المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فلسفي : آينشتاين والدولة اليهودية



نتائج البكالوريا - bac
06-16-2014, 01:08 PM
مقال فلسفي : آينشتاين والدولة اليهودية
| منتدى مراجعة وتلخيص للفلسفة



منتدى الفلسفة والعلوم الانسانية منتدى الباكالوريا - منتدى الآداب و العلوم الإنسانيّـة - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب بكالوريا الجزائر بكالوريا المغرب - منتدى الفلسفة منتدى علم الاجتماع منتدى علم النفس (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=95)


كتب (جان - باتيست دوروزيل)، وهو كاتب وباحث فرنسي:"يجب على المؤرخ عندما يكتب التاريخ ان يفكر ويكتب كمؤرخ وليس كأوربي. ذلك ان الموقف المنحاز يؤدي الى ان يُسقط على الماضي حقيقة هي اليوم حيّة فعلا. ومن يفعل ذلك انما يُحرّفُ الماضي ويُشوّهه، وبهذه الطريقة يصبح الحاضر غير مفهوم". فلو أردنا حقا ان نتجنب تحريف آراء (آينشتاين) وتشويه مواقفه من قضية الصراع العربي اليهودي فعلينا ان نتوخى الحذر ونحن نتعامل مع تلك الأفكار والمواقف، وان توضع في سياقها التاريخي وفي ظروفها السياسية والفكرية التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي.لكننا هنا نتعامل مع حالة فريدة. وفرادة الحالة هذه تكمن في اننا نتعامل مع أفكار ومواقف سياسية لشخصية غير عادية، شخصية ملأت الدنيا وشغلت الناس على امتداد أكثر من قرن من الزمن. لذلك لم يكن من باب الصدفة ان يطلق عليه لقب "شخصية القرن" عشية القرن الواحد والعشرين. وهذه الخصوصية بحد ذاتها دفعت بجهات مقتدرة ومتنفذة ان تجند امكانيات مادية وسياسية واعلامية دولية جبارة من أجل ان تقدم "شخصية القرن العشرين" للعالم بالصيغة التي تخدم مصالحها المتنوعة. وهذا ما يدفعنا الى مضاعفة الحذر والتأني في تقييم الآراء والمواقف، خاصة انها تتعلق بمواضيع شغلت السياسيين والمفكرين والمثقفين بشكل عام على امتداد القرن الماضي ولم تجد الكثير منها الحل. ونقصد بذلك ما يخص العلاقات العربية اليهودية واقامة دولة اسرائيل والموقف من الصهيونية وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة، وغيرها.الموقف من الدين: لم يكن آينشتاين ملحدا؛ وهو القائل: "العلم بدون دين كسيح والدين بدون علم أعمى". كان من أنصار فكرة الفيلسوف (شوبينهاور) عن "الشعور الديني الكوني". ويرى ان تقوى الشعور الديني الكوني هي الحافز الأقوى للبحث العلمي؛ أولئك الذين يشعرون بنشوة الانبهار أمام هرمونيا الطبيعة هم فقط القادرون على الغوص في أسرارها. ويرى ان (كبلر) و(نيوتن) كانا مُلهَمَين من خلال ايمانهما العميق في عقلانية الكون... ولذا كان يدرك بان العلم والدين يمكن أن يعملا جنبا الى جنب، بارتباط أحدهما بالآخر.تشير بوضوح ان اليهودية "بالنسبة اليه لم تكن مجرد مفهوم ديني بحت، بل كانت تحمل مفهومها الأوسع: ثقافة وأمة وتاريخ مشترك، تمتد جذوره في أعماق الزمن. وقد أشار الى ذلك أكثر من مرة. وفي رسالة له الى د. Hellpach td في عام 1929 أشار الى "ان اليهود مجموعة تربطها روابط الدم والتقاليد، وليس مجرد روابط دينية". وسئل ذات مرة: "أليس من السخرية أن يكون اسمك مرادفا للعلم في القرن العشرين، في حين ما زالت الكثير من الآراء المتناقضة بشأن موقفك من الدين؟. كيف نفسر مثل هذه الحالة الشاذة، علما اننا نعلم ان العلم والدين في خصام متواصل"؟ فأجاب: "ليس بالضرورة أن يكون العلم والدين في حالة تناقض طبيعي... أعتقد ان هناك علاقة متينة بين الطرفين، لذا أقول ان العلم بدون دين كسيح وان الدين بدون علم أعمى. كلاهما مهمان، وسوف يعملان يداً بيد...". وجاء في سؤال آخر: "ألا تعتقد بوجود تناقض في بعض مواقفك من قضية الدين؟ انت من جهة تؤكد على عدم اعترافك بالديانات التقليدية لكنك يهودي في أذهان الناس، وتودُ ان تـُعْرفَ كيهودي واليهودية من الديانات التقليدية. فكان جوابه: "ليس بالأمر السهل ان تـُعًرِف معنى "اليهودي".... تخيل الحلزون، الذي وهو على الشاطئ منزويا في قوقعته، البيت الذي يأويه ويحميه... ما الذي سوف يحدث لو رفعنا الصدفة عن الحلزون؟ هل سوف نصف الجسم الذي تعرى من الصدفة بكلمة أخرى غير الحلزون؟ هكذا هو اليهودي. فاليهودي الذي فقد دينه خلال الطريق، أو حتى لو استبدله بدين آخر، فإنه سيبقى يهودي". وقال ذات مرة: "كلما ازداد شعوري بكوني يهودي كلما تعزز لدي شعور بأني أصبحت أكثر بعدا عن الديانة التقليدية". كان يقدر عاليا التعاليم الأخلاقية في الديانة اليهودية، وحثها على حب العدالة والسعي من أجل الحقيقة. وأكد على ان اليهود ظلوا موحدين عبر القرون من خلال تبجيلهم للحقيقة، والمثل الديمقراطية للعدالة الاجتماعية، والتوق الى الحرية الشخصية. وكان يرى ان عظماء اليهود، ومنهم موسى وسبينوزا وماركس، قد كرسوا أنفسهم من أجل هذه القيم. وقد أشار الى ان تأسيس وطن لليهود سيساهم في خلق مركز مهم للحفاظ على كل هذه القيم لصالح العالم بأسره.. لذا فان وجهة نظر آينشتاين بإسرائيل كانت وجهة نظر فكرية وحضارية، وليس اسرائيل السياسية. أي كانت فكرة آينشتاين باسرائيل، حضارية كانت أم سياسية، فان التاريخ أثبت بانها كانت، حتى لو افترضنا حسن النية، فكرة ساذجة جدا. ناهيك عن كونها تتعارض كليا مع المبادئ الأخلاقية وقيم العدالة الاجتماعية ومثل الديمقراطية والحرية، التي يفترض بها، حسب ما ذكره، الأسس التي تقوم عليها قيم الديانة اليهودية.العلاقة بين العرب واليهود في فلسطين: كانت وجهة نظر آينشتاين بشأن الخلافات بين العرب واليهود قائمة على مبدأ التنازلات. وهذا ما لم يرق لقادة المنظمات الصهيونية، الذين سعوا الى استغلال اسمه لصالح أهدافهم. لقد كان يؤمن بإمكانية التوصل الى حل وسط يرضي الجانبين، وإمكانية التعاون المشترك بين الجانبين لما فيه مصلحة الشعبين، العربي واليهودي. قد تبدو اليوم طروحات آينشتاين مثالية جدا، وتتسم بالسذاجة أحيانا، وصعبة التحقيق. لكنها لم تكن كذلك في زمنها، وكانت معظمها تتفق مع مواقف اليسار بشكل عام، العربي واليهودي على حد سواء. وفي رسالة له الى رئيس تحرير صحيفة "فلسطين" المؤرخة في 28/1/1930، كتب:"ان شخصا مثلي كان لسنوات عديدة متمسكا بقناعته بان الانسانية ينبغي ان تقوم على أساس الاتفاق الصادق والحميمي بين الأمم، وان التعصب القومي العدواني لا محالة سوف يهزم، لا يستطيع رؤية مستقبل فلسطين إلا على أساس التعاون السلمي بين الشعبين الذين يعيشان في هذه البلاد...". وجاء في "رسالة الى عربي" المؤرخة في 15/3/1930، أي بعد رسالته السابقة بأقل من شهرين ما يلي:" ان ما يجعل من الوضع الحالي أمر سيئ هو ان اليهود والعرب يجابهون بعضهم البعض كخصمين وهم تحت إدارة قوات الانتداب. وان حالة التخوف القائمة بينهما غير جديرة بكلتا الأمتين، ولا يمكن تغييرها إلا في حالة العثور على حل وسط يتفق عليه الجانبان..." ويواصل آينشتاين رسالته حيث يقدم اقتراحه المشهور بتشكيل مجلس استشاري من العرب واليهود: "حتى وان كان مثل هذا المجلس لا يملك أية سلطة محددة، فانه يمكن أن يؤدي الى تقليص حجم الخلافات وتقريب وجهات النظر، وقادر على ان يضمن تمثيلا موحدا للمصالح المشتركة للبلاد، أمام قوات الانتداب ويبقى نقيا