المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قانون المغرب تطور القضاء الإداري بالمغرب



Legal advice
07-01-2013, 02:53 PM
قانون المغرب تطور القضاء الإداري بالمغرب




- المحكمة الادارية بالدار البيضاء كنموذج -

لقد عرف القضاء الاداري المغربي محطات اساسية ساهمت بشكل او باخر في تدعيمه وبلورته سنقف عند ابرازها محاولين الوقوف كذلك عند الوضع السياسي والاجتماعي الذي ساد كل مرحلة على حدة :

المطلب الاول

وضعية القضاء الاداري قبل الحماية

من المعلوم ان المغرب قبل الحماية كان كباقي الدول الاسلامية يعتمد اساس على مبادئ واحكام وقواعد الشريعة الاسلامية الغراء في جميع الميادين بما في ذلك مراقبة سير الامور العامة التي تشرف عليها السلطات الادارية وبذلك لا يمكن ان نؤكد بان المغرب في هذه الفترة كان يعرف قانونا اداريا مستقلا ومتميزا عن القضاء العادي .

ومن جهة اخرى من الملاحظ ان المغرب لم يكن يعرف حينها اي صورة من فصل السلطات الواضح والبين، الشيء الذي كان يستحيل معه على القضاة انذاك ان يصدروا احكاما ضد الادارة، لكن هذا لا يعني ان السلطات الادارية كانت تتمتع بسلطات مطلقة تجاه رعاياها،بل تجد تخفيفا لوقع ممارسة السلطة من خلال تطبيق واحترام القواعد العامة التي تقرها الشريعة الاسلامية في كل ما يتعلق بعلاقة الحاكم بالمحكومين، سواء على مستوى السلطات العليا او على مستوى السلطات المتوسطية المرتبطة بالادارة المخزنية[1] او على مستوى السلطات المحلية المرتبطة مباشرة بالمواطنين في مختلف الجهات بالمغرب وبالاضافة الى ذلك كان المغرب يعرف قبل الحماية وجود بعض المؤسسات الترابية الاصيلة وكل اليها مراقبة حسن سير عدة مرافق من اجل الحفاظ على الصالح العام ودرء المفاسد عن المجتمع وجعل حد لاي تعسف يمكن ان يمارس ضد هذه المصالح العامة وابرز هذه المؤسسات نجد المحتسب ورجل المظالم ووزير الشكايات.

1) فالمحتسب الاصيل كان يسهر على حسن احترام النصوص الخاصة بعلاقة المواطنين مع بعضهم في معاملاتهم اليومية ومراقبة الاسعار وزجر الغش ومعاقبة المخالفين والمتلاعبين بمصالح العموم والبحث والتحري بصفة عامة في كل ما يدخل في نطاق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ومن هذا المنطلق يبرز دور مؤسسة الحسبة في الدولة الاسلامية على انها احدى الوظائف او الولايات العامة التي تقف الى جانب ولاية القضاء العادي وولاية قضاء المظالم حيث تمزج فيها التصرفات الادارية اليومية الجارية مع بعض الممارسات القضائية ذات التنفيذ الاني والمباشر وهي تهدف الى تطبيق مبدا المشروعية وسيادة القانون في المعاملات التجارية في المجتمع عامة في الاسواق، وفي الخلافات اليومية التي تقع بين الناس خاصة، وتبدو هذه النواحي بوضوح في تعريف الامام الماوردي ( امر بمعروف ظهر تركه، ونهي عن منكر ظهر فعله)، والجدير بالذكر ان المغرب قد غرف من هذا الموروث الفقهي والشرعي الاسلامي، بل ان وزارة الشكايات بالمغرب كانت تجسيدا لهذه الولاية ورفع المظالم كان من اوكل المهام التي يضطلع بها السلطان، باعتباره القاضي الاسمى، وقد كان الحسن الاول، يومي الاحد والثلاثاء من كل اسبوع يجلس للسماع للشكاوي التي تصله، وكان الخلفاء يولون بانفسهم المظالم ويخصصون لها اياما معلومة عند العموم، واذا استقبلوا وفدا استفسروه عن سيرة العمال والقضاة في مناطق نفوذهم قبل كل شيء، وكان المحتسب من اهم الموظفين التابعين لسلطة القاضي بينما كانت تحت نظر المحتسب امناء الاسواق بالمدن والقرى، وقد يستقبل الخليفة نفسه هؤلاء الامناء احيانا فيسالهم عن احوال السوق والاسعار .

