المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فردريك نيتشه : بين الايمان والالحاد - منتدى الفلسفة



منحة دراسية الماجستير
05-20-2014, 02:13 PM
فردريك نيتشه : بين الايمان والالحاد - منتدى الفلسفة



منتدى الفلسفة:- فردريك نيتشه : بين الايمان والالحاد - منتدى الفلسفة
لم يكن الوهم الذي عشش في راس نيتشه كالوهم الذي يتملك عقول المجانين ... حقا ان مسحة الاعجاب التي ابداها في نفسه عندما قال عنها ما قال وهو يمتدح اسلوب كتابته وفرادة افكاره والحكمة الطافحة التي تفيض بها بحور علمه وان التاريخ الفكري سيشهد انعطافة حادة في النقطة التي ظهر هو فيها ، وسيقسم تاريخ الفكر الى مرحلتين احداهما تلك التي سبقت ظهوره اما الثانية فهي التي بدات منذ ان اشعت شمس افكاره لتنير للانسانية ظلمة دنياها وتهديها الى طريق النجاح والنجاة ، قد كان فيها شيء من المبالغة كبير وخصوصا حينما ذهب به الزهو الى وصف احد كتبه بانه اعظم كتاب ظهر في العالم ، وان الفكرالذي جاء به هو اعلى من المستوى الفكري الشائع ذلك الوقت ولن يفهم الناس افكاره الا بعد مرور مائة عام اخرى .
وصحيح ان من الاحتمالات الممكنة ان تكون هذه الاندفاعات (( المبالغة )) مظاهر اختلال طارئ على كيمياء دماغه والسبب الذي انهى حياته الفكرية واطفا جذوة الابداع ومخايل العبقرية في راسه فعاش بعدها سنينا طويلة غارقا في بحر لجي من الجنون .. وربما بعث هذا الاختلال برسائله فطرقت ابواب وعي نيتشه في شكل خفي كما تطرق الاحساسات الخفيفة الصادرة من الاعضاء المعتلة في جسم الانسان ابواب وعي صاحبها فتبدوا له على هيئة احلام سماها فرويد بال (( تنبؤية )) يرى فيها ((على سبيل المثال))ان عملية جراحية تجرى له في احد اعضاءه وهو لا يدري انها رسائل استغاثة بعثها عضوه المعتل ذاك ، لكنها من الخفة التي لم تحرك ملكة الانتباه فيه ، وان الصورة التي بدت فيها عند نيتشه كانت في ادراكه للواقعة الطبية الصحيحة التي عبر عنها بقوله (( ان قطرة من الدم تزيد او تنقص في المخ قد تسبب لحياتنا من الشقاء والالم ما يجعلنا نقاسي اكثر مما قاسى بروميثيوس في عقابه ...)) ..قد يكون كل هذا صحيحا لكنه لا ينفي ان نيتشه كان (( واحدا من اعظم الشخصيات المصيرية في التاريخ الروحي للغرب )) وفيلسوف له من التاثير العميق والواسع ما نلمسه في كثير من النظريات النفسية والاجتماعية والمدارس الفلسفية والسياسية وقد قيل عنه (( رجل اقدار يرغمنا على اتخاذ قرارات نهائية )) حينما دعى الى رفض كل ماهو(( مقدس ))و((خير)) و((حق )) في حياتنا والعودة بالفكر الى بداياته الاولى واخضاع نشاطات العقل وما ولده من اعتقادات واخلاق وافكار الى تحليل جديد ووزنها بميزان غير الذي كنا نزن فيه ونستند اليه ..وعلى الرغم من مبالغاته التي ذكرت فقد شهدوا له ((بان سناء الفلسفة الاوربية قد صفا وراق جوها بعد ان كتب فيها نيتشه )) وشهدوا له ببراعته الفائقة في كتابة النثر الالماني وتميز اسلوبه في الكتابه حينما خلط المداد بالروح وكتب بقلم كانه مطرقة .
راى بعضهم ان نيتشه ((صاحب قلب مؤمن وان كان عقله كافرا )) وقالوا ان الاله الذي قال عنه(( قد مات)) لم يعني به الله (( تعالى الله عما يصفون )) بل اله الناس الذي رسموه بايديهم وعبدوه بما يتماشى مع الموازين الخاطئة التي عندهم ، وراى اخرون ان نيتشه ملحد القلب والعقل ،و من يعتقد ان له اساسا متينا من الروح الدينية المؤمنة فهو مخطئ، واذا كان له عمر قضاه في رعاية ابوين متدينين واب قسيس حريص على نشر التعليم والتربية الدينية الملتزمة ، فان ما خلفة من اثار في قلب نيتشه كان سلبيا تماما وقد ولد فيه ردة فعل عنيفة لدرجة انفجر فيها غيضه وانطلق لسانه فقال الذي لم يجرؤ على قوله احد من الذين امتلات قلوبهم الحادا وكفرا .
ولنيتشه اهتمام كبير في اوساطنا الفكرية وبشكل اخص عند الشرائح المنفتحة على مدارس الفكر الغربي الحديث ، ولهم اعجاب وتقدير بالثورة التي اعلنها على الاصنام المصنوعة من الوهم ودعوته الى رفض الموروث الثقافي كله ، الموروث المبني على فكرة الثبات والمركزية ((الواقعة خارج الانسان او داخله )) بالشكل الذي يجعل من المكونات المادية للوجود ((الفيزيائي)) والانساق الفكرية والاجتماعية التي ينتظم فيها الانسان ، كيانا متوحدا ومتماسكا يدور حول مركز يضفي عليها صفات الدوام والثبات ، ومثلما ابدى نيتشه انكاره للموروث وتهكمه من القناعات التي امن بها الناس ابدى مثقفونا و مفكرونا انكارهم لموروثنا الفكري وتهكموا من القناعات السائدة عندنا ، اذ الشبه كبير بين حالينا ، حال اوربا ايام نيتشه وحالنا الذي نحن عليه في يومنا هذا ،وكما انكر نيتشه الاله ونبذ الدين فعل اصحابنا مثله ، وان من يتصفح مواقع الانترنيت على اطلاع وبينه من الكم الهائل من المواضيع المدبجة باقلام هذه الشريحة المثقفة ، تعلن الانكار وتثير الشكوك وتظهر التهكم بكل مكونات ثقافتنا الموروثة بما فيها نصوص كتاب الله ((تعالى)) وسيرة نبيه ((صلى الله عليه وسلم ))، انهم يثيرون التساؤلات ويعرضون النصوص بما يعجز عن رده المؤمنون .
وهذا لا يعني ان الحقيقة هي في الجانب الذي وقفت على صعيده هذه الطبقة من ابناء امتنا ، فان ممن يقف في الجانب الاخر ، اناس امنوا بالله واقروا شريعته.والتزموا احكام الدين في حياتهم لكنهم في ذات الوقت ينظرون الى العالم نظرة لاتنكر التقدم ولا تنفي التطور في مفهومه الصحيح ،ولهم اطلاع ومعرفة بمدارس الفكر الغربي في وضوح اكبرومعرفة ادق، وان منهم من امتهن العلم ومارس تدريسه في بلاد الغرب . ومنهم علماء ابدعوا في مجالات علمهم ومنهم اصحاب اعمال حققوا نجاحات وجمعوا ثروات وفي صدورهم قلوب يملؤها الايمان ومحبة الخير .
فعلى كلا جانبي الطريق يقف اناس تفتخر الانسانية بنتاجاتهم وتبعث في نفوس الاخرين الاعجاب بذكاءهم وعلو همتهم .. ولن ينفي هذا تلك الاستثناءات التي يحلو ذكرها عند من عزم على رمي المقابل بسهام نقده .
ولا ادري ان كان لي مسوغ للكتابة عن نيتشه فاقول فيه اقوالا قد قالها الاخرون اذ لم يترك مثقفونا شيئا الا ومروا به وقالوا فيه قولتهم ، ولم يدع اساتذتنا ممتهنو الفلسفة وكتابها جانبا دون اضاءة فاناروا لنا المظلم وكشفوا المبهم وابدعوا لنا فكرا وادبا يلزمنا بالسكوت تادبا وبالاصغاء اليهم تعلما منهم ، لكن عذري ان ممن كتبوا اناس امتلات رؤوسهم بالافكار وفاضت، وصار حالهم كحال النحلة التي اثقلها العسل الذي تحمله ، او كحال الشجرة التي نضجت ثمارها ولم يعد لها الاان تسقطه، وهؤلاء هم صناع الحضارة والعجلات التي تتدحرج عليها عربة التطور .
وان ممن كتبوا اناس جعلوا من الكتابة وسيلة للاستزادة والتعلم بما ينتشلهم من هوة الجهل التي هم فيها وانا واحد منهم .