وخاليا من رماد السياسة السريع الزوال". بعد عودته من رحلته الأولى الى الولايات المتحدة عام1921 صرح بشأن القضايا المتعلقة باليهود والصهيونية، وقد تم نشره مع تصريحات أخرى في عام 1931 قائلا:"نحن بحاجة ماسة لأن نعير اهتماما كبيرا لعلاقاتنا مع العرب. ومن خلال اهتمامنا ورعايتنا الدقيقة لهذه العلاقات سنكون قادرين على منع بعض المشاكل من أن تتطور وتتوتر بشكل خطر، بحيث تدفع الناس لأن يجدوا أنفسهم أمام خيار وحيد هو المخاطرة بالقيام بأعمال عدوانية ". ظل آينشتاين متمسكا بهذا الموقف طيلة حياته، وعاد اليه أكثر من مرة في تصريحاته وكتاباته. خلال زيارته الثانية الى أمريكا، وأكد: "علينا، وفي المقام الأول، أن نعير حاليا اهتماما كبيرا الى علاقاتنا مع الشعب العربي. ان رعايتنا واهتمامنا بهذه العلاقة سوف تجنبنا في المستقبل مخاطر الانزلاق الى حالات التوتر، التي قد تستغل لأهداف استفزازية ونشاط عدائي. وبلوغ هذا الهدف أمر منوط بنا، ونستطيع تحقيقه.... ان الأعمال التي ننجزها في فلسطين ينبغي أيضا ان تخدم المصالح الحقيقية للسكان العرب...". كان آينشتاين يدرك جيدا ان العلاقات السليمة بين العرب واليهود لن تتحقق لمجرد توفر النية الطيبة عند الجانبين، بل تتطلب بذل الكثير من الجهود والتنازلات. وكان أكثر من مرة قد وجه سهام نقده للمواقف المتطرفة من قبل اليهود والعرب، وحذر من المواقف القومية الضيقة التي لا تراعي مصالح الطرف الآخر. وكان، في الوقت نفسه، يدرك جيدا ان الساسة يمكن أن يلعبوا دورا خطيرا في توسيع الفجوة القائمة التي يمكن أن تقود الى مخاطر وخيمة. وكتب عام 1946: "سينجح اليهود، وبدرجة كبيرة، في التعاون مع العرب، في حالة لو ان شعبنا والشعب العربي استطاعا ان يتغلبا على التذمر الطفولي للعقلية القومية... التي يؤججها الساسة المحترفون...". وكتب أيضا: "القومية مرض طفولي. انها حصبة الجنس البشري". وفي إحدى رسائله الى وايزمن أكد من جديد على ضرورة التوصل الى تفاهم مع الفلسطينيين: "اذا لم نعثر على وسيلة للتعاون الحميمي والتفاهم الصادق مع العرب، فاننا وبكل بساطة، نكون وكأننا لم نتعلم شيئا من آلامنا التي استمرت أكثر من ألفي عام. وبذا نستحق المصير الذي ينتظرنا. يجب علينا قبل كل شيء أن لا نثق بقوة بالإنجليز. لذلك ان لم نتوصل الى تعاون حقيقي مع القيادات العربية فان الإنجليز سوف ينهوننا...".علاقاته مع المنظمات الصهيونية:هل كان آينشتاين صهيونيا؟ لو طرحنا هذا السؤال على القراء والكتاب العرب، الذين لديهم قدر معين من الاهتمام بسيرة حياة هذا العالم الكبير فان أكثر من 95 % سوف يجيبون بنعم!! يشير د. محمد عمر فاروق، وهو أستاذ جامعي أمريكي مسلم من بنغلادش:"كون آينشتاين كان نصيرا للصهيونية السياسية، وكذلك نصير للحركة من أجل تأسيس دولة إسرائيل، وبالتالي نصير لدولة إسرائيل، وبقي كذلك حتى مماته، هي مجرد خرافة. وقد خُلِدَّتْ هذه الخرافة بواسطة الإعلام الصهيوني والمؤيد لإسرائيل ". ويشير الكاتب ان هذا الإعلام وبما يملكه من آلة دعائية جبارة استطاع بالفعل ان ينفذ الى عقول الكثير من القراء، وهذا أمر "مناقض للحقيقة تماما". ويستغرب الكاتب كيف ان الكثير من المسلمين، ومن المسلمين العرب على الخصوص، لا يترددون في قبول تلك الخرافة، إذ يذهب البعض الى اتهام آينشتاين بالعنصرية والصهيونية، مما يجعل المكيدة الصهيونية أكثر قوة وتأثيرا.. ويقول: " باستثناء موقع واحد، من المواقع الالكترونية البنغلاديشية على الانترنيت فانها جميعا تشير الى ان آينشتاين كان عنصري وصهيوني...