المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البعد التركيبي للنمذجة النسقية الجزء 1



مناظرات الوظيفة العمومية
05-29-2014, 02:38 PM
البعد التركيبي للنمذجة النسقية الجزء 1



منتدى الفلسفة منتدى الباكالوريا - فلسفيات الباكالوريا آداب وشعب علمية بكالوريا علوم - باكالوريا آداب - منهجية تحليل النص بكالوريا آداب (http://www.jobs4ar.com/jobs/forumdisplay.php?f=16)



البعد التركيبي للنمذجة النسقية


يبدو أن النمذجة النسقية كممارسة علمية تتقدم كحل لمجموعة من الصعوبات التي اعترضت العلماء في تفسيرهم للظواهر، صعوبات تتعلق بأزمة أسس الرياضيات، أزمة الحتمية في الفيزياء، فهذه الصعوبات أدّت إلى انهيار اليقين العلمي وتفكيك العقل العلمي، بالإضافة إلى الوعي بالطابع المركب للظواهر والذي رافق ظهور علوم جديدة، علوم تطبيقية كالسيبارنيتيقا وعلوم الهندسة والإعلامية، كلّ هذه العوامل أدت إلى ظهور النمذجة باعتبارها الحلّ لاستعادة ضرب من الثقة في العلم الذي برهن على قصوره على تناول الظواهر اللامتناهية في التركيب وفق البراديغم الكلاسيكي الوضعي الذي تمثل في النمذجة التحليلية.
و النمذجة النسقية كحلّ لدراسة اللامتناهي في التركيب تتقدم هي ذاتها كمنهج مركب، منهج فيه أبعاد مختلفة وكل بعد يتضمن عناصر مختلفة وعموما تقوم النمذجة على الدراسة النسقية للتوافق بين أبعاد ثلاثة :
- البعد التركيبي: يشمل كل ما يتعلق بالعناصر الأولية كالأرقام والرموز وقواعد تنظيم هذه الرموز في علاقات بالإضافة إلى الصيغ والقضايا.
- البعد الدلالي: يشمل كل مضامين القواعد وما يعطي معنى للنسق وبالتالي مختلف التأويلات.
- البعد التداولي: يتحرّك ضمن مسار إدماجي للمعرفة والممارسة ويتعلق بالتعديلات التي تجرى على النسق ووظائف النماذج المختلفة بالإضافة إلى التمثيلات التي ينتجها النموذج.
ويجب أن نلاحظ أن هذا الفصل بين هذه الأبعاد الثلاث ليس إلا فصلا إجرائيا يرتبط بديدكتيك التعليم، ذلك أن هذه الأبعاد الثلاثة تتداخل في ما بينها وتمثل بنية على المنظّم أن يأخذها في كلّيتها بما هي تعبير على نموذج واحد يتحدد هو ذاته كبنية.
ومن هذا المنطلق يحدد "بياجي" J.Piaget البنية باعتبارها الشكل المُلاحَظ والقابل للتحليل الذي تتخذه عناصر موضوع مادي، فهي الطريقة التي يتقدم وفقها مجموع محسوس في الفضاء. يتعلق الأمر إذن بالأجزاء وتنظيم هذه الأجزاء، فالبنية هي كلّ يتكون من عناصر ومن شبكة علائقية بين هذه العناصر تتعلق بالتكوّن أو البناء و السياق و تموضع العناصر وشكلها. لذلك ينسب "بياجي" للبنية ثلاث خصائص، الخاصية الأولى تتعلق بالكلية من جهة كون البنية كلّ، و الخاصية الثانية تتمثل في التحول من جهة كون البنية لها طابع ديناميكي، والخاصية الثالثة هي الانتظام الذاتي من جهة كون البنية تشتغل بطريقة مستقلة عن المنظر. وهذا يعني أن المنظر لا يتدخل فعليا في البنية. و لكن رغم كون البنية مستقلة على عمل المنظر فإنها تساعده على الصورنة كلحظة أساسية في انتاج النموذج. ذلك أن الصورنة هي العملية المعرفية التي تحوّل بمقتضاها فعل أيّ نسق عيني إلى صورة أي نسق مجرّد والعملية المعاكسة أي التحوّل من النسق المجرّد إلى النسق العيني تتمثل في التأويل.
