المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث حول تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الجزء الرابع 4



jobs4arab
02-16-2013, 09:56 PM
بحث حول تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الجزء الرابع 4

المطلب الثالث. وقت تقويم الضرر الموجب للتعويض:
إن تحديد الوقت الذي يتم فيه تقويم الضرر الموجب للتعويض يرتب دراسة مسألتين جوهريتين تتمثل في:
- تحديد وقت تقدير الضرر.
- تحديد وقت نشوء الحق في التعويض عن الضرر.

الفرع الأول. تحديد وقت تدير الضرر:
إن العبرة عند تقدير الضرر الذي يستتبعه تقدير التعويض بيوم صدور الحكم، اشتد الضرر أو خف، ارتفعت قيمة النقد أو انخفضت وليس بتاريخ وقوع الفعل الضار لأن الغاية من التعويض هي جبر الضرر، ولا تتحقق هذه الغاية إلا إذا روعي تقدير الضرر وقت إصدار الحكم([94])، وذلك على النحو التالي:
- يتم تقدير الضرر الموجب للتعويض على أساس ما وصل إليه يوم الحكم، فإذا خف الضرر قبل يوم إصدار الحكم، فإن المسؤول يستفيد من ذلك حتى لو كان التحسن لا يرجع إلى تطور الإصابة في ذاته بل إلى سبب أجنبي، كما إذا كان المتضرر من حادث قد أصيب في حادث آخر فمات، فإن المسؤول عن الحادث الأول يستفيد من موت المضرور لأنه غير مسؤول عنه، إذ أن الموت قد وضع حدا للضرر الذي ترتب عن الحادث الأول([95]).
أما إذا اشتد الضرر بسبب لا يرجع لخطأ المسؤول، فلا يكون هذا الأخير مسؤولا إلا عن الضرر الذي تسبب فيه دون ما يتعلق بما اشتد منه والذي تقع مسؤوليته على المسؤول عنه.
وإذا حدث تغير في الضرر بعد الحكم بالتعويض، يكون للمضرور الحق في طلب تعويض تكميلي يناسب مقدار الزيادة في الضرر، دون أن يكون للمسؤول الاحتجاج بقوة الأمر المقضى به لأنه يطلب تعويضا عن ضرر لم يكن قد تحقق عند الحكم([96]).
وفي حالة ما إذا كان الحكم المحدد للضرر والمقدر للتعويض قد استؤنف، وأثناء هذه الفترة ما بين صدور الحكم من محكمة أول درجة وبين صدور القرار من المجلس الناظر في الاستئناف تفاقم الضرر بما يبرر تقديم طلب يتضمن زيادة التعويض عنه، فهنا وتطبيقا لما سلف ذكره يقوم قضاة المجلس بتقدير الضرر وقيمته بالحالة التي صار إليها عند الحكم([97]).
وإذا تقدم المضرور على هذا الأساس بطلب الزيادة في مبلغ التعويض، فإن هذا لا يعد طلبا جديدا، إذ تنص المادة 107/1 من تقنين الإجراءات المدنية "لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما لم تكن خاصة بمقاصة أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية".
فالقاعدة العامة تمنع تقديم الطلبات الجديدة باستثناء الطلبات المتعلقة بالمقاصة أو إذا تعلق الأمر بوسيلة دفاع جديدة، وإلا ترتب عدم قبولها.
إلا أن الفقرة الثانية من نفس المادة نصت على أنه "كما يجوز للخصوم أيضا طلب الفوائد أو متأخر الأجرة وسائر الملحقات التي تستحق منذ صدور الحكم المستأنف، وكذا التعويضات المستحقة عن أضرار وقعت منذ ذلك الحكم".
فقد جاء النص صريحا بقبول طلب التعويض رغم أنه يعد طلبا جديدا في موضوعه، وقدم لأول مرة أمام جهة الاستئناف استثناءا على القاعدة العامة([98]).
- العبرة عند تقدير قيمة الضرر بما تكون عليه الأسعار يوم الحكم سواء ارتفع النقد أو انخفض عما كان عليه وقت حدوث الضرر، أو زادت أسعار الأشياء أو المواد اللازمة لإصلاح الضرر أو نقصت، فالتغير في قيمة الضرر لا يعد تغيرا في الضرر ذاته، ولما كان المسؤول ملزما بجبر الضرر كاملا، فإن التعويض لا يكون كافيا لجبره إذا لم يراع في تقديره قيمة الضرر عند الحكم به([99]).

الفرع الثاني. تحديد وقت نشوء الحق في التعويض عن الضرر:
تثير مسألة وجوب تقدير الضرر بتاريخ الحكم التي تم التعرض إليها في الفرع الأول من هذا المطلب إشكالية تتعلق بوقت نشوء الحق في التعويض عن هذا الضرر، بمعنى هل أن الحق في تعويض الضرر ينشأ للمضرور أيضا من تاريخ الحكم الذي يقضي به أم من وقت وقوع الضرر.