ما ذكرناه عن علاقته بالدين، وأفكاره المعارضة للتعصب القومي والعنصرية، ومواقفه الداعية الى ضرورة التفاهم بين العرب واليهود تفند هذه الآراء. على العكس تماما؛ كانت مبادئه الأممية في تناقض تام مع التعصب القومي والديني للصهيونية. لنقرأ ما كتبه عام 1929: "عندما عدت الى ألمانيا قبل خمسة عشر عاما اكتشفت لأول مرة بأني يهودي، وأنا مدين بهذا الاكتشاف الى غير اليهود أكثر من اليهود". الحديث كان عن المضايقات التي كان يتعرض لها اليهود في ألمانيا، بعد عودته من سويسرا. ويضيف: كانت الأوضاع السياسية في سويسرا مختلفة تماما عما هي في ألمانيا، خاصة ما يتعلق بالموقف من اليهود. وقد كتب يقول: "طيلة فترة وجودي في سويسرا لم تخطر على بالي يهوديتي، ولم يكن في هذه البلاد شيء يمكن أن يثير مشاعري اليهودية، بحيث يمكن أن يؤدي الى تأجيجها. ولكن تغير كل شيء بعد انتقالي الى برلين، إذ رأيت هناك المحنة التي كان يعاني منها الكثير من الشبان اليهود...". Isaiah Berlin فليسوف بريطاني يهودي كتب الكثير عن آينشتاين، وربما كان الأكثر ذكاء من بين جميع من روج للأسطورة التي تغنت بصهيونية آينشتاين. يدرك برلين ان من غير السهل تفادي مواقف آينشتاين الرافضة للسياسة الصهيونية ومعارضته لتأسيس دولة إسرائيل، ولكن سعى جاهدا لتمييع تلك المواقف وحتى تشويهها. في مقالة نشرت في NewYork Review في كانون أول 1979 أشار الى ان آينشتاين ربط هيبة اسمه الكبير – وفي الواقع منح نفسه – للحركة التي أدت الى قيام دولة اسرائيل..." ويجزم بانه بقي مؤيدا للحركة الصهيونية حتى آخر أيامه. ويواصل اذا كان هناك ممن "يحتقر التعصب القومي والطائفية، ويسعى من أجل العدالة الاجتماعية ويؤمن بالقيم الإنسانية العالمية (وهذا ما فعله آينشتاين بالذات) يريد ان يفهم كيف يمكن له ان يساند عودة اليهود الى فلسطين ويدعم الصهيونية ودولة اسرائيل، بالرغم من النقد والشعور بالحزن، والذي لا يمكن لأي إنسان حساس محترم إلا ان يشعر به، بسبب الأعمال التي تقترف باسم شعبه والتي تبدو له خطأ أو حماقة، ومع ذلك بقي ثابتا على موقفه حتى آخر أيامه، عليه أن يرجع الى كتاباته حول الموضوع". ولا يتوقف برلين عند هذا الحد، بل يحاول أن يجعل من انتقاد آينشتاين للأعمال التي بدت له "خطأ أو حماقة" شهادة اعتزاز وفخر لإسرائيل والحركة الصهيونية:"ذاك آينشتاين الذي لم يسمح بالانحراف عن اللياقة الإنسانية، وخاصة من قبل شعبه، ذاك آينشتاين الذي آمن بهذه الحركة وهذه الدولة، ووقف الى جانبها في الغث والسمين حتى آخر حياته، بالرغم من انتقاده في بعض الأحيان لأشخاص معينين أو لسياسات محددة، ان هذه الحقيقة قد تكون أسمى الشهادات الروحية التي يمكن لأي دولة أو أية حركة في هذا القرن أن تفتخر بها".ان مفكرا مثل برلين يدرك جيدا صعوبة المهمة التي أخذها على عاتقه، وهي الجمع بين المتناقضات: بين موقف رافض من حيث المبدأ للمواقف القومية والعنصرية والتعصب الديني والقومي، الذي لا يمكن أن ينكره على آينشتاين وبين الإدعاء بتأييد الحركة الصهيونية القائمة أساسا على فكرة التمييز الديني والقومي. ولذا تجده قد أحال القراء ممن يهمهم الأمر الى ان يرجعوا الى كتاباته حول الموضوع،، دون أن يكلف نفسه الاستشهاد بمقتبسات موثقة من تلك الكتابات.. قد لا يجد الباحث المتخصص في الموضوع صعوبة بالرجوع الى كتابات آينشتاين حول إقامة دولة اسرائيل وعلاقته بالصهيونية. ولكن لا أظن ان الأمر سيكون بهذه السهولة على جمهرة القراء- وهم الجمهور الرئيسي والمهم الذي يتوجه اليه برلين وزملائه العاملين في مجال الإعلام الصهيوني والإسرائيلي - إذ من السهل في العالم الغربي