير.
وكما سبق وأشرنا أن مشكلة الأمن والخصوصية على شبكة الأنترنت تشغل حيزا كبيرا من اهتمام المسؤولين في جميع دول العالم، لذلك يعد التوقيع الرقمي الأكثر شيوعا لقدرة هذه التكنولوجيا في الحفاظ على سرية الرسالة المرسلة، وعدم إمكانية تغييرها، وقدرتها على تحديد شخصية الموقع بشكل دقيق، وهو ما تتحقق معه الشروط القانونية للاعتداد بالمحرر الكتابي كإثبات كامل .
ثانيا: التوقيع الكودي
يعد التوقيع الكودي من الصور الأولى التي أفرزتها تقنيات التكنولوجيا للتوقيع الإلكتروني، ونخص بالذكر التقنيات التي تستخدم لإتمام المعاملات البنكية بسرعة، بحيث تقوم البنوك بإصدار بطاقات مقترنة بكود سري لا يعلمه إلا صاحبه –الزبون- ومن يبلغه به – البنك المصدر للبطاقة- لسحب النقود أو إيداعها لسداد ثمن السلع والخدمات، وذلك من خلال جهاز آلي سواء كان الصراف الآلي أو أجهزة الدفع الإلكترونية الموجودة في المحلات التجارية .
والتوقيع بهاته الطريقة يتم عن طريق اتباع الزبون إجراءات يتطلبها الجهاز الآلي لإتمام العملية، حيث يتم إدخال البطاقة التي تحتوي على بيانات خاصة بالزبون في الجهاز الآلي، ثم إدخال الكود السري الذي يعد بمثابة التوقيع بحيث يقوم الجهاز بالتصديق على الكود السري إذا كان صحيحا وذلك بالأمر بإنجاز العملية المراد القيام بها .
ويرى جمع من الفقهاء صلاحية هذا النوع من التوقيعات الإلكترونية لقدرته على تحقيق نفس وظائف التوقيع التقليدي وتمتعه بالثقة والآمان ويستندون في رأيهم على أن الكود السري مساو للتوقيع التقليدي من حيث أداء الوظائف؛ فاتباع الزبون الإجراءات المشار إليها سابقا، يشكل إقرارا بما يرد في الكشف الورقي الناتج من الجهاز الآلي . كما أنه في حالة سرقة البطاقة الممغنطة لا يعني الوصول إلى الكود السري لانفصالهما عن بعضهما، وحتى في حالة الحصول عليه بطريقة غير مشروعة فإن الزبون يبلغ البنك بذلك ويجمد جميع العمليات التي تتم بواسطة البطاقة .
إلا أن المعارضين لفكرة اعتماد هذه التقنية باعتباره وسيلة للتوقيع الإلكتروني يؤكدون على أنه لا يوجد رابط مادي بين البطاقة والكود السري من جهة، والشخص الذي يستعمل البطاقة من جهة أخرى، بالإضافة إلا أنه لا يصلح التمسك به في الإثبات إلا في نطاق العمليات البنكية لانفصال هذا التوقيع عن أي من الوثائق التعاقدية مع البنك ، ولو أن قد الأبناك تخطت هذا العائق باعتماد الاتفاقات فيما بينها من جهة وبينها وبين زبنائها من جهة أخرى .
وبالرغم من هذه المآخذ التي تؤخذ على التوقيع الكودي فإن مميزاته تطغى على عيوبه مما يجعله صالحا كأداة إثبات لما يتمتع به من وسائل تأمين هامة تؤكد الثقة ونسبته إلى مصدره .
ثالثا: التوقيع بالخواص الذاتية أو البيومتري
يعتمد التوقيع باستخدام الخواص الذاتية أو التوقيع البيومتري على الخواص الفيزيائية والطبيعية والسلوكية للإنسان، مثال ذلك بصمة الأصبع، ومسح العين البشرية، ونبرة الصوت، والتوقيع الشخصي .
ويقوم كذلك هذا النوع من التوقيع على المميزات الشخصية في المظهر الخارجي للأداء، كتحديد خط الإنسان بالاستناد إلى درجة ميلان القلم، والضغط على القلم، والاهتزازات الصادرة عن اليد أثناء الكتابة .
ويتم تشغيل منظومة التوقيع البيومتري بأخذ صورة دقيقة الشكل أولا لأحد الخواص الذاتية للإنسان بواسطة تقنية مخصصة لذلك، وتخزينها بطريقة مشفرة داخل ذاكرة الحاسب الآلي ، إذ يمكن مقارنة الصورة المحفوظة في ذاكرة الحاسب مع الصورة الملتقطة، فإذا تطابقت الصورتان تمكن المتعامل بهاته الطريقة من توثيق التصرف القانوني الذي يريد القيام به . ومن أهم تطبيقات التوقيع البيومتري مراقبة الولوج إلى الأماكن الموضوعة وضبطها تحت الحراسة المشددة مثل الشركات الكبرى والمستشفيات الكبرى، وكذلك في التحقيقات الجنائية ، ومع ذلك فإن هذا التوقيع مازال في مراحله الأولى لأن استعماله يصطدم بعدة عقبات منها:
-إمكانية نسخ صورة من هذا التوقيع وإعادة استخدامه عن طريق القرصنة الإلكترونية .