العبقرية بين الاضطراب الانفعالي والجنون المطبق
من الصفات التي يمتاز بها العبقري وتبدو في سلوكه بوضوح ، رفضه للمالوف وحبه الشديد للتغيير وسعيه الحثيث نحو التفرد والابتكارو المعاناة والتوتر النفسي الشديدين المفضيين الى الجنون عند الكثير من الاشخاص الحائزين على درجات مرتفعة في مستويات الذكاء والمقدرة العالية على الابداع ، وهو يرى العالم بشكل غير الشكل الذي في عيون الباقين ويتعامل مع مايدور حوله ويعالج مشاكله بصورة قد تبدو شاذة ومستنكرة وقد تبعث في نفوس مشاهديه مشاعر الاسى والعطف المبنية على الاعتقاد في كونه من المتخلفين في عقولهم والعاجزين عن ادارة شؤونهم والفاشلين في اقامة العلاقات الاجتماعية مع اقرانهم ..ويذكر لنا كتابنا ، المختصون ان فكرة الربط بين الاعراض النفسية المنحرفة والخلل العقلي عند الناس بشكل عام ليست وليدة ايامنا هذه بل لها جذور عميقة واغوار بعيدة في تاريخنا الاجتماعي وبالتاكيد انها سابقة على العهد الذي نبغ فيه فلاسفة اليونان لكنها مع ذلك اصبحت في فكر افلاطون ومن بعده ارسطو من المظاهر الموضوعة على مسطبة التشريح الفلسفي ومبضع الفيلسوف الحاذق في صنعته (( لقد ركز افلاطون على ظاهرة الانفعال والغضب الواضحة لدى هذه الشريحة من الناس وكيف انهم يخرجون بسهولة عن اطوارهم وكأنهم يعيشون خارج الزمن والوجود ، واكد ارسطو على مشاعر الاكتئاب والنظر السوداوي لديهم)) ولم تزل هذه المعاني تدور بدوران عجلة الزمن ورافقت الفكر البشري في رحلته التاريخية حتى يومنا هذا ، ولم تخرج عن الثوابت التي اقرتها دراسات علمائنا ومفكرينا المحدثين ، فقد ايدت الاحصاءات التي اجروها على عينات تاريخية معروفة او مختارة من المجتمع الحالي ، العلاقة الموجبة التي تقرن الزيادة في نسبة الانحرافات التفسية والاختلالات الانفعالية بازدياد معدلات الذكاء والسلوك الابداعي لكنها رفضت ان يكون الجنون امرا محتوما عند هؤلاء العباقرة وفسرها احد اعلام الفكر الحديث بان الجنون كان سيقع لهم حتما لولا مسارب الابداع التي طرقوها ، وان الاعمال الابداعية التي انتجوها والاستغراق فيها هي التي قطعت طريق الخطر وانقذتهم من السقوط في هاوية الجنون .
لقد توفرت في شخصية نيتشه كل مقومات العبقرية التي ذكروها لنا ، فقد كان ذكيا بشكل لافت للانتباه نال شهادة الدكتوراه وهو في سن الخامسة والعشرين وشغل كرسي الاستاذية لاداب اللغة الالمانية وتاريخها في جامعة بازل السويسرية وتميز باسلوب فني رائع وملكة تحليلية دقيقة وقدرة على السخرية اللاذعة حتى عد ((من اعظم فلاسفة القرن العشرين تاثيرا)) وقالوا انه قد شكل مع كل من ماركس وفرويد الركائز التي قام عليها بناء فكر القرن العشرين كله ، وكان حساسا، كئيبا متشائما ، رفض المالوف من القناعات التي امن بها الناس في وقته وتحدى الاقوياء وطالب بالحرية ورفض الدين واعلن الالحاد ودعا الناس الى انكار ذواتهم والعمل على الارتقاء بانفسهم وتهيئتها لمرحلة يحل فيها ((الانسان الاعلى )) باعتباره الهدف من وجودهم ، ثم عاش حياته في معاناة والم نفسي وجسدي دائمين حتى انتهى به الحال لينضم الى قائمة المجانين مدة الاحد عشر عاما الباقية من عمره.