ويلاحظ "لادريار" J.Ladriere أن الأنساق العينية والأنساق المجرّدة تمثل نظما رمزية بما هي اصطناع عقلاني يشتمل على أشكال يمكن أن تـُستخدم في صياغة تمثلات لأيّ وسطٍ يسعى نظام الرموز إلى التلاؤم معه، إذ يسمح له بنمذجة هذا الوسط وعقلنته. والصورية هي نظام رمزي من القواعد التي تمكّن من التحول من التجارب إلى المعارف، وهو ما يعني أن الصورية هي كل نظام علامات ناتج عن الصورنة. لكن لا يجب أن نفهم من ذلك اختزال الصورنة في الترييض وبالتالي اختزال الصورية في الأنساق المنطقية الصورية، ذلك أن الصورنة تحضر بشكل متفاوت في النمذجة إذ يمكن أن تتخذ شكلا أكسيوميا صرفا إذا كان الموضوع المنمذج قابل للمقاربة الكمية الصرفة، كما يمكن أن تتخذ شكلا شبه أكسيومي إذا كان الموضوع لا يخلو من أبعاد كيفية نوعية. خاصة و أن الترييض في النمذجة التحليلية يحضر بشكلين مختلفين، إمّا في شكل استخدام الرياضيات كأداة من خارج العلم لصياغة القوانين وإما باستخدام المنهج الرياضي ذاته أي المنهج الفرضي الاستنتاجي، و هو ما يعني أن العلم الحديث هو ابن الرياضيات كما بين ذلك هنري برقسون H.Bergson و أيضا ألكسندر الكويري A.Koyré عندما حلل الثورة العلمية الحديثة وأعلن أن ولادة العلم الحديث حصلت عبر القطع مع التفسير النوعي الأرسطي و تعويضه بتفسير كمي، أي أن النشاط العلمي يتمثل في مجهود تعويض المعرفة النوعية بالحواس و الإحساس بمعرفة كمية قابلة للقياس. و إذا كان الوصف النوعي يكتفي بوصف المظهر الفيزيائي، بحيث يكتفي مثلا بوصف المنحي فإن الوصف الكمّي يحلّل المعادلة الرياضية التي تدبّر المنحى، ذلك أن النوعية تشير إلى ما لا نستطيع التعبير عنه بلغة كمية ولا حتى بعلاقات عقلية محدّدة، فالظاهرة النوعية ترتبط بالمظاهر الحسية للإدراك التي لا تتعلق بتحديدات ميكانيكية وهندسية و إنما تدرك بحدس شامل و على شأن ذلك بالذات أقصاها العلم من دائرة اهتمامه.
ويبدو أن إقصاء الجانب النوعي من العلم ضيق مجال المعرفة العلمية و مثل أحد الصعوبات التي أظهرت نقائص العلم الحديث أو ما يسمّيه "لوموانيو" بالنمذجة التحليلية، وهذا يعني أن مزية النمذجة النسقية تتمثل في تجاوز التضييق الكبير لمجال امتداد العلم باسم الترييض والتكميم كشرط ضروري للمعرفة العلمية ويكون ذلك عبر توسيع دائرة العلم لتشمل مالا يمكن الحديث عنه في لغة كمية رياضية صرفة. لذلك فإن الصورنة رغم كونها لا تـُختزل في الترييض تقتضي أوّلا الصرامة العقلية التي لا يجب فهمها مثلما بين ذلك "هيربارت سيمون" H.Simon باعتبارها مشابها للنموذج الذي يستعمل الرياضيات التقليدية في النمذجة التحليلية، فالصّرامة تُؤخذ هنا على انتساب التمشي الفكري لنسق أوّليات لذلك فإن الهدف الأساسي لكلّ صورنة يجب أن يكون إبانة الأوّليات أو القواعد المتواضع عليها والتي تقود كلّ عملية نمذجة، والصرامة العقلية كشرط للصورنة تجنّب النمذجة النسقية ظنّة الإبستيمولوجيا الوضعية.