ولهذه التفرقة أهمية عملية من حيث تحديد بعض المسائل التي يتعلق بعضها بـ:
- تحديد تاريخ بداية حساب التقادم.
- القانون الواجب التطبيق.
- وقت التصرف في الحق.
وقد انقسم الفقه والقضاء بصدد هذه المسألة إلى جانبين، جانب يرى أن نشوء الحق في التعويض عن الضرر تتقرر من تاريخ صدور الحكم، في حين يذهب الجانب الثاني إلى أن الحق في التعويض ينشأ من وقت وقوع الضرر.


1. نشوء الحق في التعويض عن الضرر من تاريخ صدور الحكم:
فحق المضرور في تعويض الضرر حسب هذا الاتجاه يتولد للمضرور من يوم الحكم الذي يقضي به لا من يوم وقوع الضرر مستندين على أن هذا الحكم بالتعويض هو حكم منشئ للحق، لأن الحق في التعويض يظل حقا غير محدد المقدار، فالحكم هو الذي يحدد، ويجب الاعتداد بجميع العناصر التي توجد وقت الحكم، وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها([100]).

2. نشوء الحق في التعويض عن الضرر من وقت وقوعه:
يذهب أغلب الفقه إلى أنه يجب الاعتداد بوقت وقوع الضرر كتاريخ لنشوء الحق في التعويض عنه، لأن الحكم الصادر بالتعويض لا يزيد على أن يكون مقررا لهذا الحق لا منشئا له، فالحق في التعويض إنما مصدره العمل غير المشروع الذي أتاه المسؤول فينشأ هذا الحق من وقت قيام أركان المسؤولية المدنية، والأخص من وقت وقوع الضرر لا من وقت ارتكاب الخطأ، ذلك أنه في بعض الحالات قد يتراخى حدوث الضرر لمدة معينة بعد ارتكاب الخطأ.
إلا أن القول بهذا الرأي يؤدي إلى نتيجة مفادها أن تقدير التعويض عن الضرر لابد أن يتم بتاريخ وقوعه وليس بتاريخ الحكم، وهذا مخالف لما توصلنا إليه في الفرع الأول من هذا المطلب والذي مؤداه بأن قيمة التعويض عن الضرر تقدر بتاريخ الحكم، لذا فقد ذهب بعض الفقه -وهو الأجدر بالإتباع في نظرنا- إلى وجوب التمييز بين الالتزام بتعويض الضرر وبين الالتزام بدفع التعويض، فالأول ينشأ من وقت حدوث الضرر، وهو حق يخلف للورثة، ولكن تعويض هذا الضرر يتحول إلى التزام بدفع تعويض وقت الحكم، ولذلك يجب الاعتداد بهذا الوقت في تقدير مبلغ التعويض([101]).


المبحث الثاني: سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه:
إن لقاضي الموضوع في تقدير التعويض سلطة واسعة من حيث فهم وتكييف الوقائع المادية، وتقدير مقدار الضرر، ومن ثم تحديد مقدار التعويض عنه بغير معقب من المحكمة العليا، وإنما لهذه الأخيرة الرقابة على ما يقوم به قاضي الموضوع من الاعتداد بعناصر تقدير التعويض، فليس له أن يختار منها ما يريد اختياره، ويغفل ما يريد إغفاله من بين هذه العناصر.
وهذا ما سنتناوله من خلال هذا المبحث، إذ خصصنا المطلب الأول لسلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض، والمطلب الثاني لرقابة المحكمة العليا عليه.

المطلب الأول. سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض:
متى تبين لقاضي الموضوع قيام شروط المسؤولية المدنية، حكم بالتعويض، ولقاضي الموضوع سلطة مطلقة في تحديد الطريقة التي يتم بها التعويض من جهة، وفي تقديره من جهة أخرى بغير معقب عليه من المحكمة العليا.
فعندما ترفع أمام القاضي دعوى للمطالبة بالتعويض، وجب عليه في مرحلة أولى أن يفهم الوقائع المطروحة أمامه، وفي مرحلة ثانية تكييفها بتطبيق النص القانوني الملائم عليها من خلال التأكد بأنها كافية لتشكل أركان المسؤولية المدنية ليتأتى له في مرحلة ثالثة تقدير التعويض على اعتبار أنه لا تعويض بدون مسؤولية ولا تقدير حيث لا تعويض([102])، على أن يحدد بطريقة موازية الطريقة التي يتم بها هذا التعويض.
ويختار القاضي طريقة التعويض من خلال تحديد ما هو الأنسب لإصلاح الضرر معتمدا في ذلك على نص المادة 132 من التفنين المدني التي جاء فيها: "يعين القاضي طريقة التعويض تبعا للظروف، ويصح أن يكون التعويض مقسطا، كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا، ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا.