الانقلاب على النفس والثورة على المالوف وانكار الدين

على عكس ما امن به نيتشه طوال ايام طفولته وما تلقاه من ابويه من تعاليم وافكار، تبنى نيتشه افكاره الجديدة ومبادئ فلسفته على صورة اخرى مناقضة ، كان ابواه مؤمنين بالرب ومن عائلتين متدينتين اذ كان ابوه واعض بروتستانتي ومنحدر من اباء امتهنوا الدين وكذلك امه التي عرف عنها تدينها العميق والتزامها الصادق بتعاليم الدين وشرائعه فتمسك هو ايضا بما تمسك به ابواه واراد ان يصير قسيسا كما كان ابوه ، لقد عاش طفولة هادئة وادعة تختلف كثيرا عما كان عليه اطفال الحارة اجمع ، فلم يهتم بالعابهم ولم يرتضي فيهم قسوتهم على الحيونات بل احب القراءة والتامل واستمتع بقراءة نصوص توراته وكثيرا ما كان يتلو على مسامع الاخرين بعض هذه النصوص بصوت شجي مميز طافح بنبرات الصدق والايمان يبعث العيون لترسل دموعها في سخاء وخشوع ولقد اطلق عليه اصدقاءه لقب ((القس الصغير )) ووصفه احدهم (( كأنه المسيح في المعبد ))، وفي وقت مر سريعا و على حين فجأة انقلب ميزان عقله ودارت عجلة فكره فانكر الرب وقال عنه قد مات وتهكم من تعاليم الدين واعتبره من الاصنام التي صنعها الانسان من الوهم وانقلب طبعه وتغيرت هواياته فبدلا من الاهتمام الذي كان يبديه في قراءة الانجيل والترنم به (( فصار الدين قلب حياته ولبها)) انغمر مع رفاق له من طلبة الجامعة التي انتسب اليها اخيرا لدراسة الفلسفة مرحلة شبابه ((في حياة داعرة و بحر من الخمور والفجور)) عاشر فيها النساء واحتسى الخمور وتعود التدخين ..
وعند نيتشه شهد المفهوم العام للعقل انعطافة شديدة وانحراف تام عكس فيه الاتجاه الى الجهة المعاكسة من رؤيته له فبعد ان كان الفكر الفلسفي العام ينظر الى العقل على انه المفتاح المناسب لفتح ابواب المعرفة و الشرفة العريضة المطلة على عالم الحقيقة فقد سخف هو العقل وانكر قدرته على فهم الوجود بل اعتبره اداة ضلال ، ووسيلة جهل وتضليل وانحطاط ، وما مبادئ الفكر التي يرتكز عليها العقل في بناء يقينياته وانشاء تصوراته تلك التي اسميناها ب ((الشيئ)) و((الجوهر )) و ((الذات )) و((الموضوع)) و((العلية)) و((الغائية)) الا اوهام ليس لها وجود ماثل في الخارج اخترعها لتعينه على التفكير وتمكنه من الامساك بالموجود. ومن الخطأ زعمنا انها قوانين ومبادئ يتحرك على وفقها الوجود والاصح انها انشاءات وقوالب صنعها بنفسه ليفرغ فيها ما يطرق حواسه ويومض في خياله من رؤى وافكار.. فليس للظواهر التي تعن لنا في حياتنا تلك الاطر والحدود التي تجعل منها صورا ثابتة ومفاهيم ساكنة وجامدة لاتتحرك بل انها في حقيقة امرها في تحرك دائم وتبدل مستمر وصيرورة لاتنقطع ..
لقد بدا نيتشه في انعطافته هذه لاعقليا بالشكل الذي احرج المتنورين واصحاب الافكار العقلانية التي تزن الامور بميزان العقل والمنطق وترفض ما يثار امامهم من افكار بنيت على اسس غير تجريبية واعتبارات ظنية وتاويلات خارجة عن حدود المقبول ، وعلل مفكرونا ثورتة هذه باعتبارها امر مبرر وله سبب مقبول اذ ان العصر الذي عاشه نيتشه غير العصر الذي نعيشه اليوم ودعوات العقل والاحتكام اليه ان كانت اليوم مقبولة وصحيحة تماما فانها على العكس منه ايام نيتشه حينما كان الجو الفكري العام السائر في توافق مع مصالح المتنفذين واصحاب السلطة والقوة بشكل يجعل من العمل العقلي والتفكير خادما للافكار التي تدعم وجودهم ، وتبرر استمرارهم وتضفي على هذه القناعات صفة الثبات والمطلق ..فاذا كان هذا صحيحا فان سمة التباين في نظرة العبقري الى العالم واختلافه عما هو معهود في طريقة التفكيرعند باقي الناس عموما ظاهرة وواضحة عند نيتشه بشكل كبير .
لقد دعا نيتشه الى العودة الى الوراء في تاريخنا واعادة النظرفي كل ما مر بنا او فعلناه فقد سلكنا طريقا خاطئا ابعدنا كثيرا عن جادة الصواب واوغل بنا في درب الضلال ولم يعد لنا الا الانقلاب على انفسنا ورفض كل منقول وهدم الاصنام التي بنيناها بانفسنا من مادة الاوهام والتخاريف ونصبناها داخل اروقة الاخلاق والسياسة والدين والفلسفة ، ورفض كل ماهو مقدس آمنا به منها الاله ((استغفر الله تعالى ، وله بعض عذر في ذلك سنبينه بعد حين)) والخير والشر والحق ..... (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php) لقد كان تاريخنا مبنيا منذ البداية على خطأ جسيم

نظرته الى الاخلاق

على خلاف من نظرالى الاخلاق باعتبارها منظومة ((متعالية)) وقواعد سلوكية واحكام تقويمية صيغت من خارج العقل(( الفردي الجزئي)) لكي يهتدي بنورها الانسان فيحفظ لنفسه حسن السلوك و طيب المعيشة ورضا الرب ، انكر نيتشه ان للاخلاق معايير عامة تختص بالنوع الانساني في ذاته ، ونظر اليها على انها انتاج مرتبط بالشعوب والاجناس والطبقات ومكونات النوع الانساني اجمع ، وهي وليدة التعامل مابين الناس ومحكومة بمصالحهم المختلفة فيما بينهم والى موقع كل واحد ضمن الطبقة التي ينتمي اليها والفئة التي ينضوي تحتها بشكل قد يجعل المقبول والمستحسن من الاحكام الاخلاقية عند فئة مرفوض ومستهجن في اخلاق المنتسبين الى الطبقة الاخرى ..فالخير والعدل عند القوي المستبد هو غيره عند الضعيف المستبد به ..والفتك بالضعيف وااحتقاره او اذلاله امر يدعو الى الفخر والاعتزاز عند ا الارستقراط الاقوياء لكنه ظلم وشر عند المستضفين ,.....
ارجع نيتشه الاخلاق الى منبعين رئيسيين ، اخلاق ((السادة) واخلاق ((العبيد)) . والسادة هم الطبقة الممتازة في المجتمع صاحبة الاخلاق العليا والقوة والجرءة وهم المسيطرون الفخورون بما امتازوا به من صفات والحريصون على بقاء الحاجز الذي يمنع امتزاجهم بطبقة العبيد المنحطين المستضعفين المتصفين بصفات الضعة والضعف والخنوع .

