المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إدارة المعرفة في الإسلام وعند الفلاسفة - منتدى الفلسفة



منحة دراسية الماجستير
05-19-2014, 11:59 PM
إدارة المعرفة في الإسلام وعند الفلاسفة - منتدى الفلسفة



منتدى الفلسفة:- عاش الإنسان في بداية الحياة بطريقة بدائية مستغلاً مهاراته، واعتمد في حياته هذه على جمع الثمار وصيد الحيوانات ومن ثم تعلم الزراعة التي مكنته من الاستقرار في مجموعات و قبائل، واكتشف النار، وعرف أن عليه أن يقوم بتغيير وتطوير أساليبه في جمع الثمار والصيد والزراعة وذلك من أجل مواصلة صراعه من أجل البقاء والتفوق على المخلوقات الأخرى، وتطورت حياته نتيجة اكتشافاته العديدة وتراكمت معارفه في نطاق البيئة التي يعيش فيها مما أدى إلى تغير نمط حياته إلى الأسهل والأفضل وأصبح ينعم بكثير من الأمن الاستقرار.

مدخل إلى المعرفة في الإسلام
الدين الإسلامي هو المنهج القويم و النهج الإلهي الأكمل من بين الأديان و الشرائع السماوية، وجاء لتنظيم حياة وسلوك الإنسان الفكري و العملي، و هو الكفيل بإسعاد الإنسان إذا ما مشى على نهجه و سلك مسلكه واهتدى بهداه واستنار بنوره، وتقوم الشريعة الإسلامية على أساس الفطرة الإنسانية و المساواة بين مختلف أفراد المجتمع الإسلامي فلا تُفرِّق بين الضعيف والقوي والغني والفقير والشريف والوضيع منهم ، كما لا تُفرق بين الأمم والشعوب المختلفة إلا من باب طاعتها لله تعالى و التزامها بالتقوى، وكيف يكون للإنسان قيمة بلا إيمان وعقيدة, أنه بلا شك سيعيش بلا هدف ولا غاية, فتسيطر عليه أهواؤه وشهواته ويسعى لتحقيها بكل السبل والوسائل ولو حساب الآخرين، وما شرع الله حكماً لعباده وألزمهم بأي تكليف إلا على أساس مصلحة الفرد والجماعة.
إن الشريعة الإسلامية تمتاز عن غيرها بالواقعية في مواجهة الحياة وفي مجال القضايا الاجتماعية والفردية، وبالحفاظ على سمة الاعتدال بين المادية المحضة والمعنوية الخالصة، وجاء الإسلام أيضا ليحرر العقل من الخرافة والجهل والتخلف, ودعا الإنسان ليفتح عقله باتجاه حقيقة الحياة دون افتعال لأي خصومة بين العقل والدين أو بين الدين والعلم , ففي الإسلام لا يضطر الإنسان لأي خرافة من أجل الإيمان بالله أو لاكتشاف حقيقة الحياة والكون فكانت المعرفة في الإسلام جزء من الإيمان.
إن طريق المعرفة لا ينحصر بالتجربة، ولا هي بأفضل الطرق وأصحها، واثبت بالحس والمشاهدة إن الدليل العقلي يسير مع الدليل الحسي جنباً إلى جنب من حيث الحجة والدلالة بالإضافة إلى الإيمان بالوحي، وانه لا شيء أقوى وأخصب من العقل في الكشف عن المجهول، وفي الإبداع والاختراع.

معنى المعرفة:
اقترنت كلمة المعرفة في اللغة العربية بالعلم فتطلق كلمة معرفة ويراد بها علم وكما جاء في قوله عز وجل : (مما عرفوا من الحق) سورة المائدة -38 ومعناها أي علموا. وكذا أشار الكولزاني الحنبلي إلى أن العلم يقوم مقام المعرفة مستشهداً بقوله تعالى : (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) سورة البقرة -146، فأقام العلم مقام المعرفة والمعرفة مقام العلم. وفي لسان العرب، العرفان يعني العلم، وفي القاموس المحيط علم بمعنى عرف.