2) اما رجل المظالم الذي كان يوجد على راس خطة المظالم فلقد وكل اليه مراقبة رجال السلطة الادارية من عمال وولاة، كما انه كان يقضي احيانا في بعض النوازل .

وولاية المظالم كانت جزءا مما يتولاه ولي الامر الاعظم ونعني السلطان او الخليفة ويقيم فيه نائبا عنه احيانا اخرى، والشرع يوجب رفع الظلم ولو كان من الخليفة الاعظم نفسه الذي اختير اختيارا شرعيا كما يقول الشيخ ابو زهرة [2]، وقد اسهب الماوردي في الحديث عن ولاية المظالم التي تحتاج الى سطوة الحماة وثبات القضاة، ويقول عنها ابن خلدون ( النظر في المظالم وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفة القضاة وتحتاج الى عول يد وعظيم رهبة، وتقمع الظالم من الخصمين وتزجر المعتدي وكأنه يمضي ما عجز القضاة او غيرهم عن امضائه)[3] اما وزير الشكايات فكان يوجد بالقرب من السلطان، وكان يمكن للمواطنين بان يتقدموا اليه بتظلماتهم ضد السلطات الادارية ويختار منها ما يراه مقبولا ويلخصه ويعرضه على السلطان ليتخذ هذا لاخير القرار اللازم.

هكذا نجد ان المغرب لم يعرف قضاء اداريا منفصلا عن القضاء العادي قبل الحماية بل كانت تطبق على العموم قواعد الشريعة الاسلامية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وبالتالي لم يكن القضاء مكلفا بمراقبة اعمال الادارة بل كان القضاء نفسه معرضا للشكايات اذ كان بامكان المواطنين ان يتظلموا الى وزير الشكايات ضد بعض القرارات الصادرة عن القضاة .

وقد بدات هذه المرحلة تنتهي مع بداية التغلغل الاجنبي في المغرب والتي توجت بمعاهدة الجزيرة الخضراء الموقعة بتاريخ 7 ابريل 1906 وما يهم من هاته المعاهدة هي البنود التي عملت على ادخال قواعد جديدة ومتميزة عن القانون الخاص، والتي لها ارتباط بالقانون الاداري تتعلق بعضها بمسطرة نزع الملكية لاجل المنفعة العامة وتحديد كيفية البت قضائيا في النزاعات الخاصة بالاشغال العمومية وعقود الامتياز، وذلك لحماية المصالح الخاصة للشركات الاجنبية، لكن لابد من الاشارة الى ان تلك التجربة بقيت محدودة الى ان جاءت الحماية الفرنسية التي عملت على وضع قواعد اساسية متميزة عن القواعد الخاصة بعد فرض معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 .

المطلب الثاني

القضاء الاداري في عهد الحماية

يمكن القول بصفة اجمالية ان مبدا القضاء الاداري الذي احدثته سلطات الحماية كان محدودا جدا وكان في معظمه سابقا للسياسة العامة التي طبقتها السلطات الاستعمارية، وقد تجلت اهداف الحماية الفرنسية في قرار مبدا القضاء الاداري من انها لم تنقل الى المغرب مبدا ازدواجية القضاء الذي اقرته لديها بشكل نهائي منذ انشاء القضاء المفوض بالنسبة لمجلس الدولة الفرنسي عن طريق قانون 24 ماي 1872 .

ولقد طبقت فرنسا على المغرب النظام القضائي الذي سبق ان اختارته لتونس عن طريق مرسوم 27/11/1888 والذي جاء الظهير المغربي المؤرخ في 20 غشت 1913 الخاص بالتنظيم القضائي لا يختلف عنه في جوهره وشكله بصفة عامة .