-احتمال تغيير بعض خصائص الإنسان بفعل الظروف، كتأثير التوتر على نبرة الصوت، أو تشابه أشكال أوجه التوائم، أو بفعل تأكل بصمات الأصابع مع مرور الوقت أو بفعل بعض المهن اليدوية .
-ضرورة توفرهذا النوع من التوقيع على استثمارات ضخمة لتطبيقه، وهذا ما حد من انتشاره حيث نجده حاليا يقتصر استخدامه على أجهزة الأمن والمخابرات كوسيلة للتحقق من الشخصية وتحديد استخدام المرخص لها .
وبالرغم من هذه المآخذ التي تؤخذ على التوقيع البيومتري فإن بعض الفقه يرى أنه يتميز بالثبات النسبي الذي يجعل له قدرا كبيرا من الحجية في التوثيق والإثبات لكونه الأكثر استخداما وملاءمة للتوقيع على التصرفات المبرمة عن طريق الأنترنت والأكثر ارتباطا بشخصية الإنسان حيث يسمح بتمييزه عن غيره.
وعليه إذا استخدمت وسيلة تؤدي إلى الثقة بهذه التكنولوجيا وتحميها من التلاعب فإنه لا مانع من الاعتراف بها تشريعيا في إثبات التصرفات التي تستخدم بها.
رابعا: التوقيع بالقلم الإلكتروني
تطورت طرق التوقيع الإلكتروني لتأخذ طريقة حديثة يطلق عليها التوقيع بالقلم الإلكتروني، حيث يقوم مرسل الرسالة بكتابة توقيعه الشخصي باستخدام قلم إلكتروني خاص فيتم وضع التوقيع على المحرر الورقي، ويحتاج هذا التوقيع إلى حاسب آلي يحتوي على برنامج خاص، إذ يقوم هذا البرنامج بوظيفتين أساسيتين هما: التقاط التوقيع والتأكد من صحته .
ويرى جانب من الفقه أن التوقيع بالقلم الإلكتروني هو ذلك النوع الذي بموجبه يتم نقل التوقيع العادي عن طريق الماسح الضوئي، ثم نقل هذه الصورة إلى الملف الإلكتروني المراد إضافة التوقيع إليه. إلا أن جانبا آخر من الفقه لا يتفق مع هذا الرأي لأن التوقيع الإلكتروني في الحالة الأولى يتم استيعابه من طرف الجهاز بالاستناد إلى حركة القلم، والأشكال التي يتخذها من دوائر أو انحناءات أو التواءات وغير ذلك من صفات خاصة بتوقيع الشخص المخزن، أما نقل التوقيع بالماسح الضوئي فهو مجرد نسخة للتوقيع الذي تم بقلم عادي على دعامة ورقية.
وتتمثل آلية عمل التوقيع بالقلم الإلكتروني في تلقي البرنامج الإلكتروني داخل مربع يعرض على الشاشة، حيث يلتقط البرنامج التوقيع وتخزينه بالاعتماد على نظام التشفير. ويتم التأكد من صحة التوقيع ودقته من خلال نظام برمجي يقارن التوقيع المخزن بالتوقيع الموجود معتمدا في ذلك على سماته الخاصة (الحجم وشكل الحروف، المنحنيات، الدوائر، الخطوط والنقاط وغيرها من السمات)، فإذا تطابقت سمات التوقيعين يظهر للموقع خيار الموافقة ويجمع البرنامج بيانات الموقع ويدمجها مع شكل التوقيع الموافق عليه ثم يشفرها والاحتفاظ بها لحين الحاجة إليه مرة أخرى .
ويأخذ على هذه الصورة أنها لا تحقق الآمان الكافي للتعامل، إذ بإمكان المرسل إليه الاحتفاظ بنسخة من صورة التوقيع التي وصلته واستعمالها مرة ثانية على محرر إلكتروني وادعائه انتساب التوقيع لصاحبه الأصلي ، كما أن التوقيع بالقلم الرقمي يستلزم وجود حاسب آلي ذي مواصفات خاصة، كاحتوائه على وحدة القلم الإلكتروني والشاشة الحساسة، إضافة إلى أنه نادر الوجود ويتطلب أموال باهضة .
ويذهب بعض الباحثين إلى أنه يمكن تحقيق الثقة والأمان القانونيين عن طريق المفتاح العام القائم على التشفير، وإيجاد جهة تصديق معتمدة من قبل السلطة التنفيذية يمكن الرجوع إليها للتحقق من شخصية منشئ التوقيع قبل البدء في التعامل معه .
خلاصة القول أن هذه الصور هي من ثمار التكنولوجيا الحديثة إذ لا يمكن حرمان المجتمع منها أو تفضيل صورة على أخرى، ولذلك فإن هذه التوقيعات الإلكترونية متوقفة على مدى تحقق الثقة والآمان القانونيين فيها، وتحقق هذين العنصرين رهين من جهة بإيجاد تكنولوجيا مؤمنة تضمن انتقالها دون التلاعب فيها، ومن جهة ثانية اعتراف القضاء أو التشريع بكفاءة هاته التكنولوجيا في تأمين التوقيع، ومن جهة أخرى قيام هذه التوقيعات بوظائف تشبه وظائف التوقيع التقليدي المتمثلة في تحديد هوية الموقع والتعبير عن إرادته في الالتزام بمضمون المحرر، ومن هنا بإمكان الاعتداد بها في الإثبات واستخدامها في توثيق التصرفات التي تتم عبر الوسائط الإلكترونية.