أما اصطلاحاً فللعلماء تعريفات تميز المعرفة عن العلم، أهمها ما أورده الجرجاني في كتابه: التعريفات. إذ يقول "المعرفة : هي إدراك الشئ على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل، بخلاف العلم، ولذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف". أما العلم "فهو إدراك الشئ على ما هو به، أو صفة راسخة يدرك بها الكليات والجزئيات. والإنكار نقيض المعرفة، أما العلم فنقيضه الجهل، وعرف البعض الآخر بأنها إدراك ما لصور الأشياء أو صفاتها أو سماتها وعلاماتها، أو للمعاني المجردة سواء أكان لها في غير الذهن وجود أم لا. (الرؤية الإسلامية لمصادر المعرفة، د. رياض صالح جنزرلي، دار إيلاف هل-بريطانيا، 1994، ص. 9-10).

ومن الثابت إن الإنسان يولد كصفحة بيضاء خالية من أي معارف أو علوم وإنما يحمل في ذاته الاستعداد لتلقي هذه المعارف والعلوم وهي الفطرة وذلك كما قال الله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(30) (سورة الروم) ،أي هذا الدين الحق الذي أمرناك بالاستقامة عليه هو خلقة الله التي خلق الناس عليها وهو فطرة التوحيد ، قال ابن الجوزي : لفظه لفظ النفي ومعناه النهي أي لا تبدلوا خلق الله فتغيّروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها. وكما جاء في الحديث الشريف أيضاً (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه...) (صحيح مسلم شرح النووي مجلد 8، 16/207، باب القدر)، و كما قال الله تعالىوالله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) النحل/78، فالسمع والبصر هما رمزا الأدوات الحسية، كما أن الفؤاد هو رمز العقل والإدراكات الصحيحة الفكرية. ورغم أهمية العقل في هدي الإنسان إلى الحق والحقيقة إلا أن الحس والشعور والحدس والخيال لا تقل أهمية عن العقل بل هي وسيلة يستعين بها الإنسان لفتح الطريق أمام العقل للكشف عن حقيقة ما يحيره وقدرته وحده على حل المعضلات والمشاكل التي تعترضه.

قال الله تبارك وتعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} (سورة المائدة).

يروي لنا القرآن الكريم قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض. وكانت قصتهما كالتالي لما قتل قابيل هابيل ندم على ذلك فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به آدم فيحزنه، وهام به ولم يدري ما يفعل بجثته، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان فاقتتلا أمام قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} (سورة المائدة/31) ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه ودفنه تحت التراب.
في هذه القصة يتضح لنا عدم معرفة قابيل بما يفعله بجثة أخيه هابيل حتى تعلم ذلك من الغرابين عن طريق البيان بالعمل وملاحظة ما فعلاه أمامه ، وفي اعتقادي إن هذه من أول المعارف التي اكتسبها الإنسان، وتروي لنا هذه القصة أيضاً كيف تم تحصيل المعرفة واكتسابها واستخدامها ومن ثم مشاركة هذه المعرفة إلى يومنا هذا، مع العلم بأن هابيل كان أول إنسان يقتل.

إن المعرفة للإنسان عبارة عن أداة يستطيع من خلالها فعل الكثير فهي وسيلته وملاذه في الحفاظ على حياته وبقائه، وهي أداته حباه الله بها والتي يستخدمها للتفوق على بقية المخلوقات وسبب من أسباب استخلافه في الأرض كما قال عز وجل : "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{30} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {33} (سورة البقرة).