ويقدر التعويض بالنقد، غير أنه يجوز للقاضي تبعا للظروف وبناءا على طلب المضرور، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو أن يحكم وذلك على سبيل التعويض بأداء بعض الإعانات تتصل بالعمل غير المشروع".
فيستبين من هذه المادة أن طريقة إصلاح الضرر تختلف حسبما تكون الظروف الملابسة لحالة النزاع المطروح، وبما يبدي المضرور في طلباته عنها، كما أنها تختلف في نطاق المسؤولية العقدية عنها في نطاق المسؤولية التقصيرية.
فإذا كان التنفيذ العيني هو الأصل في المسؤولية التعاقدية، فعلى النقيض من ذلك لا يكون لهذا الضرب من التنفيذ الإمنزلة الاستثناء في نطاق المسؤولية التقصيرية.
فالتنفيذ بمقابل أي عن طريق التعويض المالي هو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية([103])، والتعويض يكون إما عينيا أو بمقابل:
فالتعويض العيني هو إصلاح الضرر بإزالة مصدره من أصله، وهو غير التنفيذ العيني لذا نجد مجاله في المسؤولية التقصيرية دون المسؤولية التعاقدية([104]).
ذلك أن التنفيذ بطريق التعويض في المسؤولية العقدية لا يتأتى إلا إذا استحال التنفيذ العيني، إما بأن كان مستحيلا مطلقا لخطأ من المدين بأن استدعى الأمر تدخله شخصيا لكنه امتنع عن ذلك، أو كان مستحيلا نسبيا لأنه إذا تم فمن شأنه أن يرهق المدين دون أن يترتب على عدم القيام به ضرر جسيم للدائن، وهذا تطبيقا لنص المادة 176 التي جاء فيها "إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن تنفيذ التزامه ..."، فيكون تعويض الضرر الناجم هنا تعويضا بمقابل وليس تعويضا عينيا([105]).
والتعويض العيني يتجسد في المسؤولية التقصيرية من خلال إصلاح المتسبب في الضرر، الضرر عينا وليس بمقابل، ومثاله أن يبني شخص حائط في ملكه يسد على جاره الضوء والهواء تعسفا منه، فيكون التعويض العيني عن هذا الفعل بهدم الحائط على حساب الباني.
أو أن يضع شخص خلايا نحل بجانب دور للسكن، فللمتضرر الحصول على التعويض عيني عن الضرر الذي لحق به وذلك بالحكم بإبعاد هذه الخلايا.
أما التعويض بمقابل فهو الذي يصلح في المسؤولية العقدية متى استحال تنفيذ الالتزام عينا وهو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية لاستحالة التعويض العيني في أغلب الأحيان.
وهو قد يكون نقديا أو غير نقدي، يكون لقاضي الموضوع سلطة كاملة في اختيار نوع التعويض الأنسب لإصلاح الضرر([106]).
فالتعويض النقدي يكون في أغلب حالات المسؤولية التقصيرية، وفي بعض حالات المسؤولية العقدية([107])، وقد يأخذ صورة مبلغ إجمالي يدفع دفعة واحدة، أو مقسطا حسب الظروف، أو في صورة إيراد مرتب لمدة معينة أو لمدى الحياة، وقد يقترن بتقديم تأمين بقدره القاضي، أو بإيداع مبلغ كاف لضمان الوفاء بالإيراد المحكوم به.
أما التعويض غير النقدي، فمثاله في المجال التعاقدي ما جاءت به المادة 119 من التقنين المدني، فيكون للدائن مطالبة المدين الذي لم يوف بالتزامه بعد إعذاره بفسخ العقد مع التعويض إذا اقتضى الحال ذلك، فيكون الفسخ وسيلة للتعويض غير النقدي.
ومثاله في المسؤولية التقصيرية أن يأمر القاضي بنشر الحكم القاضي بإدانة المدعي عليه الذي ارتكب فعل السب والقذف، وهذا النشر يعد تعويضا غير نقدي([108]).
ومتى تبينت للقاضي الطريقة المناسبة لإصلاح كافة الأضرار اللاحقة بالمتضرر، سعى لتقدير التعويض عنها وله في سبيل الوصول إلى هذا الهدف –كما أسلفنا- سلطة مطلقة، فهو غير ملزم بنصاب معين أو بمبلغ ثابت لجبر هته الأضرار، وإنما له كامل الصلاحية.
إلا أن هذه السلطة أو الصلاحية تحكمها ضوابط معينة، لأنها لا تعتبر حالة نفسية بحكم من خلالها القاضي حسب أهوائه وميولاته، فتقدير التعويض هو مسألة موضوعية وقانونية، تستوجب على القاضي عند الاضطلاع بها استبعاد كل إجحاف أو مغالاة فيلتزم فقط بالضرر الفعلي ويقدر التعويض بقدره.