اليوم ان يكبس على أزرار الكمبيوتر ليجد أمامه عشرات المقالات التي تؤيد بالفعل وجهة نظر برلين، والمدعمة باقتباسات يزعم انها منقولة عن آينشتاين، لكن في غالبيتها غير موثقة على الإطلاق. لا أحد يستطيع ان ينكر بان آينشتاين كان على علاقة جيدة بالكثير من القادة الصهاينة، وذلك منذ العشرينيات من القرن الماضي وحتى وفاته، وقد عبر أكثر من مرة عن تأييده للجهود التي كانت تبذلها المنظمات الصهيونية في سبيل دعم ومساعدة اليهود في أوربا، الذين كانوا يعانون من سياسة معاداة السامية في أكثر من بلد، وخاصة في ألمانيا. وقد بذل الكثير من الجهد من أجل تأسيس الجامعة العبرية في القدس، واستغل سمعته لجمع التبرعات والدعم المعنوي لهذا الغرض. ولكن كل هذا لا يعني على الإطلاق انه كان صهيونيا، أو دعم تأسيس الدولة اليهودية. أبراهام بايس عالم فيزيائي نظري، ومؤرخ للعلوم، يهودي صهيوني، ولد في أمستردام ومن ثم انتقل الى الولايات المتحدة، وعمل لفترة طويلة مع الكثير من علماء الفيزياء المشهورين، وفي مقدمتهم آينشتاين، اوبينهيمر، ديراك وفينمن. وقد منحته علاقاته المتنوعة وطبيعة عمله والمواقع التي شغلها آفاق رحبة استطاع من خلالها كتابة سيرة حياة الكثير من العلماء وعلى أعلى المستويات. ومن بين مؤلفاته في هذا المجال كتابه المعروف "علم وحياة ألبيرت آينشتاين". وقد نشر عام 1977 مقالة موسعة حول علاقاته بالحركة الصهيونية... وقد توقف بالتفصيل عند علاقة آينشتاين بالقضية اليهودية وروابطه مع المنظمات الصهيونية. ويشير بايس الى ان آينشتاين لم يجد أي تعارض مع أفكاره الأممية التي تسمو فوق الأفكار القومية، وبين موقف التضامن مع اليهود في ألمانيا، بسبب تلك المحنة التي كانوا يتعرضون لها، والتي أخذت تشتد مع مطلع العشرينيات من القرن الماضي. لقد كان يرى ان المُثل الأممية يمكن وبشكل مؤقت ان توضع جانبا، أمام ما يتعرض له اليهود، إذ ان الأمر هنا قضية حياة أو موت. فالزبون قد يموت قبل أن يتلقى العلاج. ويضيف بايس ان آينشتاين من الجانب الآخر قد كتب: " كنت دائما أتضايق من الإلحاح الشديد ومواقف التملق والرياء التي كنت ألحظها لدى بعض الأصدقاء من اليهود. هذه الأمور وأشياء أخرى قد أضعفت لدي المشاعر القومية اليهودية...". ويضيف بايس ان المصدر الأساسي الذي كان يعزز هوية آينشتاين – بعد الهوية العلمية – هي اليهودية، والتي كانت تتعزز لديه مع مرور الوقت. ولم يكن لهذا الولاء أي مضمون ديني. في عام 1924 أصبح متبرعا لمنظمة يهودية في برلين، وقد كان ذلك مجرد موقف تضامن لا غير... أما الصهيونية فقد كانت بالنسبة اليه عبارة عن شكل من أشكال النضال من أجل كرامة الإنسان... ولم تكن له أية رابطة مع المنظمة الصهيونية على الإطلاق...". وحول علاقته مع وايزمن، يشير بايس انه أخبره بان هذه العلاقة كانت متأرجحة. علاقة آينشتاين مع أعظم ثوري روحي صهيوني: يعتقد البعض ان بدايات آينشتاين مع الحركة الصيونية، كانت من خلال صديقه، الألماني كورت بلومنفيلد، الذي شغل منصب السكرتير العام للهيئة التنفيذية للمنظمات الصهيونية العالمية خلال الفترة من 1910 الى 1914. وقد وصفه بنغوريون بكونه "أعظم ثوري روحي في الحركة الصهيونية ". أدعى بونمنفيلد بان الفضل يعود اليه في "هداية" آينشتاين الى الصهيونية منذ عام 1920.. وفسرت كلمة "هداية" حسب هوى ورغبات هذا الكاتب أو ذاك. غير ان كتابات آينشتاين المختلفة ومواقفه في الكثير من القضايا، وحتى كتابات بلومنفيلد نفسه اللاحقة تبين أن آينشتاين لم يهتد الى الصهيونية في يوم ما. كان بلومنفيلد قد طلب من آينشتاين أن يصاحب وايزمن