حركة التاريخ

لما كان تاريخ الانسان يصنعه الانسان نفسه فان حركة هذا التاريخ ((عند نيتشه )) مبنية على سلوك هاتين الطبقتين من البشر .ولو رجعنا الى الوراء واطلعنا على ما فعله الانسان لراينا ان من صنع الحضارات العظيمة انما هم اولئك السادة الارستقراط الابطال الاشداء حينما جابوا الارض وساحوا فيها ، مغيرين على بلدانها، فاخضعوا الشعوب الضعيفة واستعبدوا اهاليها وآمنوا بمبادئ القوة واحتقار الضعفاء . .. من هنا نشات احكام الاخلاق وتوضحت تفاصيلها فكانت تدور في جوهرها (( عند الاقوياء ))على محبة الغزو و تمجيد القوة والتحلي بصفاة البطولة والفتك بالاعداء و((الاشمئزاز من علامات الضعف والضعة والاستخذاء )) واحتقار الضعفاء والتسلي بمباريات القوة والقتال والتحلي بمزايا النشاط البدني وسرعة الحركة وقوة العضلات وحب الصيد والرقص والالعاب البدنية العنيفة وكل (( ما يكشف عن حيوية فياضة حرة مسرورة)) واذا ما ابدى احدهم شيئا من العفو على الاخرين فلانه قوي يفيض عليهم بقوته لكنه يرفض العفو عنهم اذ لو كان له حق عندهم لاخذه منهم بالقوة والاجبار .. وهو ((يشعر بسرور عميق حينما يعذب غريمه وما دونه من الضعفاء)) .. ومن هنا نلمس في هذه الطبقة حبهم للماضي والسلف وتوقير الاجداد لدرجة ألهوا البعض منهم وقدموا لارواحهم القرابين، ثم انهم حافظوا على نقاوة صفاتهم وتجنبوا الاختلاط بمن هم دونهم ((بما يحفظ لهم استمرار السيادة والبقاء)).
اما الضعفاء فلهم احكام اخلاقية اخرى تختلف عن تلك التي عند المتسلطين ،ولدها فيهم ما عانوه من المآسي والالام التي كابدوها حينما رزحوا تحت نير اولئك المتسلطين وظلمهم واكتووا بنارالذل والاستعباد وتجرعوا مرارة الخذلان والهوان ولم يتسن لهم صد الهجمة وتحرير انفسهم لما كانوا يعانونه من عجز في القوة واحباط في الهمة وخوف على الحياة ولم يكن لهم الا الخضوع والخنوع والقبول بالامر الواقع واضمار مشاعر الحقد المدفون في الاعماق ، ولو وقعنا على اعمق اعماق مشاعرهم لراينا ايمانهم الراسخ ووعيهم الواضح بان القوة والسطوة هي القيمة الحقيقية التي تنشدها النفس والهدف والغاية التي يسعى اليها الانسان الا ان الضعف في القوة والخور في العزيمة والعجز في الانجازلديهم دفعهم لان ((يخلقوا لانفسهم قيما اخلاقية جديدة صارفيها معيار الخير الذي في اخلاق اولئك المتسلطين شرا عندهم والعكس من ذلك ايضا صحيح فبدلا من ان يكون الرجل (( محاربا مغامرا ينشد السيطرة والغزو ويحتقر التواضع والجبن فلا يعرف رحمة ولا تلطف ويفيض قوة وشدة يحتقر العبد ويرهقه وينكل به ويعذبه ويحط من كرامته ومركزه )) صار على الانسان في نظر هؤلاء الضعفاء التحلي بصفاة ((التواضع والسماحة والتعاطف والرحمة والعزوف عن نشدان البطولة ومحاربة الاخرين واحتقار الحياة والسعي لها ونكران النفس والرغبة في الزهد والتقشف ...)) لقد آمن(( ديوجنس)) بالذي امنت به ((الرواقية )) و(( الكلبية)) فدعى الى الاكتفاء بالذات والعيش بالحد الادنى من مقومات البقاء وامتهن التسول والنوم في الطرقات وحسد الحيوان على طريقة حياته البسيطة لدرجة ان تقبل لقب ((الكلب )) الذي اطلقوه عليه دون تذمر مع ان ما يتمتع به من الامكان والقدرات كفيل لان ييسر له العيش في صورة اخرى على عكس التي هوفيها ولتمتع بالسمعة العالية والدرجة المرموقة والثراء الفاحش بكل تاكيد ، قيل انه لما بيع عبدا من قبل قراصنة قبضوا عليه اثناء تجواله ، اوكل اليه سيده الذي اشتراه تربية ابناءه والاشراف على شؤون قصره فاحسن القيام بالمهمتين احسانا ادهش السيد فاطلق عليه ((العبقري الصالح )) وهو قبل كل هذا رجل مصرفي لكنه افلس فجره افلاسه الى السير على الطريق الجديد ، وقيل عنه ((صاحب جدل بارع )) مكنه من التغلب على كل من خالفه الراي في حياته كلها . لقد كان ديوجينس مثالا واضحا وصورة حية للمثل الذي اراد نيتشه وصفه لنا عند الحديث عن اخلاق (( العبيد )) واي مثل اكثر بلاغة من اعجاب ديوجنس بمعيشة الحيوان فقام بتقليده ونام مثله في الطرقات وقضى حاجته ((على مراى من الناس اجمعين )) ، راى طفلا يشرب الماء بيديه فرمى هو بكوب الماء الذي يحمله وبدا شرب الماء كالطفل بيديه... وصار الفقر صفة حميدة تقرب المخلوق الى خالقه وتزيد الحسنات في رصيده ..
ومع كل هذا فان رغبة االانتقام والثار باقية على شدتها تغلي وتفور في اعماق نفوسهم مهما اهالوا عليها من اتربة التقادم والنسيان او برروا وعللوا اوفلسفوا ، اواخضعوا هذه الاندفاعات لتحولات النفس من تسامي و كبت ، وتحويل بين وسائل الاشباع وديناميات النفس، وكم مرة شهد التاريخ انفلات بعض هذا المدفون فيخرج من بين ركام هائل وصبر نافد والام لاتحتمل فيطفوعلى السطح في شكل متخفي تارة (( كانكارهم للقيم والافكار السائدة السائرة على درب تركيز مصالح الطبقة المسيطرة واستمرارية وجودهم )) وتارة اخرى في صورة رفض واستنكار ومقاومة وثأر، تلك الصورة التي اسميناها (( بثورات العبيد))
واذا كانت الصراحة والصدق ومواجهة الاخرين بما يختلج في النفس من مشاعر وافكار سمات واضحة وسجايا يتحلى بها القوي، فقد صارت المراوغة والمكر والمداورة والنفاق بدائل موفقة واخلاق فاضلة يحفظ بها الضعفاء العاجزون عن المواجهة ماء وجوههم ويداروا جبنهم ويعفون بها انفسهم من الزامات الدفاع عن النفس وحفظ الكرامة ورد الاعتداء بعد ان ابدلوا تسمية ((العجز))الذي فيهم(( بالاحسان والطيبة والصبروالرحمة والتواضع )) ليقروا في نهاية الامر ((قيم الضعف والذلة والخنوع والعجز ))
من الصور التي جمعت بين القوي والضعيف او السيد والعبد ذلك المشهد الذي جمع بين (( الاسكندر الاكبر )) بكل ما يحمله من روح ارستقراطية واحساس بالسمو وهمة عالية وشدة بالغة لدرجة انه لم يخسر حربا واحدة طيلة احد عشر سنة قضاها في الحرب ضد قوات فاقته عدة وعددا وتمكن من توحيد الشرق والغرب مما ترك اثرا بالغا وتاريخا (( مشرفا )) عند من امن بمبادئ الشجاعة والجرءة والاقدام .. وبين (( ديوجنس الكلب )) الذي ذكرناه حينما كان نائما تحت اشعة الشمس على طريقته التي اعتاد عليها في تشبهه بمعيشة الحيوان وقيل انه اتخذ لنفسه دنا (( وعاء كبير )) ينام فيه .. وقف الامبراطور العظيم على راس ديوجنس معرفا نفسه بانه (( الاسكندر الاكبر))وعرف الاخر نفسه بانه ((ديوجنس الكلب )) وقيل ان الاسكندر لما سال ((الكلب)) عن جدوى سلوكه المهين هذا وقبوله حياة الابتذال والكسل في طلب مقومات الحياة ، كان جواب ديوجنس مسبوقا بسؤال وجهه الى الاسكندر عن الحكمة من سعيه في دنياه وطلبه الرفعة والسمو والقوة ومن تجييش الجيوش وخوض المعارك دون اشفاق على الارواح التي تزهق والخراب الذي يتخلف ، وكان الجواب هو انه سيقوم بغزو دول واحتلال اراضي وتكوين امبراطورية تضم الارض كلها ، الا ان ((الكلب)) عاود السؤال عن الذي سيفعله لو حقق كل ذلك ..فاجاب الاسكندر بما معناه انه سيجلس عندئذ مرتاحا سعيدا (( على اعتبار ان هذا هو الهدف )) اجاب ديوجنس بقوله .. ها انا جالس وكلي سعادة وارتياح ، ......كانت الصورة تجسيدا موفقا لاخلاق وسلوك كل من طبقتي الاسياد والعبيد .