كرم الله تعالى الإنسان بجعله خليفة في الأرض ومكنه من التفوق على بقية المخلوقات وذلك بتعليمه الأسماء كلها كما خصّه بعلم غزير وقفت الملائكة عاجزة عنه مما يدل على فضل العلم والمعرفة في المكانة التي قد يتبؤاها الإنسان وفي الآية الكريمة طلب الله من الملائكة السجود للإنسان تكريماً له ولمعرفته وتفوقه عليهم بمعرفته للأسماء.
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أي أسماء المسمّيات كلها، {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} أي عرض المسميات على الملائكة وسألهم {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} أي أخبروني {بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء} أي بأسماء هذه المخلوقات التي ترونها {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي في زعمكم أنكم أحق بالخلافة ممن استخلفته.
إن الله تعالى أظهر فضل آدم للملائكة بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة، وخصّه بالمعرفة التامة دونهم، من معرفة الأسماء والأشياء، والأجناس، واللغات، ولهذا اعترفوا بالعجز والقصور {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا}.

العلم والمعرفة من نعم الله علينا، فقد كرم الله تعالى أهل العلم وأجزل لهم العطاء، ورفع لهم الدرجات، فهو هداية ورحمة ونور وعصمة، وسمو ورفعة.
قال تعالى في سورة المجادلة { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {11 } وقال تعالى في سورة الزمر ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ {9} )

ومن البراهين القاطعة والحجج الساطعة على فضل العلم وأدواته ووسائله افتتاح الله عز وجل كتابه الكريم بصدر سورة العلق (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ {5} اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }{5}
فكما أنعم الله عز وجل على الإنسانية بنقلها من ظلمة العدم إلى نور الوجود كذلك أنعم عليها بنعمة العلم الذي يُخرج الناس به من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة .

وسائل وطرق تحصيل المعرفة في الإسلام
يطرح الإنسان منذ وجوده أسئلة كثيرة على نفسه بصورة مستمرة ويسعى للحصول على ما يقنعه من الإجابات الصحيحة وهو في سعيه هذا إنما يسعى وراء معرفة الحقيقة المقنعة، وذلك باستخدام عقله وحواسه للوصول لإجابات لهذه الأسئلة المتكررة طوال حياته.
والمقصود من المعرفة هو حصول العلم لدى الإنسان بالجزئيات القابلة للإدراك عن طريق الحواس الخمس ، فلو حصل للإنسان علم بجزئيات شيء أصبح الإنسان عارفا بذلك الشيء ، و قد يُراد به الإدراك الجزئي و البسيط المجرد عن الإدراك فيقال مثلا " عرفت الله " و لا يقال " علمت الله " .
أما المراد من معرفة الله سبحانه و تعالى الإطلاع على صفاته الجلالية وهي تلك الصفات التي تُجِلُّ الله تعالى و تُنَزِّهَهُ عن جميع أنواع النقص ، كالجهل و الموت و العجز و ما إليها و تسمى أيضا بالصفات السلبية، والصفات الجمالية وهي تلك الصفات التي تعني ثبوت كل مقتضيات الكمال لله تعالى ، و تسمى أيضا بالصفات الثبوتية ، لأنها صفات وجودية ، أمثال الحياة والعلم والقدرة والعدل وما إلى ذلك بقدر الطاقة البشرية ، و أما الإطلاع على الذات المقدسة فما لا مطمع فيه لأحد. (مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية،)
. (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)
وللحصول على المعرفة الكونية يجب على الإنسان أن يستخدم حواسه وعقله، ومن أهم الحواس التي يجب أن يستخدمها هي حاستي السمع والبصر هذا مضافا إلى أن أدوات الحسّ و ما يسمّى بالحواس الخمس، ولا يستفاد منها إلا في مجال المحسوسات ، كما لا يستفاد من أداة العقل إلا في مجال محدود يملك العقل مبادئه وذلك كما قال الله تعالى : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } سورة النحل ، الآية : 78. حددت هذه الآية الكريمة أدوات تحصيل المعرفة و المراد من الأفئدة في الآية ـ و هي جمع فؤاد ـ بقرينة لفظَتي " السمع " و " البصر " وهو العقل البشري. وفي الآية الكريمة {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(7) البقرة}، بين لنا الله تعالى العلة في سبب عدم الإيمان وذلك بأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم فلا يدخل فيها نور، ولا يُشرق فيها إِيمان وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غطاء، فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون، لأن أسماعهم وأبصارهم كأنها مغطَّاة بحجب كثيفة، لذلك يرون الحقَّ فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه.
وقال أبو حَيَّان: شبَّه تعالى قلوبهم لتَأَبِّيها عن الحقِّ، وأسماعهم لإِضرابها عن سماع داعي الفلاح، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية، بالوعاء المختوم عليه، المسدود منافذه، المغطَّى بغشاء يمنع أن يصله ما يصلحه، وذلك لأنها كانت - مع صحتها وقوة إِدراكها- ممنوعة عن قبول الخير وسماعه، وتلمح نوره. وفي هذه الآية ربط للبصيرة والإدراك والإيمان بارتكاب المعاصي وكثرة الذنوب وذلك كما قال المفسرون: الختمُ التغطيةُ والطبعُ، وذلك أن القلوب إذا كثرت عليها الذنوب طُمِس نور البصيرة فيها، فلا يكون للإِيمان إِليها مسلكٌ.
لقد ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن غيره من المخلوقات بنعمة العقل والذي يدرك الأشياء عن طريق الحواس ويضيف عليها شيئاً من ذاته فيحلل ويستنبط ويقرر ويختار. فالإنسان العاقل هو الذي يقدر الأمور ويحسن التصرف، ويستقرىء الأحداث استقراءً سليماً، ويوجه تفكيره إلى الإيمان بحقائق الموجودات وموجدها، ليصل إلى الحقيقة المطلقة فيؤمن بوجود الله وقدرته وعظمته، وإن من أبرز قدرات العقل البشري قدرته على النمو المعرفي مما يجعل الإنسان في تقدم فكري مطرد يساعده على تنمية الخبرات وإدراك حقائق الأشياء إدراكاً سليماً وواعياً. والمعرفة العقلية ذاتية ومكتسبة، فالذاتية ما يدركه العقل بفطرته التي هيأه الله بها.