في رحلته الى الولايات المتحدة لجمع التبرعات لبناء الجامعة العبرية في القدس. رفض آينشتاين في بداية الأمر، لكنه في النهاية رضخ أمام إلحاح صديقه.. يشير بروغوفسكي، الى ان بلومنفيلد، بمهارته وذكائه ودقة حساباته عرف كيف يقود آينشتاين الى المعسكر الصهيوني. ومنذ تلك اللحظة التي نجح فيها بلومنفيلد في مسعاه، لم تتوقف آلة الدعاية الصهيونية في نشر الأسطورة عن آينشتاين الصهيوني. في رسالة بلومنفيلد الى وايزمن ورد ما يلي:" تعلم ان آينشتاين ليس صهيونيا... وأنا أتوسل اليك أن لا تحاول إقناعه بالانضمام الى منظمتنا. سمعت أنك ستحاول إشراكه بنشاطك من خلال بعض التصريحات. أرجو أن تتوخى الحذر. قد يقدم على التصريح بمواقف غير مقبولة من قبلنا". في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، ومع اتساع حملة معاداة السامية أخذ آينشتاين يساند هجرة اليهود الى فلسطين، ويزداد قناعة بضرورة إقامة وطن لليهود في فلسطين. وقد اعتُبر هذا الموقف، من قبل الكثيرين، بمثابة دعم وتأييد لاقامة دولة اسرائيل. غير ان كتاباته تقول عكس ذلك صراحة.الموقف من التقسيم:في عام 1938 وفي كلمة ألقاها في نيويورك أمام أحد المؤتمرات العمالية اليهودية أعلن: يشير ايداورد سيزكورغان، وهو محامٍ كندي، ان آينشتاين نشر عام 1950 التصريح التالي حول مسألة الصهيونية. وقد قال هذه الكلمات أمام لجنة العمل القومية لأجل فلسطين، في نيويورك عام 1938، ولكن أعاد نشرها بعد إنشاء إسرائيل:"إنني أفضل اتفاقا منطقيا مع العرب على أساس العيش المشترك في سلام عوضا عن خلق دولة فلسطينية. فإذا وضعنا جانبا الاعتبارات العملية، فان فهمي للطبيعة الجوهرية لليهودية يدفعني لمقاومة فكرة دولة يهودية بحدود وجيش وقوة دنيوية مهما كانت معتدلة. إني أخشى من خلل داخلي يصيب اليهودية وخاصة من جراء تطور قومية ضيقة الأفق ضمن صفوفنا، كان ينبغي علينا محاربتها مسبقا بدون دولة يهودية". تـُرى ما الذي سوف يقوله آينشتاين وهو يرى ويسمع كيف يتسابق اليوم قادة الدول الديمقراطية على جانبي المحيط الأطلسي من أجل مباركة قيام دولة اسرائيل اليهودية؟ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإصرار المنظمات الصهيونية، ومن وراءها أمريكا وبريطانيا، على المضي قدما في مشروع تقسيم فلسطين شكلت لجنة التحقيق الأنكلو – أمريكية للنظر في مشروع التقسيم. وقامت اللجنة بزيارة العديد من الدول، ومن بينها بعض الدول العربية، ومنها العراق. وقد دعا الحزب الشيوعي العراقي، وعدد من الأحزاب الشيوعية العربية الى مقاطعة هذه اللجنة المشبوهة، والتي كان هدفها الحقيقي هو تهيئة الرأي العام العالمي من أجل القبول بتقسيم فلسطين وإقامة دولة اسرائيل. في كانون ثاني من عام 1946 مثل آينشتاين أمام اللجنة. وحول سؤال ان كان توطين اللاجئين اليهود في فلسطين يستدعي قيام دولة يهودية، أجاب: " لقد كنت ضدها على الدوام...". وينقل لنا اداورد سيزكورغان (كاتب ومحام كندي) مقطع من شهادة آينشتاين أمام رئيس اللجنة القاضي الأمريكي (هوتشيسون):- القاضي: قال الصهيونيون أمام لجنتنا أن القلب الغاضب لكل يهودي لن يهدأ حتى تكون هناك دولة يهودية في فلسطين. ويتم التأكيد على وجوب أن يكونوا أكثرية بالنسبة للعرب. وقيل لنا من قبل ممثلي العرب بأن العرب لن يسمحوا بهذا الوضع، أي لن يسمحوا أن يتحولوا من أكثرية إلى أقلية.- اينشتاين: نعم.- القاضي: لقد سألت أولئك الأشخاص العديدين إن كان من الأساسي لحقوق وامتيازات اليهود أن يذهبوا لفلسطين، إذا كان من الأساسي للصهيونية الحقيقية أن يتبلور هذا المشروع وبهذا يكون لليهود دولة يهودية وأكثرية يهودية دون اعتبار لرأي العرب. هل تتفق مع وجهة النظر هذه، أو تعتقد بإمكانية معالجة الموضوع وفقا لأسس أخرى؟