وفي سبيل تحقيق ذلك مكن المشرع القاضي بموجب المادة 47 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية من اللجوء إلى ذوي الخبرة والاختصاص([109])، إذا استعصت عليه أي مسألة يكون من شأن الكشف عليها إما إعطاء الوصف الحقيقي أو التكييف القانوني للوقائع بما فيها تحديد جسامة الضرر، ما لم يكن الأمر يتعلق بما يدخل في سلطته. ذلك أن الخصوم ملزمين بتقديم الوقائع، في حين يلتزم القاضي بتطبيق القانون على الواقع المعروض عليه، ولا يجوز له أن يفوض فيه أحدا غيره([110]).

وللقاضي اعتماد ما وصل إليه الخبير في حكمه وله رفضها، كما بإمكانه الأمر بخبرة مضادة للوقوف على الضرر الفعلي([111]).
فتقدير أعمال الخبير أمر تستقل به محكمة الموضوع ولا رقيب عليها فيها من المحكمة العليا، كما وضع المشرع مجموعة من العناصر والمعايير أوجب على القاضي الاعتماد عليها للوصول إلى تقدير التعويض بما يتناسب والضرر، فلا يجوز له أن يستبعد عنصرا منها أو يضيف لها عناصر جديدة([112])، وهو يخضع في ذلك لرقابة المحكمة العليا.
وتتمثل هته العناصر في: وجوب مراعاة:
- الضرر المباشر المحقق.
- الضرر المتغير.
- ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب.
- الظروف الملابسة ومدى حسن النية.
وستكتفي في هذا المجال بدراسة العنصرين الأخيرين مستبعدين عنصري الضرر المباشر المحقق والضرر المتغير لأنه سبق لنا التطرق إليها في المبحث الأول من هذا الفصل.
‌أ. معيار الخسارة الواقعة والكسب الفائت:
تنص المادة 182 من التقنين المدني على ما يلي "إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ...".
فيتضح من نص هته المادة أن القاضي ملزم عند تقديره للتعويض في المسؤولية العقدية أن يدخل في حسابه ما لحق الدائن من ضرر وما فاته من كسب، وهذا المعيار قديم إذ عرفه القانون الروماني([113]).
والمقصود بالخسارة اللاحقة الضرر المباشر الذي لحق حقا أو مصلحة مشروعة للمضرور.
أما الكسب الفائت فيحص كل الثمرات الطبيعية للشيء المتلف أو محل الالتزام و الأرباح المتوقعة في المسؤولية العقدية، يضاف إليها الأرباح غير المتوقعة في المسؤولية التقصيرية طالما كانت محققة([114])، بأن يتأكد المضرور أنه كان سيحصل عليها لو تم تنفيذ الالتزام، أو لو لم يقعده الفعل الضار عن هذا الكسب.
فهذان العنصران يستعملهما القاضي في المسؤولية العقدية، بتقدير ما أصاب الدائن من ضرر بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي، أو بسبب تأخره في هذا التنفيذ، ثم يقدر بعد ذلك ما فات الدائن من كسب.
ومثاله ما جاءت به المادة 375 من التقنين المدني عن حالة نزع اليد الكلي عن المبيع فللمشتري مطالبة البائع بالتعويض والذي يشمل قيمة المبيع وقت نزع اليد، قيمة الثمار التي ألزم المشتري بردها للمالك الذي نزع يد المشتري عن المبيع، جميع مصاريف دعوى الضمان ودعوى الاستحقاق ... وهذه كلها تدخل ضمن ما لحق المشتري من خسارة، ثم تضيف نفس المادة "... وبوجه عام تعويضه عما لحقه من خسائر وما فاته من كسب بسبب نزع اليد عن المبيع".
وهذان العنصران لا تستأثر بهما المسؤولية العقدية بل يجب الاعتداد بهما في نطاق المسؤولية التقصيرية، ذلك أن نص المادة 182 من التقنين المدني وإن كان قد جاء بصدد التعويض عن المسؤولية العقدية، إلا أنه جاء مطلقا مما يبيح ضمنيا تقدير التعويض في المسؤولية التقصيرية عما لحق المضرور من ضرر، وما فاته من كسب، فللمصاب في حادث أن يعوض عما أصابه في جسمه من ضرر وألم وما بذل من مال في سبيل علاجه، وهذا كله تتضمنه الخسارة اللاحقة به، كما أن لهذا المصاب الحق في أن يعوض عن الكسب الذي ضاع عليه([115])، فإن كان عاملا أوتسبب الحادث في قعوده عن العمل فيدخل في الكسب الفائت ما كان سيجنيه من عمله طوال المدة التي سيقعد فيها عن العمل.
كذلك ما نصت عليه المادة 566 من التقنين المدني من تمكين رب العمل من التحلل من العقد وإيقاف التنفيذ في أي وقت قبل إتمامه، على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من مصروفات، وما أنجزه من أعمال -وهو ما يعرف بالخسارة اللاحقة- وكذا ما كان يستطيع كسبه لو أتم العمل، وهنا يظهر عنصر ما فاته من كسب([116]).