وللحواس قدرات خاصة على توصيل المعلومات إلى العقل، فهي منافذ طبيعية للجسم البشري وعن طريقها تنتقل المعلومات إلى داخل الجسم ليتصرف حسب ما يمليه عليه شعوره وعقله، ولقد أكد عدد من فلاسفة الإسلام هذه الفكرة فيقول الفارابي "وقد يظن أن العقل تحصل فيه صورة أشياء عند مباشرة الحس للمحسوسات فتحصل صورها فيه، ويؤديها إلى الحس المشترك، حتى تحصل فيه، فيؤدي الحس المشترك تلك الصور إلى التخيل، والتخيل إلى قوة التمييز فيها تهذيباً وتنقيحاً ويؤديها منقحة إلى العقل". (الرؤية الإسلامية لمصادر المعرفة، د. رياض صالح جنزرلي، دار إيلاف هل-بريطانيا، 1994، ص. 42-44).
ويقول ابن العربي "إن الإنسان إنما يدرك المعارف كلها بإحدى القوى الخمس الحسية، وهي الشم والطعم واللمس والسمع والبصر، أم القوى الخيالية فإنها تضبط إلا ما أعطاه الحس، إما على صورة ما أعطاها، وإما على صورة ما أعطاه الفكر من حمله بعض المحسوسات على بعض.....وقد بطل تعلق الحس بالله عندنا فقد بطل تعلق الخيال به" (المرجع السابق صفحة 43).
ولقد أشار ابن تيمية إلى أنواع الحس فجعل منه:
-: الحس الظاهر: وبه يدرك الإنسان الأعيان الظاهرة فيراها ويسمعها ويلمسها كما أشرنا إلى هذا سابقاً.
-: الحس الباطن: يحس به ما يجول في باطنه من اللذة والألم والحب والبغض والفرح والحزن والقوة والضعف، وغير ذلك، ويكون لهذا الحس أحياناً علاقة بالظاهر.
-: الحس الروحي: وهو حس تقوم به الروح حيث تحس بأشياء لا يحس بها البدن ويعتبر ما يحسه الناس في النوم.
-: حس الروح بعد الموت: حيث تكون أقوى تجرداً فترى وتحس أموراً لا تراها في الدنيا ولا تحس بها.
-: ويضيف حساً آخر لا يكون إلا لبعض الناس، كأن يرى بعينه ويسمع بأذنه ما يراه الحاضرون ولا يسمعونه، كرؤية الملائكة والجن وسماع كلامهم. (المرجع السابق 44)
الوحي:
الوحي في اللغة هو الإعلام في الخفاء، وقضية الوحي هي قضية رئيسية إذ على أساسها يكون موقف الناس فبين مؤمن مسلم وبين كافر منكر وكمصدر من مصادر تحصيل المعرفة، ‎‎و يكون مجاله أوسع نطاقا و أكثر شمولية ، كما أنه نافذ في جميع الأصعدة سواء في مجال العقيدة أو في إطار الوظائف و التكاليف وهو الذي خص به الله تعالى ثلة من عباده كالرسل والأنبياء الكرام وذلك كما قال عز وجل { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } سورة الأنبياء ، الآية : 7 .