كما تقتضي الصورنة خاصية إمكان الصنع إذ يجب أن تكون عملية قابلة للتحقيق واقعيا وكونيا، وبهذا المعنى فإن النمذجة النسقية تمكننا من صورنة ما كان غير قابل للصورنة في النمذجة التحليلية وذلك في شكل توثيقي لمعارف رمزية تتعلق بتجارب مدركة أو قابلة للإدراك بإنتاج علاقات عقلية محدّدة من قبل فاعل منمذج لفعله الخاص. وهذا النوع من التمثل للظواهر لا يدّعي أنه يقدّم الوصف التام للظاهرة المدروسة إذ أنه تمثل اصطناعي وتليلوجي Téliologique، بما أن هذا البعد الغائي يمكّن من اكتشاف حلول في المدى القريب ولكن خاصة في المدى البعيد، و تمثل مركب ومع ذلك قابل للتعقل مما يعني أن التمثل الذي تقدمه النمذجة النسقية لا يدّعي فصل الصورنة على التأويل، ذلك أن النموذج ينشأ بفعل عملية تبسيط متعمّد، وهو تبسيط لأنه يختار بعض مظاهر الواقع المدروس ويهمل أخرى، ومتعمّد لأن المنمذج يعلم مسبقا أن النموذج الذي ينتجه لا يدّعي مطابقة الواقع المدروس في كلّ الظروف وفي كلّ جوانبه، إذ لا يجب أن ننسى أن النموذج هو قبل كل شيء إنشاء فكري فالنموذج هو نظام علامات ليّن يمكّن من اعتبار أغلب الادراكات التي بحوزتنا عندما نريد وصف ظاهرة ملاحظة أو متخيلة بُغية تأويلها ذهنيا. ومن هذا المنطلق فإن النمذجة تفتح مجالات واسعة أمام البحوث العلمية دون أن تلزم التمثل بلغة مغلقة إذ يمكن التعبير عن النموذج كتمثل لظاهرة ما في لغة خطابية أدبية أو في تصاميم أو في رسوم بيانية بالإضافة إلى اللغة الرياضية ومن هذا المنطلق يمكن أن نميّز بين نوعين من النماذج:
- نماذج مادية: تترجم نسقا معينا من الظواهر العينية التي يغلب عليها الطابع النوعي بما أنّ بعض الخصائص المادية كالأشكال والألوان والروائح... يصعب التعبير عنها في صورة مجرّدة.
- نماذج رمزية: تترجم النسق في لغة مجرّدةن ويجب أن نلاحظ أن هناك أيضا بعض الخصائص المجرّدة التي يصعب تجسيدها في مقابل مادي يماثلها.
ولكن هذا التصنيف لا يعني القطيعة بين نوعيْ النماذج إذ يجري المرور تدريجيا من النموذج الرمزي إلى التصميم ومن التصميم إلى النموذج الرمزي فكلّ نموذج رمزي يحافظ على سند مادّي، وكل تصميم لا يخلو من قدر من التجريد برغم غياب التوافق الكلي بين النموذج المادي والنموذج الرمزي بما أنّ بعض الخصائص المادية يصعب التعبير عنها في أشكال مجرّدة وبعض الخصائص المجرّد يصعب تجسيدها في مقابل مادي يماثلها مثلما أسلفنا الذكر. والمرور من المادي إلى الرمزي أو إن شأنا من المحسوس إلى المعقول ومن الرمزي إلى المادي، أو من المعقول إلى المحسوس هو ما يعبّر عنه "سيمون" بقوله: "لقد نقلت الحواسيب نـُظـُمَ الرموز من الجنة الأفلاطونية للمثُل إلى عالم خبري للسيرورات الواقعية المتحققة عن طريق آلات و عن طريق هذه الأدمغة أو بالاثنين يعملان معا"، ذلك أن الذكاء الاصطناعي يمثل آلية تسهل على المنمذج المرور من الصورية المجرّدة للتمثل الذهني إلى تحسيس و تلميس هذا التمثل افتراضيا بواسطة الحاسوب الذي يسمح بإيجاد مقابل مادي يماثل الخصائص المجرّدة التي يصعب تجسيدها في الواقع الفعلي.
وهكذا فإن إنتاج النماذج يتقدم في شكل اكسيومي أو شبه اكسيومي بحسب درجة الصورنة، و هذا يعني أن الأكسيومية، كضرب من العرض للعلوم الصحيحة مبني على قضايا افتراضية يسلّم بها تسليما دون برهان وهي القضايا التي تُسمّى الأوّليات التي تكون مصاغة بدقة وتؤدي إلى استدلالات صارمة، هي إذن ما يمكن الصورنة من تحقيق شرط الصرامة الذي تقتضيه، ذلك أنّ الأكسيومية تبدأ بجرد كامل الأوليات أي كلّ القضايا التي نسلّم بها دون برهان، واكتشاف هندسات لاإقليدية في القرن 19 يبين لنا خاصية التجريد والاعتباط للأكسيومية كما بين لنا أن هناك رابط هام بين الأكسمة والصورنة، فالأكسمة تمكن المنمذج من بناء أنساق متكاملة من المفاهيم والعلاقات مما جعل "باشلار"يعتبر أن القطيعة الابستيمولوجية بين التجربة المحضة والأكسمة تمرّ عبر لعبة صورية.
والنمذجة كممارسة علمية موحّدة للنشاط العلمي بما تسمح به من تعاون بين مختلف الاختصاصات العلمية وباستخدامها للعلوم الإعلامية مكنت العلم من إطار جديد للتجريب الافتراضي Experimentation Virtuelle كما مكنته من استخدام لغة اصطناعية مفتوحة تخضع عناصرها للظواهر المنطقية في بناء أكسيومي أو شبه أكسيومي بحسب درجة حضور الرياضيات ذلك أن طبيعة اللغة المستعملة هي التي تحدّد درجة الصورنة.
وهكذا يمكن القول أن مقاربة البعد التركيبي للنمذجة توضّح لنا الشروط الابستيمولوجية لتأويج فعالية النموذج وتأويج امكانية اشتغاله وبالتالي تمكننا من التحكم في المصاريف وتأمين مقاربة الظاهرة المدروسة وهذه الشروط يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
• التماسك Consistance: بمعنى أن يكون النموذج خال من كلّ تناقض وهو شرط تجعله الأكسمة ممكنا.
• التمامُ Complétude: بمعنى أن لا يتضمّن النموذج قضايا لا تقبل البرهنة أو الدحض.
• الثبات : بمعنى أن تكون قضاياه ملائمة لكل المتغيرات الممكنة.
• الاشباع Saturation: بمعنى أن لا يحتاج النموذج إلى استخدام مصادرات إضافية من خارج النسق.
• القطعية Décidabilité: بمعنى تضمّن النموذج لإجراءات تسمح بالحكم على قضية ما بكونها صحيحة أو خاطئة.
• الاستقلالية Indépendance: بمعنى ألاّ يتضمّن النموذج أوّلية يمكن استنباطها من بقية الأوّليات.
لكن إذا كانت النمذجة تهدف أساس من جهة طابعها التليلوجي إلى اصطناع استراتيجيا للفعل، وإذا كان النموذج ليس تركيبا لأشياء ثابتة وإنما هو تركيب تمثلات فعل تمكن من تقييم نوايا الفعل الممكنة وبالتالي تحديد قواعد الفعل فماذا يمكن أن نقول عن علاقة هذا النموذج المبتكر بالواقع؟ هل يمكن أن نتحدّث عن الواقع بطريقة موضوعية؟ و هل تسمح لنا النمذجة النسقية بالقبضة على الواقع؟



http://i59.tinypic.com/htiaux.jpg

بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://img805.imageshack.us/img805/5921/jobsfacebook.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

وظائف اليوم
06-03-2015, 03:01 PM
البعد التركيبي للنمذجة النسقية الجزء 1