اوهام الدين واصنامه

ومن الوسائل التي لجأ اليها الضعفاء لتبرير ما اقروه لانفسم من انتهاج سلوك استسلامي وعجز فاضح اختلقوا للوجود تصورا يدعم الذي اقروه ويجعل من اعمالهم واحكامهم التي تبنوها ((بقبولهم واستحسانهم الظاهري لكنهم في حقيقة الامر على النقيض من ذلك)) ظواهر متوافقة وسجايا مستحسنة وردود افعال مترابطة تنتظم داخل تصور شمولي كلي للوجود يعطي لكل الذي اعتمدوه صورة منطقية وشكلا عقلانيا مقبولا .. فاصبح للانسان وفق تصورهم الجديد روح مفارقة للجسد وارادة حرة بامكانها التحرك وفقا لاملاءاتها الذاتية المبنية على التفهم والاقتناع الذاتي وغير محكومة باي الزام خارجي قاهر فصار العجز الذي عانوه والذل الذي رضخوا له اختيارا حرا وسموا اخلاقيا رفيعا تقره الاخلاق ومبادئ الانسانية التي امنوا بها اذ ان ما ينتظرهم في اخر الامر جزاءا حسنا واجرا كبيرا وربا رحيما وجنة ونعيما دائمين ..
لقد جعل نيتشه من صراع طبقتي السادة والعبيد الاساس الذي قام عليه تاريخ الانسان الاجتماعي كله ابتداء من انتشار الابطال الاقوياء على بساط الارض فاخضعوا الضعيف واذلوه واستعمروا الاراضي واستباحوا خيراتها لانفسهم واقروا الاخلاق التي تناسب مواقعهم وسنوا القوانين التي تخدمهم .. ومرورا بردود افعال الضعفاء المستكينين عندما رضخوا للضغوط القاهرة وامتثلوا للاوامر المجحفة واضمروا في انفسهم مشاعر ((الذحل)) المنطوية على الاندفاعات الدفينة في صدورهم للرد والانتقام والتحرر من سطوة الاقوياء . تلك الاندفاعات التي امكن لها ان تظهر على السطح في ثورات العبيد ومن هذه الثورات تلك التي قام بها اليهود (( حينما تجاسروا على قلب معادلة القيم )) .. لقد راى نيتشه ان مشاعر ((الذحل)) هذه تعيش في قلب اليهودي في اعنف صورها واشد تأثيراتها بعد تاريخ عاشه في ذل وخضوع ومن هنا كان الصراع المرير بين اليهود والرومان، الصراع الذي انجب ((المسيحية لتحمل لواء النضال ضد السادة )) .. لقد راى نيتشه ان المسيحية ابنة اليهودية استقت منها التراث والقيم ومنها استوردت رجالا كبارا واعلاما بارزة منهم القديس بطرس والقديس بولس ..
ولقد كان للصراع هذا مراحل وجولات دارت بين الشد والارخاء والنصر والهزيمة ..كان اخرها انتصار الثورة الفرنسية التي اعدها انتصارا لقيم العبيد المبنية على مشاعر الذحل الممقوت (( وظهور نابليون كان من الامور الهائلة التي حدثت في الفترة هذه و لم تكن مما يرد في الحسبان اذ نهض بنهوضه المثل الاعلى على قدميه في جلال وجسارة امام اعين الانسانية وضميرها ليسيرمع نابليون بالعجلة على طريق القيم التي بناها السادة الابطال ، لكنه سقط سريعا وغاب فخفت معه نور الشعاع الذي اطلقته امجاد الابطال ))



يتبع

http://i59.tinypic.com/eplijb.jpg


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://img805.imageshack.us/img805/5921/jobsfacebook.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

منحة دراسية الماجستير
05-20-2014, 02:15 PM
فردريك نيتشه : بين الايمان والالحاد - منتدى الفلسفة





العقل واوهامه

.. لما كانت عقولنا تتعامل مع موضوعات الوجود الخارجي على انه متكون من معطيات وموضوعات تمتاز بصفة الاستمرار والثبات على الحال ذاته وهو امر خاطئ في حقيقته ومخالف له ، ولو اصغينا الى ما تمده الحواس لنا لادركنا ان كل ما موجود في العالم في تغير دائم وليس فيه معلم واحد باقي على حاله دون تبدل، ولو نظرت الى نفسي كاقرب مثل واكثرها وضوحا لدي فاني انظر الى نفسي على انها اناي نفسها مهما مر بي الزمن وتوالت علي السنون واهمل كل التغيرات البيلوجية والنفسية والعقلية التي طرات وستطرا ان امد الله عمري دون ان اتنبه او قل اني اتناسى اني الان غيري بعد لحظة اذ مايجري في من تغيرات نفسية وفسلجية امر هائل وكبير جدا اذا ما اخذنا بالحسابات والمقاييس الحديثة وكيف سيكون حجم التغير بعد شهر وسنة او اكثر وخذ المثل نفسه في رؤيتنا للاصدقاء وكل ما هو موجود حولنا من حيوان او جماد ، كلها في تبدل وتغير ان لم يكن في الصورة الظاهرة ففي التركيب الفيزيائي والكيميائي ، وان ما قاله هيراقليطس (( انك لن تنزل الى النهر مرتين فان مياها تتجدد من حولك دائما)) كان صحيحا فكل ما موجود غير باق على حاله وهو في تغير وانتقال دائم من صورة الى صورة ومن حال الى حال اخر وليس في الواقع الا التغير والصيرورة دون توقف ، لكن عقولنا هي التي تغض النظر عن حقيقة التطور وتضع للصورة اطارا وترمي بفكرة التبدل والتحول فتفترض ان الشيء الذي تدركه ((ماهية ثابتة )) ليس لها تاريخ متسلسل يحكي قصة التبدل والتحول والتغير والانتقال، وتعليل ذلك ان عقولنا غير مهيئة لادراك هذا وان تصوراتنا في حقيقة الامر اوهام لا حقائق ، وهي من الاخطار المحدقة بنا حينما توهمنا بالاعتقاد في اننا بالعقل قد فهمنا الذي فهمناه وبه سنفهم كل شيء ونمسك بمقاليد الموجودات ونطوع ما استعصى منها وننجح في التعامل مع الموجود مع اننا في الواقع ((لم نعلم عن طريق العقل الا شيئا ضئيلا لا يكفي للوفاء بمقتضيات الحياة ))
ان مفهوم(( العقل )) الذي تحدثنا عنه باعتباره اداة لازمة لتكوين القناعات والتصورات هو فرض اخر كباقي الفروض التي انشاناها، انه فكرة مفترضة و صورة متوهمة .. وليس في الخارج (( عقلا مطلقا وعاما )) يحل في كل الافراد ليجعل مما يكونونه من تخيلات وتوهمات بمثابة نتاج موحد صادر عن عقل كلي مستقل يمثل الانسانية اجمع فليس في الوجود سوى ((عقول صغيرة و كثيرة بعدد ما موجود من الناس يتميز بعضها عن بعض ، وينتج عنها الاختلاف الذي نشهده في الراي والنظر الى الامور، والعقل بعد هذا شيء نادر في الوجود))
ومن الاوهام الكبيرة التي وقع فيها فلاسفة التاريخ والوجود (( في نظر نيتشه )) زعمهم ان ما يسير الانسان والموجودات اجمع وما يحكم حركة الموجودات ومسار التاريخ (( عقل كلي ))يخضع له الكون في حركته، سواء كان عقلا مفارقا للمادة (( الله)) او كامنا فيها.. لقد كان العقل عند نيتشه صنما كبيرا ووهما عظيما له من الاثار والنتائج ما له وقع شديد وضرركبير .
لقد انتهى به الحال لان يقر ان دعوى (( برمنيدس)) بعدم قدرة الانسان على تصور شيء ليس له وجود، خطا ومناقض للواقع ، والصحيح ان كل ما يتصوره العقل وهم لاحقيقة وخيال لا واقع اذ ان تصوراتنا للاشياء تضفي عليها صفة الثبات والدوام والهوية المحددة الجامدة في وقت انها متحركة ومتغيرة وتجري في صيرورة مستمرة لا توقف فيها عند نقطة معينة
ثم اتم ثورته على ما شاع في زمنه من مفاهيم فانكر القول بوجود مستقل للحقائق مفارق للعالم المدرك وان ما ندركه في عقولنا من ظواهر يقابله شيء اخر مختلف هو ((الشيء في ذاته ))على حد تعبير ((كانت)) ..
ثم ادى به حاله هذا الى هجوم شديد على اول من قدس العقل من الفلاسفة وجعل منه اداة تقود الانسان الى الفضيلة والكمال فجعل نيتشة من سقراط بداية انحلال الفلسفة اليونانية واضمحلالها بعد ان عاشت فترة من الازدهار والابداع حينما كان اليونان ((مليئين بالحياة الاصيلة والقوة الساذجة والشجاعة التي دفعتهم الى قبول الحياة وتحدي مخاطرها فرددوا الاناشيد وحكوا الاساطير وقصص البطولة ونشدان الخلود وعمت التراجيديا التي مجدت القوة ومغالبة القدر ))
كانت روح نيتشه كفرشة الرسام المغموسة في خليط من الالوان ، ابدعت لوحة رائعة تمتاز بالفرادة والابتكار لكن مضمونها لم يخرج كما تخرج الفكرة من راس الاله ، بل كانت لافكاره اصول ومنابع كما كان لمزيج الالوان على فرشة الرسام تلك الالوان ((الرئيسية)) قبل الامتزاج ، ان نظرنا اليها بتمعن لتبين لنا اية الوان اشتركت في ذلك ..
ولقد جمعت روح نيتشه بين الرقة التي تربي عليها ايام طفولته حينما تولت امه وشقيقاته تربيته بعد وفاة ابيه وبين الطبع الذي ولد معه والجنس الذي انتمى اليه باعتباره ولدا ((من الذكور )) وللذكورة اثارها المعروفة في تركيبة النفس وشخصية صاحبها من التحلي بصفات القوة والشجاعة واقتحام المصاعب والجراة والاقدام ...
كان رقيقا في نفسه ومرهفا في مشاعره وضعيفا في بنيته لكنه في ذات الوقت متألم من حاله ورافض لواقعه ومتطلع الى امتلاك مزايا البطولة والرجولة وثبات النفس وشجاعة المحارب ذي القلب القوي والعزيمة التي لاتلينها الصعاب والخطوب .. وقد بدا هذا الصراع واضحا في سلوكة حتى انهم وصفوه ((كفتاة رقيقة ترتدي درع محارب )) ..
احب الموسيقى وهام بها فعزف والف قطعا منها ، وكتب الشعروشرب من رحيقه فخرجت مؤلفاته كانفاسه يفوح منها شذى الشهد الذي امتص رحيقه حتى قيل عنه كان شاعرا قبل ان يكون فيلسوفا ومع هذا فقد مجد القوة واعجب بالابطال ومقت الضعف ونصح مواطنيه(( بالقفز فوق الصعاب وليملؤا حياتهم بالخطروليبنوا بيوتهم عند فوهات البراكين وليبعثوا بسفنهم الى البحار المجهولة ويعيشوا في حروب دائمة )).
لقد وجد في روح اليونان مزيجا كالمزيج الذي كون روحه .. فصارت اليونان ((ايام سقراط وما قبله)) مادة دراساته ومرتع فكره وملهمته في كل ما ابدعه من فن وفلسفة ..
وراى ان الهواء الذي ملا به اليونانيون صدورهم كان مبعثه من الهين اثنين ((ديونيسوس اوباخوس، اله الخمرة والموسيقى والرقص والعربدة والمغامرة والنشوة والغريزة والدراما والجراة والاقدام )) و ((ابولو ، اله التعقل والمنطق والتامل الفلسفي والرسم والنحت ووالشعر الملحمي))، من توازن المزيج بين هاتين الروحين والريحين تنسم شعب اليونان عطر الابداع والارتقاء وكتبوا اشعار البطولة واساطير الخلود وارتقوا سلم المجد وانشاوا حضارة لم يزل الغرب يتغنى بالذي قدموه فيها من الفنون الرفيعة والعلوم البديعة والرقي الذي بلغوا فيه اعلى الدرجات ولم يستخف اللاحقون من مفكري الغرب (( ليتنا نحن العرب فعلنا مثلهم في نظرتنا الى تجربتنا الحضارية الرائعة مع اننا من السائرين على خطاهم والحاذين حذوهم والمقلدين لهم احسن تقليد)) بما فيهم نيتشه بهذا التراث العظيم ولم يابهوا بقصر فترة ازدهاره واندثار تراثه واثاره بل جعلوا منه دلالة على رفعة جنسهم ورقي اعراقهم .
ولقد امتدت فورة الابداع والعطاء الحضاري طوال الفترة السابقة على سقراط، ذلك الفيلسوف الذي اطفا الجذوة وارخى العقدة وثبط الهمة ، ذلك الرجل العامي ذو الاصل الوضيع الذي تملك عقول شباب اثينا النبيل فافسد اخلاقهم وبث فيهم مفاهيم الديمقراطية البغيضة اذ ان ما غرسه فيهم من ثقافة عقلية وفلسفة نقدية وحب للحوار والنقاش بدلا من التحلي بقوة الجسد والتغني بالاشعار التي نظموها والابداع الفني الذي برعوا فيه وفورة الغريزة وحب الحياة والرياضة واللعب كان بداية انحدار ومؤشر افول نجم حضارتهم وانطفاء شعلتهم .
من هنا بدا نيتشه رسم معالم فلسفته ومن تحليله هذا صنع مقياس الخطا والصواب ومعيار الارتقاء والصعود او الانحدار والهبوط ، ذلك المعيار الذي حمله اينما ذهب وبمنظاره راى كل شي .. انها روح ((ديونيسيوس )) ... الروح الطامحة للارتفاع والعزيمة القاهرة على تجاوز الصعاب ، الروح الصاعدة سفوح الجبال الخطرة دون تهيب او وجل ، الروح الممتلئة بحب الحياة وروح البطولة واقتحام المخاطر ، المتطلعة الى ذرى المجد والتالق .. ان بدت هذه الروح وعلت وصارت السمة البارزة في حياة المجتمع او في نفوس الاشخاص اوالاحزاب اوانظمة الحكم .. كانت له علامة رقي وارتفاع وتطور وسمو ونجاح التجربة الحضارية الخاصة ..
اما ان طغت روح ابولو وسادت ، الروح التي تقتل الاسطورة بالعقل وتقتل الرجولة بالعاطفة وتقتل القوة بالتراخي فانها نذير بالشؤم وعلامة انحطاط وتدهور ونزول الى اسفل ،
ووفقا للمقياس هذا كان حكم نيتشه على حياة اليونان ، فاعجب بالحياة السابقة على سقراط ، الرجل الذي جاء لينشر التراخي وتثبيط الهمم ومجد التعقل والتامل ودعى الى ديمقراطية تقتل التفرد والتميز والى اخلاق العامة المتدنين الخالية نفوسهم من روح المغامرة والبطولة واقتحام المخاطر ...
وللاعتبارات هذه كان حكمه على الاديان ، كره المسيحية بعد ان راى فيها طغيانا غامرا لاخلاق الخنوع والخضوع والاستسلام، وكره فيها تقبل الصفعة الموجهة الى الخد الايمن وكره فيها ادارة الخد الايسر ليعاود الذي صفع صفعه. واحب في الاسلام ما فيه من غرائز فحولية وروح ارستقراطية (( حسب فهمه ))وتحلي ابناءه بالشجاعة واستخفاف الحياة والاقدام على اقتحام المصاعب دون وجل ، وراى ان من الاحرى بالصليبيين الذين حاربوا هذا الدين وتوجهوا نحو اسقاطه وطرده الانحناء له احتراما ويطاطئوا لهم رؤوسهم حتى تتمرغ في التراب..ولا ينفي هذا الاعتبارات الاخرى التي قيل انها داخلة في تفضيله الاسلام منها رؤية الاسلام الى المسيح باعتباره انسانا لا الها ، واعتقادهم بان ما جاء به من كتاب قد حرفه حواريوه ، فاندثر الاصل بعده ، وكذلك حظ الاسلام على ((مراعات حق النفس وطهارة البدن وتحريم شرب الخمر ))
ومن المنطلق هذا احب نيتشه اصداقاءه ثم ابغضهم ، منهم فاغنر صديقة الذي مع تحوله عنه كن له حبا باقيا في قلبه حتى نهاية نصيبه من عمره العاقل ، واعجب بالقادة والابطال ، وكره المراة واوصى (( بالذي اوصت به المراة العجوز في احد كتبه )) ان يحمل السوط اذا ما هم بالذهاب اليها ، انها ضعيفة في طبعها وصاحبة عقل منحط ، ان منحتها حرية لم تحسن التصرف ولفسدت وافسدت ، لم تعش يوما في منعة وعلو منزلة الا في ظل ارستقراطي قوي . وبالمعيار هذا كره الانظمة الديمقراطية ودعى الى المحافظة على النظام الطبقي ومنع الاختلاط بين الطبقات وحرص على نقاوة الارستقراط ، لدرجة جعلوا منه الداعية الاكثر تاثيرا الى حركات التمييز العنصري والانظمة الفاشية (( وفي ذلك سوء فهم قد يكون مقصودا، اذ ان دعوته لم تبن على ايمان بنقاوة العرق وافتراق الجنس بل باثار التربية وانتشار الافكار )) .. وبنى قواعد التربية والاخلاق ومباديء السياسة واختيار الحكام .. وكل مكونات الفلسفة التي قدمها وما امن به من افكار ..
بالضرب على هذه الاوتار عزف نيتشه سيمفونيته وعلى اوزانها انشد شعره ، فقدم لنا فلسفة تنبض حياة ، ثرية في مواضيعها وواسعة في افاقها ، وان من يصغي اليها لن يصعب عليه سماع صوت الوتر الذي اصدر النغمة المعبرة عن ارادة القوة المتدفقة و الروح المنطلقة في همة ما بعدها همة نحو ذرى الجبال .


تعدد جوانب فكره
ما قدمه من فكر كان ضخما وعميقا وحيا ، بعمق الحياة وسعة مجالاتها وانفتاح افاقها ، له اراء في علوم النفس والتحليل النفسي فصار رائدا من روادها وله تاثير كبير على العلماء اللاحقين به في انشاء مدارسهم منهم ((فرويد)) و((ادلر)) و((يونج ))، ويحدثنا اساتذتنا المختصون في الفلسفات الحديثة عن الاثر الكبيرالذي خلفه نيتشه في الفكر الوجودي بشكل عام ،الفكر الذي جعل من الانسان ومعاناته الروحية ميدان دراساته ، فحلل المواقف الوجودية ذات البعد المصيري من حياته وما تنطوي عيه من القلق والخوف والشك والياس والاحساس بالالتزام تلك الانفعالات التي تبعثها فيهم الارادة الحرة في مواجهتها لمواقف الاختيار بين الاحتمالات المتاحة وتحمل النتائج المترتبة على ذلك ، وان من الافكار التي تطرق اليها نيتشه تلك التي صنفها الوجوديون تحت ظاهرة ((الانتحار الفلسفي ))، فقد حدثنا عن الهروب عند الضعفاء من الزامات التحلي باخلاق الاقوياء ومقارعة السادة المسيطرين والثورة عليهم ،الى الايمان بمبادئ واخلاق ((الضعفاء العبيد)) تلك الاخلاق التي تصور ما هم عليه من ضعف على انه سجابا سامية ومبادئ عليا ومكارم لاينالها الا الصابرون ذوو الحظ العظيم .. . ويحدثونا عن اثره في افكار الحداثة وما بعدها ، وان(( دريدا )) الذي ابتدع طريقته في تحليل النصوص (( بما فيها ظواهر المجتمع )) تلك الطريقة التي تفصل الظاهرة عن مضمونها فترمي بالمضمون جانبا وتمسك النص ((او الظاهرة )) لتعمل فيه بمبضع التشريح و ((التفكيك) فتكشف عن العلاقات والدلالات التي لم يكن لها حضور في الوعي ، لم يكن من الاوائل الذين لا اول قبلهم بل سجلوا لنيتشه سابقة عليه حينما رفض الاخلاق والمعتقدات السائدة ذلك الحين وجعل من اصنام الدين والفلسفة رموزا لها ابعاد تاريخية تغاير الذي تعارف عليه الناس وتكشف عن حقائق جديدة تزرع في قلوبهم الشك وتفجر فيهم الرفض لكل الموروث الفكري والثورة على واقعهم المعاش... ومع انه يكره السياسة ويقول ما انا بحيوان سياسي الا انه اعجب ببسمارك واعتبر المانيا الوريث الذي خلف اليونان في عظمتها حتى قيل انه فيلسوف المانيا في ذلك العهد . وكتب في التاريخ واصوله ، والدين ومنابعه ، ونقد الاخلاق وابدع في نقده وله اراء في النقد والشعر والموسيقى وله المام واسع في اللغة مما اهله لتسنم منصب استاذ مساعد لعلوم اللغات القديمة في جامعة بازل ثم استاذا بعد مرور عام على ذلك .
لقد كان نيتشه صاحب افق رحب وجوانب عديدة كحال اي ((مفكر حقيقي ضخم )) يرى البعض ان فلسفته قد دارت في اروقة الفكر منذ امد طويل (( نسبة الى زمن ظهوره)) ولا زالت تدور و ان عالميته ستبقى على ازدهارها في المستقبل القادم ، اذ ان ما حضي به من منزلة باعتباره من كبار الفلاسفة الالمان في القرن التاسع عشر لم تكن مزية وحيدة بل ان له من الخصوبة والثراء ما جعل من افكاره مفتاحا سحريا لفتح مغاليق تكشفت من بعده في النقد المعاصر.

هل كان نيتشه فيلسوفا

يرى (( برتراند رسل )) ان نيتشه فيلسوف اديب اكثر منه فيلسوف اكاديمي ، وان انتاجه الفكري لم يكن كانتاج الفلاسفة المحترفين وان اهمية انتاجه في شكله الرئيسي كان في الاخلاق ثم النقد التاريخي ، ولم ير في فلسفته (( اية نظريات فنية في الوجود او في المعرفة )) ...

ويرى الدكتور يوسف كرم ان نيتشه (( اديب في طبعه)) وعد فيلسوفا لما ابداه من اهتمام في الانسان ومصيره والاخلاق وقيمتها وان اعماله في جملتها تعطي انطباعا بملكته الادبية في الكتابة واسلوب التفكير . ولم يكن مبدعا في ما قدمه من الافكار وانما يدين بها الى ملهميه(( شوبنهور )) و (( فاجنر )) وليس له في اخر الامر(( الا الاسلوب الذي عبر به عن مذهبه ))...
ويرى اخرون انه لم يكن فيلسوفا بالاحتراف ، وان سيرة حياته لم تشر الى انه تردد يوما الى كلية الفلسفة طوال فترة دراسته ، وان من يمعن النظر في اعماله يلاحظ بوضوح(( النقص في التوثيق والتسرع في الاحكام ، وغياب في الاستشهاد بالمراجع ،والاهتمام بالشعر المشبع بالخطابة والشعر ))
قد تكون الاشارات التي اوردها بعض دارسي الفلسفة الذاهبة الى (( تخفي كتابات نيتشه وراء اقنعة مجازية تستعصي على الفهم ، والى تشتت غاب معه التناسق والترابط ،وتشذر احال افكاره المطروحة الى امثال وحكم وجمل متقطعة )) من الاسباب التي دعت الى الامعان في استقراء المعاني الغزيرة واستكشاف الافاق الرحبة والى المراجعات المتجددة ، الامر الذي اضفى على فلسفة نيتشه خصوبة وثراء وحياة ممتدة .. انه حال الاعمال الابداعية العظيمة بشكل عام ، فيها من الثغرات ما يبعث على التامل وحب الاستطلاع والى ملئها بما يدور في راس المشاهد او الناقد من افكار، فيحس عندئذ بجمال وكمال قد اشرق من باطن ذلك العمل ونشر بنوره على محياه.
ان النظرة العامة على اعمال نيتشه وشخصيته لتبعث الى الاقتناع بان في روح هذا الرجل شيئا من الماضي يمتد الى فترة الطفولة التي مر بها في ظل التربية التي تلقاها من والديه ...ومهما ابداه من انكار لهذا الراسب ورفض للموروث فانه باقي على رغبته الاولى في ان يكون كوالده قسيسا واعظا وداعية للدين ، لقد وعظ الناس ودعاهم الى ((اصلاح احوالهم )) والى التحلي باخلاق من انكر نفسه (( وتجاوز ذاته ومهد لولادة الانسان الاعلى )) واتخذ له الها (( السوبرمان )) وبشر به كما يبشر الانبياء برسالاتهم ويدعون الى الله ، وبدلا من خلود الاخرة بجنتها وجهنمها امن بخلود اخر و(( عود ابدي)) تعود فيه الارواح والاشخاص الى نفس صورها وتجسداتها مرات ومرات ومرات .. لقد كان نيتشه قسيسا ملحدا ، وداعية متمردا قبل ان يكون فيلسوفا ، اما الفلسفة فقد طوعت واما العقل فقد روض على يديه في مشروعه الحضاري الكبير نحو اصلاح العقل والاخلاق والمجتمع ....


بين التاثر والتاثير

لو امتدت حياة شوبنهور قليلا لادرك ما صنعه كتابه (( العالم كارادة وفكرة )) في عقل نيتشه ونفسه ، ولراى في ذلك رد اعتبار له لما ابداه العالم من اغفال لهذا الكتاب ولشوبنهور نفسه فترة استغرقت الشطر الاكبر من عمره كله اذ لم يلق من الشهرة التي حلم بها الا في نهايات حياته، وان كتابه هذا ظل مطمورا مع اكداس الاوراق المتروكة والكتب المهملة في المكتبات طوال فترة جاوزت الستة عشر عاما حينما اخبره بائعو كتابه ان اعدادا منه قد بيعت جملة لغرض استعمالها في المحلات وفي رزم ولف ما يبيعونه من بضائع ، ولوجد في حالة نيتشه مصداقا للتعليق الذي ابداه عن كتابه المرمي في ادراج الاهمال والنسيان بعد ان آلمت قلبه وخزات النفوروالتغاضي عن الكتاب، بانه كالمرآة التي ان نظر فيها قرد فلن تتوقع ان يرى انسانا ، ولقال ها قد نظر في الكتاب انسان فوجد فيه صورة انسان .. والحكم كان صحيحا فما اعجاب نيتشه بهذا الكتاب وما الافاق الواسعة والمعاني العميقة التي وجدها فيه الا انعكاس لروح نيتشه واسقاط ما في نفسه عليه بعد ان قدح زناد ذهنه بريق الحكمة البالغة والمعاني الدافقة التي حملها شوبنهور كتابه ، لقد اعرب نيتشه عن اعجابه المفرط وتاثره العميق وقال واصفا (( انه قد وجد فيه العالم والحياة ووجد فيه نفسه قد صورت في عظمة مخيفة .. وان شوبنهور كان يخاطبه شخصيا ويوجه كلامه اليه ، وكأنه ماثل امامه كلما باشر قراءة الكتاب وان كل ما فيه يبعث على التصديق والتسليم ))
لقد اولى شوبنهور في تاليف كتابه هذا كل عنايته ، افرغ فيه ما راى انه حكمة بالغة وراي اصيل ورؤية غير مسبوقة في عرض من البيان الواضح ومسحة من الجمال البادي رغما عن العنف الذي شاب اسلوب كتابته .. ولما كان الكتاب وعاء صا حبه ، مملوء بما فاض من معين نفسه وعصارة عقله فان في نفس شوبنهور وفي روحه وعقله نقاط التقاء واتفاق مع نيتشه يبعث على الاقتناع بما قاله نيتشه وهو يصف تجربته مع هذا الكتاب بما يؤكد صدق نيتشه حينما جعل من شوبنهور مربيا عظيما وابا له بالذات .. (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)
كلاهما كان انطوائيا في طبعه ومتشائما في مزاجه.. مستغرقا في تاملاته وعميقا في تفكيره .. ولكليهما تجارب اليمة مع المراة .. فلم يتزوجا واظهرا لها مقتا شديدا ولدتها فيهما التجارب الاليمة التي مرا بها والمواقف المؤثرة الباعثة على الاسى في النفس. . آمن الاثنان بالقوة المحركة التي تقف خلف سلوك الانسان ، الارادة العمياء عند شوبنهور وقوة الحياة عند نيتشه . كلاهما قد اعجب بنابليون وتاثر به، فقيل ان شيئا من تمجيد شوبنهور للارادة كان بتاثره بنابليون وان في يأسه شيء من واقعة الهزيمة التي اودت به. وصار نابليون مثلا اعلى و حضورا مجسدا لاخلاق الطبقة القوية والسادة المسيطرين عند نيتشه ... كان لقاء الاثنين في هذا الكتاب خالدا، وبقيت اثاره في نفس نيتشه في تلازم لم تحله السنوات التي تتالت ولا التطورات العقلية والتبدلات النفسية التي مرت عليه حينما انقلب على نفسه ، بعد ان نهض معافى من مرض اوشك فيه على الموت ،فاحب الحياة والصحة والعافية والضحك والرقص ورفض التشاؤم ، وامن بالحياة المنفتحة والارادة المشدودة الى امتلاك مستلزمات القوة ، فقد بقيت افكاره وفلسفته تسبح في بحر مملوء بالألام التي عاناها في نفسه وجسده


http://i59.tinypic.com/eplijb.jpg

بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://img805.imageshack.us/img805/5921/jobsfacebook.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

وظائف اليوم
05-31-2015, 05:01 PM
فردريك نيتشه : بين الايمان والالحاد - منتدى الفلسفة