والإنسان المتدين يستفيد في معرفة الكون و الحياة و العقيدة و الدين ـ من الحسّ ، و لكن غالبا ما تكون المدرَكات الحسية أساسا و منطلقا لأحكام العقل أي أن تلك المدرَكات تصنع الأرضية للفكر و حُكمه ، كما أنه قد يستفاد من العقل و الفكر في معرفة الله و صفاته و أفعاله و تكون حصيلة كل واحدة من هذه الطرق و الأدوات مقبولة و نافذة و معتبرة في اكتشاف الحقيقة و معرفتها .

والمعرفة المعتبرة و المعترف بها يجب أن تكون قطعية بحيث يمكن الجزم بها ، أما المعارف الظنية أو الوهمية أو الشكية فلا اعتبار لها .
و في هذا المجال يقول الله العظيم في قرآنه الكريم : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } سورة الإسراء ، الآية : 36، و يقول سبحانه و تعالى أيضا و هو يذمّ الذين يتبعون الظن : { أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } سورة يونس ، الآية : 66. و يقول عز من قائل أيضا : { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } سورة النجم ، الآية : 28.

فكل معرفة خارجة عن إطار العلم القطعي مرفوضة عند الإسلام وعند المتكلمين ، و لذلك فإننا نرى أن كثيرا من الآيات الكريمة تنتقد و تذم المقتفين سنن الآباء و الأجداد بلا دليل قطعي واضح ، و بلا علم بصحة أدلة الآباء و الأجداد .
و بهذا الشأن يقول الله العظيم : { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } سورة الزخرف ، الآية : 22 و 23
و يقول جل شأنه : { ... قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } سورة البقرة ، الآية : 170
و هكذا فان الإسلام يدين المنطق الرجعي القائم على تقديس مذهب الآباء و الأجداد ـ لكونهم آباء و أجداد لا لصواب منطقهم ـ لأن ذلك ينفي العقل الإنساني و يرفض تطور التجارب البشرية ، و يصادر الموضوعية في معالجة قضايا السلف ، و الغريب أن هذا المنطق الجاهلي يسود حتى اليوم على العالم ، و يظهر تارة على شكل عادات و تقاليد خرافية مطروحة باسم " آثار الآباء " ، و تارة باسم الحفاظ على المآثر القومية و الوطنية ، لذا فيجب عدّ هذا المنطق الرجعي من أسباب انتقال الخرافات من جيل للآخر ، و من الواضح أنه ليس المقصود طبعاً هجرة تقاليد الآباء و عاداتهم كلها ، بل الصحيح هو تحليل عاداتهم و أخذ ما انسجم منها مع العقل و المنطق و طرح ما يُنافي العقل منها.
كما يجب أن تكون المعرفة نابعة عن أدوات المعرفة الحسيّة و القلبية أو العقلية ، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم : { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } سورة النحل ، الآية : 78 ..
فالسمع و البصر هما رمزا الأدوات الحسيّة ، كما أن الفؤاد هو كناية عن العقل و الإدراكات الصحيحة الفكرية ، فالحس و العقل هما المعتمدان عند المتكلمين من بين أدوات المعرفة لأنهما الأكثر صوابا و الأعظم نتيجة ، ذلك لأن العلم لا يحصل إلا عن طريق الفؤاد أي العقل، ثم انه لاشك و إن معرفتنا للعالم الخارجي لا تحصل بصورة مباشرة و إنما تتم عن طريق السمع و البصر و ذلك بعد التقاط المعلومات الصوتية و التصويرية و إرسالها إلى عقولنا بغية فهمها و تحليلها و الاستنتاج منها .

وتتميز المعرفة في التصور الإسلامي بعدد من السمات البارزة:
-: إن الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته تعالى هو المبدأ الأول للإسلام، والوحدانية هي نقطة البحث عن الحقيقة أو المعرفة في الفكر الإسلامي؛ حيث إن وجود الله تعالى وإرادته وأفعاله هي الأسس الأولى التي يقوم عليها بناء كل الكائنات وكل المعارف وأنظمتها.

-: لكي يحصل الإنسان على المعرفة يجب أن يتنزه الإنسان عن تكرار إرتكاب المعاصي والذنوب ليهدي الله الحواس والعقل لتلمح النور ويقودها إلى البصيرة والإدراك.

-: يؤكد الخالق -عز وجل- على دور الحواس في اكتشاف المعرفة المحيطة بالإنسان، كذلك النظر العقلي والتأمل والتفكر في الكون ومكوناته، كما دعا الخالق -عز وجل- إلى عدم تقليد السابقين، لأن التقليد يُعطل العقل عن البحث وإدراك الحقيقة.

-: إن المعرفة في الرؤية الإسلامية ليست غاية في حد ذاتها، ولكن لا بدّ أن تلحقها مرحلة أخرى تتمثل في السلوك أو العمل.

-: التصور الإسلامي للمعرفة متكامل لا يعرف التنافر، ولا يحتوي على القطيعة المعرفية بين أجزائه؛ فهناك تكامل بين الوجود والوحي، وتكامل بين النظر والعمل، وتكامل بين المعرفة العلمية والمعرفة الغيبية، وكل ذلك نابع من تجليات مبدأ التوحيد في وحدة الحقيقة.
-: إن المعرفة منها ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب، وهي تشمل كل ما يعرفه الإنسان عن الماضي والحاضر والمستقبل بشتى الوسائل والطرق.

-: المعرفة يجب أن تكون قطعية بحيث يمكن الجزم بها ، أما المعارف الظنية أو الوهمية أو الشكية فلا اعتبار لها

-: إن المعرفة الإنسانية الحقيقية هي التي تأتي عن طريق الحواس الظاهرة والباطنة. وعمليات التجريب المختلفة التي تقوم بها هذه الحواس، مع الموازين العقلية والفطرية والمكتسبة، بالإضافة إلى كل ما يوحي به الله لأنبيائه أو عباده الصالحين.

-: إن المعرفة الإسلامية تؤكد أهمية المعرفة عن طريق الوحي وتعتبرها أهم أنواع المعرفة إذ تكشف للإنسان عن أمور لا يمكن أن يدركها بوسائله الحسية والعقلية المحدودة، وهي الوحيدة التي تبلغ درجة اليقين.

-: الإنسان هو خليفة الله في الأرض من العناصر الهامة التي تشكل التصور الإسلامي للمعرفة في تحديد مركز الإنسان من العالم باعتباره حاملاً للأمانة الإلهية مما جعله خليفة لله في أرضه، إن مضمون الخلافة هو إعمار الكون والإصلاح فيه وعبادة الله سبحانه وتعالى.



http://i59.tinypic.com/htiaux.jpg

بالتوفيق للجميع


موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا
من هنا (http://www.jobs4ar.com/jobs/index.php)

http://img805.imageshack.us/img805/5921/jobsfacebook.jpg (http://www.facebook.com/jobs4ar)

tunisie travail emploi
09-20-2014, 04:08 PM
إدارة المعرفة في الإسلام وعند الفلاسفة - منتدى الفلسفة