وهكذا جاءت المادة الثامنة من ظهير 12 غشت 1913 تنص على انه : " في المواد الادارية تختص جهات القضاء الفرنسي المنشاة في امبراطوريتنا وذلك في حدود الاختصاص الممنوح لكل منها بنظر جميع الدعاوي التي تهدف الى تقرير مديونية الادارات العامة التي امرت بها، او بسبب جميع الاعمال الصادرة منها والضارة بالغير، وتختص نفس الجهات بنظر الدعاوي المرفوعة من الادارات العامة على الافراد وتمثل الادارة امام القضاء بواسطة احد موظفيها، ولا يجوز لجهات القضاء الحديث ان تامر سواء بصفة اصلية او تبعا لدعوى منظورة امامها عن الدعاوي التي سبق ذكرها باي اجراء من شانه ان يعطل او يعرقل نشاط الادارات العامة سوءا كان ذلك بتعطيل تنفيذ اللوائح التي اصدرتها او الاشغال العامة او بتعديل طريقة او مدى تنفيذها، كما يمنع عليها ان تنظر في طلبات الغاء قرار اصدرته الادارة دون الاخلال بحق صاحب المصلحة في تظلم بطريق الالتماس من جهة الادارة التي لها وحدها ان تعدل من القرار الذي يمس بمصالحه، وكون الاحكام الصادرة في المسائل الادارية قابلة في جميع الاحوال للطعن فيها بالاستئناف ولا يجوز الطعن فيها بالنقض، الا بناء على تجاوز المحاكم لسلطتها بسبب مخالفة الفقرتين الرابعة والخامسة وفي هذه الحالة يرفع النقض مباشرة بوساطة النيابة العامة ويترتب على الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم ويكون البطلان الذي تنطق به محكمة النقض حجة على جميع اطراف الخصومة .

وليس خاف ان السلطات الحماية جاءت اساس لخدمة المصالح الاستعمارية واشخاص عهد اليهم بتنفيذ هذه السياسة الاستعمارية وتبعا لذلك لقي هؤلاء امامهم جميع التسهيلات من قبل الادارة بما في ذلك فتح ابواب القضاء لمقاضاة الادارة اذا ما الحقت بهم اضرارا، وبما ان نشاط هؤلاء كان محدودا او مركزا في بعض الميادين المهمة التي كانوا يسيطرون عليها وحدهم دون الرعايا المغاربة، لذلك جاء الفصل الثاني من ظهير 12/8/1913 الخاص بالتنظيم القضائي مقتصرا على ثلاثة ميادين تدخل في اطار القضايا الادارية والتي يمكن مساءلة الادارة بشانها وتتجلى في التعويض عن الاضرار الناجمة عن العقود التي تبرمها الادارة وعن الاشغال العامة التي تامر بها، وعن المسؤولية الناتجة عن الاضرار التي تتسبب فيها الادارة .

ونشير انه في جميع الاحوال لم تكن تلك المحاكم العصرية[4] مختصة بالنظر في طلبات الغاء القرارات الادارية، كما انها لم تكن مختصة بل يحظر عليها اصدار اوامر الى الادارة او عمل ما من شانه ان يؤدي الى عرقلة او تعطيل نشاطها .

ما يهمنا من كل هذا هو ان النظام القضائي الذي وضعته الحماية عمل على تمييز القضايا الادارية عن غيرها، وبالتالي حمل الادارة مسؤولية الاضرار الناتجة عن تسير ادارتها، وعن الاخطاء المصلحية لمستخدميها[5].