وغني عن البيان أنه لا يكون ثمة محل للتعويض إذا لم يصب الدائن بضرر، فلم يفته كسب ولم تلحقه خسارة، لأن التعويض لا يتقرر إلا إذا تحققت المسؤولية بعناصرها الثلاث.
وتبعا لذلك يتعين على المتضرر طبقا للقواعد العامة إثبات الضرر بعنصرية الكسب الفائت والخسارة اللاحقة ليتأتى تقدير التعويض، فإن تعاقد تاجر مع مورد لتسليم بضائع ثم هلكت بفعل هذا الأخير، مما فوت على التاجر صفقة إعادة بيعها لتاجر آخر بثمن أكبر، فإن الخسارة اللاحقة وهي قيمة البضاعة تثبت بالفواتير، والكسب الفائت يتمثل في الزيادة في ثمن الشراء الذي كان سيقبضه التاجر لو تمت الصفقة، وهذه واقعة مادية تثبت بكافة طرق الإثبات منها شهادة التاجر الذي كانت ستبرم الصفقة معه.

‌ب. معيار الظروف الملابسة ومدى توفر حسن النية:
تنص المادة 131 من التقنين المدني "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مع مراعاة الظروف الملابسة ...".
والظروف الملابسة هي الظروف التي تلابس المضرور، ويقصد بها الظروف الشخصية والصحية والعائلية والمالية التي تحيط بالمضرور، وهذه تقدر على أساس ذاتي لا على أساس موضوعي مجرد فننظر إلى المضرور نظرة شخصية، لأن التعويض يهدف إلى جبر الضرر الذي أصاب المضرور بالذات دون غيره، فيدخل في الظروف الشخصية حالة المضرور الجسمية والصحية، فالانزعاج الذي يصيبه من حادث يكون ضرره أشد مما يصيب شخصا سليم الأعصاب([117]).
والأعور الذي أصيبت عينه السليمة كان الضرر الذي يصيبه أقدح من الضرر الذي يلحق شخصا أصيبت إحدى عينيه السليمتين([118]).
والرسام الذي يصاب في أصابعه التي يرسم بها ويتقوت منها يكون ضرره أكبر من غير الرسام.
والضرر الذي يلحق براقصة في رجلها فيؤدي إلى عرج يقعدها عن الرقص أفدح من غير الراقصة.
ويكون محلا للاعتبار حالة المضرور العائلية والمالية، فمن يعول زوجة وأطفالا يكون ضرره أشد من الأعزب الذي لا يعول إلا نفسه، ولكن هذا لا يعني أنه إذا كان المضرور غنيا، يقضى له بتعويض أقل مما لو كان فقيرا، إذ أن العبرة بجبر الضرر، وهذا الضرر يتحدد باختلاف الكسب، فمن كان كسبه أكبر كان الضرر الذي يحيق به أشد([119]).
أما الظروف الشخصية التي تلابس المسؤول فقد اختلف الفقه حولها على رأيين رأي يذهب إلى عدم الاعتداد بها والرأي الثاني يذهب إلى وجوب أخذها بعين الاعتبار.
ويستند أصحاب الرأي الأول إلى أن التعويض يحدد قدره بالضرر، وهذا الضرر يتعلق بالمضرور وليس بالمسؤول ذلك أنه إذا كان المسؤول غنيا لم يكن هذا سببا ليدفع تعويضا أكثر، وإذا كان فقيرا لم يكن سببا ليدفع تعويضا أقل([120]).
أما الرأي الثاني فيذهب إلى وجوب الاعتداد بها لأن نص المادة 131 السابقة الذكر جاء مطلقا بغير تخصيص لمضرور دون المسؤول. إضافة إلى أن مصطلح الظروف الملابسة ينطوي على جسامة الخطأ، الذي لابد أن يراعى أثناء تقدير التعويض دون أن يكون هو الاعتبار الوحيد، فقد يترتب ضرر يسير على خطأ جسيم، كما أنه قد يحدث ضرر بالغ بسبب خطأ يسير، وإنما تؤخذ جسامة الخطأ في الاعتبار مع بقية ظروف الدعوى([121]).
من ذلك ما فعله المشرع عندما قرر أن المدين في المسؤولية العقدية لا يسأل إلا على خطئه المتوقع، ومع ذلك فإذا ارتكب غشا أو خطأ جسيما ترتبت مسؤوليته على خطئه غير المتوقع أيضا([122]).
كذلك ما جاءت به المادة 126 من التقنين "إذا تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض".
فقد يتعدد المسؤولون عن العمل غير المشروع، بأن ينسب إلى كل منهم خطأ يساهم في إحداث ذات الضرر، فيمكن للقاضي استنادا لهذه المادة أن يوزع المسؤولية بالتساوي، كما له أن يحدد نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض، وبديهي أن أساس التقسيم في هذه الحالة هو مدى جسامة الخطأ.
وهو ما يتناسب والعدالة فمتى استطاع القاضي أن يحدد مدى جسامة الخطأ لكل من الفاعلين، فلا يعقل أن يوزع المسؤولية بالتساوي فيما بينهم، في الوقت الذي يكون خطأ أحدهم جسيما بينما خطأ آخر يسيرا.([123])
كذلك إذا ساهم المضرور بخطئه في إحداث الضرر، فإن ذلك يوجب تخفيف المسؤولية برفع جزء من التعويض عن كاهل المسؤول، وقد يعفى تماما من التعويض، وذلك حسب مدى جسامة الخطأ المنسوب للمضرور، فتنص المادة 177 من التقنين المدني "يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أولا يحكم بالتعويض إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه"، فتكون جسامة الخطأ الصادر من المسؤول محل اعتبار في تحديد نصيبه في التعويض، وتوزيع المسؤولية بينه وبين المضرور([124]).
والرأي عندي أنه متى تحققت المسؤولية قدر التعويض بقدر جسامة الضرر لا جسامة الخطأ، هذا كأصل، ولا يجوز في نظري الخروج عن هذا الأصل أي بالاعتداد بالظروف الملابسة للمسؤول بما فيها جسامة الخطأ إلا إذا ورد نص قانوني يبيح للقاضي ذلك، ويلزم القاضي بتطبيقه، كما هو الحال في الأمثلة التي سبق الإشارة إليها.
وبالنسبة لرأي القضاء عندنا، فإن المحكمة العليا تذهب في عدة قرارات لها إلى الاعتداد بالظروف الملابسة للمضرور دون المسؤول.
حيث جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 06/01/93 ما يلي "... وأنه ينبغي على قاضي الموضوع أن يستجيب لطلبات المطعون ضدهم للتعويض عن الأضرار اللاحقة بهم جراء فقدان قريبهم، فإنه ملزم مع ذلك بذكر العناصر الموضوعية التي تمكنه من تحديد التعويض وهي على وجه الخصوص سن الضحية ونشاطه المهني، ودخله الدوري أو أجره ..." ([125]).
كما جاء أيضا في قرار لها صادر بتاريخ 14/07/99 "... كان يجب على قضاة الموضوع في حالة إثبات المسؤولية على عاتق سائق القطار وبالنظر إلى القانون رقم 90-35 أن يذكروا العناصر الموضوعية التي تساعد على تحديد مختلف التعويضات بدقة وتفصيل مثل سن الضحية ومهنتها ودخلها ونوع الضرر ..." ([126]).
ولكن ما يلاحظ على هذه القرارات أنها وإن كانت تعتد بالظروف الملابسة للمضرور إلا أنها تقيسها بمعيار موضوعي وليس ذاتي ويستفاد ذلك مما جاء في القرارات من أن القاضي ملزم بذكر "العناصر الموضوعية" ويستبعد العناصر الشخصية، وهذا في نظرنا يخل بقاعدة وجوب التناسب بين التعويض والضرر الفعلي اللاحق بالمضرور، لأن الضرر شخصي ويختلف من شخص إلى آخر فلا يمكن قياسه بنظره مجردة عن الذاتية، مما يؤدي إلى حصول شخصين على نفس التعويض استنادا لهذه العناصر الموضوعية، رغم أن الضرر اللاحق بكل منهما يختلف في جسامته وما يؤيد هذا الرأي عندنا أن المشرع عندما ألزم القاضي بوجوب الاعتداد بالظروف الملابسة لم يحدد له وجوب تقديرها طبقا لعناصر موضوعية.
لأنه متى اكتفى القاضي بالاعتداد بالظروف الموضوعية فقد معيار الظروف الملابسة معناه والهدف الذي قرر لأجله وهو محاولة الوصول إلى تقدير للتعويض يناسب الضرر اللاحق.
كما أن عنصر مراعاة حسن النية يدخل في اعتقادنا ضمن الظروف الملابسة المتعلقة بالمسئول، ولكن لا يمكن الأخذ به بصفة مطلقة إلا إذا جاء نص قانوني صريح بوجوب الاعتداد به، كما وضحناه سابقا.
ولقد تعرضت مختلف التشريعات لعنصر حسن النية كما أوردها المشرع الجزائري في عدة مواضع من التقنين المدني.
على أنه تجدر الإشارة إلى أنه كأصل لا دخل لحسن النية في توافر المسؤولية، فتتوافر المسؤولية ولو حسنت نية المسؤول مادامت أركانها قائمة من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، وإنما يكون لها أثرها في تقدير التعويض([127])، ومثاله ما نصت عليه المادة 399 من التقنين المدني فيما يخص بيع ملك الغير والتي تنص على أنه "إذا أبطل البيع في صالح المشتري بمقتضى حكم وكان المشتري يجهل أن البائع كان لا يملك المبيع فله أن يطالب بالتعويض ولو كان البائع حسن النية".
فالمسؤولية طبقا لهذه المادة تقوم في حق البائع ولا أثر لحسن نية هذا الأخير في منع توفرها([128]).
ويأخذ عنصر حسن النية مظاهر متعددة([129]).
فقد يأخذ مظهر التيقن القائم على اعتقاد غير صحيح في أن تصرفا ما يطابق ما يتطلبه القانون، فيرتب القانون على ذلك آثارا لحماية الشخص حسن النية، ومثاله ما نصت عليه المادة 837 فقرة 1 من التقنين المدني "يكسب الحائز ما يقبضه من الثمار مادام حسن النية ..."
وتضيف المادة 838 من نفس التقنين "يكون الحائز سيئ النية مسؤولا عن جميع الثمار التي قبضها أو قصر في قبضها من الوقت الذي أصبح فيه سيئ النية".
ويستفاد من هذا بأنه إذا ألزم الحائز برد الشيء إلى مالكه، فإن ما يلتزم برده هو الشيء ذاته، أما الثمار فلا يلزم بردها ولا بالتعويض عن قيمتها متى كان حسن النية.
وقد يقصد بحسن النية الاستقامة والنزاهة والإخلاص وانتفاء الغش، كما في الحالة التي تنص عليها المادة 107 الفقرة الأولى من التقنين المدني "يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبحسن نية..."
فيجب أن تتوفر حسن النية عند تنفيذ العقد فيستبعد المتعاقدان كل معنى للغش، وإذا أخل أحدهما بالتزامه وترتب مسؤوليته فإن التعويض يختلف قدره بحسب ما يكون من حسن نية الفاعل أو سوئها، فيكون التعويض كاملا جابرا لجميع الأضرار في حالة ارتكاب خطأ جسيم أو غش طبقا للمادة 182 الفقرة الأخيرة من التقنين المدني. فيسأل المدين عن الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع ويعوض عنهما، أما إذا كان المدين حسن النية فلا يكون ملزما إلا بما كان متوقعا من الضرر([130]).
ونشير في هذا السياق أن تقدير حسن النية وتحديدها يتم من خلال مراعاة الظروف الخارجية للشخص، وذلك قياسا على مسلك الرجل العادي في يقظته وذكائه فللقاضي في تقدير حسن النية أو سوئها أن يدخل في اعتباره مدى إدراك المدين بالالتزام للأمور، وقلة تجاربه أو انعدامها، وإذا كانت الظروف الخارجية المحيطة به من شأنها أن تجعله يعلم بحقيقة الأمر أولا([131]).

المطلب الثاني. رقابة المحكمة العليا:
سبق لنا أن بينا في المطلب الأول من هذا المبحث أن لقاضي الموضوع سلطة مطلقة في تقدير التعويض دون معقب عليه من المحكمة العليا.
إلا أنه وإن كان هذا التقدير يدخل في سلطة قاضي الموضوع، فهذا لا يعني أن محكمة الموضوع لا تخضع مطلقا لرقابة المحكمة العليا، إذ يجب على القاضي أن يبين في حكمه عناصر وشروط الضرر الذي يقضي من أجله بالتعويض، وذلك حتى يتسنى للمحكمة العليا مراقبة صحة تطبيق القواعد المتعلقة بالتعويض([132])، ومن جهة أخرى رقابة مدى أخذ القاضي لعناصر تقدير التعويض السابق شرحها بعين الاعتبار.
الفرع الأول. رقابة المحكمة العليا على عناصر الضرر وشروطه:
باعتبار أن الضرر هو مناط تقدير التعويض، فلا بد أن يتناسب هذا التعويض مع الضرر ويقدر بقدره، ولا يتبين مدى هذا التناسب إلا بعد تحديد العناصر والشروط الواجب توفرها في الضرر حتى يكون مستحقا للتعويض.
ولئن كان التثبت من وقوع الضرر ومداه مسألة واقعية يستقل بها قضاة الموضوع فإن تعيين هذا الضرر في الحكم وذكر العناصر المكونة له قانونا والتي يجب أن تدخل في حساب التعويض، يعتبر من المسائل القانونية التي تهيمن عليها المحكمة العليا، لأن هذا التعيين هو من قبيل التكييف القانوني للواقع([133]).
ويعتبر استيفاء الضرر للشروط الواجب توفرها لاستحقاق التعويض مسألة قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة المحكمة العليا، من هذا كون الضرر ماسا بحق أو مصلحة مشروعة، وتكييفه بأنه ضرر محقق حال أو مستقبل أو بأنه إحتمالي، ووصفه بأنه ضرر مادي أو ضرر معنوي.
إلا أن الملاحظ في الواقع العملي أن القضاة لا يحددون عناصر الضرر ولا شروطه في أحكامهم فلا يبينون نوع الضرر إذا ما كان ماديا أو معنويا، مباشرا أو غير مباشر، محققا أو احتماليا، متوقعا أو غير متوقع، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة منها ما جاء في حيثيات حكم صادر عن محكمة البليدة بتاريخ 20/05/2000 تحت رقم 209/2000: "حيث أن إخلال المدعي عليها بالتزام تعاقدي قد ألحق ضررا بالمدعية، مما يتعين القول بأن طلبها الرامي إلى الحصول على التعويض مؤسس قانونا...".
فالحكم جاء خاليا من تحديد للضرر الذي لحق المدعي عليها، في عناصره أو شروطه، مما يجعله حكما معيبا قابلا للنقض، وقد جاء في هذا الشأن في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 25/07/2002 ما يلي "حيث أن قضاة الاستئناف اكتفوا بحساب الغرامة المحكوم بها من طرف القاضي الاستعجالي فقط، في حين أنه وبناءا على المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية، يلتزم قضاة الموضوع بتحديد الضرر وتقديره قصد مراجعة وتصفية الغرامة"([134]).
كما نقضت المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 08/07/86 حكما صادرا عن محكمة الجنايات صرح بعدم أحقية والد الضحية في التعويض عن وفاة ابنه لأن هذا الأخير كان تحت نفقة والده بدعوى عدم تضرره، دون أن تبين نوع الضرر، فقد جاء في حيثيات هذا القرار.
"حيث أنه تبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن القضاة أسسوا قضاءهم لا بطال دعوى والد الضحية على كون هذه الأخيرة كانت تحت نفقتها وأنه لم يلحقه أي ضرر.
وحيث أن الضرر يكون إما مادي أو معنوي.
وحيث أن القضاة راعوا في الدعوى الحالية سوى الجانب المادي فقط.
وعليه فإنهم لم يحيطوا بالدعوى من جميع جوانبها، وجاء بذلك قضاءهم ناقضا..." ([135]).

الفرع الثاني. رقابة المحكمة العليا على عناصر تقدير التعويض:
إن للمحكمة العليا ممارسة الرقابة على ما تقوم به محكمة الموضوع من الاعتداد بعناصر تقدير التعويض وفقا لما سبق شرحه أنفا، وليس لمحكمة الموضوع أن تختار ما نريد اختياره أو إغفاله من بين هذه العناصر، وهذا هو المبدأ.
إلا أن هناك بعض قرارات المحكمة العليا تسير ضد هذا المبدأ، وذلك في تقديري لأنها تخلط بين تقدير القاضي للتعويض بمبلغ ثابت أو نصاب معين أو قيمة ثابتة وبين عناصر تقدير التعويض.
فالأولى هي مسألة واقع تخضع لتقدير قاضي الموضوع وفقا لما توضح له من جسامة أو يسر الضرر، دون رقابة عليه من المحكمة العليا، ولكن كيفية تحديد هذه الجسامة أو اليسر، بمعنى كيفية تطبيق القانون على الواقع هو الذي يكون محل رقابة المحكمة العليا، وتنصب هذه الرقابة على مدى احترام القاضي للعناصر والمعايير التي وضعها المشرع أمام القاضي للوصول إلى تقدير للتعويض بما يتناسب الضرر.
فإذا كان القاضي بصدد تطبيق معيار الخسارة اللاحقة والكسب الفائت فعليه أن يبين الواقعة الموضحة في الدعوى المثبتة، التي تصدق عليها وصف الخسارة أو الكسب.
وفيما يتعلق بمعيار الظروف الملابسة، ومن وجوب اعتداد القاضي بالظروف الشخصية للمتضرر في حالته الشخصية والعائلية والمالية، فعلى القاضي أن يبين الواقعة التي تفيد إصابة الشخص بضرر في ذمته المالية، دخله، عدد الأشخاص الذين يعيلهم. وهذه كلها تخضع لرقابة المحكمة العليا لأنها من قبيل التكييف القانوني للوقائع.
فقد جاء في قرار صادر بتاريخ 14/02/2001([136]) عن المحكمة العليا ما يلي "حيث أنه من قضاء المحكمة العليا المستقر أن تقدير التعويض عن التسريح التعسفي يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع ولا رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن، ويكفيه أن يعاين كما هو الشأن في دعوى الحال الطابع التعسفي للتسريح ويقدر التعويض حسب الضرر الذي لحق العامل، وأن الحكم المطعون فيه يبين بأن المبلغ الممنوح للمطعون ضده كان على أساس الضرر المادي والمعنوي الذي لحقه جراء التسريح التعسفي، وهذا كاف لإعطائه الأساس القانوني".
فلم يشترط هذا القرار أن يضمن القاضي في حكمه العناصر الت

sisko
05-31-2016, 10:00 PM
بحث حول تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الجزء الرابع 4