- اينشتاين: بالتأكيد نعم، فكرة الدولة لا تنسجم مع قلبي. ولا أستطيع فهم الحاجة لها، إنها مرتبطة بالكثير من المصاعب وضيق الأفق، أعتقد أنها سيئة.- القاضي: أليس من المفارقة التاريخية التأكيد على خلق دول يهودية؟- اينشتاين: برأي نعم، أنا ضدها. يشير فريد جيرم في كتابه "ملف آينشتاين" الى انه كان يصر دائما على ضرورة التفاهم والتعاون مع العرب. لقد كان يؤيد التوجهات الثقافية للصهيونية، ولكنه كان في تعارض مع الصهيونية السياسية. في عام 1930 كانت السياسة الصهيونية تدعو الى إقامة دولة يهودية في فلسطين. في حين دعا الى تنظيم سلطة مشتركة من العرب واليهود... ويكشف جيرم في كتابه القيم عن "مختارات من رسائل ومقالات آينشتاين" نشرت قبل سنوات من قبل دائرة "أرشيف آينشتاين" التابعة للجامعة العبرية في القدس، تؤكد بكل وضوح على انه بقي متمسكا بوجهة نظره بشأن الخلاف العربي اليهودي في فلسطين، وبقي مصرا على حل هذا الخلاف على أساس من التفاهم والتوافق المشترك. وكتب Ze,ev Rosenkranz المشرف على الأرشيف في الجامعة العبرية ان آينشتاين بقي وحتى صيف 1947 متمسكا بقوة بفكرة قيام دولة واحدة للعرب واليهود، دولة ثنائية القومية. كتاب العالم اليهودي د. الفريد ليلينتال: "الرابطة الصهيونية: ما هو ثمن السلم؟"، وهو كتاب ضخم موثق، يتألف من 850 صفحة، تناول فيه المؤلف الكثير من المعلومات التي ترتبط بقضايا مهمة جدا، تتعلق بالإعلام المعاصر، الشرق الأوسط، الإدارات الأمريكية المتعاقبة وسياساتها، وغير ذلك من الأمور...من بين المواضيع المهمة التي أثارها ليلينتال هي استغلال الحركة الصهيونية اسم العالم الكبير. في اليوم الثاني لوفات آينشتاين خرجت مجلة التايمس بمقالة تأبينية، تم بموجبها نسبه الى دولة اسرائيل، "الذي كان من الداعمين لتأسيسها". ويواصل المؤلف: "ان عملية الخطف تلك شكلت بالنسبة لإسرائيل، ضربة معلم، فوق استثنائية، لم يسبق لأي مجموعة سياسية أن سددتها في أي مكان. ولكن بمساعدة مجلة التايمس، ذات النفوذ اللامحدود يصبح كل شيء ممكنا. كان عالم الرياضيات العظيم قد عارض بشدة تأسيس دولة اسرائيل، لكن الأسطورة على عكس ذلك، وقد صرّحت بشكل واسع عبر وسائل الإعلام؛ وقد تم تكرارها مرة أخرى بعد مرور 16 عاماً ". في آذار من عام 1972 نشرت نيويورك تايمس سلسلة من المقالات التي زعمت انها وصايا آينشتاين وردت ضمن مجموعة مسوداته ورسائله. ومن بين ما نشر صورة لعالم الفيزياء وبجانبه رئيس وزراء اسرائيل، بنغوريون مع عنوان يقول "أوراق آينشتاين تروي جهوده من أجل تأسيس دولة اسرائيل". وتضمن النص بالطبع حديث عن الجهود الكبيرة التي بذلها من أجل إقامة الدولة القومية لليهود، وحزنه الشديد بسبب اعتذاره عن قبول منصب الرئيس بعد وفاة وايزمن. يعيد الكاتب تأكيده على ان الموقف الحقيقي لاينشتاين مناقض تماما لرواية المجلة، ويشير الى ان أهمية معرفة الموقف الحقيقي لآينشتاين لا تكمن فقط في تصحيح معلومات المجلة وتقويم الأخطاء الصحفية فحسب، بل تساعد أيضا في مواصلة المساعي من أجل إقامة السلام العادل في الشرق الأوسط. ويعيد رواية موقف آينشتاين من إقامة الدولة اليهودية الذي عبر عنه في عام 1946، أمام لجنة التحقيق الأنجلو- أمريكية، والذي أعلن فيه عدم تأييده للتقسيم وعدم الحاجة الى إقامة الدولة اليهودية، وانه كان "ضدها على الدوام". ويروي الكاتب كيف ان إحدى المجلات نشرت في عام 1952 رسالة الى "طفل من فلسطين" موقعة باسم آينشتاين، فقرر السفر الى مدينة بريستون لمقابلة آينشتاين والتأكد من موقفه الحقيقي. يقول ليلينتال:"عندها أخبرني آينشتاين بانه لم يكن صهيونياً قط، ولم يؤيد إقامة دولة اسرائيل على الإطلاق". وينقل لينينتال عن د. فيليب فرانك، وهو عالم وصديق مقرب من آينشتاين، ومؤرخ سيرة حياته، انه قال: "نقطة ضعف البروفيسور هي "طيبة قلبه". لذلك تردد كثيرا في توبيخ الصهاينة بسبب تلاعبهم المتكرر بوجهات نظره، وتوظيفهم لأسمه بدون الحصول على موافقة مسبقة، وذلك من أجل تعزيز هيبتهم، وحشو صهيونيتهم السياسية من أجل إرباك الصحافة الأمريكية". ويستعرض الكاتب عدداً من المواقف والتصريحات، التي تثبت بشكل حاسم ان آينشتاين قد عارض إقامة دولة اسرائيل، وانه ركز على أهمية البحث عن السلام الدائم بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين (سبق أن توقفنا عند الكثير من هذه التصريحات). ويؤكد على انه منذ البداية كان مع الفكرة التي تبناها عدد من المفكرين والمثقفين اليساريين اليهود، والداعية الى إقامة دولة ثنائية القومية، دولة عربية يهودية واحدة. وكان من أشهر من أيد هذا الموقف رئيس الجامعة العبرية في القدس j. Magnes وقد كتب آينشتاين الى التايمس شارحا موقف هؤلاء اليساريين: " الى جانب كونهم (ماغنيس وزملاؤه) يتحدثون باسم دائرة أوسع، من الناس الذين لا يستطيعون التعبير عن آرائهم، فانهم يتحدثون باسم المبادئ التي تشكل أبرز ما قدمه الشعب اليهودي للإنسانية".ويستخلص ليلينتال من كل هذا: "من الصعب جدا أن ينسجم مثل هذا التصريح مع ادعاءات التايمس بشأن دعم آينشتاين لتأسيس الدولة الصهيونية". من بين المقالات الأخيرة المميزة، التي تناولت موقف آينشتاين من دولة إسرائيل مقالة د. روبرت بارسكي "Inside Albert Einsteins zionist Brain". وقد تناول فيها تأثير مواقف وآراء آينشتاين على يهود أمريكا وعلى المنظمات الصهيونية في هذه البلاد، وخاصة مواقفه الصلبة بشأن التعاون بين العرب واليهود في فلسطين، وإصراره المستمر على التعايش السلمي بين الجانبين ودعوته لقيام دولة ثنائية القومية من اليهود والعرب. ويشير بارسكي الى ان الكثير من اليهود في أمريكا كانوا يعدون آراءه بمثابة المرشد والدليل في القضايا غير العلمية. وقد كانت على الخصوص علاقة متينة بين آينشتاين والمنظمة الصهيونية الصغيرة، التي كانت تحمل اسم "المشعل – Avukah ". ومن بين الشخصيات المهمة في تلك المرحلة هو الأستاذ زيليخ هاريس، وكان على علاقة مهنية وعلمية وسياسية متينة، مع آينشتاين، وهو أستاذ نعوم شومسكي، المفكر الأمريكي اليهودي المعروف بمواقفه المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني. كان هاريس ومنظمة "المشعل" مع إقامة دولة ثنائية القومية. وفي داخل فلسطين كانت هناك بعض الأحزاب الصغيرة التي كانت تؤيد هذا الموقف، وفي مقدمتها حزب هاشومر هاتزر العمالي في القدس. يشير بارسكي كيف ان مشروع التقسيم المقترح من قبل بريطانيا وأمريكا، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أخذ يحتل مركز الصدارة، ليس فقط في الأوساط الصهيونية، بل وفي الرأي العام العالمي. ويضيف:"لقد كان ذلك الموقف بمثابة الضربة القاضية بالنسبة للقوى التي بقيت تناضل ضد التقسيم حتى شهر أيار


http://i61.tinypic.com/2lid2bp.jpg

بالتوفيق للجميع

موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://i61.tinypic.com/fem9w0.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

وظائف اليوم
05-31-2015, 05:59 PM
مقال فلسفي : آينشتاين والدولة اليهودية