هكذا نستنتج ان المحاكم في عهد الحماية باختلاف انواعها كانت محرومة من النظر في دعاوي الغاء القرارات الادارية او بطلب تنفيذها، وان كان ممكنا طلب التعويض عن القرارات الادارية او بطلب تنفيذها، او طلب التعويض عن بعض اعمال الادارة اذا الحق ضررا بالغير، كما تم وبصفة استثنائية ونتيجة لبعض التذمرات التي عبر عنها الموظفون العموميون الفرنسيون الذين يعملون بالمغرب سمحت سلطات الحماية لهؤلاء وفق ظهير فاتح شتنبر 1928 بتقديم دعوى الالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ضد القرارات المرتبطة بنظامهم الاساسي، وذلك امام مجلس الدولة الفرنسي كما فعلت في السابق بالنسبة في تونس في سنة 1926 .

اذن يمكن ملاحظة ان المبدا العام في عهد الحماية هو انعدام دعوى الالغاء ووجود امكانيات جد محدودة، عن طريق الطعن الاستعطافي الموجه الى المقيم العام او عن طريق فحص الشرعية بشروط معينة، وبذلك لم تسمح فرنسا للمغرب الا بالقضاء المحجوز الذي كانت تعرفه فرنسا في عهد الادارة القضائية والذي تخلت عنه بصفة نهائية بصدور قانون 24 ماي 1872 .

وما يجب التاكيد عليه هو ان القضاء المغربي قد استقر على وجوب تطبيق قواعد قانونية متميزة عن قواعد القانون الخاص في المواد الادارية وبغير شك يؤكد الاستاذ محمد موغيني ان هذه القواعد كانت مستمدة من اجتهادات القضاء الاداري في فرنسا، كما استعين في تفسير هذه النصوص بالاوضاع القائمة في تونس التي وجدت في ظروف واوضاع متشابهة ولكنها اسبق في وضع نظامها القانوني .

والخلاصة التي يمكن ان نسجلها على التطور الفعلي للقضاء الاداري بالمغرب خلال فترة الحماية يتجلى في ثلاث نتائج مرتبطة :

1) بازدواجية القانون لكن مع واحدة القضاء .

2) باستمرار الادارة القاضية او المقيم العام القاضي بالنسبة لدعاوي الالغاء .

3) بتحديد مجالات الادارة

ورغم محدودية هذا التطور فانه لا يمكن ان ننكر انه تطور بالنسبة لما كان عليه الوضع قبل الحماية، يمكن القول انه كان تمهيدا للتطور الذي عرفه القضاء الاداري بعد الاستقلال سيما منذ انشاء المجلس الاعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 .

المطلب الثالث

القضاء الاداري في عهد الاستقلال

يعتبر انشاء المجلس الاعلى بظهير 27 شتنبر 1957[6] مرحلة اساسية في التطور الفعلي للقضاء الاداري بالمغرب، وجاء احداث المجلس الاعلى لتدعيم استقلال المغرب وذلك في نطاق الدفع باستقلال القضاء المغربي عن القضاء الاجنبي، وتبعا لظهير 27 شتنبر 1957 يختص المجلس الاعلى بالنظر في النقض ضد الاحكام الصادرة بصفة نهائية عن المحاكم القضائية كما يختص ايضا بالنظر في دعاوي الالغاء ضد القرارات الصادرة عن السلطات الادارية بسبب الشطط في استعمال السلطة وذلك كاول واخر درجة ما لم يقضي نص خاص بخلاف ذلك .

وان كان التنظيم الجديد الذي احدث المجلس الاعلى لم يدخل تعديلات جوهرية على المبادئ التي ارستها سلطات الحماية والخاصة بوحدة القضاء مع اعتبار وجود قضايا ادارية متميزة عن القضايا العادية، فانه حقق وجود قضاء مغربي مستقل يبقى المجلس الاعلى على راس هرمه ويبقى الاطار العام المقرر بظهير 27 شتنبر 1957 محافظا على جوهره في مختلف التعديلات التي عرفها للتنظيم القضائي بواسطة قانون 26/01/1965 المتعلق بتوحيد وتعريب ومغربة القضاء وبواسطة المرسوم الملكي بمثابة قانون مؤرخ في 3/7/1967 الى ان جاء الاصلاح القضائي لسنة 1974 ليؤكد على تطور القضاء الاداري نحو ابراز خصوصياته، سيما بعد صدور اجتهادات متطورة من داخل الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى .